أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - العلة المستنزفة للطاقات الكفاحية الفلسطينية















المزيد.....

العلة المستنزفة للطاقات الكفاحية الفلسطينية


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 3039 - 2010 / 6 / 19 - 19:12
المحور: القضية الفلسطينية
    


لم يلتبس على الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية، وربما في الشتات، قرار تأجيل الانتخابات البلدية. إن مجرد الإشارة شبه الإجماعية إلى بؤس الواقع الفتحاوي الكامن خلف قرار التأجيل أو الإلغاء، كفيل بأن يوقظ كل مخلص لفتح على التدهور المريع لسمعة الحركة وقصورها عن النهوض بأهداف تحرر المجتمع الفلسطيني. وعبر الصحفي عادل عبد الرحمن بصحيفة الحياة الجديدة (السبت 19/6/2010) عن الرأي الشائع بالقول، " إن لم تتمكن الحركة من وضع حد لحالة التراجع والانكفاء التي تعيشها بأسرع وقت ممكن فإنها شاء المتفائلون أم أبوا، من أبناء الحركة خصوصا، والوطنيين عموما لا محالة تسير بخطى حثيثة نحو الاضمحلال وأفول نجمها ودورها" . فتوقيت قرار مجلس الوزراء مع انتهاء فترة تقديم القوائم بعد ظهر يوم الخميس (10حزيران 2010) قد ركز الأنظار بعيدا عن المسوغ الذي قدمته الحكومة "مساعي الوساطة لتحقيق المصالحة الوطنية". فقد نشطت هذه المساعي قبل أشهر من الدعوة إلى الانتخابات. وحق لحزب الشعب فضل المبادرة لرفض التأجيل، واعتباره انتهاكا للاستحقاق الديمقراطي، ومطالبته إعادة النظر في قرار التأجيل. وحشدت فصائل اليسار لاعتصام احتجاجي أمام رئاسة الوزراء، شارك فيه عدد من أساتذة الجامعات والمثقفين والحزبيين والناس العاديين. وفي بيان وزع أثناء الاعتصام اتهمت الفصائل الفلسطينية اليسارية حركة فتح بالوقوف وراء تأجيل الانتخابات بسبب عدم تمكنها من حل مشاكلها الداخلية قبل الموعد النهائي لقبول طلبات الترشيح، الأمر الذي رفضته فتح وقالت ان التأجيل جاء بناء على مطالب عربية ودولية لإعطاء فرصة للمصالحة بين حركتي فتح وحماس. لكن فتح أقرت في نفس الوقت بوجود مشاكل لديها في إعداد القوائم الانتخابية. طالب بيان وزع في التظاهرة ووقع عليه كل من (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) و( الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين) و(الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني فدا) و(حزب الشعب الفلسطيني) و(المبادرة الوطنية الفلسطينية) و(ممثلون عن القوائم المستقلة) "بإلغاء قرار التأجيل فورا والإيعاز للجنة الانتخابات المركزية باستئناف الخطوات المبرمجة بما يضمن إجراء الانتخابات في موعدها وفق أحكام القانون (السابع عشر من يوليو تموز القادم)." ولم يستجب للطلب حتى كتابة المقال.
كل القراءات تستخلص وجود علة أنيميا الديمقراطية في الجسم الفتحاوي ، وكذلك في حركة حماس التي تنافسها على الشعبوية. سيظل تغييب الديمقراطية في تنظيم ونشاط الفصيلين الأقوى ، بحكم سيادة نماذج اقتصادية متخلفة وعلاقات اجتماعية مماثلة متفرعة عنها، و ليس بفضل تفوقهما في استيعاب حاجات الجماهير ومصالحها .. ستظل العاهة مصدر اختلال العلاقات بين الفصائل الفلسطينية، وإغراء استقواء الاحتلال الإسرائيلي ومشروعه الاقتلاعي. ستظل تتعمق الشروخ داخل الحركة الوطنية الفلسطينية، وتتفاقم أعطاب المقاومة الوطنية. يمكن لفصائل اليسار، لو التزمت بالديمقراطية في تركيب بنيتها الداخلية وفي نشاطها السياسي ، أن تشكل قاطرة تمضي بالسياسات الفلسطينية على سكة السلامة. وحيث أن الديمقراطية تشكل ركيزة أساسية للتقدم القائم على ركائز التحرر والتنمية والوحدة القومية والديمقراطية، فإن من شأن الإخلال بركيزة الديمقراطية أن يسبب الاختلالات الموهنة لبقية الركائز، وينشر الأعطاب في المسيرة الوطنية.
