أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - السينما الطلابية في العراق. . محاولة لصياغة مشهد سينمائي مختلف (2-3)















المزيد.....

السينما الطلابية في العراق. . محاولة لصياغة مشهد سينمائي مختلف (2-3)


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3378 - 2011 / 5 / 27 - 12:42
المحور: الادب والفن
    


تناولنا في الجزء الأول من هذا المقال المكرّس عن الفيلم الوثائقي المعنوّن (قبل رحيل الذكريات إلى الأبد) للمُخرِجَين العراقيين مناف شاكر وفلاح حسن عدداً من الأفلام القصيرة والوثائقية من بينها (ذكرى ولدي) لجمال عبد جاسم، و (الصبي والطيور) لجواد ثويني، و (الفاتحون مرّوا من هنا) و (الساعة 1800) لهادي ماهود. وسنتناول في الجزء الثاني من هذه الدراسة الطويلة نسبياً مجموعة أخرى من الأفلام الروائية القصيرة أبرزها (الشفق) لسؤدد جورج، و (النافذة) لفارس طعمة التميمي، و (أنشودة الوفاء) لعادل قاسم و (الحركة 85) لعاتكة الخطيب إضافة إلى أفلام أخرى تركت بصمتها في السينما الطلابية العراقية.
الشفق
درَّس الأستاذ صفاء البياتي في معهد الفنون الجميلة منذ عام 1980 وحتى عام 1994. وعلى الرغم من أن البياتي كان خريج أكاديمية الفنون الجميلة وتتلمذ على أيدي أساتذتها الأعلام، لكنه يقول بأنه عندما دخل معهد الفنون الجميلة كمدرّس عام 1980 وجد شيئاً مختلفاً لما كان يدرسه في الأكاديمية حيث كانت الجوانب العملية في المعهد متطورة ومكثفة وقد قطع المعهد شوطاً أكبر بكثير مما قطعته الأكاديمية على الرغم من امكانياتها الهائلة وطاقمها التدريسي المعروف بخبراته التدريسية الواسعة. لمسَ البياتي حماساً منقطع النظير عند طلاب المعهد. فطلاب الصف الخامس أو المرحلة الأخيرة منغمسون في مشاريع تخرجهم، وكل منهم يحمل مشروعه بيده، ويبحث عن كاميرا لكي يصوِّر فيلمه ويتحرّق شوقاً لرؤية نتيجة التصوير، وأكثر من ذلك فإن الدروس العملية بمادة التصوير قد تصل إلى ست ساعات، بينما لا تتعدى ساعات التصوير في الأكاديمية ساعتين أو أربع ساعات في أفضل الأحوال. ويخلص إلى القول بأن الثوابت العملية في المعهد هي أكثر من الثوابت والتوجهات الموجودة في الأكاديمية. فلا غرابة إن كانت الأفلام التي تُنتج في المعهد هي أفضل بكثير من الأفلام التي تُنتج في الأكاديمية.
