أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد مضيه - الفهلوة السنية في تشويه الإسلام والماركسية















المزيد.....


الفهلوة السنية في تشويه الإسلام والماركسية


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 3073 - 2010 / 7 / 24 - 18:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


استطاع السيد أحمد القاضي في مقال نشره على موقع الحوار المتمدن(توطين الماركسية بالخرافات الإسلامية "،عدد 3065، بتاريخ 16تموز2010) فك لغز "تحاشي الماركسيين انتقاد الدين، ولا يسرهم أن ينتقد الآخرون". وإذا كان المكتوب يقرأ من عنوانه فالشيوعيون، حسب شهادة القاضي، خارجون على الإجماع في تحاشي الهجوم على الإسلام، لغرض في النفوس أو لنقُلْ لعطب في الفكر! هكذا فالمقال هبوط أهوج في كار الدس لصالح الرأسمال الاحتكاري ضد خصومه ممن وحدهم نشوزهم عن منطق التاريخ ـ الإسلام والماركسية وثورة أكتوبر(التي سميت بالعظمى) على حد تعبير الكاتب، إذ يسوق أفكاره وفق سيناريو يوهم القارئ بفكرة نهاية التاريخ او لمنطق صراع الحضارات ـ الإسلام و الماركسية وثورة أكتوبر نشاز في الفكر وحركة التاريخ. أحمد القاضي يصيد عصفورين بحجر، إذ يقرن الإسلام بالشيوعية. الأهم في الطرح الذي قدمه أحمد القاضي أنه يتحفنا بجديد الطعن في الإسلام ونبيه ونهجه عبر التاريخ بالادعاء أن ما يسميه الصحوة الإسلامية "باتت تروع المجتمع الدولي وتهدد الحضارة الإنسانية المعاصرة ومكتسباتها". إذن ليس الرأسمالية المتوحشة هي ما يهدد الحضارة الإنسانية ، بل والحياة البشرية بنتائج ممارسات الرأسمال الاحتكاري: التلوث البيئي والخطر الحراري والترسانة العسكرية وتفوقها على نفسها باستمرار من حيث القدرة التدميرية والتطور التكنولوجي، الغش في الأدوية والعلاجات ، مرض الإيدز والسرطان جراء الإشعاعات النووية المتخلفة عن أسلحة الدمار الأميركية هنا وهناك، المجاعات في بلدان الأطراف وتدهور المعيشة والبطالة في بلدان المركز. ليست هذه ما يشكل الخطر على البشر ، بل الصحوة الإسلامية لا غير، وصدقوا أحمد القاضي. قطعا الأصوليتان المسيحية واليهودية لم تقترفا الجرائم ولا تشكلان التهديد للبشرية. إسرائيل لا تشكل تهديدا للمنطقة ، كل ما ترمى به إسرائيل ، حتى من قبل الأوساط اليهودية الواسعة في الغرب والولايات المتحدة لم يسمع به السيد احمد القاضي. فقط الإسلام هو الخطر المصلت على رؤوس البشر!!

والتحفة الثانية التي يقدمها الكاتب، ويعقد من خلالها زواجا شرعيا بين الشيوعية والإسلام تزعم أن الصحوة الإسلامية التي يشهدها العالم الإسلامي هي من إسهام " تلك الكتابات الماركسية التي انهمكت في تلميع الإسلام وتراثه..". يعني أن انتشار الأصولية الإسلامية مدين بالفضل ل" حيل عديدة للماركسيين لتمرير بضاعتهم الماركسية في مجتمعات زراعية متخلفة ". فهؤلاء الماركسيون الذي لعبوا دور " أدوات للاتحاد السوفييتي تساعد على انتشار نفوذه "، وجدوا أن "المفتاح إلى العقل الإسلامي المغيب هو الدين فقط"؛ فكتبوا يعبرون إلى وعي المجتمع تحت لافتة الدين الإسلامي!! تمسحوا بالإسلام بكتابات نشرها بندلي الجوزي وعبد الرحمن الشرقاوي وحسين مروة .