لم يكن حكما متجنيا من جانب فتحاوي عريق ومناضل مثل الأستاذ حسام خضر، النائب السابق عن حركة فتح في المجلس التشريعي، والذي بينت مواقفه بالمجلس خطره على الاحتلال فاعتقله لعدة سنوات.. أن يتنبأ بحدسه "ان فتح كانت ستحصد نتائج مأساوية لو خاضت الانتخابات ، والتي بدورها ستضاف إلى النتائج التي ترتبت على المؤتمر العام السادس للحركة، مما كان سيجعل فتح الحلقة الأضعف في مواجهة خصم سياسي قوي كحركة حماس."
ربما يعزو البعض أحكام الأستاذ خضر إلى فشله في الحصول على عضوية اللجنة المركزية؛ غير أن تتبع مسيرة فتح منذ تأسيسها يكشف عوامل الخلل . الأستاذ خضر وضع إصبعه على الجرح النازف وكشف عوامل الخلل في منظومة العلاقات الداخلية للحركة.
كمن اولا الخلل في تشخيص عملية التحرر الوطني الفلسطيني بمجرد الانصياع لسلطة فوهة البندقية. فقد كشف النضال المناهض للاحتلال الإسرائيلي عن تعقيدات مخفية بحكم روابط الحركة الصهيونية مع استراتيجية الامبريالية ومع مظاهر التخلف الذاتي، وشمول مشروعها مهمات التصدي للحركات الوطنية الديمقراطية في جميع أقطار العالم العربي ، بحيث لم تقصر ضرباتها على الجهد العسكري الفلسطيني وحده .
وثانيا أن حركة فتح نشأت ذات طابع عسكري واكتسبت بهذا الطابع، وبسرعة، شعبية واسعة إذ تجاوبت مع أحاسيس النقمة على القهر والانسحاق لدى الجماهير الفلسطينية . ومن ثم اكتسب شعار " كل شيء يتقرر من فوهة البندقية " قبولا واسعا حتى لدى المثقفين. لعلعة الرصاص تحدث التجاوب لدى المقهورين والمستلبين، لكنها لا تنتشل الجماهير من التخلف المزمن، لا ولا تؤهل الجماهير بصورة تلقائية لخوض كفاح ثوري طويل النفس حتى النصر. شاع في صفوف المقاتلين شعار" النصر او الشهادة"، والصراع لا يتوقف على معركة او منازلة ، بل هو صراع مديد. وحيث أن الوعي مقرون حتما بالتنظيم، وأن لكل خطة سياسية خطة تنظيمية مناظرة ومتفاعلة معها فإن الاقتصار على ثقافة الرشاش قد اوهن انطلاقة الثورة وتأثيراتها رغم التضحيات الجسام. اقتصر إبداع المثقفين على تمجيد الفداء والتضحية ، وغابت عنه رسالة التنوير والتربية. ونظرا لكثرة الإقبال على الفداء خفّت تدريجيا مشاعر الاستياء والاحتجاج على المجازر الجماعية المقترفة بحق الشعب الفلسطيني، وقاربت التلاشي. باتت الجنازات تمضي وكأن الجثامين أرديت في غير هذا الزمان، ولم تعد ترتبط بعواطف ملتاعة لأحياء صدمهم فقد الأحبة.
