أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إبراهيم الحسيني - 25 يناير وتحرير الدولة















المزيد.....



25 يناير وتحرير الدولة


إبراهيم الحسيني

الحوار المتمدن-العدد: 3355 - 2011 / 5 / 4 - 19:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


25 يناير
وتحرير الدولة
إستراتيجية تاريخية :
بالتأكيد هناك أسباب مباشرة للثورة المصرية ، 25 يناير 2011 ، ولكن إذا ما ذهبنا أبعد وأعمق في تحليل هذه الثورة ، وتأملنا المشهد المصري ، الذي غيرته تلك الثورة ، وأنزلت الحاكم المطلق شبه الإله من عرشه ، أطاحت به إلى أرض البشر ، يسأل ويحاسب ويوضع في قفص الاتهام ، لقد تم أنسنة موقع الرئيس ، هذا تحول نوعي كبير في تاريخ مصر ، نزعت عن الحاكم الهالة الربوبية الأسطورية ، التي صاحبته منذ قيام الدولة المصرية ، المركزية ، دولة النيل الزراعية ، التي كانت وظيفتها مركزية ، ومهمتها السيطرة على مياه الري ، عبر حفر الترع وبناء الجسور والسدود ، وتنظيم توزيعها على القرى والمداين ، وكان بناء السد العالي ـ بعد القناطر وسد أسوان ـ المعركة الحاسمة والفاصلة ، التي انتصر فيها المصريون ، على النهر الذي كان يفيض ويجف ، فلم يعد يفيض ، ولم يعد يجف ، ولم يعد هناك ضرورة للحاكم المستبد ، الحاكم شبه الإله ، وقد انتقلت البشرية ، ومن بينها مصر منذ ولاية محمد على ، من نمط الإنتاج الزراعي إلى أنماط إنتاجية جديدة ، صناعية وتكنولوجية ومعلوماتية وفضائية ، تذهب إلى البحر بجسارة الصياد ، وتذهب إلى الصحراء بجسارة الرعاة ، وتذهب إلى الفضاء بجسارة الطيار ، تستدعي معها قوى اجتماعية غير فلاحية ـ رأسمالية وعمالية ـ مغامرة جسورة ، لا تؤله الحكام ، تعيد بناء وصياغة النظام وفق المشاركة المجتمعية ، الديمقراطية والاقتصادية ، وهناك ضرورة الآن ، لإعادة تقسيم السلطة والثروة ، لينال كل مواطن مصري نصيبه من السلطة والثروة ، لتنطلق الطاقات الكامنة والإبداعية للمصريين ، لتنتقل إلى التحدي الحضاري التاريخي الجديد ، مع الصحراء والبحر وبالطبع النهر ، شريان حياة المصريين ، الذي كاد يبدده نظام مبارك ، بتجاهله أفريقيا ودول وشعوب حوض النيل .
و الثورة لا تنفجر بين عشية وضحاها ، ولا تقوم ترفا أو استخفافا ، بل تتجمع سحبها وتتراكم سنوات وسنوات ، من الظلم والجور ، من الاستبداد والطغيان ، يتراكم الفقر والبؤس والشقاء ، حتى تستحيل الحياة ، وقد وصل الأمر بالتونسيين والمصريين ، أن ينتحروا حرقا في الميادين وأمام المجالس النيابية ، ولم يكن بو عزيزي إلا تعبيرا رمزيا عن حالة اليأس التي وصل إليها المضطهدين من الشعوب العربية ، وفي مصر نستطيع أن نرصد مستنفع الحضيض ، الذي أغرقنا فيه الطاغية حسني مبارك ، فقد ضرب الفساد جذوره في المجتمع المصري ، صار مؤسسة ونظاما ومرضا ينخر في جسد الأمة ، فقد مكث مبارك ثلاثين عاما في كرسي الحكم ، يحكم بالطوارئ ، كان يستبد وينهب ويرعى الفساد والمفسدين ، فتح زنازين المعتقلات لكل التيارات السياسية يمينا ويسارا ، جعل التعذيب منهاجا في السجون وأقسام الشرطة ، لوث الشرفاء ، الخصوم السياسيين ، لفق لهم القضايا ، لاحقهم في أرزاقهم ولقمة عيشهم تجويعا وتشريدا ، سلب من الفقير قوته ، ومن الضعيف ماله ، ومن الحر صوته ، أضعف بلادنا ، أهان تاريخنا ، قتل منا الكثير في عرض البحر ، وفحم الكثير في القطار ، أسال دماء الكثير تحت الصخر ، في زمنه قتل المسلم والمسيحي ، نمت الطائفية والتعصب وثقافة الكراهية ، كراهية الحياة ، بيعت المصانع ، تقلصت الرقعة الزراعية ، احترق مجلس الشورى والمسرح القومي ، تكدست الثروة مع حفنة قليلة ريعية وفاسدة ، وهوى معظم المصريين إلى درك البطالة وحضيض الفقر ، مكن الطاغية أسرته وأنجاله من البلاد والبشر ، أطلق يد زبانيته تعيث في البلاد نهبا وفسادا ، لقد دمر الشركات والمصانع وسرح العمال ، شوه الزراعة والزراع ، زور الانتخابات وسرق أصوات المواطنين ، خالف الدستور ، تلاعب بالقوانين والقضاء ، سحل وأهان القضاة ، نكل بمعظم المواطنين وأحالهم إلى مسوخ وبقايا بشرية ، أسكنهم مع الأموات في القبور وعشش الصفيح ، جعل الفقراء يبيعون أعضاءهم البشرية : كلاهم وقرنية عيونهم وأكبادهم ، أبكي الرجال وأدمي النساء ، في زمنه قتل الأب أبناءه ، وقتلت الأم وليدها ، خوفا من الجوع والتشريد والمهانة ، سرق أموال التأمينات ، لاح شبح الإفلاس وكادت تتهاوى الطبقة الوسطى ، في ظل أزمة مالية عالمية ، ضربت بجذورها مراكز الرأسمالية في أمريكا وأوربا واليابان ، تغاضى حكام المنطقة العربية عنها ، ومن تعامل معها عالجها بخفة واستخفاف ، بل حاول معظمهم توظيفها لتكديس ثرواتهم ، وليس من الجرأة القول ، أن الظروف الدولية كانت مواتية منذ موجة الديمقراطية تسعينيات القرن العشرين ، والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية كانت ناضجة للتغيير الثوري في الأقطار العربية ، ولكن ظروف القوى السياسية المتهافتة كانت تعوق النهوض الثوري ، إلى أن امتلك شباب هذه الأمة أدوات التواصل والتغيير الثوري ، في ظل ظروف إقليمية ودولية مواتية ، تدفع شراع الثورة قدما .
