أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - كيث واينلام في كتابه اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ الفلسطيني















المزيد.....

كيث واينلام في كتابه اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ الفلسطيني


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 3316 - 2011 / 3 / 25 - 19:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



علم الآثار ينتصر لفلسطين فيسترد اعتباره
1ـ كيث وايتلام في مؤلفه "إختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ الفلسطيني"

خلال الربع الأخير من القرن الماضي تجاسر عدد من علماء الآثار والمؤرخين العالميين على نفي وتسفيه الرواية الصهيونية بصدد حكايات التوراة وتأويلاتها المغرضة، وبالذات بصدد تاريخ إسرائيل القديمة. ونظرا للإدمان على تقليد الاستهانة بالجبهة الثقافية في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي أغفل المثقفون الفلسطينيون والعرب هذه المنجزات العلمية الهامة. وبحق لم يخف صاحب الاستشراق تألمه من هذا التقصير " يؤسفني القول بالتالي، ان الاستقبال العربي ل الاستشراق، رغم الترجمة المرموقة التي قام بها كمال أبو ديب، تابَعَ إهمال ذلك الجانب بالتحديد من الكتاب : أي ذاك الذي يقلل من الحمية القومية التي استمدها البعض من نقدي للاستشراق ، والذي قرنته ببواعث الهيمنة والسيطرة المتوفرة وهي الامبريالية أيضا." [ إدوارد سعيد تعقيبات على الاستشراق :112]. وألْحق لومه بتأنيب النظرة الدونية التي ترشح من كتابات المؤرخين العرب: " لماذا لا تكون لدينا إسهامات عربية معاصرة أكثر أهمية في دراسة فرنسا او ألمانيا او أميركا؟ إذا نظرت في واجهات المكتبات هنا في باريس ستجد أن العرب أسرى حالة من ال"غيتو" لأنهم يكتبون عن العالم العربي بالفرنسية ، وينظر إليهم كمخبرين محليين".[ تعقيبات:149].
أجمل الدكتور إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق رؤى التيار الرئيس للمستشرقين في عدد من الثوابت تعكس نظرتهم إلى «الشرق» أهمّها: النظرة الدونية، باعتبارها شعوبا متخلفة عرقيا ينبغي وضعها تحت الوصاية؛ وكذلك الديمومة ، إذ قيموا الشرق مرة وإلى الأبد. كما قدموا العرب جوهرا واحدا له نفس الخصائص السلبية وافترضوا ان معرفة الجزء تندرج على الكل . وقدروا الشرق من منظور ثقافوي نمطي مختزل في الدين.

جاءت الدراسات التوراتية استلهاما للفكر الاستشراقي، وميدانا التقت فيه وتآلفت السياسة البريطانية التهويدية في فلسطين مع التوجهات الأمريكية لدراسة آثار فلسطين، بل وشكلت الأساس القانوني والمادي لها. كان المستشرق،عالم الآثار الأميركي"وليام فوكسويل اولبرايت" Albright، من مدرسة الآثار الأميركية، وهو مسيحي صهيوني ، أول من رافق جيش الاحتلال البريطاني وشرع في تنقيباته حول القدس وجنوبي الخليل. وهيمن البرايت على الدراسات التوراتية حتى ثمانينات القرن الماضي وعبأت كتاباته الوعي الغربي بصدد فلسطين وأثرت على عدد كبير من المؤرخين.

