أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - (اسأل قلبك) للمخرج التركي يوسف كيرجنلي















المزيد.....

(اسأل قلبك) للمخرج التركي يوسف كيرجنلي


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3385 - 2011 / 6 / 3 - 11:54
المحور: الادب والفن
    


قصة حب لازيّة تتجاوز الأديان والأعراف الاجتماعية

يبدأ فيلم (اسأل قلبك) للمخرج التركي المعروف يوسف كيرجنلي بملاحظة مهمة نسمعها عبر تقنية الـ (فويس أوفر) مفادها أن الدولة العثمانية قرّرت خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلغاء (الجزية) عن الناس غير المسلمين، ومن خلال تلك القوانين الإصلاحية الجديدة اكتسبت المجموعات والطوائف غير المسلمة حقوقاً قانونية تقضي بالتساوي مع المسلمين. وجدير ذكره في هذا الصدد أن فترة الإصلاحات العثمانية قد بدأت عام 1839 وانتهت خلال الحقبة الدستورية الأولى عام 1876. وكان الهدف منها الحدّ أو التخفيف من نبرة الأحزاب القومية التركية المتعصِّبة من جهة وتوحيد المسلمين مع باقي القوميات والأقليات غير المسلمة من أجل منع روسيا من التدخل في الشؤون الداخلية للإمبراطورية العثمانية من جهة أخرى. إذاً هذه هي الخلفية التاريخية والفكرية التي يستند إليها الفيلم. أما المكان فقد إختار مخرج الفيلم وكاتب قصته السينمائية يوسف كيرجنلي الجزء الشمالي الشرقي من تركيا، وتحديداً مقاطعتي (ريزه) و (طرابزون) المطلتين على البحر الأسود حيث الطبيعة ساحرة وأخّاذة الجمال، كما أنها الحيّز المكاني الرئيس للأقلية اللازيّة التي توزعت على هذه المضارب ثم انتقل عدد منهم إلى إستانبول وأنقرة بعد الحرب الروسية العثمانية عام 1877. إذاً، يمكننا القول إن اللاز سيشكّلون الخلفية العرقية لهذا الفيلم الذي يدور حول موروثهم الثقافي والاجتماعي والديني، كما يتمحور حول قصة حب رومانسية تقع بين مصطفى (كنعان إيجي) الشاب الذي يُظهر إسلامه أمام الناس، ويبطن مسيحيته التي يمارسها سرّاً في منزله و أسما (توبا بويّوكستن) الفتاة المسلمة التي أحبّت مصطفى من دون أن تعرف ديانته. وثمة طرف ثالث هو محمد (حقان إراتيك) ابن حاكم القرية (مجيد بيك) الذي أحبّ (أسما) هو الآخر وخاض صراعاً مريراً مع مصطفى، صديقه وغريمه في أنٍ معا.

البنية الدراميّة
ينطوي هذا الفيلم على بناء درامي رصين يكشف عن قدرة فائقة لكاتب السيناريو ومخرج الفيلم يوسف كيرجنلي في رصد الأحداث والتقاط محاورها الرئيسة التي تفضي في النهاية إلى حادثة تراجيدية تهزّ المتلقين بعنف وتجعلهم يلعنون الأسباب التي كانت تقف وراء عملية الانتحار المروّعة. وقبل الخوص في تفاصيل البناء السردي لقصة الحب لابد من الإشارة إلى أن السينارست ومخرج الفيلم قد انتقى العديد من العوائل والشخصيات التي تسكن في قرية (ديربيو) التي دارت فيها معظم أحداث الفيلم، ولكنه ركّز بشكل كبير على ثلاث عوائل كانت لها حصة الأسد في صناعة الأحداث وتحفيزها ودفعها في خاتمة المطاف إلى نهاية تمزّق نياط القلب، وهذه العوائل هي عائلة الحاج سليمان، وولده يعقوب، وحفيده مصطفى، وعائلة (أسما) وشقيقتها (فريا) إضافة إلى أبويها اللذين ظهرا في لقطات ومشاهد قصيرة مبتسرة، وعائلة الحاكم مجيد بيك وابنه محمد الذي أحبّ (أسما) من طرف واحد، وحاول أن ينتقم من غريمة مصطفى غير مرّة.
