أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - مصر القاطرة















المزيد.....

مصر القاطرة


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 3278 - 2011 / 2 / 15 - 15:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


باغتت انتفاضتا الشعبين التونسي والمصري أشد المتفائلين بنهوض ديمقراطي عربي وشيك. فالنظام المصري، وقد ركن إلى الحماية الأجنبية ودخل في التحالف المشين مع الأعداء الألداء لتحرر العرب وتقدمهم، قطَر الأنظمة العربية خلفه إلى حظيرة التبعية ومستنقع التخلف. ومصر قاطرة العرب، أنى توجهت فمثالها يغري. وبارتدادها إلى حظيرة التبعية ساد المجتمعات العربية مناخ سياسي أشبه بعصر جليدي خمدت فيه نبضات الحيوية وارتعاشات الحياة. استقر النظام المصري و النظام العربي على الانقياد لوزارات داخلية طورت نظم المراقبة وأجهزتها، وشددت قبضة الإرهاب، يدعمها إعلام مدجن ونظام تعليمي يعيد إنتاج التخلف. انحدرت إلى الحضيض في التنصل من الواجب تجاه التنمية الاجتماعية، وتأمين الحدود الدنيا من الرعاية الاجتماعية. في ظل الإرهاب المتواصل استلبت الإرادة الجماعية وأهدر العقل والتفكير. سيطرت أنظمة مافياوية تنهب المال العام وتفرط بالثروات الوطنية وتعزز التبعية ومظاهر التخلف داخل الحياة الاجتماعية، وفتحت الأبواب على مصاريعها لتغلغل الرأسمالية المتوحشة اقتصادا وثقافة وسياسة ترفض مسئولية الدولة تجاه أفراد المجتمع. والدولة تمارس التأثير الإيديولوجي على المجتمع . وبالفعل بات الربح السريع هو القيمة العليا الموحية للسلوكات والمواقف والتطلعات؛ واستتبع ذلك تبخيس الأفراد والتنكر للمصلحة الاجتماعية، و طغيان موجة مرعبة من التحلل الاجتماعي والابتذال ، دفعت الممانعة إلى نشدان الخلاص الفردي والتحزم بالتدين السلبي والعبادات. نشطت الدعوات تلهي عن التصدي لعلاقات التبعية وتصب الملامة على الضحايا البريئة ، لأنها ابتعدت عن الدين!! وتسرب هوس الخلاص الفردي داخل معاهد العلم بمختلف مستوياتها، و استشرى العطب في عقل الأمة.
وكانت القضية الفلسطينية هي الخاسر الأكبر، وتوشك خساراتها ان تبلغ نقطة اللاعودة تحت وطأة ضغوط التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل الطامعة في كامل فلسطين والامبريالية الأميركية المتفردة في الهيمنة على النظام الدولي الجديد والساعية لفرض نظام إقليمي على المنطقة يتيح لإسرائيل التسلط على القطريات المجاورة، أو القبائل والطوائف المتناحرة، حسبما يشتهي التحالف . لم تتحرج الإدارة الأميركية حيال الأنظمة العربية، وهي تدعم بلا تحفظ تهويد القدس الشرقية وتوسيع الاستيطان بما يتيح لإسرائيل الاستحواذ على أوسع بقعة من الضفة وأقل عدد ممكن من السكان المحاصرين في جيوب معزولة عن بعضها البعض وعن العالم الخارجي. في ظل صمت مريب من جانب الأنظمة طبقت إسرائيل نظام أبارتهايد يتهيأ للانتقال إلى التهجير الجماعي من خلال فرض أوضاع معيشية لا تطاق. والجماهير العربية، إذ تعوزها الحيلة لحماية حقوقها الأساس في العيش الكريم وإسماع صوتها في شئون مجتمعاتها، تعجز عن مأسسة التضامن مع الشعب الفلسطيني .
لقد مضى النظام المصري شوطا بعيدا في إغراء السلطة الفلسطينية على التنازل والتفريط: ترتفع أصوات تنعي غياب الديمقراطية أو انتهاك الحقوق في مصر، فيفهم النظام المصري الرسالة ويتوجه إلى الطرف الفلسطيني المحاصر بشتى الموانع . ولدى نزوله أرض البحرين وجد مبارك الجسارة كي "ينصح" المفاوض الفلسطيني مواصلة التفاوض مع إسرائيل، بينما هي تواصل نهب الأراضي العربية وتوسيع الاستيطان.
بتأثير ذلك سرت موجة ابتهاج عمت المجتمعات العربية مع انتفاضة الشعب التونسي، صاحبتها رعدة في أوصال الأنظمة. تولدت الثقة في الطاقات الثورية للجماهير، وانبعث الأمل في اقتراب موجة نهوض ديمقراطي تحرري عربي وشيك. لم يسبق أن وصل التماثل والتكامل بين المجتمعات العربية القدر الذي تطورت إليه الأوضاع وأنماط العيش المأزومة بتلوث البيئة الاجتماعية في زنقة التبعية المشينة للامبريالية الأميركية. تجلى طيف القومية العربية هاجسا يداعب الأخيلة ، حيث الديمقراطية بوابة لابد من ولوجها نحو إنجاز التحرر والتنمية والتقدم الاجتماعي وتفعيل التضامن وإذكاء نزعة التوحد بين المجتمعات العربية، ومن ثم اكتمال عاصر القدرة العربية .
