أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - حيّ الفزّاعات لحسن علي محمود وتعدد القراءات النقدية















المزيد.....

حيّ الفزّاعات لحسن علي محمود وتعدد القراءات النقدية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3346 - 2011 / 4 / 25 - 10:45
المحور: الادب والفن
    


دبي / تغطية لعروض مهرجان الخليج السينمائي
اشترك فيلم (حيّ الفزّاعات) للمخرج حسن علي محمود ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الروائيّة الطويلة في الدورة الرابعة لمهرجان الخليج السينمائي. وقد تميّز هذا الفيلم عن باقة الأفلام الكردية العراقية التي تتعاطى مع الحروب والاضطرابات الأمنية لإقليم كردستان على وجه الخصوص.
يمكن قراءة هذه الفيلم وتحليله على مستويين أو أكثر لما يتوفر عليه من بنى جمالية وفنية وتقنية. ومع ذلك فإننا سنتوقف عند مستويين فقط، الأول واقعي، والثاني رمزي. ففي القراءة الواقعية يكشف لنا المخرج حسن علي محمود بأن ميران (عبدال نوري) هو رجل إقطاعي كردي يهيمن على مناطق زراعية واسعة، كما يسيطر على سوق الحبوب في المنطقة، بحيث أن مخازن الحبوب لديه لا تكفي للغلة التي تنتجها مزارعه كل عام، لذلك لجأ إلى استغلال المخازن والغرف الفارغة لدى سكان القرية القريبة من مزارعه كي يحزّن فيها كل ما لديه من حبوب مقابل مبالغ مادية تافهة لا تُذكر سوف يرفضها بعضهم في خطوة أولى للتمرّد عليه والثورة ضده.
حينما يبذر الفلاحون (الأقنان) أراضيه الزراعية الواسعة التي ستهاجمها أسراب من الغربان التي تقتات على هذه البذور شأنها شأن بقية الطيور الموجودة في تلك المضارب القروية المحيطة بمدينة أربيل. فالغراب ضمن المستوى الأول لا يحمل أية دلالة أو رمز للشؤم، لأن المخرج نفسه لم يرد لهذه الدلالة أن تترسخ في ذهن المتلقي. ويبدو أنه من خلال الأبحاث التي أجراها تبيّن له أن الغراب في الصين واليابان وما جاورهما من بلدان أخر يعتبرون الغراب طائراً للحكمة والحب، ولا علاقة له بالشؤم كما هو موجود في ثقافتنا العراقية أو الشرق أوسطية في الأقل، لذلك فإن هذه الغربان الكثيرة التي ستهاجم هذه الأراضي الزراعية بهدف إطعام نفسها لا غير!
يطلب ميران من (حمه) وكيله في العمل أو (سركاله) على الأصح أن يبحث معه عن وسيلة لطرد هذه الغربان المهاجمه عن مزارعه فكانت الطريقة الأولى هي نصب كمية كبيرة من الفزّاعات بحيث صارت المزارع حياً كبيراً تقطنه الفزّاعات، لكنها لم تُخف أي غراب، بل أن الغربان كانت تتمادى كثيراً وتقف على رؤوس الفزّاعات وتنقر عيونها. وحينما لم تنفع هذه الطريقة لجأ ميران إلى الضابط المسؤول عن القوات العسكرية الموالية للنظام الدكتاتوري السابق والمتواجدة في مدينة أربيل وطلب منه أن يرسل عدداً من الجنود المدججين بالأسلحة لكي يطلقوا النار على هذه الغربان المهاجمة التي باتت تؤرق الإقطاعي وتقض مضجعه. وبالفعل يأتي الجنود ويطلقون النار على أسراب الغربان العنيدة التي ترفض أن تغادر هذا المكان اللعين. وحينما يعجز الجنود بأسلحتهم النارية الكثيفة عن إيقاف زخم الغربان المهاجمة يستعين ميران بأطفال القرية المجاورة حيث يجمع له رجاله عدداً من الأطفال الذين يضعون حصى في علب معدنية تحدث أصواتاً قوية، لكن هذه الأصوات تذهب سدى ولا تُبعد الغربان عن مزارع هذا الرجل المتجبّر. يتابع الأطفال حمامة كانت موجودة لديهم، وحينما تخترق حاجز الأسلاك الشائكة يطأ أحد الأطفال على لغم فيفارق الحياة، عندها يتأزم الوضع ويثور بعض أفراد القرية التي ثارت من قبل حينما طلب منهم الإقطاعي أن يخلوا له بعض المخازن، وربما كان الرجل الأكثر تمرداً وعناداً هو أحد الشيوخ الكبار هو الشخص الذي وصفه ميران بأنه (نصف رجل) لأنه كان أعرجاً ولا يقوى على السير الحثّيث. لم يفلح حمه في كل محاولاته المستميتة أن يبعد الغربان عن مزارع سيده، كما أنه لا يتورع عن سرقة طعام الأطفال ويستولي على أجور الفلاحين الذين يعملون في مزارع الإقطاعي، وكعقاب سماوي له يدوس حمه على أحد الألغام فتقطع ساقه اليمنى.
تدهم ميران الكوابيس اليلية التي تأخذ شكل الفزّاعات المخيفة التي تحرمه من النوم وتؤرق نهاراته المليئة بالخوف. فالظلم لا يدوم حتى وإن استمر لسنوات عديدة، ولابد للمظلوم أن ينتصر في نهاية المطاف. تتأزم الأوضاع النفسية لميران حينما يبدأ بمشاهدة الفزّاعات في كل مكان من القرية وهي تتحدث في شؤونها الخاصة والعامة وكأنها كائنات بشرية ناطقة فيقرر الإقطاعي مغادرة القرية إلى الأبد مهزوماً مدحورا تلاحقه الفزاعات في حلّه وترحاله.
أما القراءة الرمزية وهي الأقوى والأدق فالإقطاعي هو رمز للسلطة الحاكمة المستبدة التي تتلاعب بمقدرات الناس وتبتزهم وتقود أبناءهم إلى الموت المجاني. بينما يعلب حمه دور السركال أو الوكيل والقائم على أعمال سيده، أما أفراد حمايته فهم الحلقة الضيقة التي تحيط بهذا بهذا المستبد المتجبر الذي أهلك الحرث والنسل وسبّب العديد من الفواجع لعامة الناس. فالمدينة ليست أربيل حسب، وإنما يمكن أن تكون العراق كله ضمن هذه القراءة الرمزية.
تلعب الغربان دوراً مهماً في الفيلم ضمن قراءتنا الرمزية له. فهذا الطائر هو رمز للشؤم تارة، كما يمكن أن يكون أداة عقابية يستعملها الله (جلّ في علاه) في أويقات غضبه، وهي تذكّرنا بالطير الأبابيل التي لا ترمي هنا جنود ميران بحجر من سجّيل وإنما هي تأكل حبوبه التي يبذرها الفلاحون الأقنان في مزارعة الشاسعة. فالطير هنا يأخذ معنى رمزياً مفاده الشؤم أولاً والعقوبة التي ينزلها الله بالمستبدين الظلَمة ثانياً.
لم يكتفِ المخرج بتقنية واحدة، ففضلاً عن الأسلوب الواقعي الذي جسّد فيه النصف الأول من الفيلم، والتقنية الرمزية استعملها على مدار الفيلم أيضاً، إلا أنه لجأ إلى الأسلوب السوريالي (الفنتازي) أو العجائبي حينما بثَّ الحياة في الفزّاعات وجعلها تتحرك وتتكلم وتتصرف مثل بقية الكائنات البشرية وهذا الأمر هو الذي ساهم في تنوع التقنيات والأساليب التي تخللت الفيلم وجعلته يمرُّ مروراً سريعاً وكأننا أمام تحفة بصرية آسرة الجمال.
لا يخفى على المتلقي الذكي أن مخرج الفيلم لم يعوّل كثيراً على الخطاب الأدبي الذي تتوفر عليه القصة السينمائية، وإنما كان همّه وهاجسه الأول هو تقديم فيلم يتوفر على لغة بصرية شديدة الإيحاء، وهذا ما حصل في نهاية المطاف، فليس هناك ثرثرة كلامية، وإنما هناك صور بصرية مدروسة بعناية فائقة.
أكاد أجزم أن فيلم (حيّ الفزّاعات) للمخرج الكردي العراقي حسن علي محمود هو نافذة أمل كبيرة لتحريك عجلة السينما العراقية المتلكئة على الرغم من أن هذا الفيلم يُحيل كثيراً إلى السينما الإيرانية من جهة والسينما التركية من جهة أخرى، وما هذا بمستغرب فكردستان هي المثلث الطبيعي الذي يتوسط العراق وإيران وتركيا، ولابد لمؤثرات هذه الدول أن تصل إلى الفيلم الكردي الذي انطلقت قاطرته على سكّة الإبداع السينمائي، وربما لا نستغرب إن تقدمت هي على السينما العراقية خصوصاً بعد أن أنجز العديد من المخرجين الكرد أفلاماً مهمة باتت تحصد الجوائز في المهرجانات العالمية، والأهم من ذلك أنها باتت تستقطب جمهوراً واسعاً يحترم هذا النوع الرصين من السينما الجادة التي تُعنى بقضايا السواد الأعظم من الناس.





