أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - مع البروفيسور شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي حلقة أولى















المزيد.....

مع البروفيسور شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي حلقة أولى


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 3321 - 2011 / 3 / 30 - 14:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يسفهون الرواية الصهيونية

2ـ مع البروفيسور شلومو ساند في كتابه " اختراع الشعب اليهودي"

في الحلقة السابقة جرى استعراض كتاب كيث وايتلام ، أحد المؤرخين الموصوفين بالدقة والتجرد وكذلك المتميزين بالشجاعة والضمير النقي؛ فلم يتردد في الكشف عن العطب الذي ينخر قاعدة بنية الفكر الصهيوني، والمتمثلة في دولة إسرائيل القديمة في فلسطين. لم يكن هدف الاستعراض تقديم ملخص واف للمطاعن في رواية دولة إسرائيل القديمة؛ إنما تعريف بفكرة الكتاب ومنهجيته ، حيث النزاهة العلمية واستقامة الضمير وجهتا الباحث في التأريخ القديم إلى تجسم متاعب الوقوف بوجه حركة ذات حول وطول، وتتنكر لليبرالية وأفكار التنوير.

وقارب الرواية الصهيونية أيضا، من خلال بوابة الصدق العلمي، البروفيسور شلومو ساند ، الأستاذ بجامعة تل أبيب. صدر كتابه عام 2008 وصدر مترجما إلى العربية عن مركز الدراسات الإسرائيلية في رام الله في أيلول 2010، ترجمه سعيد عياش ودقق الترجمة أسعد زعبي وراجعها قدم للكتاب الباحث بالمركز أنطوان شلحت. ركز البروفيسور ساند دراسته المتشعبة على قضيتين: إثبات التزوير في المفهوم القومي للصهيونية بصدد "الأصل الواحد الضارب في القدم ذي الجوهر الإثني الصلب والراسخ ولا يتغير على مر التاريخ". والثانية دحض المنفي القسري لليهود عن "أرض الميعاد" . فاليهود المنتشرون منذ العصور القديمة في أكثر من صقع معظمهم اعتنق اليهودية وقلة هاجرت من فلسطين أو من بلاد فارس.
استخدم الباحث الكلمة myth واختار المترجمون نقلها بصيغتها إلى العربية " الميثة"؛ بينما القاموس يعطي الكلمة معنى "الخرافة". كما استعمل كلمة هيستوريوغرافيا بمعنى " التأرخة" أو عملية التاريخ، وتتكرر اللفظتان المنقولتان في سياق البحث. وفي هذه المرة أيضا يختزل الاستعراض 396 صفحة من القطع الكبير في بضع صفحات، حيث العرض لا يغني عن مطالعة الكتاب ، بل هو فتح شهية لمطالعته.

حرص الباحث لدى تقديم دراسته لمعالم "قومية مرتبكة.. تتخفى خلف هيئة شعب عرقي مرتجل" [34]، ولدت في ماكينة تهجين، فجاءت محيرة بصورة ممضة لمن شملتهم رعابتها قبل ضحاياها. تلك القومية الشاذة المتمردة على نواميس العلم والتطور الطبيعي عوضت اعتلال فكرها بإرهاب معارضيها. نظرا لدرايته بعدم صمود الفكر الصهيوني للنقد الجاد يتساءل بحق، "وهل هتلر، الذي مني بهزيمة عسكرية في العام 1945 انتصر في نهاية الأمر فكريا وعقليا في الدولة اليهودية‘؟" [ 43 ]؛ وعلى غراره بالضبط عزر أبراهام بورغ ، الرئيس الأسبق للكنيست والوكالة اليهودية ، المجتمع الإسرائيلي؛ فأهاب بالمجتمع من خلال عنوان كتابه الأخير، " لننتصر على هتلر". الليبرالية تتعرض لحملات شرسة في المجتمع الإسرائيلي، خاصة في الميدان الأكاديمي . ومن ثم "لا تراود المؤلف أوهام بصدد طريقة استقبال الكتاب(...) "ولعل محاضرين في التوراة ، مؤرخي العصر القديم والعصر الوسيط ، علماء الآثار ، وخاصة ’خبراء‘ في شئون الشعب اليهودي سيهاجمون هذا المؤلف الذي اقتحم بصورة غير شرعية حقولا بحثية ليست من اختصاصه‘"[42].

