إبراهيم الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 2172 - 2008 / 1 / 26 - 10:09
المحور:
الادب والفن
من نافذة سيارته " الشيفروليه " لم المعلم خميس الدمهوجي, وهو يتحسس فخذيه وركبتيه, ميدان باب الشعرية في عينيه:محلاته, مقاهيه, عماراته , إعلاناته,إشارات مروره , عواميد إنارته , أرصفته , أشجاره , نواصيه,عشب حديقته المسورة أسياخ حديدية , شريط الترماى الذي يخترقه,أتوبيساته , سيارته الأجرة والملاكي , جامع سيدي الشعراني , رجاله , نسوانه , فتياته , فتيانه , معلمينه , صبيانه.
- وصلنا يا معلم.
أكثر من نصف عمرك , قضيته هنا يا خميس , وقفت يا ما على رجليك مع الخبازين تحت العامود , اشتغلت في كل الأفران , بالليل والنهار طولجيا , سحلجيا , عجانا , تلدنجيا , فرانا , وساعات تروح مع أصحاب المخابز بلطجيا- ضربت وضربت , جرحت وجرحت - نمت في القهاوي والجناين , على أسطح البيوت , مع العفاريت والأشباح في القبور , بين أجولة الدقيق و الفيران والعرس والصراصير , وتحت أقدام الفرانين , على حصير سيدي الطشطوشي , وسجاجيد سيدي الشعراني , مدد يا حسين , بركاتك يا طاهرة , جريت يا ما وراء الأتوبيسات , و نطيت من الشمال في الترمايات , وفى عز البرد:كنت تفتح صدرك , تعريه للريح والمطر , وأنت تحمل أقفاص الخبز فوق رأسك , تميل بالدراجة هكذا , حتى تكاد تلامس الأرض من اليمين , وتميل هكذا حتى تكاد تلامس الأرض من الشمال , وتغنى:
" يا عزيز عيني , وأنا بدي أروح بلدي"
وشفت النسوان عرايا , تلصصت عليهن في الحمامات , السمينة والرفيعة , البضة و"المرهرطة" , البيضاء والسمراء , ونمت معهن في الكرخانات.
فتح المعلم خميس باب السيارة الخلفي , حمل ساقيه من ثنيتي ركبتيه , القاهما على الرصيف , وهو يزحف بمؤخرته , إلى أن تمكن من الإتكاء على حافة الباب , فوقف حتى هدأت أنفاسه , واستدار منحنيا بجذعه , يجر عكازيه من قاع السيارة , ثم وضعهما- هكذا- تحت إبطيه , وتأمل جلبابه"الجوخ" بأكمامه العريضة , وحذاءه "الأجلاسيه" , وحملت إليه نسمة هواء , رائحة الكباب والكفتة والطرب والجوافة والعنب والبرقوق والمشمش والمانجو, تنهد بعمق ومضى ينقل عكازيه في طريقه إلى مقهى الصنايعية , وعلى بعد خطوة منه رمضان السواق , والوقت بين المغرب والعشاء.
#إبراهيم_الحسيني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