صادق الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 3338 - 2011 / 4 / 16 - 06:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يسعى الحكام المتسلطون الى فرض نمط من الحياة يعيشون في خضم تناقضاته ويتعايشون معه فيبدو للإنسان الاعتيادي ان هؤلاء انما يتصورون انهم جُبلوا على خلافهم من طينة خاصة اباحت لهم التحكم بأحوال الناس ومصائرهم في حياتهم وحتى في مماتهم.
يحضرني هنا مقطع في رواية (خريف البطريرك) للروائي الكولومبي جابريل جارسيا ماركيز يتحدث فيه الراوي عن موت الجنرال (الرئيس) وكيف ان الناس الذين حضروا الى القصر ليتفرجوا على موته وسقوط نظامه لم يتذكروا ما حصل في المرات التي سبقت ميتته تلك اذ انهم لم يروه فيها بعد ان مات اجدادهم وآباؤهم الذين عاصروا الرئيس وكأن بقاءه ابدي ولم يتذكر من تبقى من احفادهم وابنائهم سوى ايامه الأخيرة التي تسنى لهم ان يعيشوها كما ان من حضر الى القصر بعد سقوطه كان في شك من ان يكون موته غير حقيقي مثل المرات السابقة برغم ان العقبان قد تآكلته وهو على كرسيه وفي مكتبه.
يحاول الحكام الدكتاتوريون والشموليون في بلداننا العربية وبلدان اسلامية التشبث بكرسي الحكم حتى آخر لحظة وبعضهم لا يتركه لشعبه بل يفر مذعنا تحت سياط قوة اجنبية تجبره على مغادرته بالحديد والنار وهي اللغة الوحيدة التي يبدو ان هؤلاء الحكام يفهمونها مثلما حصل لدينا في العراق ومثلما حدث في بنما اذ أجبر صدام ونوريغا على ترك السلطة مذعنين بوساطة القوة الاميركية ومثلما حصل مؤخرا لرئيس ساحل العاج الذي لم يقبل بنتائج الانتخابات التي خسر فيها فظل متمسكا بكرسيه الى ان لجأت القوات الفرنسية الى ازاحته من الحكم والقبض عليه بعد ان حاول اثارة معارك دموية سقط فيها مئات الضحايا من مواطنيه.
تلك التجارب على وشك ان تتكرر في مثال ليبيا لولا ان قرار مجلس الامن لم ينص على استعمال القوات البرية لدحر قوات القذافي الذي فسر الامر وكأنه اطلاق اليد له لمهاجمة المدن الليبية التي انتفضت عليه، وهو وضع شبيه بما حصل عندنا في انتفاضة آذار عام 1991 حين اكتفت قوات التحالف بحظر الطيران العسكري على قوات صدام في بعض المناطق في حين سمحت له باستعمال قواته البرية لمهاجمة المنتفضين وهم من الناس المدنيين اصلا كما في مثال ليبيا الامر الذي تسبب في مقتل آلاف العراقيين مثلما يحصل الآن في ليبيا، ولم يترك صدام السلطة ولم يذعن لرغبات الشعب الا بعد ان اقتحمت القوات الاميركية مقراته وقصوره في بغداد عام 2003. كما يبدو ان الامر يجد شبيها له في وضع اليمن وسوريا ودول اخرى مرشحة اذ يصر الحكام الطغاة على الامتناع عن الاستماع الى صوت شعوبهم وصمّ الآذان عن صرخاتها المطالبة بالحرية والسعادة فيدخلون بلدانهم في ضروب النزاعات الاهلية واثارة النزعات القبلية ولن يجدوا لغة للتفاهم غير وصم المحتجين بالخيانة و العمالة للأجنبي، ولكنهم ـ اي الحكام ـ لن يطلقوا رصاصة واحدة باتجاه الاجنبي بل يهربون امامه مع اول فرصة تسنح لهم!.
