أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم الحسيني - بيضة الصباح و المساء - قصة قصيرة -














المزيد.....

بيضة الصباح و المساء - قصة قصيرة -


إبراهيم الحسيني

الحوار المتمدن-العدد: 2158 - 2008 / 1 / 12 - 08:48
المحور: الادب والفن
    


عندما يدخل شعاع الشمس من النافذة , يغمر الحجرة ضوء النهار , يطن في أذني الولد سمير لغط وهمهمات وصياح الباعة في الحارة , يتقلب في فراشه بالطول والعرض ,مستمتعا بالدفء والخدر والسرير خال من أخته أمه وأبيه , الذين ينهضون مع آذان الفجر وتكبيرة الصلاة , ويكون سمير في انتظار أمه تأتي ويدها مبللة بالماء , لتدفع الغطاء عن وجهه , تهزه وتقبل جبينه ,
وتقول : قوم يا سمير , الشمس طلعت من بدري .
يظل يئن يتلوى يراوغ يتملص , إلي أن يشعر بنبراتها , وقد فاض منها الكيل , تحتد وتقوي متوعدة ومنذرة , يكف والبكاء يخنقه , ويجثم علي أنفاسه , يقاوم رغبته في النوم والكسل , يستجمع قواه لمواجهة لسعة البرد ووخز الهواء , يشب بجذعه متعلقا برقبتها , لتمنحه بعض الدفء وابتسامة تزيل التجهم والصرامة آثار الغضب علي وجهها , يقبلها ويتوسل إليها :
" أن تدعه ينام اليوم .. واليوم فقط "
تداهمه السبورة والحصيرة وأحذية وشبا شب الأولاد وعصاة الشيخ مسعود , الذي يراه – كما يرى الجان والعفاريت في حواديت وحكايات أمه التي تملأه بالرعب والخوف في أنصاف الليالي – بقرون وحوافر وأنياب حادة طويلة ومدببة .
تحمله بين ذراعيها , تسير به إلي الحوش الترابي , تضع رأسه تحت حنفية المياه , وهو يرفس الهواء بقدميه , ينشج ويصرخ ويضربها بيديه علي صدرها , يحاول التملص والانفلات من إحكام ذراعيها حول جسمه .
الولد سمير تظل البيضة , طوال أيام الأسبوع , تداعبه , تراوده , تأتي إليه في الأحلام : علي هيئة ثمار كثيفة تتدلي من فروع الشجر , أو تلال كبيرة لا تنضب , ويظل هو , في خيالاته , ينزع القشر عن البيضة , يتحسس الملمس الناعم من الداخل , يديرها ويضغط عليها في كفه , بينما لعابه يسيل , وريقه يجري , يعد يحسب :
" السبت الأحد الاثنين ... "
بدءا من ليلة الجمعة إلي صباح الخميس , ينتظر مرور الأيام وتتابعها بفارغ الصبر ,وطعم البيضة الحلو الشهي اللذيذ , يتعلق بذاكرته , يلازم شفتيه , ولا يفارق لسانه .
لهذا يكون الولد سمير , يوم الخميس بالذات , في انتظار أمه , قلقا متوجسا , يتحرق شوقا إلي سماع صوتها , وابتسامة مريرة تشق شفتيها , عندما تقول :
" خليك نايم أنت يا خويا وأنا رايحة ألم البيض "
ينتفض وينفض اللحاف بعيدا عن جسمه , دون خوف من لسعة البرد ووخز الهواء ومياه الحنفية و خيزرانة الشيخ مسعود , يهبط السرير شاكيا باكيا , بملابسه الداخلية المتسخة , يجري يصعد السلم بساقيه المقوستين محاذرا , يستند بكفه الصغيرة علي الجدار .
وعند عشة الفراخ : يكور جسده الصغير , وينفذ من الفتحة الضيقة – وقلبه يرجف – يبحث في التراب والريش والغبار عن البيضة التي يخبئها في عبه , إلي أن يغيب عند الجدار وطلمبة المياه , في الحارة عن عيون أمه التي تودعه بقبلة علي جبينه , والحزن يرقد في قلبها بلادا وبلادا .
ذات ليلة , والقمر هلال , وكانوا يجلسون في حوش الدار , قال : ........................
فتلقى صفعة قوية من أمه , التي ظلت تبكي طول الليل , لكنه ظهيرة اليوم التالي وجد بيضة مسلوقة ترقد بين طيات الرغيف ,عندما هم يتناول طعام الغداء في الكتاب .

عندما تغيب شمس الخميس , وتسقط خلف النقطة القديمة , يعود الولد سمير , رغم كثافة الشوق , علي قدميه من الكتاب .
وفي الكتاب ينسي الولد سمير- في هذا اليوم بالذات – الدنيا وما عليها , يغيب تماما عن المكان , لا يري الشيخ أو السبورة أو الأولاد , يسرح ببصره , يركز بعقله وأفكاره , هناك عند الجدار , حيث دفن البيضة بجواره في الصباح , يتأمل شكلها ,حجمها , ملمسها , مذاقها , إلي أن يأذن لهم الشيخ بالانصراف , فينطلق مسرعا , ويكون الشيخ قد ضربه , في هذا اليوم بالذات , علي كفيه أو إليته مرات ومرات .
وفي الحارة , يلقي نظرة علي الجدار , ملؤها الحنين والرغبة واللذة ثم يقترب منه بحذر وتردد شديدين , يتلفت حواليه , يختلس البصر يمينا ويسارا , ويعبث بأصابع قدميه في التراب .
لكن الولد سمير لم يكن بمقدوره أن يرى أمه , كل يوم خميس , وهي تستبدل البيضة التي يدفنها في التراب كي تنضج علي نار الشمس الحامية .
ولم يكن بمقدوره أيضا , أن يرى أمه المختفية الآن وراء الباب , تتأمله بفرحة ومرارة , وهو ينبش في التراب , باحثا عن البيضة التي تكون قد نضجت واستوت , فيأخذها في عبه – هنا بجوار القلب – ويجري يأكلها ويرمي قشرها بعيدا عن أنظار الآخرين .
ثم يرفع الترباس , ويتسلل داخلا من فتحة الباب الموارب.



#إبراهيم_الحسيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغائب - قصة قصيرة -
- عرس
- اللعبة (قصة قصيرة)
- الشاويش والدرويش1
- ليل
- ثقافة الحرمان بين الكاب و العمامة
- إيران في مرمي نيران العولمة


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم الحسيني - بيضة الصباح و المساء - قصة قصيرة -