من بين الأفلام المهمة التي برزت في معهد الفنون الجميلة هو فيلم (الشفق) عام 1980 الذي أعدّته المخرجة وكاتبة السيناريو سؤدد جورج عن قصة للكاتب إسماعيل فهد إسماعيل وجسّد أدواره ممثلون محترفون مثل عز الدين طابو، حنان عبد الرحمن، آسيا كمال، إقبال نعيم، محمد فليح وعلاهن حميد، فيما صوّرته خديجة منخي. نال هذا الفيلم استحسان النقاد والمشاهدين الذين أتيحت لهم فرصة مشاهدة هذا الفيلم الناجح فنياً خصوصاً وأن تلفزيون بغداد قد عرضه غير مرّة كما شارك في مهرجانات سينمائية عديدة. يؤكد الأستاذ صفاء البياتي بأن طالب المعهد كان مهيئاً لإنجاز أطروحته التي انهمك فيها لمدة طويلة من الزمن، فالطالب المُطبِّق في المرحلة الأخيرة يجب أن يقدِّم فيلماً سينمائياً قد تتراوح مدته بين ثلاث دقائق إلى عشرين دقيقة. وكان طالب المعهد يبدأ بالتخطيط لفيلمه، فليس هناك أشياء اعتباطية، يبدأ الطالب بكتابة السيناريو، ثم السيناريو التنفيذي، ثم الرسومات والسكيجات المطلوبة لموضوع الفيلم. وإضافة إلى ذلك كان الممثلون المشهورون لا يجدون حرجاً في المجيء إلى المعهد بغية تأدية بعض الأدوار في أطاريح المتخرجين، أي أنهم كانوا يعملون بشكل تطوعي لدى الطلبة المُطبقين ومن بين الممثلين النجوم الذين كانوا يترددون على المعهد عزالدين طابو، آسيا كمال، إقبال نعيم وعشرات الأسماء الفنية المعروفة. وفيما يتعلق بفيلم (الشفق) الذي أخرجته سؤدد جورج فقد كان فيلماً لافتاً للانتباه حيث استعملت فيه المخرجة المتمكنة تقنيات أضفت على الفيلم بُعداً جمالياً أخّاذاً، إذ كانت، بشهادة البياتي، موفقة في رسم الكادر، وإعداد الصورة، وتوجيه الممثلين. يتحدث فيلم (الشفق) عن حارس محطة وامرأة ضلّت طريقها فلجأت إلى المحطة وسبّبت في نشوء صراع نفسي مرير بينه وبينها، خصوصاً وأنها بدأت تذكِّرة بعلاقة ما في شبابه، وهل سيعتدي عليها ويغتصبها أم لا؟ لم يقتصر جمال هذا الفيلم على بناء القصة ونمو الشخصيات، وإنما تجاوز ذلك إلى جمال التصوير، ودقة استعمال الإضاءة بطريقة فنية ساحرة للألباب. نخلص إلى القول بأن البياتي كان مبهوراً بالفيلم وبالرؤية الإخراجية للمخرجة سؤدد جورج، وبجماليات التصوير التي تتوفر عليها المصورة السينمائية خديجة منخي.

النافذة
أفاد فارس طعمة التميمي من أساتذته كثيراً حينما كان طالباً في معهد الفنون الجميلة بين الأعوام 1979-1984، وهو يذكر هذه الإفادة كلما سنحت له الفرصة. كان الأستاذ في معهد الفنون الجميلة ينتبه إلى اهتمامات الطلاب سواء أكانت في المونتاج أم في التصوير أم في الإخراج أم في كتابة السيناريو، وكان يركِّز على هذا الاهتمام ويطوِّره. كانت العلاقة بين الأستاذ والطالب كما يصفها التميمي بأنها علاقة حميمة وكأنَّ الطلاب والأساتذة أسرة واحدة يدعم بعضها بعضا. ويرى التميمي أن هذه العلاقة القوية كانت السبب وراء نجاح قسم السينما في المعهد. ثمة شعور بالمسؤولية من قبل الأستاذ والاحساس بالطمأنينة تجاهه، فهو يدرِّسك بأمانة وإخلاص ويعلِّمك كيف تصبح منوتيراً أو مصوراً أو مخرجاً. حينما ينتهي الدوام الرسمي تبدأ علاقة من نوع آخر، إذ كانوا يجتمعون ويتحاورون في مستوى الأفلام العالمية والعربية وحتى العراقية. هذا النمط من العلاقات الحميمة والرصينة هو الذي كان يعمّق معرفة الأستاذ بطلبته، فعبد الوهاب الدايني الذي درّس التميمي منذ الصف الثاني وحتى المرحلة الأخيرة كان يعرف مَنْ هو التميمي وما هي اتجاهاته الفنية، فلا غرابة أن يوجههُ ويقول له من الأفضل لك أن تكتب السيناريو لأنك تفوقت في كتابة هذا النمط، أو أن تصبح مونتيراً لأنك برعت في مَنتجة هذا العمل أو ذاك. وكذلك الأستاذ كوركيس يوسف الذي درّس التميمي الإخراج وتحليل الأفلام كان يعرف عن طالبه أشياء كثيرة ودقيقة من خلال التحليلات التي يكتبها التميمي عن الأفلام التي كان يشاهدها سواء مع أساتذته أو أقرانه الطلبة. هذه المنظومة المتكاملة من الأساتذة كانت تعرف سلفاً أن هذا الطالب أو ذاك سينجح في هذا الاختصاص أو ذاك، أم سيفشل فيه.