كان أول من قدم رؤية متكاملة استحوذت على انتباه علماء الآثار هو البروفيسور الفرنسي توماس تومسون Thomas Thomson وتميز بقدر من الشجاعة وفقد وظيفته الأكاديمية. نشر كتابه Early History of The Israelite People From The Written& Archaeological Sources،( التاريخ المبكر لشعب إسرائيل من المصادر الآركيولوجية المدونة) عام 1992 وفيه كشف تواطؤ علماء الآثار التوراتيين على التزييف. ظهر توماس تومسون في ميدان الآثار ليفسد الزفة المقامة بمناسبة توحيد القدس. عارض التوراتيين التقليديين، وأورد في كتابه " إن مجموع التاريخ الغربي لإسرائيل والإسرائيليين يستند إلى قصص من العهد القديم تقوم على الخيال" . فُصل هذا العالم المتميز من منصبه كأستاذ علم الآثار في جامعة ماركويث في ميلووكي. ولم يستطع نائب رئيس الجامعة إلا أن يشيد بالمكانة العلمية للبروفيسور ، وهو يبرر قرار طرده، إذ قال إنه " من أبرز علماء الآثار وفي طليعة المختصين بالتاريخ القديم لمنطقة الشرق الأوسط." أما تبرير الطرد فيلقي الضوء على جمود نظرة اللاهوت وتحديها لكل مكتشفات العلم، تمسكا بنواميس العقيدة: "الجامعة تحصل على المساعدات المالية من الكنيسة الكاثوليكية". كما أقر جوناثان تاب Jonathan Tab ، وهو يعد بين أعظم علماء تاريخ المنطقة العربية القديم في المتحف البريطاني ان "ثومسون دقيق جدا في بحثه العلمي الكبير وشجاع في التعبير عما كان كثير منا يفكر فيه حدسا منذ زمن طويل ، وكانوا قد فضلوا كتمانه". هذه الشهادات قدمها عن العالم البروفيسور كيث وايتلام في كتابه المنشور عام 1996، والذي سيكون موضوع هذا العرض.