والثورة هي عملية هدم وبناء ، هدم للنظام القديم ، دستوره وهياكله ومنظماته ، وإزالة أنقاضه ، وبناء لنظام جديد ، دستوره وهياكله ومنظماته ، وقد قطعت الثورة المصرية شوطا في هدم النظام القديم : خلع الرئيس الطاغية حسني مبارك ، دفن مشروع توريث جمال مبارك ، إلغاء دستور 71 ، حل مجلس الشعب والشورى ، إقالة حكومة أحمد شفيق المعينة من مبارك ، تقليص صلاحيات جهاز أمن الدولة وتحويله إلى جهاز للأمن الوطني ، محاكمة قتلة الشهداء والفاسدين ، من الصف الأول للنظام القديم ، مبارك وزوجته وأنجاله ، ثم الصف الثاني ، رئيس الديوان زكريا عزمي ، رئيس مجلس الشعب فتحي سرور ، رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف ، رئيس الوزراء أحمد نظيف ، إلى بعض رجال ورموز الصف الثالث ، أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني ، حبيب العادلي وزير الداخلية ، زهير جرانة وزير السياحة ، وزيري الإسكان أحمد المغربي ومحمد إبراهيم سليمان .. الخ ، تبع هذه التحقيقات ، قرار ديمقراطي نحيي المجلس العسكري عليه ، يمكن المصريين العاملين بالخارج من التصويت في الانتخابات التشريعية والرئاسية ، وتغيير بعض المحافظين ، ومن قبل تغيير في قيادات الإعلام ، الصحف والإذاعة والتليفزيون ، حل الحزب الوطني ومصادرة ممتلكاته .. الخ
زمن الانفجار الثوري :
ظهر يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 ، لم يدر بخلد أحد من المصريين ، أن هذا اليوم فارقا في تاريخهم ، تاريخ الأمة المصرية ، أعرق أمة في التاريخ ، التي أهينت وأذلت وشردت وانحطت على يد حكامها ، الصغائر ، فاقدي العلم والكرامة والأهلية ، هؤلاء الذين ينحنون أمام الدولار والدينار والريال ، هؤلاء الذين ما كان لهم من خبرة إلا سوق الدعارة والنخاسة ، وبيع الأوطان والتآمر على الشعوب .
ظهر هذا اليوم ، والشمس تراوغ السحب ، كانت أسرة مصرية ، تقيم على أطراف القاهرة ، أب وأم في خريف العمر ، وولد وبنت في ربيعه ، تخرجا من كليتي العلوم والاقتصاد والعلوم السياسية ، بلا عمل ، بلا مصدر دخل ، بلا أفق لبناء بيت وأسرة ، ترتدي ملابس " كجوال " ثقيلة ، استعدادا للخروج والتظاهر ، وكان أب هذه الأسرة ، يسأل نفسه : فعلها الشعب التونسي ،هل يفعلها الشعب المصري ؟
ودائما ما كان يخرج للتظاهر والاعتصام ، منذ مظاهرات عمال حلوان سنة 1975 " حكم النازي ولا حجازي " ، وشارك في انتفاضة الجياع 1977 " بالطول بالعرض حا نجيب ممدوح الأرض " وتظاهرات معرض الكتاب ضد معاهدة كامب ديفيد ، وإضرابات عمال اسكو وحلوان ، ومظاهرات كفاية والحرية الآن و6 إبريل ، وكان نزيلا سجون ومعتقلات السادات ومبارك مرات ومرات ، شارك في المنظمات الثورية :السرية والعلنية ، تخفى من الشرطة السرية ، حضر اجتماعات الخلايا ، كتب ووزع المنشورات والبيانات ، نظم الندوات والمؤتمرات ، فهو إن لم يكن أول من قال لا لحسني مبارك ، هو من أوائل من قالوها ، يذكر هذا اليوم جيدا ، عصر 27 مارس 1982 ، خلف أسوار ليمان طره ، قالها وأغضب رفاقه في الحزب الشيوعي المصري ، الذين قالوا بالرأسمالية المنتجة ، فهجرهم وهجروه ، جاع وتشرد وكاد يتسول ، سجن ، اعتقل ، واحتجز ، ماذا بقى كي يثور الشعب المصري ، كي ينفض عن نفسه تراب الطغيان والاستبداد والتفاوت ، سوف أخرج معهم اليوم ، ولن أعود إلا ومعي شمس الحرية والكرامة ساطعة فوق ربوع بلادي ، هذا مستقبل أولادي وأحفادي ، وهذه الأمة ، أمتي صانعة الحضارة والتاريخ ، واليوم يراوده يقين : سيكون فاصلا بين عهد وعهد ، بين زمن وزمن ، بين حكم وحكم ، من أين يأتي هذا اليقين ، الموت أو الحرية ، طغى هذا النظام وتجبر ، لدرجة يستحيل التعايش معه ، فقد عقله ورشده ، طاش لبه ، ذهبت ريحه ، وغابت بصيرته ، مع انتخابات برلمان 2010 ، التي جرى تزويرها ، واستبعاد الجميع حتى من النذر اليسير ، هذه لقمة لا يصعب بلعها فحسب بل يستحيل ، هذا ما همس به لرفاقه في الملتقى الديمقراطي الاجتماعي وأصدقاءه ، ولما احترق شباب مصر أمام البرلمان وفي الإسكندرية ، أصدر البيان الأول في الثورة : خطاب إلى الرئيس

