أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم الحسيني - قصة قصيرة















المزيد.....

قصة قصيرة


إبراهيم الحسيني

الحوار المتمدن-العدد: 2275 - 2008 / 5 / 8 - 04:30
المحور: الادب والفن
    


لحظات وتغادر الفراش ..
دقائق وتغادر البيت ..
الساعة الآن تجاوزت التاسعة ..
إلى أين ؟ ليس مهما ، مع من ؟ ليس مهما .
" رشا في حاجة الآن إلى فنجان قهوة على الريحة أو كباية شاي سكر خفيف "
غرفة عطنة ، شرفة متربة ، ستائر متربة ، وسائد متربة ، سجادة متربة ، مرآة و تسـريحة متربة ، منضدة فرومايكا متربة ، ملابس ملقاة على حافة سرير وأسفل مشجب ، دولاب متهالك ، حذاء مقلوب ، هواء شحيح له نكهة الرماد " شايط " .
بقايا جبن وزيتون ولانشون وخبز فينو ، زجاجة براندي فارغة ، كباية بها أعقاب سجائـر ، كمدينو ، أباجورة ، هاتف رمادي ، حقيبة يد سوداء ، ولاعة صيني ، علب سجائر مريت فارغة ، منفضة سجائر ، كيس مناديل ورقية فلورا ، آثار شمعة ذاوية ، علب وأقراص أدوية ، زجاجة مياه معدنية "حياة" فارغة .
الشعر جف وخف ابيض وتقصفت أطرافه ، انطفأ وميض العيون ، وتهدلت الجفون ، تساقطت أسنان وناب من الفك اليمين وضروس من الفك الشمال ، زحفت التجاعيد ملأت الوجه ، والبشرة ترهلت وتغضنت ، وصارت للفم رائحة بغيضة .
- ترن .. ترن .
- ألو
- ...............
- النمرة غلط .
دعكت عينيها بإبهاميها ، مازالت على قيد الحياة ، هرشت قفاها بمودة " تخشى رشا أن تستيقظ ذات يوم لتجد نفسها ميتة "1"
أشعلت سيجارة مريت زرقاء ، ثم نفثت دخانا ظلت تتابعه يتلاشى رويدا ، وخدر لطيف يدغدغ أطرافها ، أدخلت قدميها في خف ، ثم ألقت منشفة على كتفيها ، ومضت .
ردهة طويلة شبه معتمة ، أبواب عديدة مغلقة , نجفة ضخمة – هي أيضا متربة - تتوسط سقف بهو كبير ، تتصدره صورة جنرال بزيه العسكري ، يسند رأسه على إبهام يده اليسرى وسبابتها ، وصور أخرى لفتاة وشابين ..
" في إحدى بروفات عطيل – وكانت تلعب ديدمونة - مع فرقة كلية الآداب المسرحية ، وجدت رشا نفسها في مفترق طرق ، بين الشاعر مندور الزين والكولونيل شفيق رضا ، هذا تفتنها قصائده ، وهذا يغويها نسره و نجومه ، قلبها مع الشاعر ، وعقلها مع الكولونيل ، الشاعر صعلوك وقصيدته تحلق بعيدا عن الأرض ، لا يملك من الدنيا إلا الترمس والذرة المشوي ورصيف النيل وكلمات وقصائد عذبة وأبياتا شعرية لا يقطن فيها احد ، والكولونيل خطواته منظمة تدب على الأرض بدقة صارمة ، وهذا زمن الضباط , معهم سلطة يوليو ومجد الثوار وثروات الأمة "
لوحة زيتية متربة : صحراء مترامية .. رمال تتماوج ، تزحف على بحر سكنت أمواجه .. مراكب ممزقة الأشرعة ومحطمة القلاع .. شواهد قبور .. مسلة ورأس مومياء .
علب الشاي والبن والسكر فارغة ، أنبوبة الغاز فارغة ، الثلاجة فارغة ، مطبخ بارد لم تشتعل فيه نار منذ أسابيع ولا شهور ، عناكب تملأ سقفه وزواياه ، قوافل نمل وصراصير تروح وتجئ على جدرانه .