أصدر البروفيسور كيث وايتلام ؛ أستاذ الدراسات الدينية في جامعة "ستيرلينغ" في سكوتلاندا، كتابه "اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ الفلسطيني" سنة 1996. وفيه دعا إلى الاهتمام بالتاريخ الفلسطيني القديم، الذي طمس في معرض تلفيق تاريخ قديم مزعو لإسرائيل ؛ كما سجل على المثقفين العرب تقصيرهم في الاستفادة من بحث الاستشراق. صدر كتاب كيث ويتلام الجريء قي فضح كل زيوف الآثاريين التلموديين، وقامت الدكتورة سحر الهنيدي بترجمة الكتاب إلى العربية وصدر ضمن سلسلة " عالم المعرفة" (عدد249 عام 1999). وهو يتكون من مقدمة وستة فصول هي على التوالي: "نصوص منحازة وتواريخ متصدعة" ،إنكار المكان والزمان على التاريخ الفلسطيني" ، إختلاق تاريخ إسرائيل القديمة " ، إنشاء دولة إسرائيلية" ، " البحث مستمر" ورد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني". نقلت صحيفة Times Literary Supplement تصريحا للمفكر إدوارد سعيد في 21 نوفمبر 1996 حول أفضل كتاب قرأه ذلك العام فأجاب :"إنه كتاب كيث ويتلام، عمل أكاديمي من الطراز الأول ، أسلوبه بالغ الدقة ، وكاتبه يتمتع بجرأة كبيرة في نقده لعديد من الفرضيات حول التاريخ التوراتي." قدمت المترجمة بدراسة القت الضوء على جريمة الاستشراق والمسيحية الأصولية بحق الشعب الفلسطيني.
تناول وايتلام بالنقد كتابات عدد من علماء الآثار ممن سبقوه او جايلوه ، بما فيها كتاباته، حيت شرعت في بداية عقد السبعينات تطعن في الدراسات التوراتية، وتكشف عن اختلالات عملية تأرخة فلسطين وارتباكاتها. من بين هؤلاء ديفيز في كتابه In Search Of Ancient Israel (البحث عن إسرائيل القديمة)، حيث ينقل وايتلام عنه أن "النموذج اللاهوتي للتاريخ التوراتي تم الحفاظ عليه بإجماع المتخصصين في الدراسات التوراتية، من خلال مواقعهم في كليات اللاهوت وحلقات البحث ، وهم الذين أسهموا بل أيدوا ادعاءات إسرائيل بامتلاك الحقيقة[ وايتلام : 314]. فجر ديفيز جدلا واسعا حول ما إذا كان التراث التوراتي يمثل رؤية للماضي مطابقة للواقع. وحسب تعبير وايتلام في كتابه ".. من الواضح أن رؤيتنا للماضي هي شيء سياسي بالدرجة الأولى ؛ كما أن لها تداعيات مهمة في العصر الحديث لأن هذه التمثلات الذهنية تؤكد الهوية الشخصية أو الاجتماعية أو تنكرها[ وايتلام : 36]. وكرر وايتلام مرارا مسئولية الفكر الاستشراقي في صياغة تخيلات ذاتية وإسقاطها على الفضاء الفلسطيني ، خدمة لأهداف كولنيالية . وبناء على تزييف التاريخ القديم جاء إعلان قيام دولة إسرائيل بصيغة "إعادة بناء الدولة اليهودية".
ترجع أصول علم الآثار الحديثة إلى فترة تدخل نابليون في مصر، وتواصلت مؤامرة دولية ؛ حيث أن "التاريخ التوراتي والكشف عن الكنوز الأثرية في المنطقة قد استخدمتها القوى الغربية لمصلحتها في صراعها على الهيمنة السياسية وإضفاء الشرعية على طموحاتها الاستعمارية... استملاك الماضي هو جزء من سياسة الحاضر . ويمكن تطبيق هذا المبدأ على جميع دول المعمورة[كيث وايتلام : 39]. أثارت شرخا في الدراسات التوراتية دراسة أجراها ميلر وهيز 1986 Miller and Hayes، حيث اعترفا بالمشاكل المتعلقة بالنصوص التوراتية المرتبطة بمرحلة ما قبل ملكية شاؤول ثم داوود، حتى أنهما باتا غير مستعدين للخوض في هذه البناءات التاريخية لهذه الفترات. جاء عملهما هذا نقطة تحول رئيسية في كتابة تاريخ إسرائيل من منظور توراتي" . [ وايتلام: 64]. قدمت العلوم الاجتماعية بصدد تكوين الدول ، ومنها دراسة كوهن وسيرنس(1987) ما يطعن في الصدقية التاريخية للتراث التوراتي وفكرة إقامة نظام ملكي غريب وفد من الخارج. تجسيد الحكايات التوراتية تم على شكل تخمينات من نموذج ما طلع به أحد المؤرخين التوراتيين، " لا يمكن للمرء إلا أن يعتقد أن قوما آخرين( غير الكنعانيين) هم الذين أقاموها ، قوما كان من المؤكد أنهم إسرائيليون " [وايتلام : 163]
" عمليا اكتسب بناء إسرائيل القديمة طابع الأحداث الجارية في فلسطين في الوقت الذي صيغت فيه تلك الأحداث."، أي العقد الثالث من القرن العشرين . كان المجتمع الفلسطيني المكون من عشائر، لم يتوحد بعد في كيان متماسك فنظرت التخيلات التوراتية إلى القبائل الكنعانية على هذه الشاكلة. وحيث أن المستوطنين القادمين من مجتمعات متقدمة وجدوا أنفسهم متفوقين على الفلاحين العرب آنذاك ، فالمتخيَل التوراتي لا بد أن يضع الكنعانيين في موقع دوني. عملية التأرخة (الهيستوغرايا حسب تعبير شلومو ساند) تنطلق من رؤية الحاضر وتستوحي أهدافه السياسية والاجتماعية ." تخيل الماضي تم إسقاطه لإضفاء الشرعية عليه ولتبرير الحاضر. وقد أدى ذلك إلى تشييد ماض خيالي احتكر خطاب الدراسات التوراتية ، وهيمن على التاريخ الفلسطيني بل وأنكر وجوده في الأساس. لم يكتب تاريخ شعوب المنطقة بأغلبيتها الساحقة حتى الآن لأنه لم ينسجم مع مصالح واهتمامات البحث التاريخي في الغرب [وايتلام : 49]. واستخلص وايتلام من دراساته ، ولدى استعراض كم كبير من معطيات قدمها من سبقوه أو جايلوه ، مؤكدا " إذا تمكنا من تغيير المنظور الذي تنبع منه التصورات لنبين أن خطاب الدراسات التوراتية قد اختلق تاريخا كثيرا ما يعكس حاضرها في كثير من جوانبه ، عندئذ فقط يمكن أن نحرر التاريخ الفلسطيني[وايتلام : 321 ].