لو نشر هذا الكلام الغث على موقع غير الحوار المتمدن لما استحق الرد. بالطبع أهتم بكل ما ينشر وأتمعن لدى قراءة النصوص المتجنية لأنه كالحرباء تتلون مع الفصول والجغرافيا؛ ولكن نشر هذه المغالطات الساذجة والسموم الفكرية على موقع يبحث جمهوره عن الكلمة الصادقة في مجلة مكرسة لنشر الفكر التقدمي ، الفكر التنويري ، ويكرس له موقع متميز على هذا الموقع امر يستحق رفع الأيدي بنقطة نظام!!!
أجيبها من الأول وأرد على السيد القاضي بأن التهجم الصريح على الإسلام ونبيه لم يدرج في الأدب السياسي سوى على أيدي المحافظين الجدد في الولايات المتحدة في تسعينات القرن الماضي بعد انهيار التجربة الاشتراكية، وتحويل الاحتكارات مدافعها الإعلامية ضد الشعوب الإسلامية طبقا لتكتيك جديد؛ ثم شاع التهجم على الإسلام في أوروبا مع المد اليميني . وكما سنبين لاحقا أعطى هنتنغتون شارة البدء للهجوم وتمظهر به صراع الحضارات كغطاء للعدوان الامبريالي على الأقطار الإسلامية بهدف إعادة السيطرة الكولنيالية عليها. والملفت للانتباه أن حركات عديدة إسلامية متطرفة برزت ومارست التفجيرات والعنف المسلح ، فقدمت الغطاء لفوبيا (رهاب) الإسلام، وحرك بقوة رياح الدعاية المناهضة للإسلام والمسلمين. والمعلوم ان الحركات السلفية تجهل السياسة كعلم وفن.
قبل هذا التاريخ كانت الامبريالية تتحالف مع الأصولية الإسلامية ، بينما اتخذ الماركسيون في بلدان الشرق موقف مراعاة المشاعر الدينية للمسلمين وذلك لأسباب عدة، أقتصر منها على اثنين: أولها أن الماركسية تعتبر التناقض الرئيس مع السيطرة الكولنيالية والمهمة الرئيسة تتمثل في تحرير شعوب الشرق من العبودية الامبريالية . وثانيا أن الماركسية رأت في وطنية الجماهير الشعبية معين حركة التحرر الوطني، ورفع لينين شعار " لنتفق على جنة في الأرض بدل أن نختلف على جنة في السماء"، والذي ما زال يحتفظ بصحته. بهذين الاعتبارين اتخذ الماركسيون موقف ضبط النفس تجاه بروز نزعات مناهضة للشيوعية واستعدائها باسم الإسلام، حيث سخرت أولا الخليفة في استنبول ثم الأزهر في مصر، وكلاهما محاصران آنذاك في قبضة الاحتلال الإنجليزي . في هذه الأثناء برز التفتازاني شيخا أزهريا نفخ في بوق إلتحريض ضد الشيوعية وبلاد السوفييت؛ ومهدت له الانتدابات المفروضة على الأقطار العربية سبل التنقل بين الأقطار العربية لنشر دعايته. كانت الحملة جزءا من الرد على إعلان لينين بصدد التحالف الاستراتيجي بين الاشتراكية وحركة التحرر الوطني. وكان ضمن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري شيخان أزهريان حاولا الرد لكن الإمكانيات ضئيلة نسبيا؛ ثم نزلت بالحزب ضربة على يد القائد الوطني المصري سعد زغلول.

