أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - صادق الازرقي - دعامات القسوة وأزمة الإنسان في العراق الجديد















المزيد.....

دعامات القسوة وأزمة الإنسان في العراق الجديد


صادق الازرقي

الحوار المتمدن-العدد: 3145 - 2010 / 10 / 5 - 04:36
المحور: المجتمع المدني
    


بدءاً أقول، ليست بنا حاجة لأن نسبر أغوار بطون الكتب كي نعثر على دليل يزعم ان العراقيين عنيفون بطبعهم وأنهم بحاجة الى أن يروضهم دكتاتور مستبد كما يدعي البعض، كما ليس مطلوباً منا أن نرجع الى كتابات بعض مفكرينا في العراق المعاصر من أمثال علي الوردي و آخرين كي نفهم مجريات صراع البداوة والحضارة في المجتمع العراقي، فذلك ليس مجال بحثنا في مقالتنا القصيرة هذه، و الأمر بمجمله يبقى عرضة لجهود المفكرين المتصفين بالروح الإنسانية السليمة واستنباط الأمور والنتائج من دون ضغائن و أحقاد.
أردت أن أقول؛ ان التجربة الحية أبرزت لنا أنموذجا عراقيا جديدا يمتاز بمزيج من الأنماط الحياتية الايجابية و السلبية التي حفل بها الوضع العراقي طيلة السنوات الأخيرة التي كرست صفات جديدة وأزاحت أخرى قديمة.
من المهم الإشارة الى أن التغير في نمط السلوك العراقي ابتدأ حصرا في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي، إذ يمكن القول ان الروح والسلوك العراقيين تميزا في عقود الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي وقبل ذلك أيضا بالاستقرار النوعي ضمن استجابات البساطة و (الأريحية) في طباع الناس وانعدام التعقيد في التصرفات، ولقد سمعنا من آبائنا كثيراً من القصص عن بغداد التي كان يلف لياليها الحماسة، وعن حديقة الأمة وساحة الطيران وعلاوي الحلة والصالحية وباب المعظم وغيرها من الأماكن التي تسهر حتى الصباح وتتألق بمطاعمها ومقاهيها وفنادقها وشوارعها النظيفة برغم ضيق ذات اليد ووجود الفقر وقلة ثروات العراق مقارنة بالعقود الأخيرة، ولاسيما بعد ما سمّي بـ (الطفرة النفطية) في السبعينات والتي لم تنفع في إيصال الإنسان العراقي الى حالة الرخاء المطلوب بعكس دول كثيرة مجاورة لاسيما في الخليج.
تعمقت أزمة الإنسان العراقي بالتحديد في مدة صعود نجم رئيس النظام المباد صدام حسين ووصوله الى السلطة في أواخر عام 1979 فابتدأ سير المجتمع العراقي الحثيث نحو الانحدار المتواصل وعمقت الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت في الثمانينات جرح العراق قبل ان يبلغ ذروته في التغيير الكبير في نيسان 2003 والذي لم يفلح في إيقاف انحدار المجتمع العراقي نحو الهاوية التي شملت السنين اللاحقة للتغير وهي لم تزل تتواصل حتى الآن.
كان من ابرز ما تمخضت عنه مدة تولي صدام حسين للسلطة منذ نهاية السبعينات غلبة روح (الأنا) و محاولة الاستئثار بكل شيء وتنامي روح الكراهية والعنف، تلك السمات التي حملها بعض الناس في تلك المدة تعمقت في أثناء سنوات فرض العقوبات الاقتصادية على العراق اثر غزو الكويت عام 1990 وامتدت لتشمل قطاعات كبيرة من العراقيين لم تكن تعاني من تلك الصفات من قبل.
لقد أدى إسقاط النظام المباد في 2003 وانهيار معالم (الدولة) وانطلاق موجة الاستيلاء على مخلفاتها فيما يعرف بـ (الفرهود) إلى نشوء وتكريس سمات سلبية أخرى لدى كثير من العراقيين.
ان عملية النهب التي جرت عقب التغيير و برغم قلة ممارسيها وعزوف الأغلبية الساحقة من العراقيين عن المشاركة فيها إلا ان وقعها كان أصاب مقتلا عميقا في النفس العراقية تمظهر فيما بعد بأشكال الفساد المستشري في دوائر الدولة الجديدة الذي طفق يتحول من كونه انحرافا أخلاقيا واجتماعيا كبيرا بحسب قناعات العراقيين الأصيلة الى ان يكون مصدراً للتفاخر الى الحد الذي بات كثير من الموظفين لا يشعر بالحرج من طلب الرشوة من المراجعين الذين تتلكأ معاملاتهم لسبب ما.
لقد أدى الانهيار الشامل وإخفاق النظام البديل الذي جاء على أنقاض النظام الدكتاتوري السابق إلى تعميق الهوة بين حياة غالبية الشعب وبين فئات طفيلية لا يعلم احد من أين تأتي بالأموال، لم تكتف بحيازة الرواتب العالية والبيوت الفارهة وأماكن اللهو، بل تعدتها الى محاولات الاستيلاء على الأملاك العامة وتسخيرها لأغراضها الخاصة، ولقد أدى غياب العدالة الاجتماعية وقسوة الحياة التي يعيش بظلها غالبية العراقيين الى عدم الاكتراث لأعمال القتل التي تحصل يوميا من دون انقطاع التي لو حصلت في دولة أخرى لأقامت الدنيا ولم تقعدها.
لقد سادت روح الكراهية واللجوء الى العنف لدى كثير من العراقيين الى الحد الذي بات كثير من الناس يفقدون أرواحهم بسبب مهنهم مثلما حصل بحق أطباء ومدرسين وصاغة وغيرهم من الأبرياء الذين لا ناقة لهم و لا جمل فيما يجري من سرقة علنية لأموال البلد، و ليس مستغربا ان تجد بعض الأحيان من يتحدث عن أشخاص قتلوا لمجرد أنهم يرتدون ملابس جديدة ونظيفة! كما ان القتل على الهوية الذي انبثق إبان مدة العنف الطائفي كان من أقسى مظاهر العنف الجديد في العراق، يصاحب ذلك انعدام التعامل الإنساني الطبيعي في التجمعات السكانية وفي الدوائر ومؤسسات العمل.
أرى أن علينا أن لا نخشى من قول الحقيقة وان نشخص العلل الجديدة في الروح العراقية التي بدأت تتنامى في مظاهر شتى كي نصل الى علاجات شافية لإيقاف نتائجها المدمرة على الإنسان والوطن، إذ ما عاد مواطننا يعيش مراحله العمرية على وفق ما تتطلبه حاجات المرحلة ذاتها فكثير من الأطفال فقدوا براءتهم ولن تعدم ان تجد طفلا لم يبلغ عمر المدرسة يتصرف مثل الكبار بل ويشاكس الكبار، أما مرحلتا الصبا والشباب فغدتا نهبا لواقع القتل والخطف والسرقة والتزوير والفساد وغيرها من المخاطر، الى الحد الذي أمات في الشباب أي أمل بتغير الأوضاع الى الأحسن، في حين تسربت محاسن مرحلة النضج والشيخوخة من بين أيدي أصحابها بعد ان واصلوا عملية الركض الشاق وراء لقمة عيشهم، إذ لم تؤمن لهم رواتب التقاعد المتواضعة ما يكفي ليركنوا الى بيوتهم قريري العين.
وبالطبع فان مظاهر سلبية كثيرة اعترت الروح العراقية طيلة العقود والسنوات الماضية لن يكفي مقال في صحيفة او موقع الكتروني للإحاطة بها كما انها تحتاج الى دراسات معمقة ، ولكننا أردنا فقط الإشارة اليها وتشخيص بعضها كي لا تمر مرور الكرام، وكي يلتفت اليها المعنيون جميعهم مفكرين وأكاديميين وسياسيين وعلماء نفس وغيرهم، كي لا تتعمق المأساة العراقية المتواصلة وحتى نفلح في التمهيد لبناء أجيال مقبلة بسمات إنسانية قويمة، وحتى تغادرنا بوابات العنف والبغضاء والحقد.