في الفصل الأول من الكتاب ينطلق المؤلف من تاريخانية ظهور وتطور مفاهيم "الشعب" ، "الأمة" ، "القومية"، لمواكبة التقدم الحضاري وذلك لدحض خرافة " شجرة أنساب متسلسلة ل ’شعب‘ قديم متميز، تستبعد الانفصال عن الأمة مهما نأت به الترحالات" . فمنذ بدايات التاريخ المكتوب درجت العادة على إطلاق اسم شعب على " كل من أقام داخل أو على مقربة من مدن السلطة الرسمية... وحيث الحكم (آنذاك) ’هبة من الله‘ كان على الحكام المحافظة على درجة من الورع والهيبة إزاءهم"[50]. ولم ترسم حدود فاصلة وواضحة بين شعب وآخر إلا "مع تعاظم دور المدينة وبداية تطور وسائل مواصلات واتصال متقدمة أكثر في غربي أوروبا في القرن الخامس عشر". تحددت ضفاف الشعب باللغة [52]، و اتسع نطاق الانتماء مع تطور العلاقات الاقتصادية، ليطهر المفهوم (إثنوس) "كخليط بين الخلفية الثقافية وبين ’روابط الدم‘(...) الجماعة الإثنية هي في المحصلة مجموعة بشرية ذات خلفية ثقافية لغوية مشتركة ، ليست دائما محدودة المعالم تماما، لكنها من النوع الذي يوفر جزءا من المواد الأولية الضرورية للبناء القومي"[53]. توضحت معالم " الشعب " كمفهوم بات قيد التداول باعتباره "مجموعة اجتماعية تعيش في حيز جغرافي محدد ولها ملامح وسمات تشير إلى قواعد وسلوكيات ثقافية دنيوية مشتركة ( لهجات لغوية متقاربة ، مأكولات وملابس، ألحان موسيقية شعبية وغير ذلك)." [55] .
في العصر الحديث أخذت تبرز معالم الدولة ـ الأمة، تتجسد فيها معالم الحداثة المواكبة لظهور وتطور البرجوازيات في أوروبا. الأمة مفهوم حداثي لم يظهر إلا في العصر الحديث واقترن ظهوره بتجليات اقتصادية وسياسية وفكرية ـ ثقافية واجتماعية. شخّص مفكران بارزان في القرن التاسع عشر، هما آرينست رينان وجون ستيوارت ميل ،الجوهر الديمقراطي في نشوء الأمة " ليس صدفة ان المؤلفين كانا من الليبراليين الذين نظروا بتخوف إلى ثقافة العامة، ومع ذلك قبلوا مبدئيا حكم الشعب. لم يقيض لهما وضع مؤلفات منهجية واسعة النطاق عن القومية، إذ أن القرن التاسع عشر لم يكن ناضجا لذلك" [58]. الماركسية هي التي "وجهت الأنظار الى العلاقة الوثيقة بين صعود اقتصاد السوق وتناميه وبين تبلور الدولة القومية(...) كانت الرأسمالية ، وهي أبسط أشكال السيطرة على الممتلكات ، تحتاج أكثر من أي شيء آخر إلى قانون يكرس الملكية الخاصة بالإضافة إلى حاجتها بطبيعة الحال إلى قوة الدولة التي تشكل ضمانة لتطبيق هذا القانون"[59].