دقائق وتغادر البيت ..
إلى أين ؟ ليس مهما , مع من ؟ ليس مهما .
ليل القاهرة – وسط البلد – ساحر وجميل , تروق من الزحام , تتندى ويصفو الجو , يتلاشى ضجيج الكلاكسات ودمدمة الموتورات , تتلألأ إعلانات النيون بألوان الطيف , لن تركب مترو الأنفاق – الليلة - رغم ما في سلمه من متعة , تغمض عينيها , و تسند مرفقها على درابزينه , وتستسلم , تغفو وتصحو , أحلى غفوة وأسوأ صحو , وهو يصعد بمفرده ويهبط , تشتاق إلي شارع شبرا وتقاطع خلوصي وميدان أحمد حلمي وواجهة سينما دوللي , تستدعى صباها وشبابها , تجوب شوارع مسرة شبرا وشيكولاني , تتأمل الأزياء والأحذية والأكسسوارات في الفتارين , تنتقل مع زميلاتها من شبرا بالاس إلى دوللى , وفي أمسيات الربيع والصيف سينما أمير , سبارتكوس .. الطلقة 41 .. عالم مجنون مجنون .. أفلام شكسبير كوزنتسيف الروسية – تمقت الأمريكية والإنجليزية - امرأة في الطريق .. شباب امرأة .. الحرام .. باب الحديد .. زقاق المدق .. بداية ونهاية , تلك الأفلام تقدرها , ولا تمل من مشاهدتها , إلا عطيل ودعاء الكروان لهما مكانة خاصة عندها .
- القهوة بتاعتي وشيشة يا حامد .
- باكو بسكوت يا عم مرسي .
وفي ركن قصي معتم , تختار رشا مقعدا بمفردها , تحت شجرة فيكس , بممر البستان - المقهى الذي صدر منه بيان الطلبة , وأقام مصر وأقعدها سبعينيات القرن العشرين , صار وكرا للخرتيه والمحتالين والمومسات والقوادين - تقضم قطع بسكوت مملح , تحتسي فنجان قهوة دوبل , تدخن شيشة التفاح وهي تقلب الجمر بالماشة , تستعيد أيام مجدها , أيام تألقها , وهي تطل على ملايين المشاهدين من شاشة التلفاز , تحاور نجوم الأدب والفن والعلوم والسياسة والمجتمع , تستضيف الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء والثوار , ترتاد المسرح ومعارض الرسم والنحت , وفي السهرة تتبادل الأنخاب – شمبانيا ويسكي كونياك - مع الكتاب والمخرجين والممثلين والممثلات في الفنادق الكبرى والكازينوهات .

دقائق وتغادر البيت ..
" رشا في حاجة الآن إلى فنجان قهوة على الريحة أو كباية شاي سكر خفيف "
دخلت الحمام , تغتسل من أوساخها , عرق وأتربة , تعرت – الجسد الذي كان بضا وممشوقا رهرت وانتفخ – طقطقت أصابعها , ثم تحسست آثر الثدي المبتور , وفتحت الدش , تستعذب المياه :
قالوا لي هان الود عليه
ونسيك وفات قلبك وحداني " 2"
....................................................

