أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - عيوب في قراءة التاريخ....العيب الثاني















المزيد.....

عيوب في قراءة التاريخ....العيب الثاني


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3063 - 2010 / 7 / 14 - 16:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في القسم الأول من هذه المقالة كنت تحدثت عن العيب الأول, وهو قراءة التاريخ قراءة منحازة, فيكون البحث المتأثر بذلك الانحياز متناغما بشدة مع طبيعة موقف الحركة السابق إزاء تلك الحالة. ولأن المقالة السياسية يجب أن تكون هادفة ومسئولة, فإن بناء الموقف المطلوب يبقى معطلا بفعل إعادة إنتاجه حرفيا وبشكل لا يأخذ بنظر الاعتبار تأثير الظروف الحالية والسابقة كعناصر أساسية تؤثر على البناء الموقفي الجديد. وفي مقالات عديدة لكتاب معروفين بانتماءاتهم السياسية السابقة سنجد, ليس تكرارا للموقف القديم وحده, وإنما أيضا للمفردات اللغوية التي تعبر عنه والتي تخلى عنها صناعها ومبتكريها الأصليين.
إن مقالة من هذا النوع المتأثر بعاطفة الموقف السياسي القديم ستؤدي حتما إلى تبييض صفحات ليس من الحق تبيضها, أو الاستمرار في تدكين صفحات أثبتت الوقائع بياض محتوياتها ومضامينها, كما وستؤدي أيضا إلى التمسك بأحكام المطلق فيكون الآخر وتحت شعار, نحن الخير والخير نحن, هو الشر كله.
لكن موقفا, نقيضا في الاتجاه وقرينا بالنتيجة, سيتأسس من خلال الذهاب العكسي لقراءة التاريخ, فبينما تنشأ القراءة الأولى من خلال مجيء الكاتب محملا بحقيبة الماضي كمنهج لدراسة التاريخ فإن كتابا آخرين سوف يذهبونل دراسة القديم والحكم عليه من خلال الموقف الحالي وما تجمع من أحكام تأسست على معارك ومواجهات وتحولات تلت ذلك القديم وصولا إلى الموقف الحاضر.
ولغرض توضيح مداخلتي هذه سأقترب من خلال ثورة الرابع عشر من تموز إلى من نوعين من الكتاب: الأول ذلك الذي يأتي إلى الحدث محملا بعدته القديمة من أقلام ودواة حبر وأحداث كان لها أن تحفر في ذاكرته شقوقا لم يتمكن على ردمها أبدا, أما النوع الثاني فهو الذي يذهب للكتابة عن ذلك الحدث محملا بأدوات وأحداث وتشققات المراحل التي تلت ذلك الحدث ليحكم عليه وهو ينوء بأثقال الحاضر وبجراحات المراحل التي تلته.
إن القراءة الأولى قد أنتجت موقفا شموليا منحازا بالإيجاب إلى ثورة الرابع عشر من تموز أو منحازا إلى الضد منها وكان تبناه أنصار العهد الذي تلا تلك الثورة أو أنصار العهد الذي سبقه, وسيجعلنا أولئك الذين يحبون الجمهورية ورجالاتها وبدء بالزعيم قاسم نفهم إن العهد الملكي كان كله خطأ, أما الذين هم بالضد فسوف يحاولون إقناعنا إن العهد الملكي هو أفضل العهود على الإطلاق وإن الملك ورجالاته كانوا أفضل من مر على العراق في العصر الراهن.
أما القراءة الثانية فهي التي ستنتج موقفا تسقيطيا وإسقاطيا, لأن من يقدم عليها سوف يفعل ذلك من خلال مقارنة غير عادلة على الإطلاق ومتأثرة بواقع الكوارث التي مر بها العراق لاحقا, وغالبا ما تؤدي مقارنة من هذا النوع إلى تبجيل الحكم الملكي والتأكيد على إنه لو كان استمر من دون دخول العسكر على الخط لصرنا الآن أفضل من جميع دول المنطقة وحتى أفضل من الدول الخليجية التي ( لو) إنها كانت قد غيرت نظامها المشايخي أو الأميري أو الملكي لما وصلت إلى ما وصلت إليه من عز ورفعة وتطور وغنى.
وهل سأكون مخطئا لو قلت إن هذه القراءة ( الْلَوئِية – نسبة إلى الْلَوْ ) هي قراءة افتراضية وميكانيكية ومغرقة في الرتابة من واقع تصورها أولا لإمكانات استمرار الحكم الملكي بنواقصه وإختلالاته, ومن خلال إغفالها لتغافل أو عدم قدرة ذلك النظام على إجراء تغييرات جذرية على بنيته السياسية والاقتصادية. وأسأل هل إن ثورة الرابع عشر من تموز قد هبطت من الفضاء أم إنها كانت حدثا أرضيا فرضته ظروف التربة العراقية ذاتها.