الملتقى الديمقراطي الاجتماعي
خطاب إلى الرئيس
السيد الرئيس : يتوجه هذا الخطاب إليك ، لا ليشكو إليك فأنت مصدر بلاء هذه الأمة ، وأنت طاغيتها وسليل طغاتها ، لكن استبدادك فاق كل المستبدين ، تحكم بالطوارئ منذ توليت الحكم ، فتحت أبواب السجون والمعتقلات ، لكل التيارات السياسية ، يمينا ويسارا ، جعلت التعذيب منهاجا في السجون وأقسام الشرطة ، لوثت الشرفاء ، لفقت لهم القضايا ، لاحقتهم في أرزاقهم ولقمة عيشهم ، قتلت من المصريين المئات بدعوى الاستقرار والأمن ، احتكرت الثروة والسلطة ، مكنت أسرتك وأنجالك من البلاد والبشر ، أطلقت يد زبانيتك تعيث في البلاد نهبا وفسادا ، لقد دمرت الشركات والمصانع وسرحت العمال ، شوهت الزراعة والزراع ، زورت الانتخابات وسرقت أصوات المواطنين ، خالفت الدستور ، تتلاعب بالقوانين والقضاء ، سحلت وأهنت القضاة ، نكلت بمعظم المواطنين وأحلتهم إلى مسوخ وبقايا بشرية ، أسكنتهم مع الأموات في القبور وعشش الصفيح ، جعلت الفقراء يبيعون أعضاءهم البشرية : كلاهم وقرنية عيونهم وأكبادهم ، أبكيت الرجال وأدميت النساء ، في زمنك قتل الأب أبناءه ، وقتلت الأم وليدها ، خوفا من الجوع والتشريد والمهانة ، فكم من عاطل لا يجد عملا ؟ وكم من جائع لا يجد قوت يومه ؟ وكم من مريض لا يجد دواءه ؟ كم من امرأة تقلب قروشها الزهيدة بحسرة في الأسواق ؟ كم من أب لا يجد مصروفات أو نفقات المدارس لأولاده ؟ كم من الصبية والأطفال يتسربون من التعليم الابتدائي والإعدادي ؟ كم من الأطفال يساقون إلي الورش والمسابك والمخابز والميكروباصات ؟ كم من الصبية تتلقفهم ساحات الجريمة والمخدرات الرخيصة ؟ كم من بنت فاتها قطار الزواج ؟ كم من شاب لا يستطيع تكوين بيت أو أسرة ؟ كم من أسرة تقطن في غرفة وحيدة وشقق مشتركة ؟ كم من أسرة تعيش في الإيواء والقبور ؟ كم من أسرة تنفصل وتنهار تحت ضغط الحاجة والعوز ؟ كم من امرأة تخرج للخدمة في بيوت الأغنياء ؟ كم من النسوة والفتيات تدفعهن الحاجة إلي سوق النخاسة والبغاء ؟ كم من عامل يعود خاوي الوفاض من أرصفة العمل ؟ كم من أرباب معاشات تنفذ رواتبهم فور استلامها ؟ كم من شركة دمرت ؟ كم من قوة عمل أهدرت ؟ كم من الأفدنة بورت ؟ كم من خريجي جامعات ومعاهد عليا تتلقفهم أرصفة البطالة ، يندمون علي علمهم وأعمارهم ؟ كم من تاجر وصانع يفلسون وينحدرون إلي الطبقات الدنيا ؟
السيد الرئيس : هذا الخطاب لا يطلب منك عدلا أو إصلاحا ، فقد تسيدت علينا ثلاثين عاما ، كنت الحاكم الذي يستبد وينهب ، والحارس الذي يسرق ويكنز ، حكمتنا بغريزة الصقر الذي يفترس صغار الطير ، سلبت من الفقير قوته ، ومن الضعيف ماله ، ومن الحر صوته ، أضعفت بلادنا ، أهنت تاريخنا ، قتلت منا الكثير في عرض البحر ، وفحمت منا الكثير في القطار ، وأسلت دماء الكثير منا تحت الصخر ، في زمنك قتل المسلم والمسيحي ، نمت الطائفية والتعصب وثقافة الكراهية ، كراهية الحياة ، وها نحن الآن نشعل النار في أجسادنا ، صار الموت أحب إلينا ، لقد ضقنا منك وضقنا بك ، فأهنأ بما نهبت ، وانعم بما سلبت ، وارحل .
الملتقى الديمقراطي الاجتماعي
21 يناير 2011
وما كان العنف الذي استخدمه النظام بأجهزته الأمنية ، أيام 25 و26 و27 ، قادرا على قمع المظاهرات التي تحولت إلى الشوارع الجانبية ، كر وفر ، كمون ومباغتة ، شهداء وجرحى ، انكسر حاجز الخوف ، فخرجت مدن مصر لتثار لضحاياها ، في السويس والقاهرة والإسكندرية ، 28 يناير ، جمعة الغضب ، شهدائه وجرحاه ، غضب فيروزي ، ساطع ومتأجج ، ليواصل إصراره على إسقاط النظام ، ورحيل الطاغية حسني مبارك ، كان الدم قد سال ، الرصاص يقتل ويجرح ، القنابل المسيلة للدموع تمطر ، وسيارات الأمن المركزي تدهس وتهرس ، ولكن حاجز الخوف كسر ، والنار المكبوتة في الصدور ، نار الذل والمهانة ، بركان من الغضب انفجر ويتصاعد ، يكتسح قوات الشرطة والأمن المركزي : الشعب يريد إسقاط النظام ، وما كان من رأس النظام إلا أن يخلع زيه المدني ، ويستبدله بزيه العسكري ، زى الجنرالات ، ويلجأ إلى الجيش ـ دون بصيرة ـ لقمع وإخماد المظاهـرات .