من الأفلام الجميلة التي أنجزها المخرج فارس طعمة التميمي هو فيلم (النافذة) 1983، مدته عشرين دقيقة، وهو من تصوير حسن حسين. يقول التميمي بأن(فكرة هذا الفيلم لا تتجاوز الثلاثة أسطر، وكنت أناقشها باستمرار مع الأستاذ كوركيس). ثم يمضي إلى القول: (كنت أذهب إلى بيت الأستاذ كوركيس، ليس وحدي، كان أغلب الطلاب يذهبون إليه، وكنا نجلس ونتحاور في كيفية تطوير موضوع الفيلم). تتمحور قصة الفيلم حول علاقة حُب بين طالب وطالبة في أروقة معهد الفنون الجميلة. إذ ينجذبان إلى بعضهما من خلال الموسيقى، فهو عازف عود وهي عازفة كمان. يعترف التميمي بأن الأستاذ كوركيس هو الذي طوّر هذه الفكرة، وأن بذرتها الأولى قبل النقاش لم تكن كذلك، وهذا هو نتاج العلاقة الايجابية بين الأستاذ وتلاميذه في قسم السينما بمعهد الفنون الجميلة. إذن، لم ينسَ التميمي فضل أساتذته عليه وبالذات عبدالوهاب الدايني وكوركيس يوسف اللذين دعماه بالسيناريو والأفكار التي عزّزت الفيلم. ومع ذلك لم يقل التميمي بأنه أنجز هذا الفيلم بجهده الشخصي، وإنما بجهود أصدقائه وبمشورة أساتذته وملاحظاتهم التي قدّموها في السيناريو والتصوير والإضاءة والمونتاج والإخراج.

أنشودة الوفاء
يؤكد عادل قاسم بأنه درس خمس سنوات في قسم السينما بمعهد الفنون الجميلة، (ولكنه يعتبرها من أجمل سنوات عمره)! فالعلاقات الإنسانية الجميلة التي كانت تسود بين الأساتذة أنفسهم من جهة، وبين الطالب والطالبة من جهة أخرى، كانت في أسمى صورها، حتى أن الكثير من الطلبة قد ارتبطوا مع زميلاتهم الطالبات برباط مقدّس وهو الزواج. قدّم الطالب عادل قاسم أطروحة تخرجه عام 1983 وكانت تحت عنوان (أنشودة الوفاء) مدة الفيلم (18) دقيقة، تصوير سامي كيّورك. يقول عادل قاسم بأن أستاذه كوركيس يوسف قد شاركه في تمثيل هذا الفيلم إضافة إلى جمهرة من أصدقائه، ولكنه، مع الأسف، لم يذكر لنا الشخصيات الرئيسة في الأقل! وبفضل الاجهزة المتوفرة في المعهد وخصوصاً المفيولتين فقد قام عادل بمنتجة الفيلم. يشير د. العرّادي في هذا الصدد إلى أن الطالب آنذاك كان يقود المجاميع مع المشرف على الفيلم، وهو الذي يوجّه الممثلين، ويسيطر على الإضاءة وبعض المؤثرات الأخرى. إن رصانة الطالب في إدارة العملية الإخراجية لفيلمه إنما هي نابعة، بحسب العرّادي، من مرحلة قبول الطالب في المعهد بعد التمحيص الدقيق في قدراته ومواهبه الفنية، ولهذا فقد أنجز طلبة المعهد أفلاماً مهمة وثقت الذاكرة الاجتماعية، كما أخرجوا أفلاماً مهمة وناجحة جداً من الناحية الفنية.

