أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - بين معنى الوطن ومعنى النظام أضاع سعدي يوسف نفسه














المزيد.....

بين معنى الوطن ومعنى النظام أضاع سعدي يوسف نفسه


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3344 - 2011 / 4 / 22 - 00:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على هامش التصريحات الأخيرة التي أطلقها شاعرنا الكبير سعدي يوسف هناك ثمة إشتباك يجب فكه بين مفاهيم ثلاث كان جرى تداولها وكأنها مفهوم واحد.
في واقع الحال هناك ثمة فواصل مضيعة بين ما نسميه وطن وما نسميه دولة أو ما نسميه نظاما سياسيا.
ولدى البعض, ويبدو أن سعديا منهم, فإن الحالات الثلاث تتداخل إلى درجة الغياب كليا في واحد منها.
من ناحية فإن النظام الدكتاتوري بمختلف درجاته ومستوى المركزية والفردية فيه قد يصل إلى درجة تغييب "النظام" و"الدولة" و"الوطن" في شخص واحد, ومثال ذلك أن العراق في زمن صدام كان سمي باسمه, أي عراق صدام, ولم تعد هناك فاصلة بين الدولة والنظام والوطن والحاكم.
وفي العهد الملكي كانت لدينا "دولة" ملكية استبدلت ب "دولة" جمهورية, أما الأنظمة المتعاقبة على الدولة فقد تكون دكتاتورية وقد تكون ديمقراطية, والفواصل هنا بين ما هو "نظام سياسي" وبين ما هو "دولة" رأسمالية واشتراكية هي واضحة, وقد نستطيع بالتالي تجميع هذه الأطراف الثلاثة في معادلة واحدة قد تقول: العراق (الوطن) دولة ( اشتراكية أو رأسمالية أو برجوازية أو إسلامية) يحكمها نظام (ديمقراطي أو دكتاتوري ). )
قد تبدو الخطوط الفاصلة بسمك شعرة ومع ذلك فإن علينا تمييز الثابت الأكيد بين المكونات الثلاث وهو الوطن, الذي يشمل من ضمن ما يشمله الأرض والتاريخ والعاطفة التي تجسدها العلاقة بين الأهل والأصدقاء والأقارب ورحم الأم وجينات الأقارب وما شاكل من عناصر تكوينية أخرى.
فمِنْ مَنْ كان سعدي قد تبرأ..؟!
من النظام السياسي, أم من الدولة العراقية, أم من وطنه الذي هو أرضه وتاريخه وموروثه, وثقافته التي يكتب بها أشعاره ويطلق بها تصريحاته المكتظة بذاته المزدحمة, والمختلفة مع كل شيء إلاها.
هل تبرأ سعدي من أبي الخصيب وجيكوره وسيابه, ومن نخيل البصرة وأنواع تموره المشتهاة, ومن شط العرب ومن أسماك الزبيدي والصبور ومن المد والجزر والغروب عند جزيرة السندباد.
ليتبرأ سعدي من عراق صدام.. وهذا من حقه
وليتبرأ سعدي من عراق أمريكا.. وهذا من حقه
وليتبرأ سعدي من عراق العسكر.. وهذا من حقه
وليختار له وطنا ثانيا وثالثا وهذا من حقه, فالإمام علي قال : وطنك ما حملك, لكنه لم يعني بكل تأكيد إن الذي حملك لاحقا يلغي الذي حملك سابقا.
وإلا لصار ممكنا أن تلغى أرحام الأمهات وأثدائهن.
وهل يتبرأ أحد من رحم أمه أو من اسمها أو من لونها, أو من رائحة طبخها ومطبخها, حتى لو كان إبنا من أبناء الأنابيب.
في أمريكا وإنكلترا وجميع البلدان السعيدة برضاء سعدي عنها وبانتمائه لها يطلبون منك أن تكون مخلصا لوطنك الثاني لكنهم لا يطلبون منك أن تنسى وطنك الأول, بل أنهم دائما يسألونك عن منبتك ومرضعك ليس لحاجة التدقيق الأمني ولكن لأن ثقافتهم انفتحت على الأجنحة فصارت لا تقبل فقط بمزج الثقافات وإنما تسعى إليها وتطلبها وتفرح بها.
إن جائزة نوبل في الأداب شعرا وقصة غالبا ما تمنح لأولئك الذين ينجحون في خلق التعشيقة المطلوبة بين أوطانهم وقضية الإنسان أينما يكون, وإن من المفترض لسعدي وهو يعلن براءته من وطن اسمه العراق أن يتخلى عن كل شيء جناه من هذا الوطن وتعلمه منه, وأول ما يجب أن يتبرأ منه, لغته وثقافته ودواوين شعره.