لكن القومية كانت بحاجة أيضا إلى فكر يبلورها وينضجها . وتعثر القومية العربية مثال على ضحالة الفكر القومي وعجزه عن تلمس الأسس الفلسفية والثقافية للقومية العربية. افتقرت الثقافة العربية التحررية إلى مثقفين يبلورون فلسفة القومية العربية وينشرون ثقافتها على الصعيد القومي . الحركات الديمقراطية التي سارعت لتحدي الممالك التقليدية سرعان ما تحولت إلى قومية . ففي إطار الدولة القومية فقط يمكن تجسيد " حكم الشعب". ... في إطار القارة الأوروبية كانت القومية تنتصر ، ووصلت نضجها المكتمل عقب إقرار قانون التعليم الإلزامي وحق الاقتراع العام مع نهاية القرن التاسع عشر.
أدخلت الثقافة الحديثة رسم الخرائط ، وبات ملموسا حدود الوطن الذي يلهم الأعمال الإبداعية والبطولية دفاعا عنه أو إضافة لهيبته. "برسم الخرائط وطباعتها في العصر الحداثي نبعت الروح الوطنية المتأججة لدى الجماهير واستعدادها المدهش لأن تميت وتموت ليس من أجل كامل الوطن المجرد ، وإنما من اجل حفنة صغيرة من تراب وطنها"[68]
نشأت القوميات في أوروبا ضمن دول ذات سيادة وذابت المعازل اليهودية ، حيث اندمجوا في مجتمعات الدول الناشئة واكتسبوا حقوق المواطنة وحق المساواة . قوة القومية تضاهي الديانات التقليدية الكبرى [70]. سيطرت مع صعود القوميات الأوروبية اليهودية الإصلاحية مستلهمة أفكار التنوير وتدفع باتجاه توسبع وتعميق النزعات الديمقراطية .
ونظرا لانحصار التوجه الديمقراطي في الجزء الغربي من القارة الأوربية، فقد ظهر في أوروبا شكلان للقومية : منفتحة مندمجة "استمدت زادها من إرث النهضة وعصر التنوير، وقامت مبادئها على الفردية والليبرالية، من الناحيتين القانونية والسياسية. والطبقة الحاملة لرسالة القومية هي البرجوازية العلمانية الواثقة بنفسها" .[73]، وقومية في أوروبا الشرقية "طبعت بطابع غير عقلاني ورجعي ، وسمت بالغيبية والاحتقان القومي المنغلق"[74].
"انطوت نظرة القوميات المنغلقة على ميثات مرتكزة على أصل ضارب في القدم ذات جوهر إثني صلب وراسخ لا يتغير على مر التاريخ، وعن شجرة أنساب متسلسلة ل "شعب" قديم متميز.تستبعد الانفصال عن الأمة مهما نأت به الترحالات"[75] . في هذا المناخ ظهر مثقفون نادوا بقومية يهودية منغلقة مهدت لظهور الصهيونية.
ضمن الفضاء الحداثي وأفقه الديمقراطي المفتوح على التقدم يأتي شاذا وبعيدا عن المنطق أن "تصر دولة إسرائيل على اعتبار نفسها دولة يهودية ينتمي إليها يهود العالم ، رغم أن هؤلاء ليسوا مهاجرين مطاردين بل مواطنون متساوون في الحقوق في البلدان التي اختاروا بإرادتهم العيش فيها . ان التبرير لهذا المس الفظيع بأحد المبادئ الأساس التي تبنى عليها الديمقراطية المعاصرة والمحافظة على اثنوقراطية عديمة الحدود بواسطة ممارسة أشد أشكال الاضطهاد لجزء من مواطنيها ، يستند إلى الخرافة الفعالة حول وجود امة خالدة من المفروض أن تجتمع في يوم من الأيام في ’ أرض وطنها‘ "./44

