أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تعدد الأصوات والأبنية السردية في رواية -قفلُ قلبي- لتحسين كرمياني















المزيد.....

تعدد الأصوات والأبنية السردية في رواية -قفلُ قلبي- لتحسين كرمياني


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3329 - 2011 / 4 / 7 - 10:40
المحور: الادب والفن
    


بين أوانٍ وآخر يُطِّلُ علينا الكاتب العراقي تحسين كرمياني بإنجازاته الأدبيّة المتنوِّعة التي تتوزّع بين القصة القصيرة والرواية والنص المسرحيّ. وقد صدرت له مؤخراً عن دار "فضاءات" في العاصمة الأردنية عمّان رواية جديدة تحمل عنوان "قُفل قلبي". وكدأب كرمياني دائماً فقد جاء شكلُ الرواية جديداً ومُغايراً للأنماط الروائية السائدة، إذ تعمّد الكاتب أن يخلق بنيتين متوازتين لصياغة أحداث روايته الواقعية النقدية المُوشّاة ببعض اللمسات الحُلمية الفنتازية حيث تتجه بنية الرواية في مسارين، الأول، قصة الحُب التي نشأت بين الطبيب، مدير مستشفى مدينة جلولاء، والطبيبة سماهر، المسؤولة عن المستوصف الصحيّ لاحدى القرى المجاورة للمدينة التي ورَدَ ذكرها آنفا. والثاني، قراءة الطبيب نفسه للسيرة الذاتية لحامد الذي وُصِف بالولد الشقيّ على مدار النص وطبيعة علاقاته العاطفية مع عدد من النساء والفتيات اللواتي تعلّقنَ به وأوصلْنَهُ في خاتمة المطاف إلى مرحلة الانتحار. كما يتضمّن النص الروائي سؤال الهُويّة الذي أرّق الولد الشقيّ في بلدٍ تتنازعه الحروب، وتمزّقه الانتماءات الإثنية والعرقية.
سنحاول في هذه القراءة النقدية أن نفحص هاتين البنيتين المتوازيتين، وأن نتتبع كل مسارٍ على حدة علّنا نمسك بأبعاد هذا العالم الروائي الذي أبدعته المخيلة المجنّحة للكاتب تحسين كرمياني.
دلالة العنوان
قد يبدو عنوان الرواية بسيطاً و "ساذجاً" لأول وهلة، ولكنه سيأخذ بُعداً دلالياً كبيراً حينما نتذكر الآية القرآنية الكريمة التي تقول: "أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها" التي تعني أن قلوبهم مُوصدة تماماً ولا يخلص إليها شيء من معانيه العميقة، ولا نريد أن نتوسّع في عدد أقفال القلوب فهي كثيرة ومتعددة، ولكننا سنكتفي بالإشارة، كما ورد في بعض تفاسير الآية الكريمة، إلى "الإعراض عن العلم النافع، وطول الغفلة، والإصرار على ارتكاب المعاصي والذنوب" وما إلى ذلك. إذاً، ما أن يصل المتلّقي إلى اعترافات الولد الشقيّ أو سيرته الذاتية حتى يكتشف أنه أمام عنوان عميق شديد الدلالة والتركيز وأن أول شخص سوف يقوم بعملية تحطيم هذا القفل ويلج إلى قلب الولد الشقيّ هو الطبيب، كما تسهم بقية الشخصيات النسائية على وجه التحديد في الولوج إلى قلب هذا الفتى الذي تناهبته أمواج الأقدار الصاخبة وأفضت به إلى نتيجة مؤسية تمزق نياط القلب.