- نفسي في أكلة سمك .
- بلطي ولا بحاري .
- على شط النيل أو البحر مش مهم .
- أنت مجنونة .
- في أحلى من الجنون .
- وحشتيني .
- نقوم .
- في سماك في القناطر .
- ممكن يكون فاتح ؟
- ولو نايم , نصحيه .
- جنون بجنون نروح إسكندرية ؟
- نتفاهم في الطريق .
- عندي فكرة .. أجن .
- خير .
- أعرف صياد .. ينزل بينا الميه .. يقدف ويصطاد .
- الدنيا برد .
- صيد السمك غية .
- الدنيا ليل .
- النار في قلب الميه .. دفا ونور وعفا .
- البحر غريق .
- بلطي وبياض .. مشوي وكمان مقلي .
- خلينا على الشط .. كبرنا .
- آه يا جنية .. عشقك سحرني .. وموالك قتلني .
- فاكر .
- عمري ما نسيت .
- كان زمان .
- لسه العمر في بقية .
- ونسمع الست .. رق الحبيب .
- ومحمد قنديل بين شطين وميه .
- بحب أتنين سوا .
- الميه والهوا .
- ادخل جنتي .
- انفجر شظايا .
- حالملم جسمك جوايا .
- روحي تتقطع .
- كل من فاكهتي , كل من ثماري .
- ثمرة محرمة .
- اشرب خمري .
- أخشى الإدمان .
- أستظل بظلي .
- قربك نار .
- طفي ناري .
- اطفي الشمس ؟
- خليك نار .
- ريقي ناشف .
- نبعي قدامك .
- نروح الإسماعيلية .
- قلنا القناطر أو إسكندرية .
- عندي شاليه .
- أحد .. أحد .. بركاتك يا مولانا .
خمسة أيام مرت , في غمضة عين وانتباهتها , جابا معا مدن دلتا مصر وسواحلها , جناين و شاليهات القناطر , طنطا والسيد البدوي , إسكندرية قلعة قايتباي .. يود الفجر والمرسى أبو العباس , الإسماعيلية السفن والبواخر , استردت رشا خريف صباها وربيع شبابها , ومضت عيناها , تألقت بشرتها , استعاد صوتها جلجلته , عاشت , اختارت الزمن الذي تحياه , والرجل الذي دفنت عشقه ربع قرن , كانت تجأر :
عطشانة .. عطشانة .
.................................................
فقدت القدرة على البكاء , فقدت القدرة على الضحك , لا أحد هنا يؤنس وحدتها , مريم الوحيدة هاجرت مع زوجها إلى كندا , ومندور الكبير رحل إلى المجر , والولد الصغير زكريا ضابط شرطة في الأقصر , وفي إجازته يحاصرها بالسين والجيم , يلاحقها بالاتهامات والاستفسارات , ثم يمضى إلى أبيه , يرتاح للحياة مع زوجة أبيه الكوافيرة – النتافة - التي خطفته مني , مكثت في معهد الأورام ستة أشهر , خضعت خلالها لجلسات إشعاعية وعلاج كيماوي مدمر , لم يبق لها إلا براويز صور معلقة على الجدران و سخرية مريرة وامتعاض وقصائد وطنية مباشرة , تلقيها في المظاهرات والندوات ورواد الأتلييه ومقاهي المثقفين , ريش .. البستان .. الحرية .. الندوة الثقافية , ورصيف نقابة الصحفيين , يوسعون مكانا بينهم :
- أهلا بالخنساء .
هم .. هم .. رفاق كل ليلة , نفس الأسماء , نفس الوجوه , نفس المناقشات , من لفظته المؤسسة , ومن اختار اجتنابها , شعراء قصاصين روائيين كتاب صحف وتشكيليين , ماركسيين .. ناصريين .. بعثيين .. قوميين .. ليبراليين .. عسس ومرشدين , سأمت مثلث الرعب , التحرير .. باب اللوق .. وطلعت حرب , أين المفر ؟ لم يعد في المدينة غير عمرُ بن العاص .. معاوية بن أبي سفيان .. إيفان كرامازوف , قتلة محتالين و ملاحدة , الحاد إيفان كرامازوف " إذا لم يكن الله موجودا فكل شيء مباح " 3"
- شيش بيش .
- دوبارة .
- دش
تسحب قرصا من باكو هولز مخبأ في حقيبتها , تدسه في زاوية من فمها , وتنضم إليهم .
" كل واحد منهم عاوز ينام معايا بعشوة وقزازة بيرة , أنا مش مومس يا ولاد القحبة "
- مين شايل المشاريب ؟
- تلعبي ؟
- حاقطعك .
- أنا اللي نفسي مرة اقطعك .
- هات طاولة يا احمد
