سامان كريم
الحوار المتمدن-العدد: 3261 - 2011 / 1 / 29 - 23:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ان إنفجار الاوضاع في أكثر من بلد في العالم العربي، يعبر في الاساس عن قضيتين محوريتين: الاول: تعفن الراسمالية كنظام سياسي اجتماعي ليس على صعيد العالم العربي بل على صعيد العالم كله، حيث المطالب في كافة البلدان تدل على ذلك بدون ادنى شك. ان التعفن هذا النظام يعني ايضا تعفن كافة الآيديولوجيات والافكار التي بني عليها هذا النظام منذ ان أوجد التاريخ، الديمقراطية ، الاصلاحية، القومية و الاسلامية...
ثانيا: تعفن الحركة القومية العربية كحركة سياسية اجتماعية تمثل البرجوازية العربية و تمثل الحكم والسلطة البرجوازية في اكثرية البلدان في العالم العربية، انها تلتقط انفاسها الأخيرة.. بعد أن جرحت في اتكاسة حزيران سنة 1967.
إن إفلاس الحركة القومية العربية واحزابها الحاكمة المتمثلة في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر و الحزب الدستوري في تونس و حزب البعث في سوريا و المؤتمر الشعبي العام في اليمين...المؤتمر الوطني الحاكم في السودان وجبهة تحرير الوطني الحاكم في الجزائر... إيديولوجيا و سياسيا ومن ثم نموذج حكمهم وإدارتهم للحكم. ان هذه العلمية هي عملية تأريخية ترعرت و تطورت وتوسعت في بطن التحولات السياسية والاجتماعية والطبقية على صعيد العالم العربي و العالم اجمع، وفي النتيجة النهائية أدت إلى ما أدت إليه الاوضاع في اكثرية البلدان العربية التي نراها اليوم في شاشات الفضائيات.
أن فشل الحركات القومية العربية بقيادة أحزابها المختلفة في تحقيق شعاراتها الوحدوية و والامة عربية واحدة و الاقتصاد العربي وماشابه ذلك من الشعارات التي ضللت الملايين من البشر في هذه المكان من العالم ، بشعارات كاذبة ووهمية شعارات مثل تحرير الفلسطين، وحرق اسرائيل، خصوصا ان كافة الحكومات العربية هي مسؤلة وشريكة في عدم حل القضية الفلسطينة لحد اللحظة. حيث بدون تواطء وبدون مساندة إسرائيل من قبلهم ليس بامكانها ان تحتل فلسلطين منذ اكثر من ستين عاماً وبين اكثر من 20 دولة عربية ذات امكانيات بشرية و اقتصادية هائلة لاتقارن بإسرائيل. وان التقدم التكنولوجي والقوة العسكرية الخارقة لإسرائيل وماشابه ذلك من بروباغندة إعلامية زائفة هي في الحقيقة فارغة من المحتوى و وسيلة لتضليل الراي العام في بلدانهم... ان استخذم هذا الشعارت ولى زمنها منذ أمد بعيد ولا احد يشتريها بفلس! ولكن الأوضاع التي ادت الى فشل هذه الحركة بالكامل ترجع بدايتها الى انتكاسة حزيران سنة 1967... منذ ذلك الحين و قيادة هذه الحركة و احزابها وحكومتها تتراجع قهقريا الى الوراء من الناحية السياسية والفكرية و الايديولوجية، حيث وصلت ايادهم خالية من اي ايديولوجية و سياسية تضليلة بقى القمع والقمع فقط على كافة المستويات.
ان ممارسة أحزاب هذه الحركة للحكم كانت و لا تزال بالحديد والنار... تحركت وفق إمتصاص ما يمكن امتصاصه من دم وعرق جبين العمال و الكادحين( العامل الرخيص و عامل خامل) ، خدمة للطبقة البرجوازية المحلية في بلدانهم والعالم العربي و برجوازيات البلدان "الاستعمارية"تلك التي يدعون إنهم قادوا حركة استقلال بلدانهم ضدها ، تحت شعار القومية والوطنية!! حيث إنعدام الحريات السياسية والمدنية و الفكرية و حرية التنظيم والتظاهر والاضراب بموازاته و كبنية فوقية التي تعكس البنى التحية المطابقة لها الفقر والمجاعة وقلة الاجور إقتصاديا أنظروا الى مصر وانظروا الى كافة البلدن العربية ... وقارنوا الاجور ببلد مثل السويد او حتى تركيا، قارنوا العمال في الخليج وأجورهم ، الخليج الذي يقوم على محيط من النفط والغاز، ببلد مثل البرتغال الفقيرة مقارنة بهم!!
بعد هذه المقدمة نعود الى مصر حيث الهبة والانتفاضة الجماهيرية عمت البلاد. ان المعاناة المتراكمة من العوز والبؤس والفقر و البطالة و انعدام الحريات، على مدى عقود من الزمن تحت شعارات وهمية و خرافية ومن ثم الغلاء الفاحش خلال سنوات المنصرمة وخصوصا تاثيرات الازمة الاقتصادية العالمية التي لها دور كعود الثقاب لانفجار الاوضاع...هي كلها سبب رئيس لإندلاع هذه الهبة الجماهيرية التي ليس لها اية رؤية واضحة حول مستقبل حركتها و ليس لديها بديل واضح سوى سقوط النظام، ولكن تبديل النظام باي نظام اخر؟! حيث ان التغيير ليس يدل على اي معاني ثورية اذا التغيير ليس معلوما وليس من صالح العمال والأكثرية القصوى من الجماهير في مصر. التغيير يجب ان يكون لصالح الطبقة العاملة، لصالح الجماهير والمجتمع، فبدونه يمكن تغير الوجوه فقط كما شاهدنا تجارب كثيرة في الشرق الاوسط و أمريكا اللاتينية، شاهدنا التغيير في العراق و في إيران لكن الوضع الاجتماعي و السياسي والحريات السياسية لم تتغير بل اتجهت نحو الاسوء.. ان تغيير الوجوه بدون تحول اجتماعي جذري يهدف الى اسقاط النظام السياسي الاجتماعي الراسمالي الموجود، ليس فيه أية مصلحة لعشرات الملايين الذين يقودون هذه الاحتجاجات الجماهيرية.