بعد هذا العرض التاريخي الموجز نود ان ننعش ذاكرة السيد القاضي أن الماركسيين قد وطنوا الماركسية، بل وجذروها في الفكر السياسي والثقافة الوطنية العربية، من خلال تضحياتهم ومواقفهم في النضالات المتلاحقة. كانوا الرجال الرجال أثناء المطاردات والاعتقال والتحقيق والمحاكمة . لم يتسلموا الحكم ؛ لكنهم لفتوا الأنظار إليهم عبر بسالة الموقف وتضحيته المعمدة بالدم؛ فقدموا قوة المثال في الصمود بوجه المحن، وصلابة المواقف دفاعا عن الديمقراطية والتحرر الوطني والتقدم الاجتماعي والوحدة العربية ؛ و خلد النضال الوطني التحرري للشعوب العربية أسماء لامعة للشيوعيين في الثبات على المبدأ والاستقامة في النضال والتضحية حتى الموت تحت أعواد المشانق، أو تحت سياط الجلادين في أقبية التعذيب . لا حاجة لذكر الأسماء فتعدادهم يجل على الحصر في شتى أقطار العرب . كان صمود الشيوعيين سموا في الأخلاق بعث الإعجاب ؛ وهذا هو العامل الأول في توطيد ركائز الفكر الماركسي كجزء من الثقافة الوطنية الديمقراطية العربية.
والشيوعيون ، مع أصدقائهم، وضعوا الإصبع على أركان التحرر الوطني، الديمقراطية وتصفية التبعية والتخلص من قيم العصر الوسيط واستنهاض الجماهير الشعبية وبعث التراث الديمقراطي والعقلاني في الثقافة العربية والعمل من اجل تحقيق الوحدة القومية . انفردوا في التركيز على مطلب الديمقراطية نهجا للعمل الوطني ، وها هي الديمقراطية تفتقد كما البدر في الليلة الظلماء في المجتمعات العربية كافة؛ وحدد الشيوعيون مفهوما للديمقراطية جوهره تخليص الجماهير من تبخيس العصور القديمة واستلابها وانسحاقها ثم تنظيمها في هيئات شعبية نقابية واجتماعية تمهيدا لتشكيل الحركة الشعبية للتحرر الوطني والاجتماعي. وكل من يراجع بموضوعية ونزاهة تجربة الوحدة السورية ـ المصرية يذكر انتقاد الشيوعيين لتغييب الديمقراطية ويذكر اعتراف عبد الناصر بصحة الانتقاد، ولكن بعد سيول منهمرة من شتم الشيوعيين على شرفات المراكز الرسمية أو منابر الإعلام . بعد كل هذا أقر عبد الناصر أن من الأفضل لو استهلت التجربة باتحاد فيدرالي ثم تدرجت، مثلما اقترح الشيوعيون في حينه. وأقر القوميون، بعد تجارب خاسرة، أن الوحدة العربية لا تنجز بنجاح بدون تحديث المجتمعات العربية وتحديث السياسات باحترام دور الجماهير، مثلما طالب الشيوعيون مشيدين بأهمية الوحدة القومية والتضامن الكفاحي العربي .
وفي القضية الفلسطينية ميز الشيوعيون منذ البداية بين الصهيونية واليهودية وحذروا من الخلط؛ لكن خصومهم في الموشور الوطني تعمدوا الخلط من اجل النكاية وحشدوا الجماهير خلفهم؛ اتهموا الحركة الشيوعية بأنها من بنات أفكار يهود كي يمنعوا توطين الماركسية . كان القوميون والإسلاميون يبررون وجودهم من خلال الطعن في نهج الشيوعيين. نجح المفترون في مساعيهم ولكن مؤقتا، مقدمين للحركة الصهيونية وإسرائيل خدمات جلى. وإذا كان الشيوعيون قد أخطأوا وهم يمارسون واجبهم الوطني فليدلني السيد القاضي وكل من امتهن التنقيب عن أخطاء الشيوعيين عن وطنيين لم يرتكبوا الخطايا، إن من خلال التعاون مع المخابرات الأجنبية في اضطهاد الشيوعيين او الافتراء عليهم، وحتى التجاوب بهذا الشكل او ذاك في الانحراف عن مستلزمات النضال الوطني، أو الصمت حيث يجب رفع الصوت. الصحفي محمد حسين هيكل اعتاد بأن يذكر بين فينة وأخرى ب"اصطدام الشيوعيين مع الوطنية العربية" ، او يذكر بشيوعيين يهود عملوا لصالح الصهيونية وهم يقدمون " الفتاوى" للشيوعيين العرب . وذكر في أحد كتبه إن خمسين من المسلحين التابعين لمنظمة "حدتو" و ينتمون إلي تنظيم مسلح، قاموا بتكليف من هذا التنظيم في عام 1951 بحراسة القنصل السوفيتي في بورسعيد(!!). ، وثبت أن الواقعة ليست صحيحة ، ومن بنات أفكار هيكل الخيالية؛ حيث أثبت البحث والتحري، عدم وجود قنصلية للاتحاد السوفييتي في بورسعيد في ذلك الحين .