ساعة ساعتين تحني رأسها , تدقق قراءة الزهر , وتخطئ كثيرا , فهي تأبى ارتداء نظارتها الطبية , تحتسي فنجان قهوة وراء فنجان , تدخن بشراهة سيجارة من سيجارة , تختلس من حين إلى آخر قرص هولز , تدسه في فمها , وفجأة تغلق الطاولة بعصبية , ثم تزيح الكرسي للخلف , و تنهض تحمل حقيبتها وأوراقها :
- حد رايح الأتيليه .
- حنحصلك .
وتمضي تشيعها نظرات ساخرة وتعليقات هامسة .
" بن الأتيلييه مذاقه حريف , وقعدته ألطف وأشيك , وهواءه أرق وأطرى , وعمال البوفيه ذوق نظاف ومهذبين , يعرفون قدر الأدباء والفنانين , يقدمون المشاريب بأدب وابتسام :
- القهوة يا هانم .
- حمص الشام يا أستاذة . "
تمر من ميدان طلعت حرب إلى شارع كريم الدولة , تلقى نظرة أسيانة على مكتب زعيم حزب التجمع المظلم , لسنوات عديدة عملت مديرة مكتب أحد ضباط يوليو الكبار , كلهم تمنوها واشتهوها وراودوها , من وراء ظهر الكولونيل شفيق رضا , " اخدني لحم ورماني عضم " , كانت شديدة الجمال , تخطف الأبصار , تسلب الألباب , شامية الملامح .. فارعة ..رشيقة .. بيضاء .. ملونة العينين .. وشعرها أصفر كثيف .
شاخت وهرمت ..
تدخل رشا الأتيلييه , يستقبلها عم زكي بابتسامته الودود ة .
- حد سأل على يا عم زكي ؟
- ما حدش سأل يا هانم .
- في جوابات عشاني يا مجدي ؟
- ما فيش يا أستاذة .
تتجه إلى لوحة الإعلانات ، تتابع أخبار الحياة الثقافية , المعارض الندوات نوادي السينما المسرحيات الجوائز المسابقات , ثم تتحول إلى عرض الكتب , تتأمل ديوانها " سوناتا الألم والشجن " تطمئن لوجوده في صدر الفاترينة وتبدي دهشة , فالديوان لم يوزع مئة نسخة , ومعظم النسخ ذهبت هدايا , الناس فقدت التذوق !! فقدت الحس بالجمال !! لم يعد الشعر ديوان العرب , لقد تجاوزت نازك وفدوى!! والنقاد يتجاهلون وجودها !! مؤامرة تحاك ضدها , تغزل خيوطها الكوافيرة – النتافة - تحاصرها , بنفوذ الجنرال , وزوجة رجل الشرطة الأول في مصر , تستعيد ثلاثاء ندوتها , أجرت اتصالات هاتفية مع ناقد له شنة ورنة ودكتورة في آداب عين شمس , نشرت الخبر في الجرائد القومية والحزبية والمستقلة , وجهت الدعوة في الأماكن التي ترتادها , واستعدت ليوم عرسها , فإذا كان أحمد شوقي أمير الشعراء , لم لا تكون هي الأميرة !! تكتب كل الشعر : الفصحى – عامودي وحديث - والعامية والزجل , تحتقر قصيدة النثر والشعراء الشباب , تكتب العاطفي والوطني والاجتماعي , تزن وتقفى !! تصور وتشبه !! استعارات مركبة !! إيقاع منضبط مشدود كالوتر !! موسيقى الجناس والطباق تكسب قصيدتي مهابة وفخامة !! ومصحح اللغة نادرا ما يجد عندي خطأ نحويا !! من يكون درويش والسياب وعبد الصبور بجواري !! لا أمل ولا مطر !! أنا أحسن شاعرة عربية في العصر الحديث !! في قامة المتنبي وأبي نواس وبشار !! اللغة والمجاز والبلاغة ملك يميني !! لا قامة شعرية تطال قامتي !! رغم أنف الجنرال والنتافة امرأته !! أفسد الندوة !! اتصل بالنقاد والجمهور , حجبهم عن الحضور !! امرأته عميلة للموساد والسي آي إيه ومباحث أمن الدولة !! حتى منظم الندوة تخلف , هاتفني يعتذر في العشرة دقائق الأخيرة , أصيب بنوبة برد أقعدته في الجريون والنادي اليوناني طوال الليل !!
- الويسكي والبيرة أحسن حاجة للبرد يا مدام .. خدي كاس !!