أما تفجر غضب الجماهير المصرية وارتفاع نداءات الديمقراطية والكرامة الوطنية من أرض الكنانة. على قدر مصر ، أكبر دولة عربية، والحافظة لتقاليد قيادة عبد الناصر، ونظرا لرقيها الحضاري وقدراتها الاستراتيجية ، من الطبيعي أن تتبوأ مكانة تشد انتفاضة جماهيرها تعاطف الأشقاء العرب في مختلف أقطارهم وأماكن تواجدهم، وتبعث في الوجدان الجمعي إحساسا دفينا بالكرامة القومية وتطلق إرادة مكبوتة لأن تغذ السير في درب النهوض الوطني الديمقراطي لدورة جديدة أرقى.
حدث في الحملات العسكرية أن جيشا يستعد لشن هجوم ليفاجأ بهجوم مضاد فتختل صفوفه وترتبك إرادته. وجاءت على هذه الشاكلة مفاجأ ة التحالف الأميركي الإسرائيلي، وهو يحاول الانقضاض على ما تبقى من فلسطين . لم تخف إسرائيل عداءها التقليدي لكل تحرك باتجاه الديمقراطية والتحرر الوطني والتنمية في أي بقعة عربية؛ وحسب نهجها في ازدراء الإرادة العربية ، شعبية أو رسمية، شرعت إسرائيل تستهجن وتنذر بفجاجة بليدة، يحدوها إصرار متوحش على أن يكون التخلف العربي عونا لها في إنجاز مشروعها العدواني وفرض سيطرتها على المنطقة وكيلا للامبريالية. أما الإدارة الأميركية فأبدت تذاكيا ، إذ أشادت بتطلعات الديمقراطية وإرادة التخلص من الطاغية، وسارعت لنفض يدها بازدراء من عميل أخلص لها حتى حضيض تخريب الوطن وتفسيخ المجتمع؛ لكنها لم تستطع ستر نزعة التسلط . وكل من سمع الأوامر الصادرة إلى النظام المأزوم يتأكد أن مصر قد تدهور بها الحظ العاثر في الليل البهيم إلى محمية أميركية فاقدة الاستقلال.
أفصحت أوامر الإدارة الأميركية عن جهود سوداء حثيثة تسابق بها الزمن لتضع كوابح في آلية الانتفاضة الجماهيرية وتقعدها عن تحقيق أهدافها المعلنة: إطلاق الحريات العامة وتمكين الجماهير من المشاركة الواعية في تقرير مصير بلادها وإنجاز تحولات ديمقراطية جذرية تضع مصر على مشارف التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي. ولا شك أن جهودا كبيرة بذلتها الإدارة الأميركية على مختل الصعد ، وفي المقدمة إسرائيل، لتفعيل وتنسيق الأنشطة العلنية والسرية ضمن علمية تعبئة الضغوط وتحريك الخلايا النائمة بغية وقف دوران عجلة انتفاضة مصر، وإبقائها في كنف التبعية . وجاء تسليم المقاليد للجيش بمثابة محطة استراحة تهيئ لها إمكانات كسر إرادة الشعب المصري وإجهاض انتفاضته. فالجيش غير مؤتمن على الديمقراطية، التي في غيابها يستحيل إنجاز التحولات الاجتماعية باتجاه التحرر والتقدم، مهما بلغت غيرة الجيش على مصالح الوطن وأمنه واستقراره . والاستقرار الذي تنشده القيادة العسكرية يعني عمليا تعطيل مبادرات الجماهير وخنق ثوريتها، ومن ثم تجميد أهداف الانتفاضة الشعبية المعلنة. ومن المؤسف أن ترتفع في هذه اللحظات الحرجة دعوات البعض من المتحمسين للانتفاضة تحض على طي المطالب الشعبية والعمالية، التي طال أمد إغفالها، وتؤيد البيان الخامس للقوات المسلحة، الذي حمل ملامح ثورة مضادة. فقد تمرُق عبر إسكات صوت الجماهير بذريعة الاستقرار مساعي تجميد الانتفاضة .
ينبغي عدم الاستخفاف بتصميم التحالف المضاد للانتفاضة على وأدها مستغلا نزعة العسكر لفرض الانضباط العسكري، ومستنفرا خوف البرجوازية من استمرار المزاج الثوري لدى الجماهير. إن مساعي " تأجيل " الديمقراطية إلى إشعار آخر، و الاستخفاف بأوجاع الجماهير ومكابداتها المريرة، خاصة العمال الذين أضناهم الحرمان في ظل سطوة القطط السمان، من شانها أن تجهض الثورة الوطنية الديمقراطية وتقذف مصر في دوامة التخلف والتبعية من جديد.
وفي ظل مناخ كهذا تسدر جهود إسرائيل لاحتواء فلسطين شعبا وسلطة .