وما بين الخامسة والسادسة ، جرت مياه كثيرة في البحيرة ، استسلمت الشرطة وانسحبت مذعورة ، أمام صمود وإصرار المتظاهرين ، في معظم ميادين مصر ، بعدما أنهكت وخارت قواها ، وخلت مصر من المؤسسة العسكرية ، لم يعد هناك بوليس ، فر ، ولا جاء الجيش بعد ، الذي يحتكر السلطة من يوليو 1952 ، وبوعي جمعي ، تتجلى فيه عبقرية وحضارة الشعب المصري ، لم يخش الجيش ، بل زحف ملايين بصدور عارية ، إلى ميادين مصر : هذه لحظة مناسبة لاقتلاع مبارك والطغمة العسكرية الأمنية من سدة الحكم ، الجنرال حسني مبارك رئيس الجمهورية ، الجنرال زكريا عزمي رئيس الديوان ، الجنرال صفوت الشريف أمين الحزب الوطني الديمقراطي ، ليكون الجيش جيشا للشعب ، لا جيشا على الشعب ، هذه هي الثورة ، ثورة على رأس وجسد المؤسسة الحاكمة ، وهذه هي الساعة المواتية ، التي أسترد فيها الشعب سيادته ، لتقف مصر على قدميها ، لا على رأسها ، الشعب والجيش ، لا الجيش والشعب ، السيادة للشعب والأمة مصدر السلطات ، والجيش ذراع الأمة ، درعها الواقي ، ساعة من الزمن ، هي ساعة الثورة ، ساعة تاريخية ، تحولت فيها مصر من نظام إلى نظام ، من شرعية إلى شرعية ، من الأوامرية إلى الحرية ، من الواحدية إلى التعددية ، وهكذا تمضي الثورة المصرية إلى حلقة جديدة من حلقاتها ، وانتقلت بالثورة الوطنية إلى الثورة الديمقراطية .
وللجيش المصري تاريخ حافل في الحركة الوطنية المصرية ، والاستقلال الوطني ، فقد أنشأه محمد على ، بعد طول غياب ، منذ غزو قمبيز الفارسي ، قرون وقرون ، حتى ثورتي القاهرة الأولى والثانية ، واعتلاء محمد على سدة الحكم ، ولد الجيش المصري مع بزوغ الدولة المصرية الحديثة ، وكان طليعة الحركة الوطنية في الثورة العرابية ، وقاد مصر في ثورة 1952 ، وقادة هذا الجيش من قرى ومدن مصر ، جزء من النسيج الاجتماعي ، ناله من مبارك ما ناله الشعب المصري ، قهر وتفاوت واستبداد ، أهان كرامته وكبريائه ، حين سجن واغتصب مجد الفريق سعد الدين الشاذلي ، رئيس الأركان ، قائد أعظم حرب في تاريخ الجيش المصري ، حرب أكتوبر ، حين فجر قضية أخلاقية رخيصة لقائد الجيش المشير عبد الحليم أبو غزالة ، حين أحال الجيش إلى جماعة بلا إرادة تحارب مع العراق تارة وضد العراق تارة ، حين استباح الجيش وأحال جنده إلى وزارة الداخلية ، حين وضع وزارة الداخلية في منزلة أعلى من الجيش ، كنا نرى أدنى رتب الداخلية تركب أفخم السيارات بينما قادة في الجيش يلهثون وراء الأتوبيسات ، حين حاول سرقت واغتصاب السلطة من الجيش لنجله جمال ، وحين زور إرادة الأمة ليستكمل هذا المشروع ، للجيش ثأر مع مبارك ونظامه وفاسديه ، أسقطته الأمة ، صاحبة الشرعية ، تستعيد للشعب سيادته ، وللجيش كبريائه وكرامته ، ولم يكن حكم مبارك المحنة الأولى للجيش ، كانت هزيمة يونيو 67 محنة مريرة تجرع كأسها ، تقدمت الأمة بالمال والعتاد ، تدفع عنه ذل ومرارة الهزيمة ، الجيش جيش الأمة ، والأمة مصدر السلطات ، هذا ما لم يدركه مبارك ، وفي الخامسة أصدر أمره بنزول الجيش لقمع المتظاهرين وإخماد الانتفاضة .
وكان على الجيش أن يختار بين الشعب أو الرئيس ، وكان رده حاسما هو جيش الشعب .