شعريّة عاتكة الخطيب
مثلما أشرنا سلفاً إلى أهمية المخرجة سؤدد جورج لابد لنا من الإشارة إلى أهمية المخرجة عاتكة الخطيب التي أنجزت عام 1987 فيلماً روائياً قصيراً يحمل عنوان (الحركة 85) مدته عشرين دقيقة، تصوير كريم محمد خليل. يذكر حسين السلمان بأن حقبة الثمانينات قد شهدت ظهور العديد من المواهب الشابّة المتمثلة بفارس طعمة التميمي وهادي ماهود وعاتكة الخطيب. وقد كان فيلم عاتكة، بحسب السلمان، أقرب إلى قصيدة الشعر في جماليته وفضائه الرومانسي. وقد وصفها السلمان بأنها (فردية الحركة) وهو يعني من دون شك خصوصيتها الفنية، وفرادة أجوائها ومناخات قصصها السينمائية المنتقاة بعناية فائقة. لم تكن عاتكة تنتمي إلى المناخ العام لأنها كانت تحتفي بفرادتها وبعالمها السينمائي الخاص الذي يشير إليها ويدّل على تجربتها البصرية الخاصة. وقد شهدت حقبة الثمانينات وما بعدها بروز العديد من هذه الظواهر الفردية ضمن المجاميع الطلابية التي كانت تدرس الفن السينمائي وتتخصّص بأحد فروعة المتعددة.

المستنقع
تابع سلام عرب دراسته في معهد الفنون الجميلة منذ عام 1982 وحتى عام 1987. وكان طموحه في أثناء دراسته بالمعهد أن يصبح مُخرجاً سينمائيا. ولكي يحقق هذا الحلم كان عليه أن يتعمّق في اختصاصه، وأن يشاهد المزيد من الأفلام السينمائية. كان سلام يسأل أساتذته الذين درّسوه في قسم السينما وجُلّهم من المصريّين والعراقيّين الذين درسوا السينما في روسيا وفرنسا وأميركا عن السينما العالمية والعربية. وقبل أن يخوض سلام في أطروحة تخرجه اشترك في تمثيل فيلم (حفّار القبور) لحيدر علي، المأخوذ عن قصيدة لبدر شاكر السيّاب، وقد صور هذا الفيلم في العطيفية والميدان والفضل. أما التجربة الثانية لسلام فكانت (شرق المتوسط) المأخوذة عن رواية عبد الرحمن منيف تحمل العنوان ذاته. وقد اشترك في هذا الفيلم كممثل ومساعد مخرج. وقد أشار سلام إلى الصعوبات التي واجهها في أثناء تصوير هذا الفيلم في جو قارس البرودة، بينما كان الدور يتطلب منه أن يكون عارياً إلا من ملابسه الداخلية! أما أطروحة تخرّج سلام نفسه فكانت تحمل عنوان (المستنقع) وهي مأخوذة عن رواية (المستنقعات الضوئية) لإسماعيل فهد إسماعيل. يقول سلام بأنه كان معجباً بهذه القصة التي كيّفها للسينما، وحينما رأى الأستاذ المصري عبد المقصود محمد نص السيناريو الذي كتبته قال له: لماذا لا تدعها أطروحة لتخرجك؟ فوافق سلام على الرغم من بعض الصعوبات التي واجهته ومن بينها التصوير داخل سجن أبو غريب، لكنه في نهاية المطاف تغلّب على هذه الصعوبات وأسند بعض أدوار الفيلم إلى أساتذته ومن بينهم د. عمّار هادي العرّادي، المشرف على أطروحته، والأستاذ خالد سعيد الذي كان رئيساً لقسم الفنون المسرحية بالمعهد. كما اشتركت في التمثيل بعض طالبات المعهد من بينهن إخلاص ووفاء. يعتز سلام بهذا الفيلم كثيراً لأنه صنعه بيده لقطة لقطة سواء في التصوير أو المونتاج أو في تحقيق الرؤية الإخراجية. وتم تصوير أحداث الفيلم في منطقة الأعظمية.