ننتقل إلى الفصل الرابع "أقاليم الصمت"، حيث يصمت البحث الصهيوني عن حقائق ووقائع من شأنها ، لو شاعت أن تنسف الرواية الإسرائيلية من أساساتها. يمسك الباحث حالة إقصاء متعمد، لتواريخ دول وهجرات تثبت دخول أجناس متعددة في الديانة اليهودية بما يحيل إلى خرافة ( ميثة) مفهوم القومية اليهودية.
فقد وصل واحات الجزيرة العربية الموجودة على طريق القوافل التجارية تجار من مملكة يهودا قرر بعضهم الاستيطان في تلك المناطق.[254]؛ حمل هؤلاء التجار معهم عقيدة الإله الواحد، و تهود ت قبائل عربية في تهامة؛ ويلقي لضوء على أخبارهم المؤرخ العربي في القرن الحادي عشر،عبد الله البكري[255].
ويلقي الباحث الضوء على مملكة يهودية في اليمن "لا يعرف عنها شيئا خريجو المدارس الثانوية" في إسرائيل. "حمْيَر" كان اسما لقبيلة كبيرة تمكنت في بداية القرن الثاني قبل الميلاد من هزيمة جيرانها وأخذت تتبلور تدريجيا كمملكة قبلية. هي من العرب البائدة. "نجحت روما في إقامة علاقات معها ، وكذلك الملوك الساسانيون في بلاد فارس. دعي حاكم الحميريين في الروايات العربية تبع، وهو لقب يوازي الملك أو القيصر .[256]
إن قدوم الحميريين إلى فلسطين تدل عليه مدافن الموتي المكتشفة عام 1936 في بيت شعاريم قرب حيفا. ويستدل من النقوش اليونانية على شاهد لأحد القبور يفيد أن المدفونين دعوا أبناء حمير وأنهم كانوا يهودا لأن لقب أحدهم كان (مناحم شيخ الطائفة).. أغلب الظن أنها شيدت في القرن الثالث الميلادي....وفي عام 378م شيد الملك ماليكارب بهامن أبنية وجدت عليها عبارات تقديس مثل "بقوة الرب ، رب السماء". كما وجدت عبارات مثل " إله السموات والأرض"و "رحمنن"[257]
وتعرف العرب مملكة يهودية قامت في منطقة حمير، خلال الفترة ما بين الربع الأخير من القرن الرابع الميلادي والربع الأول من القرن السادس، وهي فترة مماثلة لمملكة الحشمونيين[259]. وسوف نقدم الحشمونيين والمكابيين مملكتان ظهرتا في اليمن وكافحت كل منهما الغزو الروماني . "بعد سنوات من هيمنة المسيحية عادت اليهودية الى الحكم في شخص ذي نواس.آخر ملوك الحميريين.خاض صراعا مريرا مع المسيحية، اضطهد وتجبر ضد نصارى نجران. ويقال أن القسطنطينية كلفت مملكة اثيوبيا بمحاربته ، حيث تغلبت عليه؛ ولما دارت عليه الدوائر اندفع بفرسه في عرض البحر .
وبعد تشكيل دولة إسرائيل احترسوا في الكتب المدرسية من ذكر تهود تلك المنطقة، وفضل المؤرخون القفز عن هذا الفصل المزعج[261].
وفي شمال إفريقيا ظهرت كذلك مملكة عبرية أغفلها التاريخ الإسرائيلي. فأثناء التمرد المسيحاني ضد الوثنية (115 ـ 117م) ظهر ملك هليني ـ يهودي باسم لوكواس{دعاه مؤرخون آخرون أندرياس}نجح لفترة من الوقت في السيطرة على دويلة سيرنيكا المعروفة حاليا باسم برقة. وقد وصل في احتلالاته العنيفة والكاسحة حتى الاسكندرية[263]. و يقال أن الفينيقيين الأفارقة (البونيين) تحولوا إلى اليهودية.
حفظ التاريخ اسمي ترتليانوس( 160 ـ 230) و أوغسطينوس(354 ـ 430) مفكرين مسيحيين في شمال إفريقيا[265]، أبدى الأول قلقه من قوة اليهودية في قرطاج مسقط رأسه. وله إلمام واسع بالتناخ( التوراة بلغتها الأصلية).[266]. وقدر ابن خلدون أن البرابرة هم من أصل كنعاني قدموا من سوريا واعتنقوا اليهودية ؛ وفي مجال آخر يرجعهم إلى أصل حمْيَري.... ويعود ابن خلدون إلى مقاومة ملكة البربر، داهية الكاهنة، للاحتلال الإسلامي. وحدت القبائل البربرية عام 689م وألحقت هزيمة بالجيش الزاحف ؛ لكن المسلمين أعادوا الكرة بعد خمس سنوات، حيث قتلت الملكة في المعركة وتوصل أبناؤها إلى اتفاق مع المسلمين[266]. ويذكر الباحث أن من البربر طارق بن زياد الذي قاد الهجوم على اسبانيا؛ وكان في صفوف جيشه عدد من اليهود. كما نقل عن فاكسلر ، الباحث الإسرائيلي في الألسنيات أنه اعتبر يهود إسبانيا من أصول عربية وبربرية . وقال أن العبرية والآرامية بدأتا فعلا الظهور في النصوص اليهودية في القرن العاشر فقط . واللغتان ليستا نتاج تطور لغوي تدرجي سابق لهذا التاريخ؛ فالمهاجرون من يهودا لم يسكنوا في إسبانيا في القرن الأول الميلادي، ولم يجلبوا معهم لغتهم الأصلية.