بِنية المسار الأول
يحاول أي كاتب روائي أن يبني عالماً روائياً خاصاً به، ولا يشذّ كرمياني عن هذه القاعدة، غير أن هذا الأخير لا يميل إلى بلوّرة المكان وتشخيصه على الرغم من أن القاريء الحصيف سوف يتوصل إلى أن اسم المدينة هو جلولاء، وليس "جلبلاء" كما اقترح الكاتب وهو تحريف لم أجد له أي مبرّر منطقي يخدم النص أو يعمّق من رؤيته الفنية، اللهم إلا النصيب الذي تنطوي عليه المدينة من اسمها جلولاء التي كانت تعني "تجلّل القتلى في ساحة المعركة" في عصر صدر الإسلام. على أية حال، تدور أحداث رواية "قُفل قلبي" في مدينة جلولاء وضواحيها، وهي للمناسبة مسقط رأس الكاتب تحسين كرمياني، حيث نشأ فيها وترعرع ودرسَ هناك، ولا يزال يقطن فيها، فلا غرابة أن يعرف أدق التفاصيل عن طبيعة هذه المدينة متعددة الأعراق والديانات. ومثلما نأى كرمياني عن التسميات الحقيقية للمدن والضواحي نراه يجرّد الشخصيات الرئيسة في النص الروائي من أسمائها الحقيقية باستثناءات محدودة، إذ سنعرف لاحقاً أن اسم الولد الشقيّ، أو بطل الرواية من دون منازع هو "حامد" وأن اسم الطبيبة التي أحبّها الطبيب، مدير مستشفى جلولاء، وتزوجها لاحقاً، هي "سماهر"، أما بقية الشخصيات فقد ظلت مجردة من أسمائها دون مسوّغ منطقي أو فني يُذكر.
كان الطبيب، مدير المستشفى، يقوم بزيارات ميدانية للمستوصفات الصحيّة الموزعة في القرى التابعة للمدينة. وبسبب الحالة المرضية الغريبة التي ألمّت بالولد الشقيّ سوف يتعرّف مدير المستشفى عن كثب إلى الطبيبة سماهر، ويقع في حُبِّها، ويتزوجها في نهاية المطاف، غير أن حياته لا تسير على ما يرام بسبب الحرب العراقية- الإيرانية التي بلغت عامها الثامن وأربكت حياة العراقيين جميعاً. ولم يسلم هذا الطبيب مما كان يُصطلَح عليه بـ "المُعايشة"، إذ كانت السلطة تدفع بالأطباء، وسواهم من قطاعات الشعب، إلى المشاركة في جبهات الحرب الأمامية لمدة شهر واحد كي يدركوا عن قرب المعاناة الحقيقية للجنود المقاتلين وهم يذودون عن حِمى الوطن. لم يكن هذا الطبيب محظوظاً بما فيه الكفاية، إذ عاد لأمه وزوجته التي اقترن بها حديثاً، بساق مبتورة بينما كانت الحرب تلفظ أنفاسها الأخيرة، ولو تأخرت هذه المعايشة شهراً واحداً لكان في عداد الناجين من أية إعاقة. وعلى الرغم من الظروف القاسية التي مرّت بها عائلته الصغيرة إلا أن الخبر السعيد الذي زفّته سماهر لزوجها عن القادم الجديد الذي بات ينبض في أحشائها قد خفّف كثيراً عن المحنة التي ألمّت به، ودفتعه لأن يواصل العمل في عيادته الشخصية بعد إحالته على التقاعد من وظيفته.
بِنية المسار الثاني
نُقِل الولد الشقيّ إلى المستوصف الصحيّ لأنه كان يعاني من ورمٍ غير طبيعي في عضوه التناسلي، وبغية معرفة تاريخه الطبيّ إتصلت الدكتورة سماهر بمدير المستشفى لكي يزوِّدها بتقرير عن المريض الذي سبق له أن زار الطبيب في عيادته الخاصة. كما أحاطت الطبيب علماً بأن المريض لم يبُلْ منذ يوم كامل على الرغم من تناوله كمية كبيرة من السوائل، وأن هناك شيئاً ما يسدّ مجرى البول.