وفي وثيقة أمريكية ما يؤكد أن أكثر الهيئات المصرية نشاطاً في الدفاع عن عرب فلسطين هي الهيئات الديمقراطية التي يقودها الشيوعيون ومنها مجلة "أم درمان" ومجلة "الفجر الجديد" (أحمد رشدي صالح وأبوسيف يوسف) ورابطة فتيات الجامعات (لطيفة الزيات) ولجنة نشر الثقافة الحديثة (سعيد خيال) ودار الأبحاث العلمية (شهدي عطية)، وكلهم نهلوا معين مواقفهم من الماركسية.
وكتبت مجلة "الفجر الجديد" المصرية(العدد 13) تقول نؤمن بأن مكافحة الصهيونية عمل وطني مجيد يجب أن نقوم به في حزم وقوة، فالصهيونية حركة استعمارية رأسمالية يستخدمها الاستعماران الأمريكي والبريطاني الآن لتثبيت دعائمهما في بلادنا العربية".

أما هنري كوريل الماركسي المصري الذي لفقت الشبهات ضده بصدد ديانته اليهودية، وأسقطت عنه جنسيته المصرية، فقد ناضل في صفوف الشيوعيين قائدا بارزا قبل أن يبعد؛ ينصفه الدكتور ثروت عكاشة إثر تجربة التعاون معه في أوروبا، فكتب في مذكراته ،" اشهد انه طوال تلك السنين، كان كورييل مثالا للتعاون الأمين، سواء من حيث المعلومات السياسية المفيدة التي زودني بها او من حيث الاتصالات الجادة التي كان يحاول بها ان يخدم قضية تطبيع العلاقات مع فرنسا ـ بناء علي طلب مصر ـ واعترف لوجه الحق انه قام بمد جبهة التحرير بالجزائر بمساعدات فعالة، وكان تأييده للمجاهدين الجزائريين بغير حدود في الوقت الذي كانت تطاردهم فيه جميع أجهزة الدولة الفرنسية؛ كما كنت ألمس ولاءه الشديد لمصر في أكثر المواقف حرجا. وتحملني تجربتي معه طوال أعوام عشرة علي تقدير سلوكه وحنكته السياسية، وعلي العرفان بخدماته الصادقة لمصر...."، إلى أن قال:" ولم اخف عن الرئيس عبد الناصر جهوده ومساعداته حتى أني رجوته، فيما بعد، أن يرد إليه جنسيته المصرية لقاء خدماته، وأيدت مطلبي بتسجيل كل ما أداه في مذكرة وافية إلي رئيس الجمهورية في 22 ابريل عام 1961 وهو ما حفزه على الموافقة على مسعاي؛ غير أن الأيام مرت دون أن تلقى هذه الموافقة هوى لدي الأجهزة المختصة."
ربما لا تعدّل هذه المواقف شيئا في ميزان الشيوعيين في نظر الكاتب أحمد القاضي. فهو ، كما يبدو، لا يوافق على أن الخطر ماثل في نهج إسرائيل ومشروعها بالمنطقة . ولكن هذه المواقف تدحض تخرصاته بأن الشيوعيين "تحايلوا لتمرير بضاعتهم". فلا بضاعتهم فاسدة مهربة، ولم يتبع الشيوعيون أبدا أسلوبا التقية والنفاق في نشاطهم السياسي. فكروا وقدموا برامجهم رغم نشاطهم السري والمطاردات القاسية، ورغم جمود منهجهم الجدلي المتطور أبدا مع تطور الظروف ؛ وتحملوا مسئولية تصرفاتهم. وفي سوح النضالات وعبر المبادرات الرائدة اكتسب الشيوعيون السمعة الطيبة، وتغلغلت الماركسية في ثنايا الفكر الوطني التقدمي . أذكر أن أحد اليساريين، وهو دكتور باحث دأب على اتهام الشيوعيين بمعارضة فكرة القومية العربية استنادا لمعارضة ستالين للمفهوم. وفي ندوة مشتركة معه خرجْتُ عن النص لأدحض رؤيته، وتلوت نص بيان مشترك وقع عليه ممثلو الشيوعيين في سوريا ولبنان وفلسطين عام 1931 يدعو إلى وحدة الكفاح العربي وتتويجه بإقامة اتحاد جمهوريات عربية في قادم الأيام . ولم أعثر بعد ذلك في كتاباته على تلك الخرافة.

الماركسيون لم يتوسلوا توطيد الماركسية من خلال التحايل، ولم يقاربوا الفكر الإسلامي المغيب بمفتاح الدين . فالقضية أن الماركسية تقر بوجود عروق ديمقراطية إنسانية وعقلانية في كل تراث قومي، والثقافة العربية ـ الإسلامية زاخرة بهذه العروق النفيسة . وقد استثمر الماركسيون ـ مطورين للفكر التنويري في العصر الحديث ـ النزعات العلمية والعقلانية في التراث، وأبرزوا رواد ها وعلماء البحث التجريبي في الطبيعة، كي يستنهضوا همم العرب للإبداع الحضاري بعد بيات شتوي مديد؛ وتوسعوا في البحوث، حيث الموقف من التراث أحد مكونات ثقافة التحرر الوطني. وضمن هذا الفهم طلع الدكتور حسين مروة على الثقافة الوطنية بمنجزه العلمي " النزعات المادية في الفلسفة العربية ـ الإسلامية". حوى هذا العمل الإبداعي العلمي بعض الهنات التي انتقدها ماركسيون من أمثال محمد إبراهيم نقد ومحمود أمين العالم وغيرهما ؛ وكانت الأبحاث رائدة لمزيد من الأبحاث والدراسات قدمها قوميون ومفكرون مستقلون.
وتصدى الماركسيون للفكر السلفي وتحدوا ادعاءه الانفراد بسلطة الاجتهاد الديني وتصدوا لدعايته الجبرية التي تحرم الإنسان حرية الإرادة. الماركسيون يميزون بين الدين والفكر الديني. الدين الإسلامي ، شأن الديانتين اليهودية والمسيحية ، ينطوي على طاقة روحية موجهة ؛ لكن الدين ، أي دين يفقد هذه الطاقة أن ادمج في السياسة . تديين السياسة أو تسييس الدين نشاط إيديولوجي يفرغ الدين من محتواه الروحي ومخزونه الأخلاقي ، ويحوله إلى محض أداة نفعية تخص طبقة قاهرة تريد توطيد محافظتها السياسية بمحافظة فكرية.

وليس الماركسيون من أنعش السلفية الدينية. تلقف الاستعمار البريطاني في الهند السلفية الإسلامية اقتراحا قدمه مستشرقون لتوظيفها من اجل تفسيخ الحركة الوطنية في الهند . السلفية الإسلامية أو الإسلام السياسي ليس سوى مراجعة للعقيدة الدينية . تلقف أبو الأعلى المودودي الفكرة السلفية وطورها إلى أن أثمرت انفصال باكستان عن الهند وقيام نظام مريض بالانقلابات العسكرية والحركات الأصولية، بينما الهند عززت الديمقراطية وأنجزت تقدما اجتماعيا وتطورا اقتصاديا وسياسيا، فانتخبت ممثل أقلية مسلمة رئيسا للبلاد. وفي المشرق العربي دعمت بريطانيا محاولات محمد بن سعود لاستعادة الحكم بمساندة " الاخوان" وهم من البدو حملة مذهب محمد بن عبد الوهاب. بمساعدتهم استعاد الأمير السعودي الرياض وتوسع في نجد؛ وبمساعدتهم تم طرد آل رشيد من عاصمتهم الجديدة ، حائل، فاستأصل النفوذ العثماني من نجد، وأسس سلطنة نجد؛ ثم انثنى يطرد الهاشميين من الحجاز بمساندة الوهابيين وبدعم مالي وعسكري من بريطانيا. أخيرا انقلب سلطان نجد والحجاز على حلفائه وفتك بهم لأنهم وقفوا بحزم ضد إدخال مظاهر الحضارة. تخلص منهم وأعلن المملكة السعودية، وانفتح على نظام الرأسمالية وشجع استيراد قشوره المبهرة للأنظار بأموال النفط.