كل عراقي إنسان هو بريء من عراق هولاكو أو من عراق الحجاج أو من عراق صدام أو من العراق الأمريكي والإنكليزي والعثماني وذلك بقدر ما يتعلق الأمر بالبراءة من الدولة والنظام اللذان كانا على أرض (الوطن العراقي) في تلك الفترة, ولكن لو حدث وآمن بحق البراءة من الوطن بسبب الدولة أو النظام لكان فرغ العراق من أهله قبل قرون ولما كان هناك إنسان اسمه سعدي يوسف من الأساس.
وهذه القاعدة لا تنطبق على العراق فقط وإنما هي تنطبق في مراحل تاريخية على كل الأوطان الأخرى ومنها ألمانيا هتلر وإيطاليا الإمبراطور كاليغولا ونيرون وغيرهم من طغاة روما وصولا إلى موسوليني وعبورا إلى جيرانهم في أوروبا ( الشرقية ) ونظمها البوليسية التي كانت أفلحت في تحويل الإنسان إلى حي ميت.
إن قانون سعدي يوسف لو تم تبنيه لتبرأ الجميع من أوطانهم باحثين عن أوطان لهم ولكن على تراب المجرات الأخرى. وحتى في الحالة هذه ليس هناك ضمانة لأن تكون الأوطان هناك مقنعة لرجال تعودوا أن يعثروا على ذاتهم في الرفض السلبي وفي المواقف الذاتية التي تكسبهم شهرة اللحظة.
على مرمى حجر من الدار التي ولد فيها سعدي يوسف في أبو الخصيب من البصرة هناك دار مباركة كان ولد فيها العظيم "السياب" الذي عاش طفولة معذبة وشباب مضطهد ورجولة منفى ومرض, ولكنه مع ذلك لم يلقي باللوم على جيكور أو على سعف نخلة برحية كانت خيوط الشمس تتسلل منها لتضيء صفحة شط العرب.
وعلى سواحل الخليج الذي كرمه في منفاه وغربته كتب السياب واحدة من أروع قصائده وهي "غريب على الخليج" التي خاطب فيها زوجته إقبال قائلا:
لو جئت للبلد الغريب إلي ما كمل اللقاء
الملتقى بك والعراق على يدي هو اللقاء
رحم الله السياب الذي عرف جيدا كيف يميز بين نظام سياسي كرهه وبين وطن عشقه.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية التداخل بين الفقه الديني وفقه الدولة الوطنية.. العلم ...
- المسلمون. بين فقه الدين وفقه الدولة (3)
- المسلمون.. بين فقه الدين وفقه الدولة (2)*
- لو أن ميكافيلي بعث حيا يا موسى فرج
- مرة أخرى.. حول موقف المالكي من سوريا
- موقف المالكي من مظاهرات السوريين
- الإسلام .. بين فقه العقيدة وفقه الدولة**
- بين فقه العقيدة وفقه الدولة*
- عزت الدوري الرئيس السابق لمؤسسة شيطنة صدام
- حول الرسالة الكوميديةالأخيرة لعزت الدوري إلى القذافي
- كيف تتسبب السلطة البحرينية بالإضرار بعروبة البحرين
- هل سينجح العراقيون في امتحان البحرين
- كركوك هي كركوك وليست قدس الأقداس
- حظر الطيران والخوف من أمريكا
- وائل غنيم والماسونية وثورة مصر
- حاسة واحدة مع المالكي وأربعة حواس ضده
- وحدة فعل الاضطهاد تخلق وحدة رفضه
- نحو موقف أمريكي جديد من الشعب العراقي
- يا سياسي العهود الغابرة.. مكانكم الأرصفة
- وللميادين أرحام أيضا وليس النساء فقط


المزيد.....




- قدمت نصائح وإرشادات للمسافرين.. -فلاي دبي-: إلغاء وتأخير بعض ...
- -شرطة الموضة-.. من يضع القواعد بشأن ما يُسمح بإرتدائه على مت ...
- رئيسي لبوتين: إيران لا تسعى للتصعيد في الشرق الأوسط
- إسرائيل.. إصابات جراء سقوط مسيّرتين أطلقتا من لبنان (فيديو + ...
- إسرائيل تغلق الطريق رقم 10 على الحدود المصرية
- 4 أسباب تستدعي تحذير الرجال من تناول الفياغرا دون الحاجة إلي ...
- لواء روسي: الحرب الإلكترونية الروسية تعتمد الذكاء الاصطناعي ...
- -سنتكوم-: تفجير مطار كابل عام 2021 استحال تفاديه
- الأمن الروسي يعتقل مشبوها خطط بتوجيه من كييف لأعمال تخريبية ...
- أوكرانيا تتسبب بنقص أنظمة الدفاع الجوي في الغرب


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - بين معنى الوطن ومعنى النظام أضاع سعدي يوسف نفسه