أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - هروب إلى الخلف.. وهروب إلى الأمام














المزيد.....

هروب إلى الخلف.. وهروب إلى الأمام


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3134 - 2010 / 9 / 24 - 18:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تعاني التجمعات العراقية في الخارج من وجود ظاهرتين تؤثران على سلوكها وتحولان دون تفاعل قيمها وثقافتها مع قيم المجتمع المحيط, وهاتان الظاهرتان هما الانكماش والتقوقع من جهة أو الانبهار بالمحيط إلى درجة التغييب الكاملة للثقافات والموروث الخاص.
ولعل التجمعات العراقية الحالية في الغرب هي أكثر من غيرها تأثرا بالظاهرتين, لأسباب أهمها, المعاناة الثقيلة والمآسي المتواصلة التي مر بها العراقيون, على الأقل لفترة الستين سنة الأخيرة, فهؤلاء كانوا عاصروا عهودا سياسية متعاقبة ليس من السهولة تبييض صفحة أحدها في مقابل تعتيم صفحة الآخر.
إن المآسي العراقية كانت نتاجا لمعمل عراقي ظل شغالا على مدار اليوم والسنة والعقود, ولم يحدث أن توقفت مكائن هذا المعمل عن الدوران إلا لغاية تزييت أجزائه, لكي تعود إلى العمل بإنتاجية أعلى. حتى إذا ما استولى صدام على السلطة فإن جنوحه وإجرامه وطغيانه, رغم كونها نتاجا لذات مريضة, وطفولة معقدة مرتبكة, وثقافة بدائية متصحرة, فإنها أيضا نتاجا لمعمل عراقي كان أنجز تشغيل مكائنه بأقصى سرعة, ورفع سقف إنتاجه إلى الأعلى, ولم يحدث أن توقفت هذه المكائن إلا لأغراض الجرد والتزييت وتعويض التالف من الأجزاء.
وحينما سقط الطاغية فإن انفجار ثقافة العنف جاء وكأنه جزء من عملية الخصخصة التي جرى الأخذ بها لتحويل الاقتصاد العراقي من رأسمالية الدولة إلى اقتصاد السوق الحر, حيث لم يعد العنف حكرا على الدولة, وإنما توزع على الأفراد والطوائف والأحزاب, فأصبح انفجاره وانتشاره تعبيرا عن حالة متناغمة مع خصوصيات التغيير وموروثة أيضا مما سبقها من حالات تراكم إنتاجي لم يتوقف إلا في حالة نادرة.
إن المآسي تلك كانت أدت إلى نزوح كثير من المواطنين العراقيين المعطلين باتجاهين متعاكسين يتناصف كلاهما إشكالية الإحباط وتداعياتها, رغم ضدية الاتجاه وخط السير.
الأول تمثله ثقافة الردة أو الثقافة التأصيلية الغيتوية (من الغيتوات, أي التجمعات ذات الخصوصيات الذاتية المفرطة والمعزولة عن المحيط والتي اشتهر فيها اليهود, والتي كانت سببا أساسيا من أسباب الإضهاد التي تعرضوا لها في المجتمعات الأوروبية).
أما الثقافة الثانية التي تسير في الاتجاه المعاكس فهي ثقافة – اللاثقافة, ويمثلها أولئك الذين خلق لديهم الإحباط حالة من فقدان الإحساس بالوزن فأصبحوا مهيئين كاملا للدوران في فضاءات الغير, بلا أية خصوصيات تؤهلهم لحالة اندماج تفاعلية تغتني مما حولها, وتغني ما حولها من مجتمعات لا شك إنها تشجع هذه التفاعلية التراثية, وتَغْتني بها وتُغْنيها.
وهناك مسألة ذات أثر كبير على تحديد وبناء ثقافة هذه التجمعات ولتفسير ردتها والتزامها غير الصحي بمواقف مفرطة بالذاتية, فلكون هذه التجمعات هي جزء من هجرة سياسية وطائفية وقومية كانت جرت على دفعات, فإن العمود الفقري لثقافتها ظل يتقوى ويتصلب بالمواقف الأساسية الدافعة للهجرة, وبدت عملية التخلي عن تلك الثقافة, أو تغييرها, أو تعديلها أمرا صعبا للغاية, خاصة وإن تلك الثقافة قد وجدت لها في بلاد الغربة من يمأسسها عبر نواد وجامعات وحسينيات, وما شاكل من المؤسسات التي بات تأثيرها يكبر ويكبر, خاصة على صعيد الجيل الذي لم تُأثِر فيه بعد مجتمعات الغربة, لكي تعدل أو تستبدل ثقافته بثقافتها.
وزاد على الطين بَلة أن هذه التجمعات صارت خارج جغرافية وزمان المجتمع العراقي في الوطن, فظلت على ما خرجت به, دون أن تعترك بالجديد اليومي الحاصل على صعيد الشارع العراقي, ولذلك ظلت ثقافتها هي ثقافة أزمة, وثقافة مشكلة لا ثقافة حل.
بالاتجاه المعاكس جاءت ردة الفعل على التراكم والفائض الإنتاجي لمعمل تصنيع المأساة العراقية بطريقة رد الفعل السلبي وليس الإيجابي, وبدى الرفض الكامل والمطلق للموروث والثقافة العراقية حلا ملائما وبسيطا وسريعا بسبب العجز أو عدم الرغبة لإيجاد تفسيرات حقيقية مقنعة, فحلت ثقافة التسفيه بدلا من ثقافة التنبيه, لكي تسحب بعض المهاجرين إلى مواقع ثقافة ال (لا) السلبية بدلا من ال (نعم) الإيجابية, وفبها يصبح كل ما خلفهم مرفوض ومخزي وكل ما أمامهم مقبول ومجزي.
كلا السلوكين بلا شك هما هروب, الأول إلى الماضي, والثاني إلى المستقبل
والذهاب إلى المستقبل, لمن يدعي أنه يمشي إليه, يجب أن يكون ذهابا وليس هروب.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنهم يطبخون التاريخ.. أليس كذلك..؟!
- أمريكا.. لماذا نجحت في ألمانيا وفشلت في العراق.. ؟!
- مع القرآن.. ماذا سيحرق القس جونز
- الحادي عشر من أيلول.. ليس الأمريكان وحدهم الضحايا
- العراق بين حل الأزمة وأزمة الحل
- الحرب العراقية الإيرانية.. هل كانت أمريكية
- كلنا عملاء لأمريكا.. فمن الوطني إذن ؟!
- من نسأل
- إسلام بدون مسلمين
- الأمريكي المسلم والمسلم الأمريكي
- الأستاذ جاك وجامع قرطبة
- الديمقراطية.. وصواريخ صدام على تل أبيب
- عن الحب والكراهية في السياسة ومقالات الدكتور عبدالخالق حسين
- طائرة إسمها الكويت
- صدام .. كم, مما كان فيك ما زال فينا
- العراق.. النجاح في الفشل
- من إنحرف عن ثورة تموز.. قاسم أم عارف ؟!
- من الذي بدأ القتال بعد الثامن والخمسين.. الشيوعيون أم البعثي ...
- سقوط النظام الملكي وعيوب نظرية الْ.. ( لَوْ ) لقراءة التاريخ ...
- عيوب في قراءة التاريخ....العيب الثاني


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - هروب إلى الخلف.. وهروب إلى الأمام