تشتمل عائلة الحاج سليمان على ثلاثة أجيال، ويبدو أن المخرج أراد القول بأن مشكلة دفع الجزية هي قديمة وتمتد إلى أبعد من جيل الجد الطاعن في السن الذي يرقد على فراش الموت، وهذا يعني أن الدولة العثمانية كانت تفرض هذه الجزية منذ زمن طويل، وأن مواطنيها غير المسلمين سواء أكانوا يهوداً أم نصارى أم من أديان أخرى كان يتوجب عليهم دفع هذه الضريبة. وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة كان الناس يتهرّبون من دفع هذه الضريبة وذلك بإعلان إسلامهم من خلال الذهاب الى المساجد ودفن موتاهم في مقابر المسلمين وأداء الفرائض الأخرى المعروفة. فالحاج سليمان (آلب أويكِن) لم يكن مسلماً طوال حياته، ولكنه ذهب إلى الحج نزولاً عن رغبة أحد الأثرياء المسلمين الذي كان يعامله معاملة حسنة، ولكن في حقيقة الأمر أن سليمان كان يظهر إسلامه ويبطن مسيحيته، وكان الناس يحبونه جداً لأنه شخص سوي ومحب لوطنه وقد دافع عن حياض تركيا غير مرة. وقد فعل الابن الشيء نفسه، وكذلك الحفيد مصطفى الذي رأيناه يذهب إلى المسجد ويصلي. وحينما أحبّ (أسما) لم يبح لها بأنه مسيحي أرثوذكسي، وأن عائلته كلها تُظهر الإسلام وتبطن المسيحية، إذ كانوا يتعبدون في غرفة سريّة معلّق فيها تمثال السيد المسيح (ع). أما (أسما) فلم يخطر ببالها أن حبيبها مصطفى هو شخص مسيحي، وكل الذي تعرفة أنه يحبها، ويضحي من أجلها، ويريد أن يقترن بها مهما كان الثمن. وحينما جاء مهربوا التبغ وحاول حسن أن يعتدي على (أسما) ضربه مصطفى، بينما شَهَرَ ابن الحاكم مسدسه عليه، واقتاد الثلة في نهاية المطاف إلى القرية حيث أوسعهم أبوه ضرباً أمام أعين النساء.
تتعمّق قصة الحب بين مصطفى وأسما غير أن الحواجز كثيرة لعل أبرزها الجانب الديني فهو مسيحي أرثوذكسي وهي مسلمة، كما أن الظهور المفاجيء لمحمد، ابن حاكم القرية، والإعلان عن حبه لأسما قد فاقمَ القضية وزادَها تعقيداً الأمر الذي حفّز مصطفى للتفكير بأخذ أسما والهرب بها بعيداً عن هذه المضارب لكي يتزوجا ويواصلا حياتهما العاطفية بعيداً عن التقاليد والأعراف الاجتماعية التي تحرّم زواج المسيحي من المسلمة وبالعكس. لم تفهم أسما السبب الذي كان يدفع مصطفى للتفكير المتواصل بالهرب من القرية لأنه لم يعلن حتى هذه اللحظة أنه مسيحي، ومن أين لها أن تعرف ذلك وكل أفراد أسرته يمارسون الطقوس الدينية الإسلامية برمتها؟
تطورت الأحداث وأخذت بُعداً درامياً كبيراً حينما طلبَ محمد من صديقته (سولا) أن تذهب إلى أسما وتخبرها بأنه يحبها ويروم الزواج منها، وعلى الرغم من صعوبة الموقف الذي أناطه بسولا إلا أنها ذهبت وأخبرت أسما بحقيقة مشاعر محمد تجاهها وأنه قد أحاط عائلته علماً بالموضوع وقد حصل فعلاً على موافقة أبيه المبدئية للزواج من أسما. كانت البنية الدرامية تتصاعد على ثلاثة مستويات في الأقل، الأول بين مصطفى الذي يفكر جدياً بالهروب وأسما التي تريده أن يتقدّم إليها قبل أن يطلب محمد يدها رسمياً من أهلها، وبين صفية (آيلا ألجان) جدة مصطفى التي تريد أن تعرف رغبة زوجها الحاج سليمان في أن يدفن في مقبرة المسلمين أم في مقبرة المسيحيين؟ أما المستوى الثالث من التصعيد الدرامي فقد كان يحدث بين محمد الذي يريد أن يتقدّم لطلب يد أسما خصوصاً أنه على وشك الانتهاء من عامه الدراسي الأخير وبين أسما التي لا تستطيع أن ترفض محمد إذا ما تقدّم لها. ولو فحصنا هذه المستويات الثلاثة من التصعيد الدرامي لتكشّفت لنا القصة السينمائية بكاملها. غير أن مصطفى لم يبح بالسرّ الوحيد الذي يضمره في قلبه، وهو لا يريد أن يفصح عن ديانته الحقيقية خشية أن يصدمها هذا السر الكبير لأن زواج أسما المسلمة منه يعرِّضها حتماً إلى الشنق أمام أعين الجميع. كما أن إلحاح الجدة صفية سيكشف أمر ديانتهم الحقيقية أمام الملأ الذين سيعتبرونهم كفّاراً وآثمين يستحقون العقاب طالما أنهم أظهروا إسلامهم وأبطنوا مسيحيتهم لسنوات طوالا. أما محمد فقد اكتشف بنفسه طبيعة العلاقة بين مصطفى وأسما ومع ذلك فقد هدّد مصطفى بالقتل وطلب منه الابتعاد عن أسما لأنه يحبها ويريدها زوجة له. حينما وصل مصطفى إلى طريق مسدود قرّر أن يهرب مع أسما لكن القدر كان له بالمرصاد، إذ توفي جده في تلك الليلة وكان عليه أن يؤجل موضوع الهرب بضعة أيام أخر. وحينما قامت عائلة الحاج سليمان بإجراء مراسيم الدفن على الطريقة الإسلامية تدخلت الجدة صفية قائلة بأن زوجها مسيحي وأنه تعمّد باسم يوهانس عندها حدثت جلَبَة كبيرة وتذمّر الحاضرون الذين لم يتورعوا من وصفهم بالكفار الذين عصوا أوامر الله وتعاليم نبيّه محمد (ص) حيث انفضّ الجميع وغادروا المكان، بل أن أسرة أسما قد أرجعت العجل الصغير الذي سبق لهم أن أشتروه من عائلة الحاج سليمان بعد أن عرفوا بأنهم مسيحيون أرثوذكس! لم تقتصر الدهشة على الحاضرين والمشيعين، وإنما امتدت إلى الرجلين اللذين كلفا بحفر القبر في المقبرة الإسلامية حينما شاهدا مجموعة من المشيعين يحملون جثمان الحاج سليمان ويتجهون به صوب المقبرة المسيحية، فقد كانا يظنان أن المشيعين قد أخطأوا الطريق ولم يسمعوا النداءات المتواصلة التي وجهت لهم. وعلى الرغم من صعوبة الموقف الذي تمر به أسرة مصطفى إلا أنه أسرّ لوالده بضرورة الهرب مع أسما وقد طلب منه ألا يخبر أمه في الأقل بنيته الجدية في الهروب. ترك مصطفى المنزل وكان ينتظر مجيء أسما بالقرب من الجسر الوحيد في القرية. وفي تلك اللحظات كانت أسما قد أقنعت أختها (فريا) بالهرب من مصطفى وودعتها، ولكنها حينما سلكت الطريق كان محمد بانتظارها، إذ باغتها من الخلف وكمّم فمها وشهر مسدسه مهدداً بقتل مصطفى وقتلها أيضاً وإطلاق النار على نفسه في خاتمة المطاف، لذلك لزمت الصمت منتظرة تفاقم المحنة التي هي فيها. وعلى الرغم من كل الاحتياطات المتخذة من قبل مصطفى وأبيه عرفت الأم عائشة (سيلدا أوزر) ونادت غير مرّة بأعلى صوتها على مصطفى طالبة منه أن يعود، وحينما يئست من عودته سكبت النفط الموجود في الفانوس وأحرقت نفسها في مشهد مروّع عندها لم يجد مصطفى بُداً من اللحاق بها وإطفاء النار المشتعلة بها. كان محمد يراقب الموقف من كثب بعدما تركته أسما وذهبت إلى الجسر حيث تبادلت مع مصطفى بضع كلمات قليلة مفادها أنهما يسبحان ضد تيار الأعراف والتقاليد الدينية والاجتماعية ولابد أن يفترقا، كما أن عائلة محمد ستأتي هذا المساء لطلب يدها. تحركت أسما صوب الجسر ووقفت في منتصفه. ألقت الفانوس على الأرض فإشتعلت النيران في مشهد لا يمكن أن ينساه المتلقي. تصاعدت النيران في ثيابها بينما كانت أسما تفرد ذراعيها في أعلى الجسر، ومن ذلك العلو الشاهق ألقت بنفسها إلى الغيمة التي تغطي سطح النهر الجاري بعنف وغابت فيها، ثم تصاعدت الغيمة الضبابية رويداً رويداً إلى السماء لتعزز عدداً من الوقائع الأسطورية التي حدثت لعدد من عاشقات هذه القرية اللواتي أحرقن أنفسهن وتماهت أرواحهن في الغيوم الضبابية المتصاعدة إلى السماء.