ولكن من لحظتها والثورة المضادة تحاول الانقضاض على الثورة ، وإعادة عجلة الزمن إلى الوراء ، والمجلس العسكري يتباطأ ، يراوغ ، يبحث لنفسه عن موطأ قدم ، عن شرعية هي بالتأكيد له في جسد الثورة ، شابها بعض الملاحظات التي لا تخلو من وجاهة ، بدء من محاولاته تقديم الذخيرة للأمن المركزي جمعة الغضب ، وفتح الطريق للقتلة وسفاكي الدماء الأربعاء الدامي يوم موقعة البغال لا الجمال ، وسبت الترويع الذي اعتذر عنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، وأعاده إلى سوء الفهم ، ووعد بإجراء تحقيق في أحداثه ، سلوك متحضر قدر للمجلس من كافة فئات وطبقات وطوائف الأمة ، لكنه للأسف عاد يوم الأربعاء 9 مارس يفض اعتصام بعض الثوار في ميدان التحرير بالقوة وسفك الدماء ، يعتدون على النساء والمرضى منهم ، يسيئون معاملة الفتيات في المتحف ، إساءة بالغة ، بالكشف عن عذريتهن ، يهدمون ويحرقون الخيام ، يطاردون الشباب والرجال بالشوم والعصي الكهربية والرصاص ، ويقدمون بعضهم إلى المحاكم العسكرية ، وتكرر العدوان والترويع فجر السبت 9 إبريل ، على أثر جمعة المحاكمة والتطهير ، مع ارتفاع وتيرة العنف والضرب والملاحقة ، أسفر عن استشهاد وجرح بعض المعتصمين ، إن المجلس العسكري يحاول جاهدا ، إحالة الثورة إلى حركة إصلاحية ، لا تمس جوهر النظام وآلياته ومفاصله وهياكل إنتاجه وثرواته وتوزيع سلطاته ، وحصرها في الدائرة المدنية المقربة من أجهزة المؤسسة العسكرية ، حتى خرج الرئيس المخلوع مبارك بخطابه 10 إبريل ، يشير ويومئ ، أن المجلس العسكري قد منحه الفرصة لتهريب أمواله وأصولها العقارية ، ليوقع بين المجلس العسكري والثورة ، وقد انتبه الثوار والمجلس العسكري للفخ الذي سعى مبارك لحفره ، وتمكين الثورة المضادة من الانقضاض ، فتسارعت وتيرة التحقيقات ، تطال مبارك والصف الأول والثاني من نظامه ، تحت ضغط الخجل الذي أحدثه خطاب الوقيعة ، وإدراكه للهواجس التي تسللت إلى نفوس المصريين ، وتعالي بعض الأصوات تحذر من التباطؤ الذي قد يصل إلى التواطؤ ، وهنا يجب تحذير المجلس العسكري الأعلى ، أن مبارك حاول إشعال النار في المجلس ، وأن يضع المجلس والشعب وجها لوجه ، ولفت نظر قادة الجيش أن هذا الرجل المدعو حسني مبارك ، الذي رأس مصر ـ للأسف ـ ثلاثين عاما ، يكره شعب مصر وجيشها ، ولا يحب إلا نفسه ، ولا يرى شعب مصر ومؤسساته وقواته المسلحة إلا في خدمة مشروعاته الخاصة .
وفي 11 إبريل انتقل المجلس العسكري الأعلى ، نقلة نوعية ، قفزت بالثورة خطوات عميقة وجذرية ، قدم الرئيس المخلوع ونجليه إلى التحقيقات ، الذين أفسدوا البلاد وقتلوا العباد ، خطوة غير مسبوقة في المنطقة العربية والشرق الأوسط ، لقد هوى الرئيس شبه الإله ، وقدم للمحاكمة يسأل ويجيب ، كأي مواطن متهم ، هو وأركان حكمه ، وهذه أول مرة في تاريخ مصر والمنطقة ، يحاكم شعب حاكمه ، خطوة نحيي المجلس العسكري والقضاء المصري عليها ، ونثمنها ونرفع قدرهم عاليا .
لقد نجحت الثورة المصرية ، وتتواصل صوب أهدافها : دولة مدنية وجمهورية برلمانية ، على أساس المواطنة والمساواة ، تحقق لأبنائها حياة كريمة وتضييقا للفجوة الاجتماعية ، شرعت في محاكمة الفساد والمفسدين ، وعلينا الآن أن نشرع في بناء الدستور ، وصياغة هيكل جديد للأجور والدخول ، لقد توفرت الشروط الثورية للثورة المصرية :
ـ لم يكن خروج المصريين وتدافعهم الثوري مطلبيا أو إصلاحيا ، فالأزمة عميقة وجذرية بين الحكام والمحكومين ، استحالت معها الحياة ، تجلت في احتكار للسلطة والثروة ، استبداد وقهر واعتقال ومطاردة وتشريد وتجويع وقتل وتفاوت واتساع للفجوة ، غنى فاحش مصدره الريع والفساد والرشوة ونهب البنوك وأموال التأمينات والموارد السيادية والاقتصاد السري الأسود : تجارة السلاح والمخدرات والآثار والدعارة ، وشيوع للفقر والتهميش والعشوائيات والتفاوت والبطالة وبيع الأعضاء البشرية .
ـ كانت ثورة تونس ونجاحها في خلع زين العابدين بن على ، وإسقاط نظامه ، تعبيرا عن ظروف إقليمية مواتية ، استفزت وألهمت المصريين ، الذين وجدوا أنفسهم ليسوا أقل شأنا من التونسيين ، فخلعوا عباءة الخوف والتردد ، وخرجوا يتظاهرون ، يعتصمون ، يقدمون التضحيات ، شهداء جرحى لقد دفعوا الدماء ثمنا للحرية .