ينطوي المسار الثاني للرواية على مجمل الجوانب الغامضة للولد الشقيّ الذي سوف تتكشّف أمامنا عوالمه السريّة على مدار النص رويداً رويداً. وقد أخذ هذا الغموض المُستَحَب شكل الطلاسم والألغاز التي يجب أن يحلّها الولد الشقيّ، وهذا الأمر هو الذي منحَ الرواية بُعداً تشويقياً مُضافاً بحيث جعلها الكاتب تأخذ بتلابيب المتلّقي فعلا.
ألَحَّ الطبيب كثيراً على معرفة أسرار الولد الشقيّ، وحينما انتحر هذا الأخير ترك مظروفاً يضم حزمة كبيرة من الاعترافات التي سوف تشكّل متن النص الروائي الذي كتبه تحسين كرمياني مستعيناً بالسيرة الذاتية المأساوية للولد الشقيّ الذي ضاقت به السبل، ولم يجد بُداً من الانتحار.
الشخصيات النسائية
يكتظ هذا النص الروائي بعدد كبير من الشخصيات النسائية، غير أن ما يهمنا في هذا المضمار هو الشخصيات النسائية الست اللواتي أحببنَ الولد الشقي، وتعلقنَ به، وهنَّ على التوالي: "هي" التي سيطلق عليها اسم "ليمونة" لاحقاً، والحفّافة، وابنة العم، والصبية الصغيرة الجميلة، والأم الوهمية "الغجرية" وابنة الفلاح البسيط. وقد كان لكل واحدة منهن دوراً رئيساً في تصعيد بنية الحدث الروائي الذي يقف وراءه كاتب مبدع يمتلك أسرار مهنته الإبداعية ويطوِّرها كلما تقادمت السنوات.
لاشك في أن شخصية "هي" قد هيمنت على مدار النص الروائي الطويل، وأخذت منه الحصة الأكبر فهي أيقونته الإيروسية التي كانت تؤجج فيه الصبوات الجنسية التي يحقق بواسطتها ذروة شهوته الجسدية. كان الولد الشقيّ يعتقد أنه يمارس السِفاح، أو ما يسمّى الزنا بالمحرّمات، إذ أخبرته "هي" بأنها زوجة أبيه، وقد بذلت قصارى جهدها من أجل تزويجه بابنته عمه كما إدعّت، لكننا سنكتشف لاحقاً أن هذه الفتاة غريبة عنه، ولم ترتبط معه بأية صلة رحم، وهي ابنة أخت "هي" أو "ليمونة" كما أشرنا سبقا.
ثمة قصص ثانوية داخل نسيج هذا النص الروائي المزدحم بالأحداث. ولكي لا نشوّش القاريء دعونا نتتبع الشخصيات بحسب تسلسلها في النص المحبوك بعناية شديدة. كان عُمْر "هي" عشر سنوات حينما كان يتردّد على منزل أبويها رجل ثري، ميسور الحال، يأخذها صباحاً ويعيدها مساء. كان يقبّلها أمام زوجته، ويجلب لها الهدايا ولُعب الأطفال. ذات مرّة أرسلها إلى غرفة نومه لكي تجلب له علبة سجائره. تبعها واحتضنها هناك وأخذها إلى الحمّام. طلب منها أن تخلع ملابسها لكي لا تتبلل. بدأت تغسل جسده، ثم طلب منها أن تغسل ثعبانه المتدلي بين ساقيه، وأخيراً طلب منها أن تضعه في ثغرها. كان هذا الرجل الثري ضابطاً كبيراً، وكان مقترناً بامرأة جميلة جداً غير أنها لم تكن تُنجب.