التقنية الحكواتية
يتميز فيلم (اسأل قلبك) بالتقنية الحكواتية حيث تتبنى إحدى النساء سرد بعض الحكايا لتزجية الوقت الذي يمر إما بواسطة العمل المنزلي أو العمل في الحقول والمزارع الكثيرة التابعة للقرية، ومع ذلك فثمة فراغ لابد أن يُملأ بالقصص الكثيرة التي تحدث في تلك المضارب. وتتبنى عملية السرد الحكائي الأخت ماريا أو غيرها من نساء القرية اللواتي يتوفرن على قدرة سردية تشدّ السامعين. طلب بعض الفتيات من الأخت ماريا أن تسرد لهن قصة ما فشرعت بالحديث عن الفتاة الجميلة التي كانت تحيا في دير سوميلا الآن، ولكن تبيّن أن الأخت ماريا قد سردت لهن هذه القصة من قبل، ويبدو أنها لا تريد أن تسرد لهن قصة أختها في الرضاعة فأخذت امرأة أخرى هذا الدور وبدأت تروي لهن قصة فتاة جميلة وقعت في حب شاب مسيحي، ولكن إحدى النساء صححت لها المعلومة وقالت إن الشاب كان مسلماً، وأن الفتاة كانت مسيحية، فردّت الراوية بأن ديانتهما مختلفة وجميع سكان القرية يقفون ضد هذا الزواج لأنهما من دينين مختلفين. لقد حبسها أبوها حينما عرف بالعلاقة العاطفية بين الفتاة والشاب المسلم. كانت الفتاة تراقب كل يوم موسم (يايلا)، المكان الذي يعمل فيه جميع أفراد القرية تقريباً، وتبكي بكاءً مريراً. وفي يوم من الأيام رأت سحابة من الدخان قادمة من ناحية البحر. حلمت الفتاة العاشقة أن تتبخر وأن يتصاعد بخارها إلى السماء حتى تصل إلى مكان حبيبها وتعانقه. بعد ذلك قامت الفتاة بإحراق نفسها وتصاعد دخانها حتى امتزج فعلاً بدخان السحابة وصعدت إلى مكان حبيبها الذي وجدته هناك، ثم احتضنته حتى يدفأ جسده البارد. الغريب أن الجميع كانوا يرتدون الملابس الصوف، ولكن الشاب كان يتفصد عرقاً لأنه كان يشعر بأن حبيبته قد قامت بإحراق نفسها حتى تستطيع الوصول إليه. فقال: (أيها الناس، أيها المسلمون والمسيحيون لم اتحدتم جميعاً حتى تفرقوا بيننا وتحرموننا من سعادتنا، ولذلك ستُحرمون أنتم أيضاً من السعادة) ثم أحرق نفسه هو الآخر واتحد دخانه مع دخان حبيبته. وقبل أن يطوي الفيلم صفحته المأسوية نسمع إحدى الراويات وهي تسرد قصة مصطفى وأسما اللذين أحبا بعضهما بعضاً بجنون. وبطبيعة الحال فإن هذا النمط الحكواتي يضيف بعض المعلومات ويحذف أخرى. فهذه القصة التي رأينا أحداثها تواً تعرضت إلى بعض (التحريف) الذي نردّه إلى إلتباس المعلومات. فحينما سألت إحدى الفتيات الراوية إن كانت ستحكي لهن قصة (أسما وفوتي) إلتبس الأمر عليهن وقالت إحداهن: هل أن فوتي هو محمد نفسه؟ فردّت عليها أخرى قائلة: كلا، إن فوتي هو مصطفى؟ فمحمد هو الفتى الذي تزوّج أسما بعد أن إختطفها بالقوة ولذلك فقد ملّت الحياة معه وأخذت تشحب يوماً بعد يوم. يمكن تسمية هذه المعلومات والأحداث التي لم نرها مجسدة على الشاشة بـ (المساحة الزمنية الميتة) التي يعرفها المخرج جيداً، ولكنه لا يريد أن يقدّمها بشكل مرئي للمشاهد، لأنه لا يؤمن بها، أو لا يتمنى حدوثها في الأقل. ثم نسمع صوت أسما وهي تقول: أيها الناس، أيها المسلمون، أيها المسيحيون لقد وقفتم جميعاً في طريق سعادتي، ولذلك فلن يرى أحداً منكم السعادة). يتوفر الفيلم على نفّس عجائبي فحينما أحرقت أسما نفسها قال بعض أصحاب الضمائر الحيّة: (لابد لنا أن نحفر قبراً جميلاً لأسما لكي يستطيع الناس مسلمين ومسيحيين أن يزوروها، ويدعون لها، ويطلبون لها الرحمة) وعندما بحثوا عنها لأيام عديدة لم يجدوا منها ذرة رماد واحدة! يا ترى، أين ذهبت أسما، وأين رمادها في الأقل؟ قالت الراوية: سألت جدتي الأخت ماريا يرحمها الله، ملكة رواة القصص آنذاك وقد رأت أسما حيث قالت: (كنت آخر من رأى أسما وهي تسقط من علو شاهق، كانت كأنها طائر ضخم يطير فوق النار).