#صادق_الازرقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معارضة برلمانية قوية .. هي المدخل لاستقرار العراق
- مغاليق السياسة ومفاتيحها
- هل ينفذ مجرمو الآثار بجلودهم؟
- الانسحاب الاميركي .. فرصة لإنقاذ ما تبقى!
- حكومتنا المستحيلة
- أيهما الأولى .. تعديل الدستور أم إعادة الانتخابات؟
- نظرة في القوانين السائدة
- أين الاقتصاد في برامج السياسيين
- و لتأخير تشكيل الحكومة أسبابه!
- أرقام استثمارية كبيرة بنتائج شحيحة
- قبل القمة علينا أن نصلح بيتنا أولا !
- الاستهانة بكرامة المواطن
- مشاريع الإسكان وحصة المواطن
- (إجه ايكحلهه عِماها)!
- طبّاخات الرُطب
- خرق دستوري فاضح
- إخطبوط (بول) لفك طلاسمنا
- تحالف المالكي و علاوي!
- حراك الجماهير بمواجهة حراك السياسيين
- أزمة الكهرباء والخدمات مفتعلة


المزيد.....




- -الأونروا-: الحرب الإسرائيلية على غزة تسببت بمقتل 13750 طفلا ...
- آلاف الأردنيين يتظاهرون بمحيط السفارة الإسرائيلية تنديدا بال ...
- مشاهد لإعدام الاحتلال مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم العودة ...
- محكمة العدل الدولية تصدر-إجراءات إضافية- ضد إسرائيل جراء الم ...
- انتقاد أممي لتقييد إسرائيل عمل الأونروا ودول تدفع مساهماتها ...
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بإدخال المساعدات لغزة دون معوقات
- نتنياهو يتعهد بإعادة كافة الجنود الأسرى في غزة
- إجراء خطير.. الأمم المتحدة تعلق على منع إسرائيل وصول مساعدات ...
- فيديو خاص: أرقام مرعبة حول المجاعة في غزة!!
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بفتح المعابر لدخول المساعدات إلى غز ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - صادق الازرقي - دعامات القسوة وأزمة الإنسان في العراق الجديد