استتبع الالتزام بمرامي السياسات الحديثة تركيز "ثقل الدراسات التوراتية وكثافة البحث في مواقع دون غيرها "، بما يخلق تصور ماض مطابق لادعاءات الحاضر، وإسكات كل ما يتعارض معه. وسيتبين في دراسات لاحقة كيف طمست الصهيونية ودولة إسرائيل الكثير من الوقائع التاريخية المناقضة لمتخيل العنصر الإسرائيلي الواحد والمتواصل عبر التاريخ. "هذا الإسكات للتاريخ الفلسطيني هو نتاج للسياق الاجتماعي والسياسي الذي جاءت فيه الأعمال المرتبطة بالتاريخ الأوروبي ، وفرض نموذج الدولة الأوروبية القومية على الشرق الأدنى القديم ، هذا النموذج الذي أكدته أوروبا وتبناه الغرب في دعمه لدولة إسرائيل الحديثة . أما التاريخ الفلسطيني فقد استبعد من خطاب الدراسات التوراتية . ولذا فلا وجود له في الحاضر." [وايتلام :207]
والأشد خطورة أن أولبرايت، الذي هيمن على الدراسات التوراتية و"إثبات" تاريخ إسرائيل القديمة حتى ثمانينات القرن الماضي، دأب على الاسترشاد بتوجيهات السياسة، لدرجة أنه وضع منهج التعامل اللاحق مع الشعب الأصلي في فلسطين؛ فهو يحكم برفعة آداب الإسرائيليين على الكنعانيين ، كمواز مناظر لرفعة أخلاق الصهيونية المعاصرة على الشعب الفلسطيني. ينقل وايتلام عنه (أولبرايت 1957:88،89) قوله " ولا يمكن لأي شعب آخر أن يضاهي الإسرائيليين في موضوعيتهم بمثل هذه الأمور، إذا حكمنا عليهم من خلال آدابهم وعقلانيتهم ، مقابل لا عقلانية الكنعانيين ، والتي يجب استبدالها بعملية لا ترحم"[ وايتلام :130]. لم يثر موضوع حقوق السكان الأصليين في الأرض؛ بل إنه حاول بشكل مخيف تبرير إبادة هذا الشعب. راح أولبرايت، وهو والد مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الاميركية سابقا، يركّب البحث الأثري على معطيات التوراة، " يثبت" من خلالها "أن حق إسرائيل في الأرض يعتمد بشكل أساسي على حقها في الغزو"، مستلهما في قوله سفر يشوع. وأظهر البحث الموضوعي في التاريخ القديم زيف المقولة الواردة في سفر يشوع ، فما دمرت أريحا في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، وهو تاريخ اقتحام فلسطين المزعوم.
ظهرت طبعة جديدة لكتاب أولبرايت عام 1957( الطبعة الأولى ظهرت عام 1940) " و لم يشعر أولبرايت بضرورة إعادة النظر في آرائه بعد الكشف عن جرائم الهولوكست النازية ، ولم يعترف بالتناقض المروع لأفكاره اللاهوتية إذ كتب ’ان الديانة التوحيدية اليهودية قد أنقذت أخلاقها التوحيدية العالية عن طريق إبادة السكان المحليين".[ وايتلام: 129] . مضى اولبرايت شوطا بعيدا في مفارقة العقلانية والتفكير السليم تزلفا لدولة إسرائيل لدرجة أن يادين، كما يقال، دعاه لتخفيف غلوائه: "إقامة إسرائيل هدية من الرب وليس تجريد الناس من أرضهم ، بل أعطاها لهم الإله . إسرائيل كانت الواسطة الإلهية في تدمير حضارة فاسقة ،إذ أنه ضمن النظام الأخلاقي للحضارات السماوية يجب تدمير مثل هذا الفجور الفظيع. ومن ناحية أخرى فإن هناك عناية إلهية من وراء اختيار إسرائيل للقيام بهذه المهمة وبإعطائها تلك الأرض. [ وايتلام : 139]
ربط أولبرايت التاريخ بذنب اللاهوت ووضع حركة التاريخ خارج إرادة البشر. تاريخ تطور الديانة اليهودية من موسى حتى عيسى ـ حسب مفهوم أولبرايت ـ إنما هو درب الصعود للوقوف " في ذروة التطور البيولوجي تماما مثل تطور الجنس البشري". إن ذروة التقدم البشري ومنجزات الأمم المتحضرة كانت قمة العقيدة اليهودية الإسرائيلية والإسرائيلية ذاتها ؛ ومن خلال أبحاث أولبرايت كان "المجتمع الغربي يعود إلى جذوره. ليس ذلك مصادفة عشوائية؛ لأن التاريخ يقع في مضمار الوحي الإلهي. التاريخ برمته ملك لعلم اللاهوت، وليس التاريخ الإسرائيلي فقط". [د. وايتلام : 126]. بهذا المفهوم الجبري يركب البروفيسور اولبرايت التاريخ البشري ، وقاطرته تاريخ إسرائيل.
ثم يمضي في تبرير العنف المعد لطرد الشعب الفلسطيني من دياره : لا يمكننا الارتقاء روحيا إلا من خلال الكوارث والمعاناة ، بعد التخلص من العقد النفسية ، وذلك عن طريق التطهر . وهذا التنفيس والتطهر العميق هما اللذان يرافقان التحولات الرئيسة . كل فترات المعاناة الذهنية والمادية هذه ، والتي يتم فيها إعادة القضاء على القديم قبل ولادة الجديد تثمر نماذج اجتماعية مختلفة عقيدة روحانية أعمق [ وايتلام : 131]. ولم يجد غضاضة في الاستشهاد بإبادة االجنس الأبيض السكان الأصليين في أميركا، وذلم لتبرير ما يدبر ضد الشعب الفلسطيني.
لم تتعرض استخلاصات أولبرايت للنقد من أي جهة ، بل صرح تلميذه برايت مباشرة بما أضمره الرائد، أولبرايت، فدعا إلى ضرورة "إبادة السكان الأصليين".
يربط البروفيسور وايتلام طروحات أولبرايت بالفكر الاستشراقي السائد حينئذ: " لا يمكن اعتبار هذه الأفكار نتيجة لأفكار شخص ما في فترة زمنية معينة . دراسته وكتاباته شكلت ولا تزال تشكل إدراك أجيال من دارسي التوراة والباحثين في هذا المجال ، خاصة الأميركيين والبريطانيين منهم. حتى الثمانينات اعتبر أولبرايت رمزا للموضوعية. إعادة بناء الماضي لدى أولبرايت ارتبط إلى حد بعيد بالحاضر السياسي الذي عاش فيه . "فما هو أهم من الحق التاريخي الصريح هو قوة الدفع العاطفية الهائلة لإحياء صهيون" [ وايتلام :133] وعلى الأجنحة المحلقة لهذه الأفكار اللاهوتية مضت إسرائيل ومضى تيار الصهيونية المسيحية خلف مغامراتها الحربية، وشكلت نهج الأبارتهايد المتجسد في حياة الدولة منذ أيامها الأول.
أسند الحاضر رغباته وآماله على تخيل للماضي يسند به ادعاءاته المعاصرة . والأحداث التي جرت منذ بداية القرن العشرين تركت آثارا لا تمحى في عقول الباحثين التوراتيين وفي مخيلتهم ( وهذا هو الأهم ) ، كانت بمثابة تعبئة إيديولوجية، حيث كانوا في خيالهم صورة عن الماضي المتعلق بمملكة داوود وكأنها العصر الذهبي للتاريخ الإسرائيلي. [ وايتلام : 179].