وثالثا ، استقطبت حركة فتح مختلف شرائح المجتمع الفلسطيني، التي ألهبت عواطفها الشخصية الكاريزمية للرئيس القائد، وعطلت نزعة انتقاد النواقص والسلبيات، ما أضفى نوعا من التسامح إزاء قيادة فردية تسللت عبرها مختلف أخطاء التنظيم والممارسة. واختصر الأستاذ رفيق النتشة، التغيير المطلوب بعد وفاة الرمز بالقول ينبغي تعويض غياب الرئيس الرمز بحكم القانون وقيادة المؤسسات. إلا أن جهودا بذلت للحيلولة دون إنجاز هذا البديل؛ وتفشت المحسوبيات والشللية والاستزلام والدسائس داخل الحركة. وكانت الظواهر السلبية ونزعة الإرادوية مسوغا للفوضى ورفض القرارات المركزية. ولا بد أن عملاء الاحتلال أسهموا في نشر التسيب والفلتان، وسيلة لإثبات أن الشعب الفلسطيني لا يحسن تقرير مصيره بنفسه ولا يستحق الدولة ذات السيادة.

ورابعا أن النواقص السالفة نمت في بنية اقتصادية متخلفة دمر الاحتلال مراكزها الإنتاجية، ويقوم اقتصادها على المضاربة وتسويق السلع الإسرائيلية ولا يبذل مسعى جاد لخلق فرص عمل للشباب الطالع إلى سوق العمل، حيث تغدو الميليشيات المسلحة و السلطة السياسية مراكز جذب للمتسلقين المتزاحمين حول المحسوبيات ، أو على فتات ريعية السلطة. الطابع العسكري والسلطة الريعية تنبذان الطرائق الديمقراطية للحكم وتتعهدان نظم العشائرية والطائفية ، تدعمها وتتدعم بها. تقترب السلطة من العشائر المتنفذة وتقوم على الانصياع للمحسوبيات والزعامات التقليدية، ليتعزز الولاء بدل الإنجاز معيار لتقييم الأفراد والجماعات. تسقط أهمية الكفاءات وتتردى قيم المعرفة والوفاء للمبدأ والمصلحة الوطنية . لم يفض حب البقاء إلى وقفة مراجعة تنقد سلبيات المسيرة وتنبذ القيم والمعايير المختلة.
نجاح المقاومة الوطنية مشروط بتوجهها الديمقراطي وبنيتها الديمقراطية وقوامها أولا الثقة في الطاقات الكفاحية للجماهير، وثانيا تضمين برنامجها السياسي بنودا تستجيب لحاجات الجماهير ومصالحها الحقة، وثالثا ثقافة تبدد أوهام الجماهير وشتى مظاهر الوعي الزائف. في مرحلة التحرر الوطني ، كما في مرحلة تطوير الاستقلال السياسي، يبرز جليا في النهج الديمقراطي الفرق بين المحافظة وحركة التغيير. حقا ففي أثناء تشكيل القوائم الانتخابية. كان الأعضاء يدخلون القوائم أو يستبعدون منها طبقا لأمزجة عملت في الخفاء، وبموجب قرارات فوقية ولدت القلق بأن الأوامر الفوقية ستتواصل تهبط من فوق ل" تصنع" قرارات المجالس البلدية؛ لن تعكس قرارات المجالس البلدية مصالح جماهير البلدات، وستكون عامل محافظة اجتماعيا . ومن المحزن أن تعجل عناصر تعتبر نفسها من اليسار وتتسلل في جنح الظلام داخل قوائم فتح، بتشكيلها المعطوب، وغايتها لا تعدو تأمين عضوية المجلس البلدي. هذه العناصر يتولاها هاجس حصة في مقاعد الهيئات التمثيلية ، ولا يؤرقها تدني منسوب الوعي الديمقراطي لدى الجماهير. هي لا تعي أن الهيئة التمثيلية تنحاز طبقيا وتنجز لصالح الجماهير بقدر التفاف الجماهير حولها وطبقا للفاعلية السياسية لتحركها داخل المجتمع . قد يكون مهما التمثيل بمجالس الهيئات، ولكن الأهم بما لا يقاس التغلغل في أوساط الجماهير الشعبية واجتذابها لبرامج اليسار وتثقيفها بتوجهاته، خاصة دور فعالية الجماهير في عملية التحرر الوطني والتغيير الاجتماعي والمحافظة على المكاسب الوطنية.