وفي مثال مصر وكذلك تونس تصرف الجيش بحرفية وحكمة واوصل البلاد الى حل وسط يتنحى فيه الرئيس فجنبوا بلدانهم الاحتراب والاستعانة بقوة اجنبية لطرد رؤسائها. كما ان قطاعات من الجيش اليمني حاولت ان تفعل مثل ذلك غير ان احاطة الرئيس اليمني مقره بقوات الحرس الجمهوري التي يقودها اشخاص من افراد عائلته واقربائه ادى الى انقسام المؤسسة العسكرية وتأخر حسم عملية اسقاط الرئيس وان كان الشعب سيفرض ذلك حتما وليس بالإمكان ان يعود الوضع في اليمن الى ما كان في السابق. كان يفترض بالرئيس اليمني ان يتصرف بالحكمة المطلوبة في مثل تلك المواقف اذا كان حريصا على اليمن فعلا وان يستغل في اقل تقدير وحدة المصير التي وحدت بين اليمنيين في شمالهم وجنوبهم وان يستقيل كي تتعزز تلك الوحدة لاسيما وهو يرى مطالب الانفصال التي بدأت تتزايد في جنوب اليمن على خلفية دعاوى (الحراك الجنوبي) من تعرض جنوب اليمن للتهميش والتمييز، فلم يستطع الرئيس اليمني ان يفهم ان مطالب اليمنيين بالحرية والديمقراطية هي فرصة نادرة لاستعادة لحمة اليمنيين ووحدتهم وها نحن نراه يحاول التفريط بها بإثارة النزعات القبلية واستفزاز المطالبين برحيله مدعيا بأنه يمثل الأغلبية.
لقد تناسى هؤلاء الحكام ان أوهام الانتخابات التي صاغوها لأنظمتهم ولبلدانهم (ديمقراطية الـ 99,99 % ) ليست سوى إجراءات مزيفة لن تدوم ففي الديمقراطيات الحقيقة كثيرا ما يلجأ المسؤولون وبضمنهم رؤساء الوزراء ورؤساء الجمهورية الى الاستقالة حين يتعلق الامر بحقن دماء الناس او اذا سالت بعض تلك الدماء وهذا بعكس ما يفعله الحكام في منطقتنا الذين يبدو انهم على استعداد لقتل الناس جميعهم من اجل بقائهم في الحكم.
يحاول الحكام الدكتاتوريون الابقاء على انظمة حكمهم بشتى الوسائل، بعضهم بسن قوانين ودساتير غريبة تفرض فيها على المرشحين الايمان بمبادئ السلطة كشرط للترشيح وبعضهم يفرض ذلك حتى على المرشحين للبرلمان اذ يعلنون ان كل من يخالف مبادئ الحزب والجمهورية... الخ غير مؤهل للترشيح. وآخرون يحاولون احالة الجرائم التي يرتكبها رأس النظام بتحميل مسؤولين اداريين وتنفيذيين آخرين تبعاتها فيعمدون الى اقالتهم مع اغداق الوعود بالإصلاح والغاء حالات الطوارئ التي سيتكرم سيادة الرئيس على الشعب بها. هذا هو حال اغلب الحكام الدكتاتوريين في منطقتنا. ونحن نرى انه حتى فيما يتعلق ببعض الديمقراطيات الحديثة مثلما لدينا في العراق فانها ليست بمأمن عن الاحتجاجات ومطالب التغيير بعد ان عجزت عن تحقيق معظم الوعود التي قطعها السياسيون الذين اعلنوا عن انفسهم بعد اسقاط النظام المباد على ايدي قوات التحالف. صحيح ان لدينا انتخابات حرة ولكن الصحيح ايضا ان الانتخابات توجب على الفائزين فيها تلبية مطالب الناس وليس تركهم مع ملاحظة ان الانتخابات العامة السابقة في العراق قاطعها نحو 40% من الناخبين الذين يحق لهم الاقتراع اذ لم يذهبوا ليدلو بأصواتهم والرقم مرشح للتزايد في الممارسات الانتخابية المقبلة وهم يرون عجز مؤسسات الحكومة عن تحقيق مطالبهم بالعيش اللائق مع ملاحظة ان من الاسباب الرئيسة للثورات العربية هو تنامي الفساد والبطالة و زيادة معدلات الفقر وهي اسباب تتواجد لدينا من دون اي مسعى لحلها.
انه خريف الجنرالات وربيع الشعوب يطيح بحكام المنطقة المتسلطين ومنذ هذه الايام لا يجوز أن يبقى الوضع في المنطقة كما هو عليه في عصر التطور العلمي الهائل وتكنولوجيا المعلومات فالحياة تخص الشعوب ولا تخص حكامها الذين يجب ان يغادروا السلطة غير مأسوف عليهم. وفي الوقت نفسه فان سقوط الانظمة الدكتاتورية يمثل جرس انذار للأنظمة الاخرى التي تحرص على بناء الديمقراطية بأن هموم الشعوب واحدة اذ ان الانتخابات لن تعصمهم من السقوط وخسارة (سلطاتهم).
#صادق_الازرقي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