مصر قاطرة أمتها وحافظة نارها المقدسة فتحت أمام الجماهير العربية بوابة الديمقراطية والتحرر الوطني والاجتماعي ، وأضاءت للجماهير الفلسطينية درب المقاومة الشعبية المتعاظمة لتكسر إرادة التوسع الاستيطاني والتهويد وإنجاز المشروع الصهيوني للاستحواذ على كامل فلسطين. ومهما زعقت غربان الشؤم والكواسر المفترسة فقد تحقق للجماهير أن إرادتها غلابة، وأن طاقتها الثورية ، متى فعلت كفيلة بتقويض هياكل التخلف وكسر قيود التبعية. إن الشعوب العربية قد فكت أسرار الكنز المسحور، وأدركت أن كلمتها يمكن ان تكون خاتمة الكلام.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كشف المستور أم قناع للزيف؟
- هل هي حكومة حرب في إسرائيل؟
- جوليان أسانج وقانون التجسس ومأساة الزوجين روزنبرغ
- ويكيليكس وحرية العبور الإعلامي
- بين حجب الحقائق وهدر العقل الجماعي
- نقد مسمم النصال
- الانتظاريون والانتخابات الأميركية
- في ذكرى ثورة أكتوبر العظمى متى بدأ نقص المناعة ينخر جسد النظ ...
- الطريق الثالث غير عبث التفاوض وعبث العنف القاصر
- الوساطة الأميركية مشكلة وليست الحل
- ديبلوماسية إدارة الصراع وابتزاز التنازلات
- عقد حصار لا تنفع معها المواعظ
- دلالات فشل المفاوضات الجارية
- كيف نحول الأفكار إلى قوة تغيير
- الأمن الوطني مفهوم مركب من عناصر اقتصادية وسياسية وثقافية
- اليسار الفلسطيني وصراع الديكة
- دانيال بايبس بروفيسور مزور وعنصي
- الفهلوة السنية في تشويه الإسلام والماركسية
- إصرار على بديل تآكل الحقوق الفلسطينية
- الزهد داخل صومعة العقلانية الإنسانية


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - مصر القاطرة