ـ وكانت رياح الظروف الدولية ـ أيضا ـ مواتية ، الأحزاب والمنظمات الاشتراكية تخلصت من عار الديكتاتورية والشمولية ، الذي لحق بها ، وتعالت موجات الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان ، التي كان لابد أن تمتد إلى المنطقة العربية ، شعوبها ودولها ، ومصر في مقدمة هذه الدول والشعوب ، والرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، غيرت إستراتجيتها ، رفعت يدها عن الحكام ـ عملائها ـ الطغاة ، تتجه صوب دولا ليبرالية ، لا تناصب الرأسمالية ونمط إنتاجها العداء , تتجاوز التخلف والإرهاب ، دون أن تتخطاه إلى الاشتراكية ، والثورة المصرية مازالت ثورة ديمقراطية ، تحاول تحرير المواطن والدولة ، وكانت وثيقة الشرق الأوسط الكبير إشارة لتغيير الإستراتجية الأمريكية ، بعد أحداث سبتمبر واحتلال العراق ، ففي مارس 2003 زحفت الجيوش والبوارج والطائرات الأمريكية ، خارج الشرعية الدولية ، لاحتلال العراق وتغيير نظام الطاغية ، صدام حسين ، لتدشين إستراتيجية التفكيك والتفتيت بين سنة وشيعة وأكراد ، ورسم خريطة المنطقة العربية ، وإعادة هيكلتها ، وفق خريطة جديدة ، تلبي مصالح الإمبراطورية الأمريكية ، ونشرت على الملأ 13 فبراير 2004 وثيقة الشرق الأوسط الكبير ، التي ركزت على قضايا الحرمان في البلاد العربية : الحرية والمعرفة ، الفقر والتعلم ، وتدهور التنمية البشرية ، وعدم تمكين النساء ، ومارست إدارة بوش الابن ضغوطا شديدة على الحكام والحكومات العربية ، لتتيح للشعوب حقوقا ديمقراطية : حق الاختلاف وتكوين الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني ، حق الاعتصام والتظاهر والإضراب والمسيرات السلمية ، حق المعرفة والتعبير والنشر وتداول السلطة ، وتنفس الحكام العرب الصعداء لما هوى الحزب الجمهوري وصقوره ، وصعود باراك أوباما الديمقراطي الملون رئيسا للإدارة الأمريكية ، وظنوا أو تسلل إليهم يقين ، أن الضغوط الأمريكية صارت بعيدة , والتغيير لم يعد وشيكا ، وأنهم صاروا بمنأى ومأمن من رياح الديمقراطية ، وكان هذا وهما زينه لهم الغباء السياسي ، فالإستراتيجية الأمريكية لا تتغير بتغير الرؤساء ، والغضب من الاستبداد والنهب والتفاوت والحرمان كامن في صدور شعوب المنطقة العربية ، وجاءت الإشارة أو البشارة من تونس ، التي فاجأت الشعوب وحكام المنطقة العربية ، بثورة أطاحت زين العابدين بن على من السلطة ، وأجبرته على الفرار بليل كلص من تونس ، ولم يكن مشهد استفتاء السودان ، لتقسيمه شمالا وجنوبا ، وللتصويت على حصول الجنوبيين على حق تقرير المصير دالا ومعبرا ، بعيدا عن ما هو قادم ، وما ستقبل عليه المنطقة ، لمن يجيد القراءة ، أو يرهف السمع لأنين الشعوب ، أو يحسن الإصغاء لمواجعها وأمانيها ، لما يثيره في نفوس ويلهم الشعوب المجاورة ، وهي ترى بأم عينها ، جماعات أدنى حضاريا واجتماعيا ، تنجز حق تقرير مستقبلها ومصيرها : استقلال على الأرض ، وديمقراطية في استفتاء ، لم تشهد له المنطقة مثيلا من قبل ، حرية في تسجيل الجنوبيين ، تمكين للجاليات من التصويت ، تصويت على بضعة أيام لتمكين المواطنين ـ كل المواطنين ـ من المشاركة والتصويت ، وقد آثار هذا المشهد ، ألهم خيال الشعوب ، وأجج رغبتها في الحرية والكرامة الإنسانية ، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، وللحرية ثمن تدفعه الشعوب ، وقد دفعه الجنوبيين ، فنالوا حريتهم وكرامتهم .
وقامت تونس ، انتفض شعبها وثار ، ينفض تراب الاستبداد والقمع والتفاوت ، تلتها مصر ، الذي أسف شعبها وقواه الحية ، شبابها ، مفكريها ، سياسيها ، شيوخها ، ونساؤها ، على فقدان المبادرة ، فخرجت جماعة من شبابه ، تتظاهر وتدق أجراس الثورة ، وتدافعت الجماهير المصرية ، في القاهرة والسويس والإسكندرية ومحافظات الدلتا والصعيد شمال البلاد وجنوبها ، شرقها وغربها ، ملايين من المصريين وراء ملايين ، موجات وراء موجات ، في الميادين تتظاهر وتعتصم لتسقط النظام ، وترد جحافل من بلطجية وخيالة العصور الوسطى ، وتنظم المليونية تتلوها مليونية ، حتى سقط رأس النظام ، الطاغية حسني مبارك ، وقد بدأت لحظتها الثورة ، لتقتلع النظام من جذوره ، وهي الآن مازالت في الطريق تستكمل مهمتها ، وتقاوم محاولات الالتفاف والثورة المضادة .