تبين تجربة التحضير للانتخابات أن حركة فتح واليسار وحركة التحرر للشعب الفلسطيني عموما بحاجة ماسة إلى مراجعة جريئة وجذرية لمسيرة مجيدة حفلت بالتضحيات الجسام وتخللتها الخطايا الكبيرة. وكان في محله السؤال الذي طرحه الكاتب الصحفي مهند عبد الحميد على صفحة الأيام :" لماذا لم يتم استيعاب الدرس الذي دفع المجتمع ثمنه غاليا؟ ودفعت قاعدة فتح ثمنه مضاعفا!!" وقدم الجواب على السؤال الأستاذ حسام خضر، ، إذ أكد في مقابلة صحفية " إننا في حركة فتح نجحنا في تأسيس ديمقراطية عرجاء"، موضحا أن" تأجيل الانتخابات قضية فتحاوية خالصة، وهي التي قررت ذلك بعد أن اصطدمت بالقبلية السياسية، والعشائرية، إضافة إلى الوضع المتردي والمترهل داخل الحركة ، ليمضى إلى القول " ... أرادت حماس لفتح ان تخوض الانتخابات، لكي تبرر تمسكها بقطاع غزة، وان تقوم بلعب أدوار مختلفة في الانتخابات من خلال دعم المستقلين، او التعميم على أعضائها بعدم المشاركة ومقاطعة الانتخابات".
وبنفس الرؤية المتشائمة شخص مهند عبد الحميد القصور الفتحاوي، وهو تشخيص يعتبر القاسم المشترك بين مختلف شرائح المجتمع. كتب مهند يقول "ما حدث هو فوضى جديدة شبيهة بالفوضى التي سادت أثناء انتخابات المجلس التشريعي وقادت إلى خسارة فتح في الانتخابات، والسؤال، لماذا؟"

اجل لماذا ؟ " آل بوربون لم يتعلموا شيئا وما نسوا شيئا!!" قول فرنسي مضى مع الأجيال منذ أن عادت أسرة بوربون إلى حكم فرنسا عام 1815 إثر هزيمة نابليون بونابرت في معركة واترلو. لم تتخل الأسرة المالكة عن شيء من ممارساتها المقرفة ، التي أفضت إلى الثورة الفرنسية الشهيرة في التاريخ؛ وما تعلموا شيئا من هزيمتهم أمام الجموع الثائرة. أبدع الروائي الشهير إميل زولا في تلك الفترة رواية شخصت رموز الرجعية الفرنسية يتساقطون ، كمصير محتم. مضى صدقه الفني معاكسا لانتمائه السياسي المحافظ. ونرجو أن يستفيقوا في فتح قبل لقاء المصير المؤسي فيتخلوا عن جميع الممارسات الفوقية وعن فساد الحكم واحتكار سلطاته والتجاوز على القواعد الديمقراطية. نود لتنظيم فتح أن يتوطد على قواعد الديمقراطية ويتعزز بنبذ التسيب والفلتان ، كي يتأهل لقيادة المجتمع الفلسطيني نحو التحرر الوطني الديمقراطي.

كل حزب مرشح لأن يتعثر بغبار المجتمع ، ولأن تتسلل إلى صفوفه سلبيات المجتمع وإغراءات النظام الاقتصادي. وليست فتح وحيدة في قابلية العدوى، بل إن فصائل تدّعي اليسارية تعاني من انيميا الديمقراطية واختلالات التنظيم، ولا تحمل برامج في مجالات الاقتصاد والتربية والثقافة وفيما يتعلق بمعضلات القضاء وحل مشكلات البطالة والعمل داخل إسرائيل.