لقيت الأصولية الدينية وأنظمتها السياسية تشجيع الامبريالية الأميركية الوافدة إلى المنطقة في نهاية الحرب العالمية الثانية، ودعمتها بالمال والسلاح ونظمتها ووظفتها في الحرب الباردة ضد
الحركات الوطنية والفكرية للتحرر بعامة والفكر التقدمي والاتحاد السوفييتي على وجه الخصوص.
وجدت الولايات المتحدة في الإسلام السياسي شريكا مريحا في كل مرحلة من مراحل بناء الامبراطورية الأمريكية في الشرق الأوسط،، مستندة إلى سيل لا ينقطع من الأكاذيب والتلفيقات . لم يكن العدو هو الاتحاد السوفيتي فقط؛ بل شكل عدوا لها كذلك ظهور الوطنية في العالم الثالث من حكم محمد مصدق في إيران إلى نظام جمال عبد الناصر في مصر إلى نظام سوكارنو في أندونيسيا. استخدمت الولايات المتحدة وبريطانيا الإسلام السياسي ضد نظام عبد الناصر في مصر وللإطاحة بحكم مصدق نظمت المخابرات المركزية الأمريكية سنة 1953 الانقلاب العسكري حيث قامت الولايات المتحدة سرا بتمويل اية الله كاشاني ،الذي أسس «أنصار الإسلام» وهو تنظيم متطرف موال للغرب، واسترجع السيطرة على النفط الإيراني . وفي عقد الخمسينات تعاون الإخوان المسلمون في الأردن مع الجهود الرامية لفرض مبدأ أيزنهاور في الشرق الوسط ، بذريعة الدفاع عن مقدساته ضد "الخطر الشيوعي". ودعمت المخابرات المركزية انقلاب سوهارتو في إندونيسيا ونظمت معه مذابح الشيوعيين ، ودعمت فساده ونهبه لثروات البلاد لصالح أسرته. وفي نفس العقد بدأت الولايات المتحدة لعبتها مع الكتلة التي تتلفع بالإسلام وتقودها السعودية كمركز لمناهضة اليسار الوطني. وتم ذلك كله تحت قناع الحفاظ على الدين . وباسم الحفاظ على الدين والمقدسات دعمت الامبريالية الأميركية وحلفاؤها العرب التدخل في افغانستان ، وأمدت بالأموال والسلاح من أسمتهم " المجاهدين" ، وذلك قبل أن تنقلب عليهم وتدعوهم ب" الإرهابيين". ظهرت حركة طالبان واستقرت في الحكم بفضل الدعم الأميركي. واليوم تبذل المساعي لإعادة التحالف السابق معها.
هل تخفى هذه الوقائع على الكاتب أحمد القاضي؟ كِلا الجوابين مصيبة. ولكن يتوجب القول أن الأكاذيب السياسية الموظفة عبر التحالفات مع الإسلام السياسي لم تبدأ مع هذا التآلف المشئوم. فالكذب جوهر النشاط الثقافي الخاص بالحرب الباردة. وهو ما برهنته الباحثة البريطانية فرنسيس سوندرز في كتابها " الحرب الباردة الثقافية " الذي ترجمه طلعت الشايب إلى العربية عام 2002 وأصدره المجلس الأعلى للثقافة في مصر. استندت الكاتبة إلى الوثائق المفرج عنها كتقليد للديبلوماسية الأميركية والغربية عموما ، حيث تملأ الأكاذيب والتلفيقات فراغ الحقائق في الوثائق المقيدة. استخلصت الباحثة أن وظيفة الإعلام في الغرب هو "تضليل الوعي وإشاعة الحيرة"، من خلال تسليط الهجوم على المراكز الأمامية للوعي ودك تحصيناتها بقنابل " الدعاية لإضعاف المواقع المعادية " لاستراتيجية السياسة الأميركية. فالحرب الباردة الثقافية حرب نفسية أثمرت جيدا زمن الحرب العالمية الثانية ، وطورت تجربتها في زمن الحرب الباردة ؛ فكرست الثقافة إلى "صراع من أجل عقول البشر وإراداتهم".