تنطوي هذه الرواية على مفاجآت كثيرة سوف تضع القاريء في دائرة الدهشة والاستغراب. تتمثّل أولى هذه المفاجآت بشخصية "هي" التي سيخبرنا المؤلف بأنها كانت زوجةً لجنديٍ وسيمٍ جداً إختاره أحد الضباط الأمراء مراسلاً له قبل أن يجعله خادماً لزوجته فيما بعد. ذات يوم التحق الآمر مع وحدته العسكرية إلى شمال الوطن بسبب تمرّد الأكراد عام 1974، وترك الجندي الوسيم يحرس زوجته ويقدّم لها الخدمات المطلوبة. ضعفت زوجة الضابط أمامه، ولم يصمد هو أمام اغراءاتها فصار فحلها الثاني. بعد شهرين عاد الضابط في مأمورية مفاجئة. دخل غرفة نومه فرأى الجندي الوسيم يمارس الحُبَّ مع زوجته. لم يفعل شيئاً للجندي الوسيم، غادر لتنفيذ مأموريته، ولم يقترب من زوجته طبعاً. اصطحب الجندي إلى مستشفىً عسكري بحجة إجراء بعض الفحوصات الطبية له فزرقوه بإبرة قضت على رجولته تماما. سوف نعرف لاحقاً حينما تختفي "هي" في مكان مجهول أنها كانت بصحبة الجرّاح الذي عقر زوجها وحاول ابتزازها لمدة من الزمن. ارتبط الولد الشقيّ بـ "هي" لمدة طويلة من الزمن، وربما كانت السبب الوحيد في بقائه على قيد الحياة.
أما الشخصية الثانية فهي "الحفّافة" التي كانت تتردّد على منزل "هي" بغية اغتنام سانحة الحظ لكي تتواصل جنسياً مع الولد الشقيّ، وقد تحقق لها ما أرادت، لكن هذه العلاقة الجنسية كانت خاطفة ولم يُكتب لها الصمود في مواجهة المُستجدات الكثيرة التي كانت تواجه هذا الشاب الذي أغرى عدداً كبيراً من نساء قريته.
تعمّدت "هي" أن تزوجه ابنة عمّه التي أحبته فعلاً، وأرادت أن تحتويه، لكنه كان يمانع هذه الزيجة ربما لأنه متعلّق جداً بـ "هي" أو لأنها لم تكن ضمن دائرة أحلامه التي رسمها لنفسه. فإذا كان أبوه يريده أن يصبح محامياً لكي يدافع عن الناس المظلومين والمقهورين، فإنه هو نفسه كان يريد أن يصبح كاتباً مرموقاً، فهو منغمس في القراءة ومنقطع إليها. شعرت ابنة العم بالإغماء وفقدت وعيها غير مرّة. وأخيراً أسرّت لـ "هي" بأنها حامل! كانت دهشة الولد الشقيّ كبيرة حينما عرف بأنه كان السبب في حملها على الرغم من أنه كان موقناً بأنه لم يفعل شيئاً منافياً للعادات والأعراف العامة. وقد دُهش فعلاً حينما أخبرته "هي" ببعض التفاصيل التي تتعلّق بتلك الليلة التي سهر فيها مع والده الذي رقد في المستشفى حيث أخذته إلى الحمّام، وكان كل شيء مهيئاً، وفعلت معه فعلتها بينما كان يعاني من غيبوبة. لم تحتمل ابنة العم رؤية بطنها وهو يتكوّر لذلك أحرقت نفسها في الحمّام وعلى الرغم من إنقاذها في اللحظات الأخيرة إلاّ أنها تخلّصت من الجنين. وقد تذرّعت بأن الغاز تسرّب من الأسطوانة وكان سبباً في حدوث الحريق المروّع.
ربما تكون الصبية الصغيرة ذات العينين الواسعتين ضحية أمها التي كانت تطلب منها أن تبيع جسدها مقابل حفنة من النقود. فسنوات الحرب والحصار كانت السبب الرئيس في إنعاش ظاهرة الرقيق الأبيض التي لم تكن رائجة قبل ذلك التاريخ تحديدا.