يأتي الباحث على اتصال اليهود بالثقافة الهلينية المتطورة وإقبال العديدين من ثم على الديانة اليهودية." لولا التعايش بين اليهودية والهلينية الذي ساهم أكثر من أي شيء آخر في تحويل عقيدة التوحيد اليهودية إلى دين ديناميكي مهود على مدى أكثر من 300 سنة ، لكان عدد اليهود في العالم قد بقي إلى هذا الحد أو ذاك مثل عدد السومريين اليوم. الأمر الذي حكم بالموت نهائيا على أي تذكر لمملكة الخزر.[303]
اما مملكة الخزر التي ينتسب لها اليهود الأشكيناز الوافدين من أوروبا وأميركا فيسهب الدكتور ساند في الحديث عنها. "وعلى الرغم من عدم وجود لاهوتيين يمدحونها ويخلدونها كمؤلفي التناخ إلا أنه توجد حول تاريخها مصادر خارجية أكثر تنوعا وغنى من تلك التي توفرت حول مملكة داوود وسليمان. وغني عن الواقع أن مملكة الخزر كانت أوسع بما لا يقاس مقارنة مع أي مملكة أخرى قامت في أرض يهودا. [297]
يقول البروفيسور ساند: في منتصف القرن العاشر الميلادي ، العصر الذهبي اليهودي في إسبانيا أرسل حسداي بن شبروط ( 915ـ 975) وهو طبيب وسياسي ذو شأن في ديوان الخليفة عبد الرحمن الثالث في قرطبة، رسالة إلى يوسف بن أهرون ملك الخزر ، بعد ما انتشر نبأ قيام امبراطورية يهودية قوية على الحدود الشرقية لأوروبا، حيث ازداد الفضول والتفاخر لدى النخب اليهودية في أوروبا. ورد ملك الخزر على الرسالة، وتعددت نسخ الرسالة الجوابية . فصّل الملك بأسلوب قصصي ممتع عملية تهويد الخزريين وعدّد أسباب تفضيل يهودية آبائه على الديانتين التوحيديتين الأخريين[276 ]. تناقل خبر المراسلات عدد من رجال الدين اليهود في العصر الوسيط ؛ وكان أبراهام هركابي من أوائل المؤرخين اليهود في روسيا ؛ عين رئيس قسم الآداب اليهودية والمخطوطات اليدوية الشرقية في المكتبة العامة القيصرية . كان باحثا مثابرا، ألف كتابه " اليهود ولغة السلاف" وكتاب " قصص الرواة اليهود عن الخزر والمملكة الخزرية" ، الذي لم يترجم إلى العبرية. وكانت مراسلات حسداي ـ يوسف قد اكتشفت في المكتبة . وشجعت السلطة السوفييتية في بداية عهدها البحوث في مسألة يهود الخزر. كتب يهود عديدون عن المملكة اليهودية الخزرية ومنهم أبراهام بولاك ، الذي أخذ عنه دينور(مؤرخ وأول وزير تربية في إسرائيل) . عين بولاك رئيسا لقسم الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب في خمسينات القرن الماضي؛ ونشر عدة مؤلفات عن العالم العربي. ومنذ ذلك الحين لم يصدر كتاب واحد عن تاريخ الخزر.[298]
وفي عام 1954 نشر دوغلاس دونلوب وهو باحث بريطاني بحثا معمقا عن دولة الخزر دون أن يذكر شيئا عن مصيرها وكيف انهارت[243]
وفي سبعينات القرن الماضي نشر كوستلر كتابا عن الدولة وقال فيه : " الأغلبية الكبرى من اليهود في العالم كله هم من اًصل أوروبي شرقي ، ولعلهم بالدرجة الأولى من أصل خزري . وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن أجدادهم لم يجيئوا من الأردن ، بل من نهر الفولغا. اجل لم يجيئوا من أرض كنعان بل من القوقاز التي اعتقد فيما مضى أنها مهد الجنس الآري".
البحث المعمق والكشف عن أنماط الحياة وأشكال الاتصال لدى الطوائف اليهودية في الماضي من شأنه أن يبرز أكثر حقيقة بسيطة " آثمة" ، "فكلما ابتعدنا عن الأعراف الدينية وتقدمنا من ناحية بحثية في اتجاه ممارسات وعادات يومية متنوعة سنجد أنه لم يكن أبدا بين المؤمنين اليهود في أنحاء آسيا وإفريقيا وأوروبا أي قاسم مشترك إثنوغرافي علماني . فاليهودية العالمية كانت على الدوام ثقافة دينية مهمة تتألف هي الأخرى من تيارات منفصلة ، وليس أمة غريبة ومشتتة ومشردة[315].
ثمة قدر كبير من المفارقة في القول أن أولئك الرجال والنساء الذين اعتنقوا ديانة موسى قد عاشوا بين الدون والفولغا قبل أن يظهر في تلك المناطق الروس والأوكرانيون ، تماما كالقول ان الذين تمسكوا باليهودية في بلاد الغال كانوا قد مكثوا بها قبل أن تغزوها القبائل الفرانكية. كذلك الحال في شمال إفريقيا التي أقام فيها البونيون قبل مجيء العرب ، أو في شبه جزيرة إيبريا ، التي ازدهرت وتوطدت فيها العقيدة اليهودية قبل الأركوينكيستا المسيحية [316].
فالجزع العميق من المس بمشروعية الكيان الصهيوني في حالة معرفة أن الجمهور اليهودي المستوطن ليس وريثا مباشرا ل " بني إسرائيل" ، جاء مصحوبا بالخوف من أن تمتد هذه اللاشرعية لتقوض بصورة تامة حق دولة إسرائيل في الوجود. [310]