المرحلة السوداء
يطل علينا هذه المرّة مخرج الفيلم مناف شاكر الذي درس في معهد الفنون الجميلة منذ عام 1990 وحتى عام 1995 لكي يدلو بدلوه في هذا الصدد. يَعتبر مناف اليوم الأول لتقديم أوراقه إلى المعهد يوم شؤم حقيقي، إذ قامت القوات العراقية بغزو الكويت وما نجم عن هذا الغزو الأرعن من تداعيات خطيرة شلّت حياة العراقيين لأكثر من عقدين من الزمان. يسمّي مناف هذه المرحلة بالمرحلة السوداء من تاريخ العراق بصورة عامة. لم تكن السينما العراقية بمنأى عن هذه الأوضاع المزرية، فقد نالت قسطاً كبيراً من الدمار والخراب سواء على صعيد مؤسساتها الدراسية أو الإنتاجية. يقول مناف بأن الأجهزة التي جلبتها القطعات العراقية من الكويت عام 1990 وأعطتها إلى مؤسسات الدولة المختلفة بما فيها قسم السينما بمعهد الفنون الجميلة كانت أجهزة مسلوبة ومنهوبة من دولة عربية شقيقة ومجاورة للعراق تربط شعبيها أواصر عديدة كالدم والقرابة واللغة والدين والتاريخ المشترك. يؤكد مناف بأن أحداً لم يستفد من هذه الأجهزة على الرغم من أنها حديثة الصنع ولم يمر على تاريخ صناعتها أكثر من سنة أو سنتين.
يقول مدرّس التصوير عادل الطائي بأنه وجد صعوبة كبيرة في التعامل مع هذه المواد المسروقة لأنها ببساطة ليست ملكاً لنا، ولكنه كان مضطراً لأن يستعملها في التدريس. المادة الوحيدة التي لم تكن موجودة في العراق وجيء بها من الكويت هي مادة (Cibachrome)، هذه المادة التي تفيد في كيفية التعامل مع الفيلم (السلايد) وطرق تظهيره وطباعته، وكان لهذه المادة تأثير في درس الـ (Diaporama) الذي يعني عرض الصور على الشاشة.
يقرّ مناف بأن الأجهزة التي كانت موجودة في المعهد قديمة جداً مثل كاميرات البوليكس التي تعمل بنظام التكويك، وأجهزة الإضاءة التي تحتوي على عدسات الفريزنال (Fresnal)، كما كان لديهم مفيولا (Maviola ) واحدة، وكان الطلاب يتوزعون على هذه الأجهزة بشكل دوري.
يشير العرّادي إلى أن أفلام النكيتيف بدأت تشّح في معهد الفنون الجميلة في مرحلة التسعينات من القرن الماضي فبدأ الطلبة يصوِّرون بمادة الـ (Reversal ) ويحمّضون في الإذاعة والتلفزيون، ويلغون عمليات تقطيع النكيتيف، ويدخلون مونتاجياً على شريط الفيلم كأي شريط أخباري مثلما هو معد لهذه الأخبار. أما حسين السلمان فأكد بأنه وجد الكثير من النواقص في قسم السينما بسبب ضعف الامكانيات البشرية والتقنية، وكانوا يصورون أساساً بالشريط السينمائي (16ملم)، لكن أهم ما افتقده هذا الشريط هو الصوت الذي يعتبر عنصراً حيوياً وهاماً في الفيلم. ثم نرى مَشاهد من فيلم (الطبّال)، وهو روائي قصير مدته عشر دقائق للمخرج حامد لعيبي، تصوير عبد الرزاق عبّاس. لقد فرضت لجنة المقاطعة، كما يقول صفاء البياتي، حظراً كاملاً على إدخال الفيلم الخام إلى العراق، وقد أثرَّ هذا الحظر كثيراً على السينما في العراق. أما عن مستوى الطلاب في المعهد فقد اختلف عمّا كان عليه في السبعينات كما يؤكد حسين السلمان وأن نسبة الطلبة المتميزين قليلة جداً قياساً بالسنوات السابقة، وعلى الرغم من قلّة المواهب وأصحاب القدرات الفنية إلا أن هناك أسماء لامعة ومتألقة في السينما العراقية من بينهم مناف شاكر وفلاح حسن وسعد دانيال وسواهم من المبدعين.