الأتيلييه بيت الكتاب والفنانين يفتح أبوابه الخامسة عصر كل يوم , ويغلق الثانية عشر منتصف الليل , يزدحم برواده كتاب وكاتبات .. فنانين وفنانات .. وطلبة وطالبات كليتي الفنون الجميلة والتطبيقية , الأحد والثلاثاء والخميس من السابعة حتى العاشرة , يأتون من القاهرة الكبرى والإسكندرية والمحلة , الأحد افتتاح معارض الفن التشكيلي – الرسم والنحت – بقاعات العرض الأربع : راتب صديق .. انجي أفلاطون .. محمد ناجي .. وقاعة الشباب , والثلاثاء أهم ندوة أدبية في مصر , والخميس ليلة الجمعة وصباحه عطلة الأسبوع , حفنة قليلة تأتي كل ليلة ونادرا ما يأتي أحدهم قبل العاشرة : سيناريست .. كاتب مسرح .. قاص .. فنان تشكيلي .. ممثل مغمور .. مخرج تليفزيوني .. طبيب عظام .. سمسارة لوحات .. صحفية .. ومدرسة فلسفة , هذه شلة السهر ما بين الجريون والنادي اليوناني وروف الاوديون , وتستكمل رشا سهرتها حتى الصباح بمفردها في AFTER 8
بمجرد انفصالها عن الجنرال ، ارتادت أماكن تعتقد تردده عليها : هيئة الكتاب , المجلس الأعلى للثقافة , نادي القصة , اتحاد الكتاب , حزب التجمع , الأتيلييه , مقاهي الأدباء والمثقفين , أرادت استدعاء ماض قفز بغتة , داهمتها تفاصيله , تطاردها وتسهدها , يجرفها حنين جارف لسنوات مضت , تشعر بقوة للإمساك بالزمن والسيطرة عليه وتحريكه , يتملكها يقين أنه سوف يرتمي بين يديها , هو لها محب , لم يبرح عشقه , أليس شعره قصيدتها ,ألا تقول قصيدته إنه يذوب شوقا وحنينا لأيامي معه , ألا تزال جميلة كما كان يهمس :
أجمل نساء الأرض .
" عجبا لغزال قتال .. عجبا
يخطر بدلال فيثير .. الشهبا " 4"
تستعيد رشا لقاءها الأخير مع الشاعر مندور الزين , الذي اختفى , لوح لها من نافذة سيارته ، وقال : وداعا .
كان لقاءا داميا , أخذها للسماء , , في ملاهي العاشقين غمرها بالمطر والسحب , مكنها للحظة من الزمن , ثم أنزلها غرة إلى طين الأرض ووحلها , ومضى .
سألت عنه في الحزب والجريدة .
أنكر نفسه .
هاتفته .
لم يرد .
اتصلت بمنزله مرات عديدة .
وأخيرا .. ردت زوجته بعصبية :
- عيب يا مدام رشا .
..............................................
دقائق وتغادر البيت ..
إلى أين ؟ ليس مهما , مع من ؟ ليس مهما .
" رشا في حاجة الآن إلى فنجان قهوة على الريحة أو كباية شاي سكر خفيف"
أخفت رشا أثر جرح ما كان ثديا بارتداء مشد الصدور , و ثياب الخروج : تايير أحمر طويل .. بالطو أخضر ثقيل , تزينت .. تعطرت , ثم عقدت إيشارب أخضر , أزاحته للخلف , لتطل خصلة ميش هي كل ما تبقى من شعرها , تبحث عن حذاء هنا وهنا ينسجم مع زيها , ثم تنقلت بين الغرف , غرفة تلو غرفة , تشم رائحة مريم ومندور وزكريا , تغمرها ذكريات تترى ، تجرحها وتدميها ، تنزف وخزا مؤلما في الروح والنفس ، تطالع آثار أولادها ومتعلقا تهم , يتملكها شوق وحنين وأسى ورغبة عارمة في الخروج , البيت بارد برود الموتى : وحشوني ولاد الكلب .
وتناولت قرص هولز بطعم الفراولة , وهي تطفئ الأضواء , لمبة تلو أخرى , ثم تصفق الباب , وصورة الجنرال تشيعها بنظرات لاهية .

الهوامش :
1- الفيلسوف الوجودي كيركيجورد .
2- الموسيقار محمد عبد الوهاب .
3- الأخوة كرامازوف .. دوستويفسكى .
4- الموسيقار فؤاد عبد المجيد .



#إبراهيم_الحسيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفران والكلب - قصة قصيرة -
- جدي
- لسان النار
- غروب - قصة قصيرة -
- فرح - قصة قصيرة -
- القوس -قصة قصيرة -
- سفر - قصة قصيرة -
- النخلة - قصة قصيرة -
- العائلة - قصة قصيرة -
- لهو
- أفخاخ - نصوص -
- فالس - قصة قصيرة -
- النهار الذي غاب
- جلسة ليست عائلية - قصة قصيرة -
- الحدود - قصة قصيرة -
- بيضة الصباح و المساء - قصة قصيرة -
- الغائب - قصة قصيرة -
- عرس
- اللعبة (قصة قصيرة)
- الشاويش والدرويش1


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم الحسيني - قصة قصيرة