كان موقفا جادا ومسئولا من جانب مهند عبد الحميد ، إذ رصد فقدان التوازن على أرضية البرنامج الوطني التحرري، إذ "يضعف الاستقطاب الشعبي للمنظمة المدنية وللمتمردين على العشيرة والعائلة، ويتراجع وزن المنظمات الشعبية والنقابات والأحزاب السياسية... قرار التنظيم بوضعه الجديد وبقيادته الجديدة لم يعد ملزما لأبناء التنظيم. فهؤلاء لهم مرجعية أخرى (عشيرة، عائلة، رجال دين كبار الممولين) أقوى بكثير من التنظيم."
اجل ، فالثورة لا «تصنع» حسب الطلب، و ما من قوة غير التربية السياسية والنظرية للكوادر بمقدورها نقل الجماهير المستلبة والخاملة لتضعها أمام الثورة كأمر واقع. فهذه السيرورة لا تتم بصورة عفوية وتلقائية. لا بد من اكتساب الوعي الثوري ، ويبدأ بالوعي الذي يبدد العفوية واللامبالاة، وينمي الحس النقدي إزاء سلبيات الواقع. الوعي الثوري غير المزاج الثوري. الأول مقرون بالفكر وبتحليل الواقع الاجتماعي وإدراك توازن القوى المشاركة في بوتقة النضال؛ بينما المزاج الثوري توتر ناجم عن صدمة أو نتيجة أزمة مباغتة، أو حادث يكشف عن إحدى علل النظام القائم؛ وقد يتبدد بمثل سرعة تشكله. الوعي الثوري لا يتشكل بصورة آلية وبتحريض من قوى محلية أو خارجية ، ولا من خلال التطور العضوي لعفوية الجماهير؛ بل هو مُدخل نشاط حزبي متقدم وطليعي. التنظيم الحزبي ينطوي على قطيعة مزدوجة مع النزعة القدرية الميكانيكية بشقيها: أولا النزعة الجبرية التي تصور وعي الجماهير المغبونة والمقهورة على أنه نتيجة آلية لوضعها الطبقي، فاغلب مؤثرات الوعي الزائف تضخه على مدار الساعة قنوات الميديا عابرة القارات؛ وثانيا يتعارض مع النزعة الجبرية التي لا ترى في الثورة بالذات سوى انطلاقة الجماهير أو هبة انتفاضية تتم بإيعاز من القيادة. الثورة لا تنفجر بصورة تلقائية ولا تنضج مع موسم محدد كل عام مثل الثمر.
يتردد كثيرا القول بضرورة انتفاضة " ثالثة"، وكأن أمرها مجرد طلب، وليس عملية معقدة لإنضاج ظروف ومقدمات. وعلى رأس المقدمات تأهيل حزب أو جبهة التغيير الثوري. فهذا التنظيم السياسي، الذي يعتبر طليعة الثورة، يستحيل عليه قيادة وتوجيه الزخم الثوري ما لم يضم في صفوفه كوادر متمرسة في التنظيم والتثقيف والتعبئة والحشد، كوادر تكتسب ثقة الجماهير وتنال مصداقيتها. الحركة تفشل في قيادة الثورة حتى النصر إذا لم تنتظم وفق
قواعد تضمن صحة اتجاه النهج المتطابق مع الواقع وضرورات المرحلة؛ وما لم يثق بالجماهير وتحدوه القناعة أن الثورة ينبغي أن تدخل تغييرا في نمط حياة الجماهير، وأن الجماهير ليست احتياطي انتخابات ولا حمار العرس. والحزب، أو الجبهة الثورية يتقن تربية الكوادر الواعية والمتمرسة في التنظيم والقادرة على نقل الوعي الثوري للجماهير، التي تنطلق في رحاب النشاط السياسي الثوري بأهداف على قدر من الوضوح، مساهمة في الثورة أو حليفة لها، حيث يتضاعف مرات ومرات حجم الكتل الشعبية التي تنبري للنشاط وتحتاج إلى التنظيم والانضباط مع المجرى الثوري الصاعد. حلفاء الثورة، الذين يتكاثرون بصورة ملحوظة عندما ينشأ وضع ثوري، قد يجلبون الفوضى والبلبلة بدلا من العون والمساعدة، وقد يورطون النشاط الثوري في أعمال مشينة وممارسات تبعد الجماهير عن الثورة أو يستغلها الأعداء وقوى الثورة المضادة. إذ أنه لا نقاش في أن الفئات الاجتماعية المضطهَدة (من فلاحين أو بورجوازيين صغار أو مثقفين) ممن لا يسهل تنظيمهم وضبط تحركاتهم يشكلون خطرا حقيقيا يهدد الثورة بالانتكاس. والدلائل عديدة في تجربة المقاومة الفلسطينية عبر العقود المتتالية. وكم مرة استدرجت المقاومة إلى صدام عسكري غير متكافئ؟!