ليست مهمتي الآن تقييم تلك الثورة سواء بالسلب أو بالإيجاب بقدر ما أنا بصدد البحث عن إجابة لذلك السؤال المحدد. وحتى مع التناغم والانسجام مع نظرية المؤامرة فإن ( المؤامرة ) تلك لم يكن مقدرا لها أن تنجح أو حتى أن يفكر بها القيمون المفترضون على رجالاتها من ( مخابرات الدول الأجنبية ) لو إن الظروف على الأرض لم تكن قد استوجبتها أو شجعتها.
فإن كانت ثورة الرابع عشر من تموز ليس أكثر من مؤامرة فهل سيغير ذلك من حقيقة إن النظام الملكي كان قد وصل إلى طريق مسدود وإن تخطيه كان قد إستوجب التغيير سواء على أيدي رجالاته الوطنيين أو على أيدي المغرر بهم.
وفي السياسة فإن ( الْ.. - لَو - ) لا مكان لها من الإعراب, وسيكون الاعتماد عليها لتأسيس نظرية سياسية أو لترسيخ ثقافة تقييمية خطأ فادحا, فلا الحكم الملكي كان ممكنا له أن يستمر, ولا الحكم الملكي سيصير جيدا لأن الحكم الذي تلاه كان سيئا, لأن مقارنة من هذا النوع ستجعل من عهد صدام,على الأقل على مستوى ظواهر مقتطعة منه, أفضل من حكم الذين جاءوا بعده, وسيكون العكس صحيحا أيضا فيصبح من جاءوا بعده أتقياء بمقياس الجرائم التي سادت في عهده. إن مقارنة من هذا النوع هي مقارنة ظالمة وجاهلة وقياسية باطلة ولا يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى تقيم خاص بحدث معين أو بمرحلة معينة.
وإن من الخطأ مقارنة العراق بأي بلد آخر في المنطقة وخاصة مع الدول الخليجية, إذ إن لكل بلد ظرفه وموقعه الخاص في قائمة الاهتمامات الأجنبية وفي المخططات الإستراتيجية للدول ذات التأثيرات الكبرى على مصير المنطقة, وليس من الحق مطلقا إغفال هذه الحقيقية ومواصلة عزف نفس النغمة التي تحمل العراقيين مسؤولية التردي كشعب شقاق ونفاق, ولو إن العراق كدولة الإمارات المتحدة لما كان حمورابي عراقيا, ولما كان آشوربانيبال من أهله, ولما كان من رجالاته سرجون الأكدي, ولما صارت بغداد عاصمة لواحدة من أعظم الأمراطوريات التاريخية ولما صارت الكوفة عاصمة لدولة الإمام علي. ولَما ولَما, وإلى قائمة كبيرة من ( الْلٌماتْ ) التي لا نهاية لها.
ولعلي ختاما أستطيع القول إن كلا القراءتين ستكون ظالمة:
تلك التي يأتي بها سياسيون قادمون من الماضي فلا ينظرون للحدث من خلال تأثير محصلة أبعاده الزمنية الثلاث, فيقرؤونه وهم نيام.
وتلك التي يأتي بها سياسيون قادمون من الحاضر فيسقطون عليه ثقل تجارب لاحقة دون مراعاة الخصوصيات الذاتية للحدث نفسه, فيقرؤونه وهم محدودبي الظهور.
وفي الكتابة عن ثورة الرابع عشر من تموز أو العهد الملكي سيؤدي الاعتماد على تلكما الطريقين إلى أخطاء فادحة وإلى هفوات كثيرة وكبيرة.
لذلك وجب على من يكتب عنهما أن يكون بعينين صافيتين وبقامة منتصبة.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 14 تموز والعهد الملكي.. عيوب في قراءة التاريخ
- المالكي وعلاوي... بين لغة الأرقام ولغة الأحكام
- عبدالكريم قاسم.. ليس بالنزاهة وحدها يحكم القائد ولكن بها يبد ...
- الرابع عشر من تموز ونظرية المؤامرة
- تموز.. حيث الآخر الطيب هو الآخر الميت
- ظاهرة الأسماء المستعارة
- الديمقراطية العراقية.. وهل ممكنا أن تبيض الديكة
- الدلتا العراقية السياسية... على أبواب أن تغرق
- العراق أفضل بدون حكومة
- الشيوعيون والبعثيون.. وقضية الرحم الواحد
- مقالة بين مقالتين.. عن الشيوعيين والبعثيين وهل هم أبناء رحم ...
- الشيوعيون والبعثيون.. هل هم أبناء رحم أيديولوجي واحد
- محاولة نظرية لفهم تاريخية القتال البعثي الشيوعي وذلك الذي قد ...
- الحزب الأيديولوجي... نزول إلى الأعلى
- أمريكا.. هل هناك فرق بين الجمهوريين والديمقراطيين
- بإمكان الوطنية العراقية أن تنتظر قليلا
- العلمانية.. إنقاذ الدين من رجالاته السياسيين
- من الذي يتدخل في شؤون الآخر... العراق أم جيرانه ؟!
- ثقافة اليشماغ... حول رسالة معد فياض إلى مام جلال..
- الديمقراطية وأخطار المثقفين


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - عيوب في قراءة التاريخ....العيب الثاني