المخاطر والتهديدات :
1 ـ ثورة 25 يناير هي الحلقة الخامسة في ثورة مصر الوطنية الديمقراطية ، وبناء دولتها الحديثة ، الدولة القومية ، التي بدأت أولى خطوات استقلالها مع محمد على ، بتحرير مصر من الغزاة ، بالخروج على الخلافة العثمانية ، بالخروج من الدولة الثيوقراطية ، الدولة الدينية ـ المملوكية العثمانلية ـ التي حكمت مصر قرونا وقرون ، انحطت فيها البلاد ، وهوت إلى الحضيض ، جرفت خبراتها ونهبت ثرواتها ، مرورا بالثورات المصرية الكبرى : الثورة العرابية ، ثورة 1919 ، ثورة يوليو 1952 ، وليس من المجازفة القول : أن الجيش لعب دورا رئيسيا في الثورة العرابية التي هزمت بالاحتلال البريطاني ، وثورة يوليو التي أنتجت نظاما معاديا للاستعمار ، لكنه شموليا استبداديا ، وهزمت هي أيضا بالاحتلال الصهيوني يونيو 67 والتبعية للولايات المتحدة الأمريكية ، بينما كانت ثورة 1919 مدنية خالصة ، أنتجت نظاما ملكيا دستوريا شبه ليبراليا ، وتقف الآن ثورة 25 يناير في مفترق طرق ، طريق الدولة المدنية شبه العسكرية ، وطريق الدولة الدينية الثيوقراطية ، وطريق الدولة العسكرية شبه المدنية ، وهنا نطرح سؤالا عن ماهية القوى الاجتماعية والسياسية المكونة لجسم الثورة :
لقد أشعل شباب الأمة المصرية ، المنحدر من الطبقة الوسطي ، ومن القوى السياسية اليسارية والليبرالية ، فتيل الثورة يوم 25 يناير ، باستخدام أدوات الاتصال العصرية ، النت والهواتف المحمولة ، وحرب الشوارع التي يمتلك اليسار المصري خبراتها وناصيتها ، وغابت رسميا عن مشهد وتضحيات الثورة جماعة الإخوان المسلمين حتى لاح انتصار الثورة ، جمعة الغضب ، فالتحقت بالثورة ، وأبلت مع غيرها من القوى اليسارية والليبرالية بلاء حسنا الأربعاء الدامي ، بينما وقفت جماعات السلفيين وأنصار السنة موقفا مناوئا للثورة ، وحرمت الخروج على الحاكم ، حتى رحل مبارك ، أتت تهرول ، لتجني ثمارا لم يزرعوها ، ولتلقط غنائم لم يثوروا من أجلها ، هم يحاولون أخذ ما ليس لهم ، إما الجيش فقد جاء بقرار من حسني مبارك السادسة مساء جمعة الغضب ، وكان ميدان التحرير يمتلئ بملايين من الشعب المصري ، فرفض قمع الثورة ، وأعلن تأييده للمطالب المشروعة والعادلة للثورة ، وتعالت هتافات الجماهير : الشعب والجيش ايد واحدة ، مدنية .. مدنية .
مدنية .. مدنية ، شعار مدهش تردد وساد الميدان ، وما كانت القوى الشمولية ـ العسكرتاريا وشيوخ الإخوان ـ قادرة على ترديد غير هذا الهتاف ، لكنها ظلت كامنة ومتربصة حتى تنحى مبارك ، تحت ضغط الثورة ، وبدأ يلوح في الأفق تحالف بين المؤسسة العسكرية والإخوان المسلمين ، تجلى في اختيار المجلس العسكري الأعلى لجنة تعديل الدستور ، التي لم تضم من القوى السياسية أو من شباب الثورة إلا عناصر من الإخوان المسلمين ، وترسخ هذا التحالف يوم استفتاء 19 مارس بين المجلس الأعلى والإخوان والسلفيين ، وتنادوا بشعارات طائفية ، أحالت الاستفتاء على الدستور إلى استفتاء على الدين ، والطائفية في تقديري الخطر الأول على الثورة ، وكعب أخيل الذي تحاول الثورة المضادة النفاذ من خلاله ، فلن تستسلم القوى الشمولية بسهولة ، للدولة المدنية والجمهورية البرلمانية .
2 ـ لا حرية لجائع ولا كرامة لمحروم ، وقد انتفض المصريون وثاروا ، لاستعادة كرامتهم المهدرة ، واسترداد حريتهم المسلوبة ، وامتلاك الحرية والكرامة الإنسانية طريقه العمل ، العمل المنتج المبدع الخلاق ، والأزمة في مصر ، هي أزمة سوق العمل ، البطالة وسوء توزيع العمل والدخل ، وعندما نتحدث عن إعادة توزيع الثروة ، فنحن نتحدث عن إعادة توزيع العمل المنتج للثروة ، لا عن الأموال الطائلة التي نهبتها وما تزال الرأسمالية الريعية والكومبرادورية فقط ، بل وبالأساس عن إعادة التشغيل ، لينال كل واطن مصري قادر على العمل نصيبه في التشغيل ، وحتى هذه اللحظة لم تمتد يد الثورة إلى إعادة تقسيم الثروة ، أي إعادة تقسيم العمل ، بل على العكس نرى تناقضا في الحديث المبالغ فيه عن الاستقرار ، وارتفاع أسعار السلع والخدمات ، وعدم مد يد العون حتى لقوة العمل التي يستخدمها بعض الحكام العرب الطغاة المستبدين دروعا بشرية ، في الحرب التي يشنوها على شعوبهم " ليبيا والعقيد نموذجا " وما زلنا نهدر قوة العمل في السوق المحلي ، وسلعتنا الإستراتيجية التي نصدرها بلا تنظيم ، بلا حماية ، وتشكل موردا أساسيا من موارد دخلنا القومي ، والتباطؤ في إعادة التوظيف ، والتأخر في إصدار هيكل جديد للأجور والدخول ، وغض الطرف عن حماية عمالنا في الخارج ، هذه ملامح قد تشكل ثقبا آخر تنفذ منه الثورة المضادة ، التي تحاول إنتاج النظام الساقط بآلياته وانحيازاته ، أو إعادته إلى نظم وكهوف القرون الوسطى ، التي ضللت بالدين في التصويت على التعديلات الدستورية ، وهدمت الأضرحة والمزارات الدينية ، وقطعت الأذن ، وتقطع الطرق .
الدستور والأجور :
أول خطوة في بناء النظام الجديد ، هي إعادة توزيع السلطة والثروة والمعرفة ، عبر برنامج يلبي أماني وطموحات الشعب المصري في التنمية ، التنمية البشرية المستدامة ، السياسية والاقتصادية والثقافية ، من خلال صياغة دستور جديد ، دستور يقوم على المواطنة والحريات والتعددية الحزبية ، بما فيها حزب الطبقة العاملة ، ويقر حق التباين والاختلاف والتعبير والنشر والاحتجاج ، حق الإضراب والاعتصام والتظاهر السلمي ، دستور عصري لدولة مدنية وجمهورية برلمانية ، عقد اجتماعي ينهض على المساواة والحقوق ، وبرامج تعلي من شأن القوى المنتجة الحديثة ، التكنولوجية والعمالية والفلاحية ، وتسعي لدمج القوى الاجتماعية المهمشة ، الأكثر فقرا وحرمانا ، في المتن الاجتماعي ، بصياغة هيكل للأجور والدخول ، بصياغة منظومة تعليمية وصحية وثقافية وخدمية ، لتضييق الفجوة بين المدينة وأحزمة الفقر ، بين المدينة والريف ، بين الأغنياء والفقراء ، بين العمل الذهني والعضلي .