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيث واينلام في كتابه اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ ال ...
- أعمدة سرابية لهيكل الأبارتهايد
- تتهتكت الأقنعة
- مصر القاطرة
- كشف المستور أم قناع للزيف؟
- هل هي حكومة حرب في إسرائيل؟
- جوليان أسانج وقانون التجسس ومأساة الزوجين روزنبرغ
- ويكيليكس وحرية العبور الإعلامي
- بين حجب الحقائق وهدر العقل الجماعي
- نقد مسمم النصال
- الانتظاريون والانتخابات الأميركية
- في ذكرى ثورة أكتوبر العظمى متى بدأ نقص المناعة ينخر جسد النظ ...
- الطريق الثالث غير عبث التفاوض وعبث العنف القاصر
- الوساطة الأميركية مشكلة وليست الحل
- ديبلوماسية إدارة الصراع وابتزاز التنازلات
- عقد حصار لا تنفع معها المواعظ
- دلالات فشل المفاوضات الجارية
- كيف نحول الأفكار إلى قوة تغيير
- الأمن الوطني مفهوم مركب من عناصر اقتصادية وسياسية وثقافية
- اليسار الفلسطيني وصراع الديكة


المزيد.....




- استطلاع يظهر معارضة إسرائيليين لتوجيه ضربة انتقامية ضد إيران ...
- اكتشاف سبب غير متوقع وراء رمشنا كثيرا
- -القيثاريات- ترسل وابلا من الكرات النارية إلى سمائنا مع بداي ...
- اكتشاف -مفتاح محتمل- لإيجاد حياة خارج الأرض
- هل يوجد ارتباط بين الدورة الشهرية والقمر؟
- الرئيس الأمريكي يدعو إلى دراسة زيادة الرسوم الجمركية على الص ...
- بتهمة التشهير.. السجن 6 أشهر لصحفي في تونس
- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - مع البروفيسور شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي حلقة أولى