عرف الولد الشقيّ أن أمه ليست سوى أُمّاً وهمية، فقد كانت غجرية لا مأوى لها، تتنقل بين أحضان الرجال مثل فاكهة شهيّة، غير أنّ السيّد الوالد عطف عليها فأخذها معه إلى مدينة أخرى لكي يبعدها عن القيل والقال، أما أمه الحقيقية فقد ألقته في سفينة أبيه الدونجواني ومضت إلى حال سبيلها. أرته الأم "المُفبركة" ألبوماً فيه مجموعة صور عائلية، وأشرّت بإبهامها على امرأة سمراء في حضنها طفل صغير وقالت له: هذه المرأة هي أمك، وهذا الطفل الصغير هو أنت! فقال الولد الشقيّ في نفسه: أمي جميلة فلماذا فضّل عليها هذه الغجرية الجالسة إلى جواري؟
قبل أن نتحدث عن ابنة الفلاّح، أو المرأة السادسة في حياة الولد الشقيّ، لابد لنا أن نتوقف عند العملية الطبية التي أجرتها الدكتورة سماهر للولد الشقيّ بكثير من التحفّظ حتى أننا لم نعرف كيف استخرجت الطبيبة "قشّة حَبّة الشعير من المجرى البولي لعضوه الذكري المتورّم بطريقة غير معهودة"، إذ يستدعي الولد الشقيّ صور النساء العاريات اللواتي مررنَ بحياته وهنّ يرقصنَ على مقربة من جسده الممدّد على السرير فيحدث انفجار هائل لسائل قيحي أصفر ممزوج بدم أسود ثم يلتقط بعدها أنفاسه. وعلى الرغم من التبدلات الكبيرة التي طرأت على حياة الولد الشقيّ الذي أحرق كتبه كلها في إشارة واضحة إلى سقوطه في خانق اليأس والاحباط ولاجدوى الثقافة في هذا الزمن الرديء. وكرد فعل طبيعي فقد ثار الولد الشقيّ على عالم المُتع والملذات الجسدية وقرّر الانتقال إلى العالم الروحي وما ينطوي عليه من ماورائيات كثيرة علّه يجد بعض الطمأنينة والسلام الداخليين. بدأ الذهاب إلى المسجد بانتظام، وقد أعطاه إمام المسجد بعض الكرّاسات الدينية التي تُعينه في حياته الجديدة. لم ينفع الولد الشقيّ هذا التبدّل الدراماتيكي الذي طرأ على حياته الخاصة. فحينما قرّر أن يتزوج ابنة الفلاّح البسيط اكتشف وسط ذهول تام أنه فاقد لرجولته لذلك اعتزم، مع سبق الإصرار أن ينهي تاريخ حياته المزوّر ويموت منتحراً مثلما انتحر همنغواي ومايكوفسكي وياسوناري كاواباتا وعشرات الأدباء والفنانين الذين شعروا في لحظة يأس بعبثية الحياة ولاجدواها.
هنا تنتهي السيرة الذاتية أو اعترافات الولد الشقيّ الذي كشف للطبيب تفاصيل مغامراته الجنسية على وجه التحديد. وعرفنا من خلال أوراقه المدوّنة سِير النساء الست وما أحاطَ حياتهن من غموض تكشّف شيئاً فشيئاً بتقنية بوحية ذكيّة نغبطه عليها.
تنتهي الرواية بالمشهد الختامي للحرب العراقية – الإيرانية. وعلى الرغم من الغصّة التي تشعر بها العائلة برمتها لأن الطبيب فقد ساقه في الوقت الضائع تقريباً، ولو تأخرت المُعايشة شهراً لكان الطبيب في عِداد الأصحّاء، غير أن الأقدار شاءت أن يكمل حياته بساق مبتورة. ومع ذلك فقد وجد الطبيب بعض العزاء في حياته الزوجية الناجحة، وفي فلذة كبده، القادم الجديد، الذي سيملأ البيت فرحاً ومسرّة، وفي مواصلة عمله الطبّي في عيادته الخاصة.