إن ثورة 25 يناير تخوض طرقا وعرة ، محاطة بالأعداء والخصوم المحليين والإقليميين والدوليين ، لتستكمل مصر مهام تحررها ، التحرر من الغـزاة والطغاة ، من النهب والفساد والاستغلال ، من الرأسمالية الريعية والكومبرادورية ، من الملوك والأمراء وبقايا الحكام العرب ، ولتستكمل مصر بناء الدولة الديمقراطية ، دولة القانون والعدل والإخاء والمساواة وتكافؤ الفرص ، دولة التعددية وحق الاختلاف والتعبير والتنظيم والنشر ، وقد تحررت عبر ثورتها المتعددة الحلقات ، من الاستعمار العثماني المملوكي ، ثم من الاستعمار العثماني البريطاني المشترك ، لتقع فريسة للاحتلال البريطاني الذي أجلته ثورة يوليو ، ومن بعده الاحتلال الصهيوني ، لقد حررت مصر أراضيها من الغزاة ، لكنها وقعت في براثن نخبة عسكرية وبيروقراطية ، طغاة مستبدين وفاسدين ، حولوا الفساد إلى منظومة مجتمعية ، سادت الرشوة والمحسوبية والواسطة ، وها هي مصر تعاني آلام الانتقال إلى الثورة الديمقراطية ، ثورة تحرير الدولة والمواطن ، تحرير الدولة من الطغيان والديكتاتورية والأحادية والتبعية ، وتحرير المواطن من الفقر والتفاوت والتهميش والحرمان والجهل والمرض والاستعباد ، وتحاول هذه الورقة رسم خارطة طريق ، لتجنب محاولات الثورة المضادة ، والالتفاف على الثورة ، أو خطفها ، ولسرعة انجاز مرحلة الانتقال :
ـ تشكيل هيئة تأسيسية من هيئات ومنظمات المجتمع .
ـ تصوغ الهيئة التأسيسية دستورا لدولة مدنية وجمهورية ديمقراطية .
ـ انتخاب رئيسا للجمهورية ونواب البرلمان فور الاستفتاء على الدستور .
على أن نبدأ بصياغة هيكل جديد للأجور والدخول :
ـ تشكيل مجلس قومي لربط الأجور والدخول بالأسعار .
ـ وضع حد أدنى وأقصى للأجور والدخول ، يكفل حياة كريمة للمواطنين ، ويضيق الفجوة بين الهيئات الاجتماعية والأفراد .
ـ تقديم إعانة بطالة للعاطل إلى أن يجد عملا أو توفر له الدولة عملا .
ـ تجريم التوظيف في أكثر من عمل ، وأكثر من ثماني ساعات .
ـ تنظيم الجاليات المصرية في سوق العمل العربي والدولي ، في مؤسسات وهيئات ، من خلال السفارات والقنصليات .
ـ توحيد المنظومة التعليمية والعلاجية ، للمساواة بين المواطنين .
هذا على مستوى البناء السياسي ، وعلى المستوى الاقتصادي ، يجب النظر إلى مصر كوحدة واحدة ، تمتلك النهر والبحر والصحراء ، تمتلك الأرض الزراعية وماء الصيد وصحراء التعدين ، لتخرج مصر من الوادي الضيق ، لتتوسع التنمية شرقا في سيناء والصحراء الشرقية ، لتتوسع التنمية غربا في الصحراء الغربية ، لننشأ أسطولا بحريا سلميا للصيد والصناعات البحرية ، فالماء أغنى من اليابس .
حينذاك أعتقد أن الثورة المصرية تكون قد وضعت أقدامها على طريق التقدم والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص وأقامت دولة المواطنة .



#إبراهيم_الحسيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أتيليه القاهرة على صفيح ساخن
- أطياف ماركس وأشباه هتلر
- قصة قصيرة
- الفران والكلب - قصة قصيرة -
- جدي
- لسان النار
- غروب - قصة قصيرة -
- فرح - قصة قصيرة -
- القوس -قصة قصيرة -
- سفر - قصة قصيرة -
- النخلة - قصة قصيرة -
- العائلة - قصة قصيرة -
- لهو
- أفخاخ - نصوص -
- فالس - قصة قصيرة -
- النهار الذي غاب
- جلسة ليست عائلية - قصة قصيرة -
- الحدود - قصة قصيرة -
- بيضة الصباح و المساء - قصة قصيرة -
- الغائب - قصة قصيرة -


المزيد.....




- أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
- خلل -كارثي- في بنك تجاري سمح للعملاء بسحب ملايين الدولارات ع ...
- الزعيم الكوري الشمالي يشرف على مناورات مدفعية بالتزامن مع زي ...
- الاحتلال يقتحم مناطق في نابلس والخليل وقلقيلية وبيت لحم
- مقتل 20 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة
- بالصور: زعيم كوريا الشمالية يشرف على مناورات -سلاح الإبادة- ...
- ترامب يفشل في إيداع سند كفالة بـ464 مليون دولار في قضية تضخي ...
- سوريا: هجوم إسرائيلي جوي على نقاط عسكرية بريف دمشق
- الجيش الأميركي يعلن تدمير صواريخ ومسيرات تابعة للحوثيين
- مسلسل يثير غضب الشارع الكويتي.. وبيان رسمي من وزارة الإعلام ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إبراهيم الحسيني - 25 يناير وتحرير الدولة