واشترك البروفيسور تشومسكي في كشف أكاذيب الإعلام الغربي من خلال مراجعة الوثائق المفرج عنها فعثر على وسيلة حل إشكالية الديمقراطية الغربية في ظروف انتشار التعليم والوعي وحق الاقتراع العام . اكتشف وولتر ليبمان ، الشخصية الإعلامية البارزة في الولايات المتحدة، الحل في ضمان تحكم " أقلية ذكية من الرجال المسئولين" في صنع القرار . هذه الأقلية " طبقة متخصصة مسئولة عن وضع السياسة وعن تشكيل رأي عام سديد" يجب أن تتحرر من تأثير العامة ، حيث " يوجد الجهلة والغرباء الفضوليون" . يندرج الوصف الأخير على شعوب قارات آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
إن رجم المراكز الأمامية لتحصينات الوعي وانفراد الميديا في صناعة الوعي بواسطة التلفيقات هو ما طبع نشاط ميديا إسرائيل والغرب بشكل صارخ ومكشوف لدى غزو أفغانستان والعراق وفلسطين المحتلة ، وهو ما يوجه حملات المحافظين الجدد واليمين الأوروبي ودعاية إسرائيل ضد الإسلام والمسلمين، باستهداف شعوب المنطقة المستهدفة بالهيمنة العولمية لصالح حرية السوق والخصخصة ونهب الاحتكارات للثروات الوطنية. وهو ما ألهم كاتب مقال " توطين الماركسية بالخرافات الإسلامية".
من حق أي كان ان يكتب وينشر، ولكن ليس من حق موقع موصوف بالنزاهة والصدق لنشر أفكار الديمقراطية والتحرر والاشتراكية أن يسمح بتسلل الفكر المعادي تحت قناع الليبرالية الزائف والمرسوم تيمنا بليبرالية السوق. ليس من الحق ولا ينصف فكر الحقيقة والصدق السياسي إدراج مقال كهذا ضمن الكتابات المميزة. ربما يصعب التدقيق في المقالات كافة وكل يوم ؛ غير انه يصعب التصديق بأن فرز الكتابات المميزة يتم بصورة عشوائية . ونأمل أن يعدل الاعوجاج.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إصرار على بديل تآكل الحقوق الفلسطينية
- الزهد داخل صومعة العقلانية الإنسانية
- معالم الفكر الثوري وتبعاته
- أوباما ينحني للريح والريح يمينية
- العلة المستنزفة للطاقات الكفاحية الفلسطينية
- لمن تقرع أجراس الليبراليين الجدد؟
- الدين بين ليبرالية الدكتور حجي والليبراليين الجد
- قرصنة بحرية وبرية
- رغبات مهشمة
- صمت التواطؤ
- هذا التوحش الرأسمالي
- جموح نتنياهو .. الغايات ووسائل كبح الجماح
- الترهيب بالإسلام: المنابع وإمكانيات تجفيفها
- قضية المرأة إحدى قضايا الديمقراطية في مسيرة التقدم الاجتماعي
- نتنياهو يريدها صراعا دينيا مسلحا فالحذر الحذر
- إسرائيل دولة بلا جذور تاريخية
- القضية الفلسطينية مركز تجاذب وتدافع
- الليبراليون الجدد يستظلون بالفاشية ويقومون على خدمتها
- مأزق المجتمعات ومحنة المفكرين في ظل نهج القهر
- لعبة كرة القدم ضمن برامج هندسة الموافقة


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد مضيه - الفهلوة السنية في تشويه الإسلام والماركسية