أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رغد علي - قصة قصيرة مزار الذاكرة















المزيد.....

قصة قصيرة مزار الذاكرة


رغد علي

الحوار المتمدن-العدد: 3376 - 2011 / 5 / 25 - 02:52
المحور: الادب والفن
    


كل شيءٍ بتلك البلاد يغريني بالاكتشاف ، ومع انني زرتها أكثر من مرة، وفي كلِّ مرة أشعر بأنها الأولى، لكنَّ الفرق الوحيد بين زيارة وأخرى أن أسئلتي تقل عن كيفية الوصول لبعض الأماكن لأنني تعلمت الوصول إليها، وكلما زرتها أكثر كلما أحببت تلك الارض أكثر، لغتها هواءها، طبيعتها المميزة ، وطبيعة أناسها: جمالهم الخلقي والنفسي، وحتى نوعية طعامهم ، كل شيء يتلخص بصدى جمال عبارتهم الشهيرة : «معوضين»
هذه المرة قررت زيارة أحد المقامات المقدسة ، فأخترت ارتداء حذائي الأسود الجديد المريح، حتى أتمتع بالسير بأزقة بتلك المنطقة دون عناء، كنت فرحة بحذائي هذا، فلست من هواة ارتداء الكعب المنخفض ، بالعكس أفضل دائما الكعب المرتفع عن الأرض وتلك مشكلة أن تجد حذاءً ذا كعب عالٍ ومريح في الوقت نفسه، حذاء كهذا يكون عندي كنزاً لا يستهان به.
سرت بالأزقة الضيقة، وهي تفيض بلعب الصغارالمتنوعة الأشكال تبيعها الحوانيت المترامية طول الطريق، وثمة بشر ذاهبون وقادمون ، سياح وغرباء يحملون آلات التصوير، أستطيع تمييز أهالي المدينة من وجوههم ، وهم يحاولون اصطياد أي سائح لغرض بيعه أي شيء، لهم طريقة خاصة لمخاطبة أي غريب ، كنت أبتسم في الوجوه وأنا أراقب ما حولي من حركة مستمرة، وما أن وصلت المزار حتى بدأت الطقوس الروحانية ، تركت حذائي أرضا خارج المدخل كما يفعل الاخرون ، لاحظت عدم وجود ما يعرف «بالكشوان» وهو مكان مخصص يقوم على حمايته شخص متبرع لغرض ترتيب وضع أحذية الزوار، لحين انتهائهم من الزيارة، أو الصلاة، فلا يليقُ ارتداء أي حذاء بالداخل أحتراما لقيمة المكان من جهة وللمحافظة على نظافته من جهة أخرى، وهكذا دخلت المكان ومنذ اللحظة الأولي لدخولي شعرت بنسائم الطفولة تحوم أو تسبح أو تطفو، كأن هناك طفلة خفية تلعب وتقفز، كنت أستمتع كمن يسمع تلك الضحكات ، فعلت كما يفعل الآخرون ، طفت حول المكان ومن ثم أديت الفرائض المطلوبة مني ، وأخترت زاوية ما للجلوس لقراءة أحد الأدعية.
كان المزار يعجُّ بالزوار من شتى أنحاء الأرض ، باختلاف ألوانهم وأشكالهم، أغلبهم من النساء والأطفال أيضا، الغريب بالأمر أن الصغار كانوا يلعبون ويضحكون بكامل حريتهم لم تكن تعلو أصواتهم قدر ما كانت تعلو بسماتهم التى تمنحك الحس بفرح يغزوك لا تعرف من أين؟؟ ، أو كيف؟؟ ، كأن صاحبة ذاك المقام تشاركهم لهوهم وترحب به ، لذا لا يستطيع أحد أيقافهم، أبصرت عيناي وجود سرير صغير جداً داخل المقام موضوع بعناية فائقة فوق القبر ، يلمع كأنه من الفضة، كنت أتصور أنني سأبكى لو دخلت هنا لكنني على العكس لم أشعر الا بغبطة كل أطفال العالم...
«أم محمد» وهى من أهالي بغداد تجلس قربي وتصحب معها ابنتها سحر، التي لا تتجاوز السبعة اعوام من العمر، بجديلتيها الطويلتين، وفي نهايتها شريط أبيض، سحرتركض وتعود وتجلب معها بكل مرة بضعة من الحلوى التى يوزعها الزوار ، بعضهم يوزعها ايفاء لنذرما ، وبعضهم طلبا لمراد، وبعضهم لمجرد الدعاء والثواب، سائلين الله عودة الفرح المهاجرمن قلوب العراقيين ...الجميل أيضا أن البعض يجلب ألعاباً صغيرة ويتركها في المكان.
سحر تدور حول أمها وتهمس بأذنها بأمر ما حتى تقول لها أمها : يا سحر صدقيني لقد وعدتك وسأنفذ وعدي ما أن نخرج، كفِّي عن اللعب يا ابنتي واهدئي ..