لفقوا تاريخا متخيلا لم يتطابق مع اكتشافات التنقيبات الأثرية ، ولفقوا أيضا بطولات، منها بطولة المسادة ، وكثيرا ما استلهمها دايان لدى دعواته لمقاومة ضغوط المجتمع الدولي . "حادثة غامضة في التاريخ أهملها التلمود والآداب اليهودية في العصور الوسطى . ولم تصبح الأداة مركز الاهتمام إلا في القرن التاسع عشر [ وايتلام:42] . ونقل وايتلام ما كتبه يادين بهذا الصدد: " كانت أهميتها بالنسبة إلينا كبيرة ؛ ولكن الأهم من ذلك هو أن المساداة تمثل بالنسبة إلينا جميعا في إسرائيل وخارج إسرائيل ، علماء آثار أو الناس العاديين، رمزا للشجاعة ، ونصبا لأبطالنا القوميين، هؤلاء الأبطال الذين اختاروا الموت على حياة العبودية المادية والمعنوية" .
ولتكريس النظرات العنصرية إلى التاريخ القديم "افتتحت الجامعة العبرية قسمين منفصلين كليا للتاريخ. الأول دعي قسم تاريخ شعب إسرائيل وسوسيولوجيا اليهود؛ فيما سمي الثاني قسم التاريخ. ومنذ ذلك الوقت بات الفصل قانونا صارما في جميع جامعات إسرائيل، يتعين بموجبه تدريس دراسات التاريخ اليهودي بشكل منفصل عن تاريخ "الأغيار" بدعوى أن مبادئهم ، أدواتهم ، مفاهيمهم، ونبض الزمن في هذه الدراسات مختلف كليا[وايتلام:141] .