الموروث الثقافي
ربما تكون زيارة الوالي إلى القرية مبرراً كافياً لعرض بعض الرقصات الشعبية لهذه الأقلية اللازية مثل الـ (Horon)، وهي رقصة يؤديها الأتراك واليونانيون ومعظم سكان منطقة البحر الأسود وتتميز بالهزّ السريع للأكتاف والجزء العلوي من الجسد ويُعتقد أن هذه الرقصة مستوحاة من سمك (الآنشوفة) الذي يتحرّك بشكل سريع ومتذبذب. وإضافة إلى هذه الرقصة فقد أدى الغريمان مصطفى ومحمد رقصة السكّين أو الخنجر على الأصح والتي تتصف بخطورتها ورشاقة مؤديها، وقد أوشك محمد أن يؤذي مصطفى لأنه كان حاقداً عليه وهذا ما استشفته أسما من النظرات الشزرة التي كان يوجهها محمد صوب مصطفى. ثمة مواقف صنعها المخرج بشكل مقصود للإيحاء بأن الناس من الأديان المختلفة كانوا متآخين في ظل الدولة العثمانية في تلك الحقبة فقد شاهدنا القس وإمام الجامع يقفان إلى جوار بعضهما بعضا، وقد اغتنم الوالي هذا المشهد الجميل فإلتقط معهما صورة تذكارية تشي بالتكافل الاجتماعي بين الأديان السماوية. وربما يتناقض هذا المشهد مع خطبة إمام المسجد في القرية حينما كان يتحدث عن المسيحيين الذين يؤمنون بأن عيسى هو ابن الله، فكيف يكون لله ولد؟ وكان يتساءل بصوت عال قائلاً: (إذا كان عيسى ابن الله، لا سمح الله، فهذا يعني أنه لابد أن يكون له أب وأم، أليس كذلك؟ وكان يحث المسلمين على أن يوضحوا للمسيحيين هذا الأمر ويدعونهم إلى الطريق الصحيح لأنهم سيجدون الملاذ الحقيقي في يوم القيامة تحت راية رسولنا الحبيب، ويحظون بنعيم الجنة وحورها وخمرها ثم يضحكهم بالقول: ( إن الجنة فيها ينابيع من الخمرة!).