#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعدد الأصوات والأبنية السردية في رواية -قفلُ قلبي- لتحسين كر ...
- تقنية فن التحرّيك في النص الشعري
- تقنية السهل المُمتنع في رواية (الزهير) لباولو كويلو
- قضايا وشخصيات يهودية للباحث جعفر هادي حسن
- أقول الحرف وأعني أصابعي. . . مَنْجمٌ للموضوعات الشعرية
- علاقة الحرب بالثقافة البصرية. . أمسية ثقافية تجمع بين القراء ...
- التعصّب القومي في فيلم -أكثرية- للمخرج التركي سيرين يوج
- الأبعاد الدرامية في تجربة ورود الموسوي الشعرية
- ورود الموسوي: أنا بسبع حوّاس، والمرأة المعذّبة هي جل اهتمامي ...
- ورود الموسوي: أحمل روح السيّاب، لكني لا أحمل صبغته الشعرية(1 ...
- المخرج جمال أمين يلج دائرة العتمة الأبدية
- مسابقة (أمير الشعراء) في دورتها الرابعة
- مهرجان روتردام السينمائي الدولي يحتج على سجن المُخرجَين بناه ...
- ثنائية العاشق والمعشوق في قصائد جلال زنكابادي (2-2)
- ثنائية العاشق والمعشوق في قصائد جلال زنكابادي (1-2)
- علاقة اليهود العراقيين بالموسيقى العراقية
- التعريّة والتأليب في القصيدة المُضادة لجلال زنكابادي
- مُخرجون مُستقلون يُعيدون للسينما التركية هيبتها المفقودة
- تجاور الأجناس الإبداعية في رواية (الحزن الوسيم) لتحسين كرميا ...
- حلاوة اللغة المموسقة وطلاوة الأسلوب الشعري في (تقاسيم على ال ...


المزيد.....




- بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع ...
- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - حيّ الفزّاعات لحسن علي محمود وتعدد القراءات النقدية