صاغت التخيلات التوراتية توجهات مجموعات كبيرة من المثقفين والسياسيين وعبأت كذلك جماهير الغرب بفهم مغلوط ومشوه عن التاريخ القديم للمنطقة. ونظرا للتعبئة الإيديولوجية التي استمرت أكثر من قرن سبق، فإن هيكل التلفيقات لا ينهار أمام زفرة عالم، ولو كان رفيع المقام. وكما كتب فيما بعد، البروفيسور شلومو ساند، أستاذ التاريخ القديم بجامعة تل أبيب، فإن "مركزية الخرافة التاريخية التوراتية كامنة في الهندسة الإيديولوجية الصهيونية، وفي اللاهوت المتمسك بصنمية النصوص، وكذلك في اعتبارات الاستراتيجية الامبريالية، وفي التعبئة الإيديولوجية المكثفة لأجيال من المسيحيين المخدوعين بسياسات الامبريالية والمتحمسين لحروبها العدوانية"



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعمدة سرابية لهيكل الأبارتهايد
- تتهتكت الأقنعة
- مصر القاطرة
- كشف المستور أم قناع للزيف؟
- هل هي حكومة حرب في إسرائيل؟
- جوليان أسانج وقانون التجسس ومأساة الزوجين روزنبرغ
- ويكيليكس وحرية العبور الإعلامي
- بين حجب الحقائق وهدر العقل الجماعي
- نقد مسمم النصال
- الانتظاريون والانتخابات الأميركية
- في ذكرى ثورة أكتوبر العظمى متى بدأ نقص المناعة ينخر جسد النظ ...
- الطريق الثالث غير عبث التفاوض وعبث العنف القاصر
- الوساطة الأميركية مشكلة وليست الحل
- ديبلوماسية إدارة الصراع وابتزاز التنازلات
- عقد حصار لا تنفع معها المواعظ
- دلالات فشل المفاوضات الجارية
- كيف نحول الأفكار إلى قوة تغيير
- الأمن الوطني مفهوم مركب من عناصر اقتصادية وسياسية وثقافية
- اليسار الفلسطيني وصراع الديكة
- دانيال بايبس بروفيسور مزور وعنصي


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - كيث واينلام في كتابه اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ الفلسطيني