الصراع السياسي داخل الحكومة الناقصة، حلقة من حلقات الصراع لأجل حسم هوية الدولة!

سامان كريم

الحوار المتمدن-العدد: 3259 - 2011 / 1 / 27 - 23:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

إقتربنا من سنة كاملة، منذ إجراء الانتخابات حيث بعد شهر وبضع ايام في 7 آذار سنحتفل بمهزلة الانتخابات والعملية السياسية برمتها، المهزلة التي صنعتها البرجوازية القومية والبرجوازية الطائفية، صنعتها في إدارة عمليتها السياسية وفي إدارة البلد، وإدارة ملفات الخدمات والامن، وإدارة الشؤون الحكومية.

ذكرت في مقالات سابقة ان هذه الحكومة حتى لو أكتملت هي ليست حكومة مالوفة بل هي إعلان حكومة ولوحة للديكور. ان المشاركين في هذه الحكومة من القوى القومية العربية والكردية والاسلام السياسي، شاركوا كلهم، ليس لادارة ملفات البلد وليس لتوفير الخدمات والامن، وليس لإدارة البلد بالشكل المالوف كاية حكومة في العالم، بل لكسب ما يمكن كسبه من السلطة والنفوذ، وبالتالي وفي التحليل الاخير شاركوا لكي يطبعوا الدولة بطابعهم الخاص وكل حسب هويته القومية او الإسلامية او الطائفية، او على الاقل ليعيقوا مشاريع الاخرين، ليضعوا عراقيل امام الحركات والاحزاب الاخرى التي تبتغي ايضا طبع الدولة بطابعها.. هذا هو حال هذه الحكومة الناقصة. ولكن النقص يكمن في عصب هذه الحكومة، النقص ليس في التشكيلة الوزارية كاملة، بل في الوزارات السيادية والخدمية المهمة.. الدفاع، الداخلية، الامن الوطني والمخابرات والكهرباء... علام هذا التاخير وعدم ملئ الفراغات السيادية والخدمية؟! لماذا هذا التاخير وماهي الاسباب السياسية الكامنة وراءه؟!

أن المرحلة الاولى بعد تشكيل الحكومة او بالتحديد بعد إعلان حكومتهم بدأت فعلا، حيث تحاول كل جهة مشاركة الإستحواذ على أكبر مايمكن من القوة والسلطة داخل هذه الحكومة او داخل هذا الهجين الذي يسمى حكومة. انها حكومة فقط تجاه الطبقة العاملة والفقراء وفرض المجاعة، اي انهم سلطة برجوازية ضد الطبقة العاملة، وهم متحدون فقط حول هذا الامر، اي فرض الفقر والمجاعة وقلة الاجور وخنق الحريات السياسية والتنظمية والاضرابات للطبقة العاملة، بهذا المعنى الذي تؤيده الامبريالية الامريكية والغرب عموما، وشركاتهما الكبرى مع بانكهم الدولي. من غير هذا ان كل طرف من الأطراف المشاركة في الحكومة يهدف الى اخذ حصة اكبر كحلقة اولى صوب طبع الدولة بطابعه.

بدأ الصراع في المرحلة التي أعلنت فيها الحكومة، وبما ان التحالف الوطني بقيادة المالكي له حصة الاسد في قيادة هذه الحكومة، وله اليد الطولى في اخذ حصة اكبر، قررت المحكمة الاتحادية القريبة من المالكي "تحديد ارتباط الهيئات المستقلة بمجلس الوزراء مباشرة.... كديوان الرقابة المالية، وهيئة الإعلام والاتصالات، والهيئة الوطنية لاجتثاث البعث، التي حلت محلها الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة والهيئة العليا المشرفة على الانتخابات، والبنك المركزي..." وهذا يعني افراغ كل الهيئات المستقلة من اي معنى او سلطة، حتى حسب وصفتهم بإستقلال الهيئات، القرار الذي يعارضه تحالف الكتل الكردستانية والعراقية معاً. لكن هذا ليس الشئ الوحيد او ليس السياسة والممارسة الوحيدة للتحالف الوطني او للمالكي بالتحديد الذي يريد السطو حتى على نفوذ اقرب حلفائه، بل ان الصراع السياسي الاعمق هو عدم الاقرار على مجلس السياسيات الاستراتيجية، بالهيئة التي تريدها العراقية او علاوي الذي ينص الإتفاق برئاسته. ان عدم الاقرار على هذا المجلس هو صراع بين الاسلام السياسي عموما وبالتحديد حزب الدعوة بقيادة المالكي والقائمة العراقية بقيادة علاوي، بين الاسلام السياسي والحركة القومية العربية بصورة عامة... وهذا ما أدى الى عدم الإقرار أو عدم تحديد أشخاص للوزارات السيادية والخدمية الفارغة، مثل وزارة الدفاع الذي رشحته القائمة العراقية. وهذه كلها ليست الصولات باجمعها بل تضاف اليها تعين الاسلامي على أديب على راس وزراة التعليم العالي وإدارته لها باوامر من المرجعيات الشيعية حيث أكد على أديب " أن وزارته ستكون جادة لأخذ وصايا المرجعية النيرة بعين الاعتبار." من الجير بالذكر انه زار المرجع الديني بشير النجفي في 27 من كانون الثاني 2010. ودعاه النجفي إلى" وضع حد لثقافة الاختلاط والميوعة" في المعاهد والجامعات العراقية، مطالبا الوزير بوضع حد لهذه الثقافة المنتشرة حاليا في الجامعات والمعاهد، مشيرا إلى وجود "أجندات خارجية تُريد النيل مِن طلبة الجامعات بنشر ثقافة الاختلاط والميوعة لإبعادهم عن أجواء طلب العلم والتقدم"، وهذا التوجه مطابق للفقرة 34 من برنامج حكومة المالكي الذي تلاه في البرلمان حيث جاء في هذه الفقرة " 34-حماية المجتمع العراقي من الممارسات التي تتعارض مع الدستور وقيمه الدينية والآداب العامة التي عرف بها المجتمع العراقي وتفعيل القوانين النافذة لمواجهة أي خرق في هذا المجال." (من برنامج حكومة المالكي الثانية الذي القاءه في البرلمان يوم21/12/2010 – صفحة رئاسة الوزراء).