أداء الشخصيات
تركز مُعظم المراجعات والدراسات النقدية للفيلم على أداء الشخصيات الرئيسة في الفيلم. وعلى الرغم من أهمية الأدوار التي أُسندت إلى الشخصيات الثلاث توبا بويّوكستن (أسما)، وكنعان إيجي (مصطفى)، وحقان إراتيك (محمد) الذين أدّوا أدوارهم بإتقان عالٍ جداً يستحق الإشادة والتقدير، إلا أن الفيلم يتوفر على شخصيات فنية أخرى لا يمكن المرور عليها مرور الكرام مثل الفنانة الكبيرة أيلا ألجان التي درست الفن في فرنسا وأميركا واشتركت في عدد كبير من الأفلام نذكر منها (الليالي العربية، زيارة، نحن نحبك يا سوني، قلم رصاص، أمطار صيفية، الأخوات البكماوات، رجل في الظل، سؤالي الأخير) وعشرات الأفلام والأعمال المسرحية الأخرى. وقد تقمصت دور الجدة بطريقة فذّة كشفت عن قدراتها الفنية اللامحدودة وهي تعبّر عن حبها وتعلقها بزوجها الراقد على فراش الموت. أما الفنان (آلب أويكن) الذي جسّد شخصية (الحاج سليمان) وما تنطوي عليه من ازدواجية دينية فقد ساهم هو الآخر في العديد من المسلسلات التركية من بينها (دجلة، واحسرتاه لقد كبُرت ابنتي، الاستقلال) وغيرها من الأعمال الفنية المعروفة. أما الفنانة سيلدا أوزِر التي اشتركت في العديد من الأفلام التركية المعروفة وحققت شهرة واسعة داخل تركيا وخارجها ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أبرز أفلامها مثل (شجرة الليمون، الساعي، حياة مؤجلة، لقاء في الأحلام، أفضل أصدقائي، حكاية إستانبول، غرور، مطاردة ساخنة، رقصة النار) وغيرها من الأفلام الراسخة في ذاكرة المشاهدين. أما الفنانة توبا بويوكستن التي جسدت دور البطولة فهي ممثلة شابة وعارضة أزياء معروفة في تركيا، وقد تعمّقت شهرتها في العالم العربي بعد أن عرضت قناة الـ (أم بي سي) مسلسلين مهمين وهما (اكليل الورد) و (سنوات الضياع). اشتركت توبا في عدد من الأفلام والمسلسلات التلفازية الأخرى مثل فيلم (أبي وابني)، و (الوردة الصفراء) ومسلسل (خاطفة القلوب) إضافة إلى فيلم (اسأل قلبك). أما الغريمان كنعان إيجي وحقان أرتيك فقد جسدا دوريهما على أكمل وجه، وهما يتوفران على موهبة فنية حقيقية يمكن تلمّسها من خلال قوة تقمص الشخصية والتماهي في عوالمها الداخلية المتوترة.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى الجهد الكبير الذي بذله السينارست ومخرج الفيلم يوسف كيرجنلي في تجسيد رؤيته الإخراجية الفذة التي كرّسها لرصد عوالم اللازيين الذين كانوا يعيشون حياة متناقضة تفرض عليهم ممارسة العقيدة المزدوجة وما تنطوي عليه من إشكالات معروفة. لابد من التنويه أيضاً إلى أن كل الممثلين ومن دون استثناء قد أتقنوا اللهجة اللازية وتحدثوا بها بطلاقة تامة بشهادة العديد من النقاد السينمائيين الأتراك. أنجز المخرج يوسف كيرجنلي عدداً كبيراً من الأفلام نذكر منها (رسائل غير مبعوثة، ليالي معتمة، كل شيء عن الحب غير المعلن، طيور المنفى، سر الأحجار وثمن الحرية).



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهرجان بغداد السينمائي الدولي مُلتقى لشاشات العالم
- قبل رحيل الذكريات إلى الأبد (3-3)
- السينما الطلابية في العراق. . محاولة لصياغة مشهد سينمائي مخت ...
- (قبل رحيل الذكريات إلى الأبد) لفلاح حسن ومناف شاكر (1-3)
- -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الثاني ...
- -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الأول)
- فيلم (كولا) ومضة تنويريّة تسحر المتلقي وتمَّس عاطفته الإنسان ...
- الرحيل من بغداد وهاجس المطاردة الأبديّة
- قراءة نقدية في ستة أفلام روائية ووثائقية وقصيرة في مهرجان ال ...
- فيلم (إيران، الجنوب الغربي) للفرطوسي يرصد أكبر كارثة بيئية و ...
- (وداعاً بابل) لعامر علوان . . الحجر يتكلّم والمدينة تتقمّص د ...
- التغريب والصورة الافتراضية للدكتاتور في فيلم (المُغنّي) لقاس ...
- حيّ الفزّاعات لحسن علي محمود وتعدد القراءات النقدية
- تعدد الأصوات والأبنية السردية في رواية -قفلُ قلبي- لتحسين كر ...
- تقنية فن التحرّيك في النص الشعري
- تقنية السهل المُمتنع في رواية (الزهير) لباولو كويلو
- قضايا وشخصيات يهودية للباحث جعفر هادي حسن
- أقول الحرف وأعني أصابعي. . . مَنْجمٌ للموضوعات الشعرية
- علاقة الحرب بالثقافة البصرية. . أمسية ثقافية تجمع بين القراء ...
- التعصّب القومي في فيلم -أكثرية- للمخرج التركي سيرين يوج


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - (اسأل قلبك) للمخرج التركي يوسف كيرجنلي