أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - من الذي بدأ القتال بعد الثامن والخمسين.. الشيوعيون أم البعثيون















المزيد.....

من الذي بدأ القتال بعد الثامن والخمسين.. الشيوعيون أم البعثيون


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3071 - 2010 / 7 / 22 - 19:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الصعب جدا أن تكون هناك إجابة واضحة ومرضية على سؤال: من بدأ القتال بعد ثورة الرابع عشر من تموز.. الشيوعيون أم البعثيون ؟!.. لأن كلا الفريقين ما زالا يقفان أمام السؤال موقفا ذاتيا بحتا, والموقف الذاتي غالبا ما يبدأ بالانحياز بدلا من أن ينتهي إليه, ثم إن كلا الحزبين وأنصارهما ما زالا يحددان البادئ بالقتال تحديدا جنائيا وليس تحديدا فكريا وسياسيا.
وإن ما يزيد على سوء الحشف كيلة إن ( صوفة ) البعثيين هي الآن حمراء جدا, وإن الانحياز ضدهم بات سياقيا, وإن في تصعيد العداء ضدهم مكسب وحضوه, وإن الكلمة الشجاعة لا تجازف في الاقتراب من قضيتهم إلا بحذر وخشية, وإن الساحة ضدهم لم تبرد بعد بحيث يمكن أن تصدر الأحكام التاريخية عليهم بعيدا عن سخونة المرحلة وحرارتها.
ولأنني لست قاضيا, ولا أطرح السؤال من على منصة لمحكمة جنائية, فإن سؤالي هنا لا يأتي لغرض الوصول إلى إجابة فنية وقانونية بقدر ما يستهدف وضع اليد على الخواصر الرخوة للأفكار والعقائد التي دخل منها الداء وتسلل منها الوباء.

وإذا ما قيل: هذا رجل يبحث في دفاتر عتيقة, وكأنما أزماتنا الحالية لم تعد تكفيه ولم يعد فيها ما يثير انتباهه, فلسوف يكون محقا في ظنه حينما يعتقد إنني أتحدث عن ماض ولا أتحدث عن تاريخ.
والماضي كما أراه, ليس هو التاريخ, وإنما هو جزء منه, أو هو بُعْدَهُ الأول, في حين يشكل الحاضر والمستقبل بعديه الآخرين. وأحسب إن التاريخ بهذا هو الزمن المتجلي بأحداثه وبأبعاده الثلاثة في آن واحد, وسبق لي أن قلت : أنا من أولئك الذين يؤمنون بقوة إن التاريخ يعيد نفسه, فما دامت هناك وحدة جدلية بين السبب والنتيجة فإن تكرار السبب يؤدي إلى تكرار النتيجة.
لهذا فنحن حينما نقف أمام تاريخ الصراع بين الشيوعيين والبعثيين, ذلك الذي حدث مباشرة بعد ثورة الرابع عشر من تموز, فيجب أن لا نرويه كقصص عجائز, وإنما يجب أن نتحدث عنه كأسباب ونتائج ونرويه كدروس وعبر لأجل أن نحيد عن صحاراه وأدغاله وعقاربه وأفاعيه.
وهل سيكون صعبا علينا أن نرى أحداث المستقبل وبعضا من مآسيه إذا قرأنا في الحاضر تكرار أسباب الصراع الذي حدث في الماضي, ولو تبدلت أسماء الأحزاب والشخوص.
وسبق أن أكدت في العديد من مقالاتي السابقة والتي تناولت قصة الصراع بين البعثيين والشيوعين على أن ذلك الصراع وبالشكل الدموي الذي كان عليه لم يكن ليحدث لولا إن كلا الحزبين يتشاركان معا أصولية أيديولوجية تدعي ملكيتها المطلقة للتاريخ, ويتشاركان أيضا نظرية تنظيمية تعتبر حاضنة ومفرخة رئيسة للدكتاتوريات وهي المركزية الديمقراطية.
ولهذا كان القتال بينهما, ذلك الذي انفجر مباشرة بعد ثورة الرابع عشر من تموز, هو قتال على من يملك التاريخ: فحيث يؤمن الشيوعيون بأن قدر التاريخ أن يسير نحو أممية شيوعية وإن الفكر القومي هو فكر سلفي عنصري شوفيني فإن البعثيين يؤمنون بأن قدره أن يسير باتجاه قومي وإن الأممية هي تبرير عقائدي للخيانة والعمالة والتبعية.
وما كانت هناك فرصة مطلقا لوساطة توفق بين الطرفين, فلقد كان كلاهما يعتقد إنه هو الأب الشرعي للتاريخ وإن الآخر الذي ينافسه لا حق له في تلك المنافسة, فالقمم الأيديولوجية هي قمم مدببة ولا تتسع لغرض الجلوس إلا لمتسلق واحد.
وفي ذلك التاريخ نقرأ.. إن أحزابا غير أيديولوجية التفكير وغير مركزية التنظيم ومؤمنة بالعمل الديمقراطي, كالحزب الوطني الديمقراطي, لم تجد نفسها في ساحة التضاد القاتل مع الشيوعيين والبعثيين لأن هذا الحزب لم يكن ينافسهما على ملكية التاريخ, أورسم الطريق إلى نهاياته, أو تحديد نوع المركبة التي ستقطع الرحلة نحو تلك النهايات.
وحيث إن المركبة الأيديولوجية لا تتسع إلا لراكب واحد لذلك كان صعبا وحتى مستحيلا أن يجلس فيها راكبان أيديولوجيان مختلفان في نفس الوقت.
لقد كان الوطنيون الديمقراطيون, شأنهم بذلك شأن جميع الأحزاب غير الأيديولوجية, يعتقدون إن التاريخ ليس ملكا لأحد, وهو لا أب له, وإنما هو الذي يملك الجميع وكل الآخرين هم أبناؤه, لذلك لم يدخلوا كمنافسين في ساحة الصراع الدامي بين فرق كانت تتقاتل على ملكيته وأبوته.
إن العلة الحقيقية للبعثيين والشيوعيين كانت قد تجلت في فكرهما الأيديولوجي وفي نظريتهما التنظيمية المركزية وغياب إيمانهما بالديمقراطية وبالتالي غياب الساحة التي تتنافس فيها الأفكار سلميا, وفي الساحة التي تغيب فيها الديمقراطية وتتواجه فيها قوى الحتميات التاريخية يتراجع حتما حوار الفم لصالح حوار الدم وتتراجع لغة الحوار والتفاعل والتعديل لصالح لغة الإحلال والإبدال والتسقيط.

ولكي لا نقرأ التاريخ كماض فإن علينا أن نتحدث عن حاضره لكي نتبين قادمه, فنسأل : أليس من الحق القول إن تمسك أحزاب الدين السياسي بالأفكار الأيديولوجية وبنظام القدسيات – الدنيا أخروية – وفرضه فرضا على واقع لا يتحمله, سيؤدي حتما إلى نشوء صدامات دموية شبيهة من حيث المبدأ بصدامات الأمس, وإن هي اختلفت في حدتها أو في نوع أحزابها أو أسماء شخوصها. وإن بعضا مما يفسر لنا بقاء الأزمة الحكومية المرشحة للاستمرار طويلا هو أن هذه الأحزاب لا تؤمن حقا بالديمقراطية لذلك فهي غير مهيأة أساسا للاعتراف بنتائجها.
وحينما حدث صدام السبعينات بين حزب الدعوة وحزب البعث وعبر عن نفسه من خلال رفض مطلق للآخر.. ألم يكن منشأ ذلك وجود نزاع أيديولوجي بين حزبين وفكرين كلاهما يدعي ملكيته المطلقة للتاريخ, وهل ممكنا أن نجد لذلك الصراع تفسيرات تتجاوز حتمية الصدام بين أفكار الحتميات الأيديولوجية التي لا تعترف بالآخر الطيب إلا إذا كان ميتا.
إني سأجامل على حساب الحقيقة لو قلت إن البعثيين هم وحدهم من يتحمل مأساة الصدام السبعيني مع حزب الدعوة وإن الأخير كان بريئا تماما وبعيدا عن المساهمة بنصب سرادق ذلك الصراع القاتل.
إن تفسيرا بهذا الاتجاه قد يأتي متأثرا بعوامل عدة وفي مقدمتها كون البعث هو الذي قاد من موقع السلطة مقاتل الدَعَويين, وإن عدد ضحايا الدعوة كان من الكثرة بحيث طغى على إمكانات البحث عن أساسيات الصراع وعطل بالتالي إمكانات وفرص طرح السؤال التالي: هل كان الدعوة بريئا تماما من تلك المجازر أم إنه كان أحد طرفين شاركا بوضع الأسس الدموية للمواجهة.
وسيكون معنى ما قلته في مقدمة المقالة: نحن لسنا بصدد إصدار أحكامنا على التاريخ - من على منصة جنائية: إن ثبوت الجريمة من الناحية الجنائية على شخص أو مجموعة لا يعني من الناحية السياسية أو الفكرية إنه يتحملها لوحده.
فمن هذه الناحية بالذات, أي الناحية الفكرية قد يتقاسم القاتل والمقتول شراكة الجريمة التي ينفذها القاتل ويذهب ضحيتها المقتول.
ولست ميالا ولو للحظة إلى الاعتقاد أن تاريخ العنف الحالي يختلف كثيرا عن تاريخه السابق, فما زالت العقلية التي تحدد الحوار مع الآخرين هي نفس العقلية السابقة وهو حوار سينتقل بعد غياب الديمقراطية من حوار بالفم إلى حوار بالدم.
ولست أظن إنني في غفلة عن بعض الأسباب الأخرى التي تمسك بالصراع وتدير لعبته, لكن هذه القوى لن تستطيع أن تفعل شيئا كبيرا فيما كان هناك إيمان حقيقي بالديمقراطية, وفيما لو رضي الآخرون بفكرة إن التاريخ ليس إبنا لأحد وإنما هو أب للجميع فلسوف يؤمنون على أن حكومة البلد ليست ملكا لأحد وإنما لأولئك الذين تثق بهم الناس, وهي ثقة لا شك أنها ستوضع في غيرهم فيما لو لم يكونوا أهلا لها.

وأظن وعلى الرغم من تأكيدي على طبيعة التشارك الأيدلوجي في تفجير العنف العراقي, إن هناك أشياء من الممكن أن تكون لها أهميتها في توضيح ذلك المشهد أكثر وأكثر, وفي مقدمتها قدرة الشيوعين على التعامل بنظام المرحلة, وعجز البعثيين عن ذلك, مما سيساعدنا على أن نجيب بدقة, وعلى الأقل من ناحية فنية, على السؤال الذي كنا طرحناه في مقدمة المقالة :من بدأ القتال حقا.. ؟!
وهذا ما سأحاول الإجابة عليه في مقالة لاحقة.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقوط النظام الملكي وعيوب نظرية الْ.. ( لَوْ ) لقراءة التاريخ ...
- عيوب في قراءة التاريخ....العيب الثاني
- 14 تموز والعهد الملكي.. عيوب في قراءة التاريخ
- المالكي وعلاوي... بين لغة الأرقام ولغة الأحكام
- عبدالكريم قاسم.. ليس بالنزاهة وحدها يحكم القائد ولكن بها يبد ...
- الرابع عشر من تموز ونظرية المؤامرة
- تموز.. حيث الآخر الطيب هو الآخر الميت
- ظاهرة الأسماء المستعارة
- الديمقراطية العراقية.. وهل ممكنا أن تبيض الديكة
- الدلتا العراقية السياسية... على أبواب أن تغرق
- العراق أفضل بدون حكومة
- الشيوعيون والبعثيون.. وقضية الرحم الواحد
- مقالة بين مقالتين.. عن الشيوعيين والبعثيين وهل هم أبناء رحم ...
- الشيوعيون والبعثيون.. هل هم أبناء رحم أيديولوجي واحد
- محاولة نظرية لفهم تاريخية القتال البعثي الشيوعي وذلك الذي قد ...
- الحزب الأيديولوجي... نزول إلى الأعلى
- أمريكا.. هل هناك فرق بين الجمهوريين والديمقراطيين
- بإمكان الوطنية العراقية أن تنتظر قليلا
- العلمانية.. إنقاذ الدين من رجالاته السياسيين
- من الذي يتدخل في شؤون الآخر... العراق أم جيرانه ؟!


المزيد.....




- مبنى قديم تجمّد بالزمن خلال ترميمه يكشف عن تقنية البناء الرو ...
- خبير يشرح كيف حدثت كارثة جسر بالتيمور بجهاز محاكاة من داخل س ...
- بيان من الخارجية السعودية ردا على تدابير محكمة العدل الدولية ...
- شاهد: الاحتفال بخميس العهد بموكب -الفيلق الإسباني- في ملقة ...
- فيديو: مقتل شخص على الأقل في أول قصف روسي لخاركيف منذ 2022
- شريحة بلاكويل الإلكترونية -ثورة- في الذكاء الاصطناعي
- بايدن يرد على سخرية ترامب بفيديو
- بعد أكثر من 10 سنوات من الغياب.. -سباق المقاهي- يعود إلى بار ...
- بافل دوروف يعلن حظر -تلغرام- آلاف الحسابات الداعية للإرهاب و ...
- مصر.. أنباء عن تعيين نائب أو أكثر للسيسي بعد أداء اليمين الد ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - من الذي بدأ القتال بعد الثامن والخمسين.. الشيوعيون أم البعثيون