لابد من التنويه إلى المقال النقدي الذي كتبته عن رواية "الحزن الوسيم" لتحسين كريامني. وقد تمحور المقال حول فكرة "تجاور الأجناس الإبداعية" في الرواية المذكورة أعلاه، إذ استعمل كرمياني الحوار الصحفي إلى جانب العمل السردي الروائي. وقد جاء هذا التجاور في محلّه. أما القصيدة الطويلة التي قرأها الطبيب بصوته الرخيم لزوجته سماهر، بوصفها جزءاً مكملاً للنص الروائي فلم تكن ناجحة لسبب واحد فقط، وهو أن هذا النص لم يتوفر على صور وتجليات شعريّة تُذكر. وعلى الرغم من أن كرمياني قد أسماها "صبيانيات شعرية" وهي كذلك فعلاً، إلاّ أنها لم تشفع له إضافتها إلى هذا النص الروائي الناجح فكرة وتقنية وأسلوباً سردياً. وكنت أتمنى عليه أن يحذف هذه القصيدة الطويلة لأنها، كما وصفها هو، صبيانية، ولا تتوفر على التماعات شعرية يمكن أن تصمد أمام تقادم السنوات. كما كنت أتمنى أيضاً أن يمنح مخطوطة الرواية إلى مصحِّح لغوي يصحّحها لأن هذه الرواية الجميلة والناجحة فنياً تضج بالعديد من الأخطاء اللغوية التي تفسد متعة القراءة.
وفي ختام هذا المقال لابد من الإشارة إلى أن هذه الرواية، متعددة الأصوات والمسارت، تُعد إضافة نوعية إلى المكتبة العراقية على وجه التحديد لأننا أحوج ما نكون إلى هذا النوع من الأعمال السرديّة المختبرية التي تضع الإنسان العراقي المعاصر على طاولة التشريح.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقنية فن التحرّيك في النص الشعري
- تقنية السهل المُمتنع في رواية (الزهير) لباولو كويلو
- قضايا وشخصيات يهودية للباحث جعفر هادي حسن
- أقول الحرف وأعني أصابعي. . . مَنْجمٌ للموضوعات الشعرية
- علاقة الحرب بالثقافة البصرية. . أمسية ثقافية تجمع بين القراء ...
- التعصّب القومي في فيلم -أكثرية- للمخرج التركي سيرين يوج
- الأبعاد الدرامية في تجربة ورود الموسوي الشعرية
- ورود الموسوي: أنا بسبع حوّاس، والمرأة المعذّبة هي جل اهتمامي ...
- ورود الموسوي: أحمل روح السيّاب، لكني لا أحمل صبغته الشعرية(1 ...
- المخرج جمال أمين يلج دائرة العتمة الأبدية
- مسابقة (أمير الشعراء) في دورتها الرابعة
- مهرجان روتردام السينمائي الدولي يحتج على سجن المُخرجَين بناه ...
- ثنائية العاشق والمعشوق في قصائد جلال زنكابادي (2-2)
- ثنائية العاشق والمعشوق في قصائد جلال زنكابادي (1-2)
- علاقة اليهود العراقيين بالموسيقى العراقية
- التعريّة والتأليب في القصيدة المُضادة لجلال زنكابادي
- مُخرجون مُستقلون يُعيدون للسينما التركية هيبتها المفقودة
- تجاور الأجناس الإبداعية في رواية (الحزن الوسيم) لتحسين كرميا ...
- حلاوة اللغة المموسقة وطلاوة الأسلوب الشعري في (تقاسيم على ال ...
- بابِك أميني: السينما الكردية غير معروفة للعالم


المزيد.....




- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- ليبيا.. إطلاق فعاليات بنغازي -عاصمة الثقافة الإسلامية- عام 2 ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تعدد الأصوات والأبنية السردية في رواية -قفلُ قلبي- لتحسين كرمياني