تصفق سحر بغبطة مهللة بالفرح القادم لها، وأنا لا أفهم سر هذا الفرح عند سحر ، حتى التفتت «أم محمد» نحوي ضاحكة : لقد وعدتها بشراء حذاء أحمر لها، اياك ان تقدمي وعداً لأي طفل والا بقى يأكل في قلبك حتى تنفذيه.
ابتسمت وفي اللحظة نفسها ذهبت عيوني بعيداً تحاول الوصول لنقطة ما في الذاكرة ،حتى ناديت على سحر : تعالي يا سحر اجلسي لاحكي لك حكايتى
- حكاية يا خالتي ...نعم بالله عليك قولي أنا أحب الحكايات
- ليست حكاية تماما لكنها ذكرى أعادتها الي والدتك بحديثها
- كنت في نفس سنك هذا يوما ما، اشترت لي والدتى حذاء فضياً لامعاً، ما زلت الى اليوم أذكر بريقه ، كان هذا في ليلة العيد ، فرحت به كثيراً كثيراً ، لدرجة انني قبلته ، لم أستطع النوم يومها، بانتظار بزوغ الفجر، وأيضا لأنني خفت عليه أن يسرق، لأننا حين كنَّا صغاراً كانوا يحدثوننا عن السارقين الذين ينتهزون الفرصة بنوم أهل البيت ويقومون بفعلتهم الشنعاء ، كنت أخاف جداً أن أستيقظ بالصباح ولا أجد حذائي الفضي اللامع ، فما كان مني الا أن احتضنته ونمت ، داعية الله أن يحفظ لي حذائي الفضي... تقطع سحر على حكايتي بتغريد ضحكاتها ، فلا أحتمل الا تقبيل تللك الطفلة وضم براءتها لقلبي :
- أكملي يا خالتي
- نعم يا سحر احتضنت حذائي نحو صدرى بل وأخفيته بغطاء النوم ، حتى لا يراه أي سارق قد يسرق البيت ،وحين حلَّ الصباح كان أول شيء أفعله هو أن ارتديه وقبل أن أغسل وجهى ، وصرت أقفز به أمام أمي ، وما زلت الى اليوم أحتفظ بصورة تذكارية لنفسي وأنا أرتدي حذائي الفضى ذاك ، وطلبك للحذاء الاحمر ذكرني بأجمل حذاء ارتديته حين حملته طفولتي وخطواتي الأولي ....
- أمي أمي أنا أيضا اريد أن التقط صورة تذكارية حين تشترين لي الحذاء الأحمر ..
تميل علي «أم محمد» برأسها وهي تعدل من وضع عباءتها بكفها مبتسمة : يا عزيزتي ألم يكفِ طلبها للحذاء حتى يتضاعف الطلب وتضم ابنتها نحوها : لا بأس يا سحر هيا بنا لنخرج من هذا المزار نحو السوق الى اللقاء فرصة سعيدة ليرعاك الله ويسهل أمرك ..
- أنا أيضا سأقوم معكم ...برعاية الله
غادرنا، ثلاثنا، المكان، والنساء يتدافعنَ مع بعضهنَّ فيهن الداخلة والخارجة، غابت عن عيونى «أم محمد» وابنتها ، وأنا ما زلت أنتشى بذكريات طفولتي ، وواقع بريق حذائي الفضي ، وعند الباب انحنيت لأرتدي حذائي المريح الأسود، قلبت كل الأحذية الموجودة:
- ماذا حدث أين حذائي الأسود؟؟ بالله عليكم
صوت سيدة قربي وهي ترتبت على كتفي : لا تهتمي تحدث أحيانا هنا أن تختفي الاحذية ...
خرجت من المزار حافية القدمين ، لا خيار عندى الا شراء أي شىء انتعله ، ضحكت ولست أدرى بالضبط على ماذا ؟؟؟ ربما على أول شخص قابلته بعد خروجى وهو يبحلق على أقدامي سمعته يقول لي : «معوضين».



#رغد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة : خمر أم جبن؟
- الدكتور العلوان شهيد لا عزاء فيه حتى تتحقق العدالة
- وصايا ام لطفتها حديثة الولادة
- قصة قصيرة : ظلال الغبار
- عبر الهاتف
- الي رجل عبر القارات
- قصة قصيرة عابرة سبيل
- قصة قصيرة : ساحة ابو الريش
- قصة ساخرة : ساحة ابو الريش
- عقلي يتمدد
- قصة قصيرة : خيمة من الكارتون
- قصة قصيرة: خيمة من الكارتون
- قصة قصيرة: اسمعني لا جدوى
- قصة قصيرة: لعنة متوارثة
- قصة قصيرة جدا : رصاصة لم تصيب
- قصة قصيرة: عدالة قبيحة
- قصة قصيرة جدا -:تجربة علمية
- قصة قصيرة جدا: بقايا ريش
- انا والاوزة وفنجان قهوة كويتية - قصة قصيرة
- ولادة أم جنون ؟!


المزيد.....




- -أولُ الكلماتِ في لغةِ الهوى- قصيدة جديدة للشاعرة عزة عيسى
- “برقم الجلوس والاسم إعرف نتيجتك”رسميًا موعد إعلان نتيجة الدب ...
- “الإعلان الثاني “مسلسل المؤسس عثمان الحلقه 164 مترجمة كاملة ...
- اختتام أعمال منتدى -الساحة الحمراء- للكتاب في موسكو
- عثمان 164 الاعلان 3 مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 164 الم ...
- فيلم مغربي -ممنوع على أقل من 16 سنة-.. ونجمته تؤكد: -المشاهد ...
- نمو كبير في الطلب على دراسة اللغة الروسية في إفريقيا
- الحرب والغرب، والثقافة
- -الإله والمعنى في زمن الحداثة-.. رفيق عبد السلام: هزيمتنا سي ...
- مصر.. قرار من جهات التحقيق بخصوص صاحب واقعة الصفع من عمرو دي ...


المزيد.....

- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رغد علي - قصة قصيرة مزار الذاكرة