وبموازاة تلك التوجهات جاءت قرارات إستبدادية و قمعية للحريات الفردية والمدنية من محافظ بغداد بغلق النوادي الليلية، وقرار وزير التربية السابق بالغاء قسمي المسرح والموسيقى في معهد الفنون الجميلة، ومن جانب اخر منح تراخيص للشركات الامنية الإيرانية لحماية الزوار الايرانيين، وهذا يعني قانونية وجود الحرس الثوري الإيراني في العراق، ومن جانب اخر يعني هشاشة الوضع الامني في العراق وعدم الثقة بقواتهم من جانب اخر.... هذه الصولات والهجمات لاخذ حصة اكبر من السلطة والنفوذ بغطاء قانوني تعبر عن حلقة مهمة من حلقات الصراع السياسي على طبع الدولة بالطابع الاسلامي...على يد المالكي الذي يبرز تارة بتوجهات قومية عراقية وتارة اخرى بملبس إسلامي عتيق.

من جانب اخر ان الحركة القومية العربية بقيادة العراقية لم ترفع راية الاستسلام بل تحاول ايضا ان تمارس دورها واخذ ما يمكن اخذه من القوة والنفوذ واعاقة مشاريع الاسلام السياسي، حيث لم يصادقوا لحد الان على وزير الداخلية المقترح من التحالف الوطني والمالكي، وبدأ النجيفي بجولات عربية وأبرز نفسه ليس فقط كرئيس لمجلس النواب بل كشخصية فوق العادة لهوية العروبة في العراق من جانب اخر. وكصولة من صولات الحركة القومية العربية رفض محافظ صلاح الدين أحمد عبد الله الجبوري في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع وزيري الصحة أمين مجيد والعلوم عبد الكريم السامرائي على هامش زيارتهما للمحافظة اليوم 18.1.2011 إن "حكومة صلاح الدين المحلية ترفض قرار الحكومة المركزية بإقالة مدير شرطة المحافظة وتعيين بديلا عنه"، معتبرا أن "قرار الإقالة تدخلا بشؤون المحافظة ومجلسها....هذا من جانب يدل على صحة تقديرنا من ان هذه الحكومة هي ليس حكومة مالوفة بل ان كل طرف يبتغي تحقيق اهدافه ومن جانب اخر وإذا يتطلب الامر يدل على ان كل طرف يدير شؤونه بدون اوامر مركزية.

اما الحركة القومية الكردية ومن خلال الحزبين الحاكمين في كردستان يحاولان بدورهما ايضا اخذ ما يمكن اخذه من الحكومة الحالية عن طريق اتفاقيات بين الحكومة المركزية وحكومة إقليمهم حول عقود النفط وحقهم في الاستثمار...من جانب ومن جانب اخر بين قائمة التاخي والحدباء في نينوى.. ومحاولاتهم الدؤوبة لفرض الاحصاء في العراق لكي يتسنى لهم الفوز في كركوك، ناهيك عن محاولاتهم لاقحام اكثر ما يمكن من قواتهم الامنية والبشمركة الى صفوف وزراة الدفاع العراقية ليتسنى لهم تحصيل معاشهم من المركز... وليس من حصة كردستان من الميزانية المركزية.

هذه هي الصورة السياسية لعراق الان... ولكن كل هذه الصور، وتجميد عملية تشكيل الحكومة اساسا مرتبط باوضاع المنطقة حيث نرى تجميد الوضع السياسي في لبنان على اثر تدخل مباشر من إيران واحباط محالاوت سعودية-سورية لفرض الامن والاستقرار ومن ثم تقدم ايران بخطوة واحدة على منافسيها اثر اختيار ميقاتي لرئاسة الوزراء، ومن جانب اخر ان القضية الفلسطينية جمدت ايضا وتراجع الدور الأمريكي الى حد كبير وخصوصا بعد نشر الجزيرة الوثائق السرية بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلة وهنا ايضا سجلت إيران نقطة تقدم اخرى، هذا ناهيك عن ان الحركة القومية العربية بحكوماتها وأحزابها الحاكمة تواجه انتفاضات واعتراضات جماهيرية في تونس ومصر والاردن و.... يبدو لي ان الوضع العراقي وحتى خصائص تشكيل هذه الحكومة مرتبط الى حد كبير بالأوضاع المتشنجة في المنطقة وبالصراع بين إيران من طرف والبلدان العربية الرئيسة من طرف اخر على مناطق النفوذ والثروة في المنطقة...بينما تحاول تركيا بصورة جاهزة ان تملأ الفراغ من جانب نفوذ البلدان العربية في العراق. في هذه الأوضاع ان ميزان القوى ليس لمصلحة الحركة القومية العربية في العراق، القائمة العراقية. أن إتفاقية اربيل بين المالكي و بارزاني و علاوي فاتت آوانها.

#سامان_كريم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل