أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهدي الداوودي - وداعا محي الدين زنكنه














المزيد.....

وداعا محي الدين زنكنه


زهدي الداوودي

الحوار المتمدن-العدد: 3105 - 2010 / 8 / 25 - 23:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن أسوأ ما يعانيه الإنسان في حياته، هو أن يقف الموت حاجزا بينه وبين صديقه الذي تجمعهما ذكريات الصبا والمراهقة.
الموت هو الشيء الوحيد الذي يدق إسفين الفراق الحقيقي، حيث لا لقاء بعد سوى على أعتاب شاهد القبر الذي تتزاحم الذكريات والدموع على رصيفه.

كان محي الدين حميد زنكنه أحد المؤسسين البارزين من جماعة كركوك، بيد أنه كان يحب العزلة ويبتعد عن مماحكاتهم التي يعتبرها صبيانية. كان يختفي برهة كي يظهر من جديد كما لو أنه جاء يقدم عربونا للوفاء والاخلاص.

كنا من مشاة شوارع كركوك حيث نقطعها طولا وعرضا، بدءا من باب منزلهم المطل على شارع ألماس ووصولا إلى بوابة القلعة المشرفة على نهر خاصه صو. كان يتحدث قليلا ويستمع، بل ويقرأ كثيرا. كان يضع مسافة قصيرة بينه وبين أصدقائه. كنت أفهم هذا الجانب عنده وأعتبره عقدة الخجل. بيد أنني، أحسست فيما بعد، بأنني كنت خاطئا في اعتقادي. كان يفكر في أن يمنح الثقافة العراقية والكردية المكتوبة باللغة العربية شيئا جديدا وفعل، حيث تم له ما أراد بنجاح باهر. وهكذا تربع على عرش المسرح العراقي وقدم روايات وقصص جميلة يحركها أبطال يمتلكون إرادة قوية وصمود فريد في معترك الحياة. ويؤسفني أن جماعته أهملوه، ذلك أنهم انشغلوا بالشعر كما لو أن الشعر هو الشيء الوحيد الذي أنتجته جماعة كركوك.

لم يتمكن جبروت البعث من فرض الانحناء عليه وشراء قلمه وخلق القطيعة بينه وبين أصدقائه. كنا نعثر على بعضنا بعضا رغم الجو السياسي المكفهر والبعد والرقابة. عرفت أنه تألم كثيرا حين علم بقراري بترك الوطن في ربيع العام 1967 . وحين التقينا في بغداد تعانقنا على أمل اللقاء القريب في وطن حر وديمقراطي. وإن أنسى لن أنسى موقفه وهو يمد لي يد المعونة التي كنت أحتاجها فعلا، حيث وضع في يدي مبلغ خمسة دنانير. وحين زارني في الموصل في العام 1977 حيث سهرنا ليلة كاملة، قال كمن يواصل الحديث الذي بدأناه قبل عشرة أعوام:
"يبدو إننا لن نلتقي في وطن حر وديمقراطي"
وقلت:"المهم أن نلتقي نحن وتحت أي ظل كان"
وتباعدت أزمان ومحطات لقاءاتنا العفوية المتناثرة بين كركوك والموصل وبغداد والسليمانية وبرلين.

كان محي الدين صديقا حميما يركض وراء الصديق الحقيقي ولا يعرف النفاق. زرته آخر مرة في بداية نيسان من هذا العام في منزله بالسليمانية التي لجأ إليها بسبب تدهور الأوضاع في مدينة بعقوبة ثم ذهبنا إلى زيارة صديق عمرنا محمد الملا كريم الراقد في فراش المرض بمنزله. كان يتألم لحاله ويزوره يوميا رغم مرضه هو، دون أن يدري بأن الموت يتربص به. بعد ذلك اصطحبنا علي زنكنه إلى منزله حيث سهرنا إلى وقت متأخر من الليل ونحن نستمتع بالصوت الشجي للفنان محمد كركوكي. واتفقنا أن تكون السهرة القادمة في منزل محي الدين ولكن بعد إشعار آخر.
أجل، لقد وقف الموت بيننا وبين تحقيق أمنية محي الدين. وظلت تلك الأمسية هي الأخيرة التي قضيناها معا.
لن ننساك يا محي. سنظل نذكرك. وستظل قائما بيننا.
لك المجد ولأهلك وأصدقائك الصبر والسلوان.



#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصل من رواية -ذاكرة مدينة منقرضة-
- وزراء أم بلطجية
- إلى صديقي كاظم حبيب
- موت شاعر
- شيء عن الفدرالية
- أقليم كردستان، مكسب تاريخي لا يجوز التفريط به
- دناصير من هذا الزمن
- عار البعث في 8 شباط 1963
- تحريف التاريخ في زمن الارهاب
- أيها البحر
- تعصب الجاهلية الاعمى
- الواقعية في السياسة
- إلى أنظار المدعي العام العراقي المحترم
- أين تكمن خطورة البعث؟
- هل نحن بحاجة إلى النقد؟
- عندما يتحول الماضي إلى عبء مميت
- الجدران بين 2010 ق.م و2010 م إلى أدونيس
- ملاكمة بين أروخان والعسكرتارية
- أين تكمن المشكلة؟ بين الأمس واليوم
- متى نتعلم نن التاريخ


المزيد.....




- حطم الباب وهرب.. خروف يكسب حريته بعد فراره من جزار بطريقة اس ...
- فيديو منسوب إلى حفيدة الخميني نعيمة طاهري.. ما حقيقته؟
- -إسرائيل الكبرى-.. الأردن يرد على تصريحات نتنياهو: خطاب تحري ...
- قبيل لقائه به.. ترامب يهدد بوتين بـ-عواقب وخيمة - ويحاور قاد ...
- صدام حفتر نائبا لأبيه .. مشروع توريث يعقد المشهد الليبي المن ...
- صحفيو جنوب أفريقيا يرفعون صوتهم من أجل غزة وينعون شهداء الحق ...
- بالفيديو.. الحرائق في سوريا تعود مجددا
- تعرف على مستويات الحماية الثمانية في أجهزة آبل
- لبنان يعيد رسم معادلة السلاح خارج الدولة
- قنبلة -إسرائيل الكبرى- التي ألقاها نتنياهو


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهدي الداوودي - وداعا محي الدين زنكنه