ليس غريبا أن يهيمن هدف التحرر لوحده على الوعي الشعبي ، وتقنع الجماهير المستلبة والمقهورة بالتضحية ولا تطالب بحقها في معيشة أفضل . وضمن هذه الرؤية الحسيرة تنتقل الجماهير المحبطة من الفساد والفلتان إلى حيث الطهر والانضباط التنظيمي الظاهريين ، دون أن تعرج على فصائل التغيير الاجتماعي. ضمن نسق الوعي المحدود ليس لغزا أن يهيمن على الساحة الفلسطينية فصيلان يقوم تنظيماهما على الولاء والقيادة الأوامرية . لم يصل التنظيم الحمساوي إلى أزمته ؛ فهو مقترن بالتأويل الديني " الولاء والبراء" الذي تلتزم به حماس، والذي لا يخرج عن إطار الأمية الدينية، التي شهر بها الكاتب المصري رجب البنا؛ بينما انفضحت داخل فتح وعلى الصعد الوطنية والدولية ممارسات القيادة الفتحاوية ، التي أشاعت مشاعر الخيبة والإحباط داخل المجتمع الفلسطيني. والجماهير الهاربة تحت سياط الخيبة لا تتوقف وتلتقط أنفاسها وتستلهم النهوض ومعانقة مطلب التغيير الاجتماعي.
الديمقراطية هي العنصر المغيب في المقاومة الوطنية الفلسطينية ، ولا يفتقدها دعاة التغيير التقدمي . ويتمخض التغييب عن قرحة تستنزف المقاومة وتقعدها عن التصدي لممارسات الاحتلال وضرباته المنهكة. وهنا تكمن عقدة الأزمة.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لمن تقرع أجراس الليبراليين الجدد؟
- الدين بين ليبرالية الدكتور حجي والليبراليين الجد
- قرصنة بحرية وبرية
- رغبات مهشمة
- صمت التواطؤ
- هذا التوحش الرأسمالي
- جموح نتنياهو .. الغايات ووسائل كبح الجماح
- الترهيب بالإسلام: المنابع وإمكانيات تجفيفها
- قضية المرأة إحدى قضايا الديمقراطية في مسيرة التقدم الاجتماعي
- نتنياهو يريدها صراعا دينيا مسلحا فالحذر الحذر
- إسرائيل دولة بلا جذور تاريخية
- القضية الفلسطينية مركز تجاذب وتدافع
- الليبراليون الجدد يستظلون بالفاشية ويقومون على خدمتها
- مأزق المجتمعات ومحنة المفكرين في ظل نهج القهر
- لعبة كرة القدم ضمن برامج هندسة الموافقة
- هيستيريا كرة القدم
- تحية تقدير واعتزاز للحوار المتمدن في عيده
- لا يطلبون سوى الإقرار بأن الفلسطينيين دخلاء في وطنه
- محو التاريخ اوهام تبددها شواهد التاريخ الثقافية والاجتماعية
- إنهم فاشيون إرهابيون وليسوا مجرد متطرفين


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - العلة المستنزفة للطاقات الكفاحية الفلسطينية