يؤكد المخرج مناف شاكر على أهمية معهد الفنون الجميلة ففيه يشعر الطالب أن الفيلم الذي ينجزه له قيمة فنية كبيرة، فلا غرابة أن يبذل الطالب المُطبّق قُصارى جهده من أجل صنع فيلم يتوفر على مجمل اشتراطاته الفنيّة من أفكار ووسائل تعبير واستعمال اللغة السينمائية بغية إيصال فكرة الفيلم إلى المتلّقي. يعزّز مناف كلامه بمشهد من فيلم (السقوط) الذي أخرجه هو عام 1995، وصوّره زميله وشريكه في عدد من الأفلام الوثائقية والقصيرة الفنان فلاح حسن.
تفاقم الوضع الاقتصادي في منتصف التسعينات من القرن الماضي وكان عام 1995 هو العام الذي صورت فيه آخر دورة في المعهد بشريط سينمائي. ثم انتقل العراقيون إلى عالم مجهول كما يقول حسين السلمان. فكيف يستطيع الطالب أن يقدّم أطروحه تخرجه؟ وكيف يؤمِّن تكاليف التصوير والانتاج؟ يعترف الأستاذ حسين السلمان بأنه ذهب بنفسه إلى المخازن القديمة وبدأ ينبش فيها حتى عثر على كاميرا فيديو قديمة جداً وبدأ يستعملها المطبقون في تصوير أفلام تخرّجهم.
والدليل أن الفيلم القصير (ضحيّة القطار) 2002 إخراج وائل يحيى، وتصوير منتظر حميد، قد صُوِّر على شريط (VHS)، بل أن عملية المونتاج نفسها قد تبدلّت وبدأ الطالب يمنتج على الحاسوب، فاضطر المدرِّسون، كما يقول، الأستاذ فؤاد شهيد لأن يعلّموا الطالب على المونتاج الحاسوبي على وفق تقنية البريمير وأنظمة أخرى، وهذا الأمر ترك تأثيره الواضح على السينما التي تعتمد في دراستها على الجانب العملي كثيراً، ويرى شهيد أن الجانب العملي قد توقف في العراق في منتصف التسعينات الذي شهد فرض أبشع حصار اقتصادي وعلى مدى سنوات طويلة.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (قبل رحيل الذكريات إلى الأبد) لفلاح حسن ومناف شاكر (1-3)
- -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الثاني ...
- -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الأول)
- فيلم (كولا) ومضة تنويريّة تسحر المتلقي وتمَّس عاطفته الإنسان ...
- الرحيل من بغداد وهاجس المطاردة الأبديّة
- قراءة نقدية في ستة أفلام روائية ووثائقية وقصيرة في مهرجان ال ...
- فيلم (إيران، الجنوب الغربي) للفرطوسي يرصد أكبر كارثة بيئية و ...
- (وداعاً بابل) لعامر علوان . . الحجر يتكلّم والمدينة تتقمّص د ...
- التغريب والصورة الافتراضية للدكتاتور في فيلم (المُغنّي) لقاس ...
- حيّ الفزّاعات لحسن علي محمود وتعدد القراءات النقدية
- تعدد الأصوات والأبنية السردية في رواية -قفلُ قلبي- لتحسين كر ...
- تقنية فن التحرّيك في النص الشعري
- تقنية السهل المُمتنع في رواية (الزهير) لباولو كويلو
- قضايا وشخصيات يهودية للباحث جعفر هادي حسن
- أقول الحرف وأعني أصابعي. . . مَنْجمٌ للموضوعات الشعرية
- علاقة الحرب بالثقافة البصرية. . أمسية ثقافية تجمع بين القراء ...
- التعصّب القومي في فيلم -أكثرية- للمخرج التركي سيرين يوج
- الأبعاد الدرامية في تجربة ورود الموسوي الشعرية
- ورود الموسوي: أنا بسبع حوّاس، والمرأة المعذّبة هي جل اهتمامي ...
- ورود الموسوي: أحمل روح السيّاب، لكني لا أحمل صبغته الشعرية(1 ...


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - السينما الطلابية في العراق. . محاولة لصياغة مشهد سينمائي مختلف (2-3)