مصر ليس تونس، مصر لها خصوصياتها !
ان الوضع السياسي والاجتماعي و موازين القوى بين الحركات البرجوازية المختلفة و حتى الإطار العام للتنظيمات العمالية في مصر يختلف ، على الرغم من أوجه تشابه كثيرة وكبيرة بينهما من حيث نظام الحكم و القيود والقمع و قلة الاجور... ان مصر فيها حركة إسلامية قوية على الاقل منذ بداية السبعينيات( على رغم عدم حضور قوي لها في هذه الانتفاضة لحد الان) حين تعاون معهم أنور السادات، وصعد نجم هذه الحركة من خلال توليفة ارهابية تم تنظيرها من قبل سيد قطب و التي ادت اخيرا الى قتل السادات و تعاون السادات قبل قتله كان خطة مرسومة سياسيا لتشكيل افغان العرب بتوافق مع الاستخبارات الباكستانية و السعودية حيث التعبئة وتحشيد القوى من قبل السادات و التمويل من السعودية و الجانب اللوجستي من باكستان وبإشراف مباشر من الاستخبارات المركزية الأمريكية لتشكيل جيش اسلامي ضد الاحتلال السوفيتي في افغانستان تحت حجة" خطرالشيوعية:" وهذه هي بداية تشكيل الأفغان العرب الذي ساهمت مصر فيها بشكل كبير... ذلك لإبعاد الاسلاميين عن مصر و تصديرهم إلى افغانستان لمحاربة " الكفر والشيوعية!!" ولكن في الوقت نفسه من سنة 1975 لغاية 1979 تضاعفت البرامج الإسلامية في الإذاعات والتلفزة المصرية الى خمسة أضعاف" أسلمة المجتمع" كسياسة لاستيعاب وترويض الإسلاميين وكل هذا انعكس بشكل سلبي على المجتمع المصري وعلى الحكومة المصرية والحركة القومية العربية ايضا.... حيث زاد نفوذهم ولكن هذه المرة ليس من خلال الارهابيين المباشرين بل من خلال الاخوان المسلمين كجيل جديد لحسن البناء في مصر... ان ( الإخوان )هي أقوى الحركات البرجوازية في صفوف الاحزاب المعارضة البرجوازية... وهذا يتطلب ملاحظة وتحميص دقيقين لدى القادة العماليين، هذا من جانب ومن جانب آخر إن الحركة العمالية والطبقة العاملة فاقدة لحزبها الشيوعي العمالي حزبها الذي يستوجب ان يبنى في خضم هذا الصراع وفق تقاليد ماركس ، ويرفع راية الثورة الاجتماعية و اسقاط الراسمالية وبناء الاشتراكية على انقاضها... لكن أن الطبقة العاملة في مصر قدمت تضحيات جسيمة و نضالات جبارة وعظيمة و حضورها خلال عشرة السنوات المنصرمة كان مستمرة، هذا ناهيك عن دورها التاريخي حيث قادت انتفاضة الخبز في سنة 1977 وارغمت حكومة السادات عن التراجع في قراراتها حينذاك...... عليه ان العمال وخصوصا القادة الطليعين للطبقة العاملة والشيوعيين والاشتراكيين الذين يهدفون فعلا إلى بناء نظام اجتماعي خالٍ من الطبقات والظلم والاضطهاد، ان يرصوا صفوفهم بفصل نضالهم عن الحركات والاحزاب البرجوازية كافة... إن البرجوازية لم يبق في جعبتها أي تغير لصالح الجماهير وخصوصا لصالح الطبقة العالمة، ان كل نماذج الحكم الراسمالية جربت في التاريج سواء كان من قبل الحركات القومية او الإسلامية او الإصلاحية او الديمقراطية التي تعفنت خصوصا خلال العقدين المنصرمين.. لم يبق لها أي بريق وأية معانٍ تقدمية.... في خضم هذه الاوضاع ان اهم قضية ومهمة المهمات هي فصل صفوف الطبقة العاملة و السعي بجد لبناء حزب عمالي قوي بامكانه ان يقلب موازين القوى لصالح الأكثرية العظمى من المجتمع في مصر.، ان مهمة صعبة امام القادة العماليين و الشيوعيين المناضلين في خضم هذه الاوضاع، ان بناء حزبهم الطبقي مرهونة في هذه المرحلة بعزل الاسلام السياسي عن اي دور مؤثر في التحولات الراهنة، وعزل كافة الحركات والجبهات البرجاوزية الاخرى. بدون إنجاز هذه المهمة ستكون نتائج الانتفاضة مدمرة على مصالح العمال و الشبان والمظفين ذوي الدرجات الادنى و الثوريين والقادة العماليين والشيوعيين، كما حصل في إيران بعد ان ركب الإسلام السياسي بقيادة خميني موجة الثورة المضادة وأفرغت الثورة من محتواها تحت اسم الثورة.29.1.2011
#سامان_كريم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