أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف - زهدي الداوودي - تعصب الجاهلية الاعمى















المزيد.....

تعصب الجاهلية الاعمى


زهدي الداوودي

الحوار المتمدن-العدد: 2902 - 2010 / 1 / 30 - 00:49
المحور: ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
    



قرأت قبل فترة في إحدى الصحف الألمانية خبرا صغيرا، مفاده أن أبا يبلغ الستين من عمره، قد طعن ابنه بسكينة وأرداه قتيلا. والابن لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره. كما وأضاف الخبر بأن للأب القاتل أثنتا عشرة بنتا يعاملهن بقسوة ويضربهن بغية فرض سيطرته عليهن. ولما كان الابن لا يقبل بهذا الوضع وينتقد تصرفات والده باستمرار ولا يرضخ إلى أسلوب تربيته، لذا أسكته بطعنة مدية قاتلة إلى الأبد. وتعلق الصحيفة بأن السبب في قسوة الأب يرجع إلى تربيته المسيحية المتشددة وإلى استناده إلى بعض النصوص المستلة من العهد القديم.. والتحقيقات جارية كما يقولون.
الرجل، أو القاتل إذن نصب نفسه قاضيا شرعيا ووكيلا لله باسم الدين لسلب حياة ابنه وتعذيب بناته اللواتي لا ينسجمن مع آرائه المأخوذة من العهد القديم، علما أن الإنجيل سواء بعهديه الجديد أم القديم، يرفض، بل ويحرم في وصاياه العشر القتل والاعتداء، بيد أن التعصب الأعمى المهيمن على عقلية الرجل، أبى إلا أن يكون هو الحكم والحاكم. أول ما فكرت فيه عند انتهائي من قراءة الخبر الغريب عن روح وتقاليد إخواننا المسيحيين، هو لو أن هذا الرجل كان مسلما متعصبا ومن أنصار القاعدة، فماذا كان سيفعل ببناته المتمردات في نظره؟ أو لو أن كل مسيحي في أوروبا فكر مثل هذا الرجل وتصرف على طريقته في حل المشاكل العائلية، فكم كان سيكون حجم المجزرة المنتظرة يا ترى؟ هذه الحادثة ذكرتني بحادثة مماثلة جرت في العراق، حيث قتل شاب شقيقتيه أمام أنظار العائلة بحجة الدعارة، ناصبا من نفسه هو الآخر حاكما وحكما. وحكمت عليه المحكمة بعقوبة ثلاث سنوات سجن فقط. ومن خلال هذا الحكم نستنتج أن القضاء العراقي قد عاد إلى تطبيق قانون نظام العشائر الذي ألغته ثورة 14 تموز 1958 !
ترى، لماذا قتل هذا الأب ابنه؟ ونفس السؤال ينطبق على الشاب الذي قتل شقيقتيه. وهل هناك من يقتل فلذة كبده، حتى وإن كان ثمة ألف مبرر؟ هنا يتبادر إلى ذهننا الجواب التالي: إما أن الرجل مجنون أو أنه مصاب بمرض التعصب الأعمى الذي هو أسوأ من حالة الجنون، إذ أن هذا غير مسؤول عن تصرفاته بسبب الخلل الحاصل في دماغه، الأمر الذي أدى إلى فقدانه لوعيه. وأما إذا كان مصابا بمرض التعصب الأعمى، فالمصيبة أعظم. إذ أن الإنسان في مثل هذه الحالة، يتحمل المسؤولية الكاملة لتصرفاته بدليل أنه يحتفظ بكامل وعيه وعقله، وبذلك يحاكم على ضوء المادة القانونية المتعلقة بالشروع بالقتل والقتل العمد. وقوانين المجتمع المدني، التي وضعت لخدمة الإنسان، متشابهة في جميع أنحاء العالم، ذلك أنها وضعت من أجل الحفاظ على حياته وكرامته وحريته وأمنه.
هنا يمكننا أن نقول بأن هذا الرجل القاتل، تصرف استنادا إلى التعصب الأعمى الذي منحه خلفية دينية، أكل عليها الدهر وشرب، استلها من ترسانة التقاليد الكنسية المندثرة التي كانت تتعامل بها محاكم التفتيش في العصور الوسطى الأوروبية، وجعلها مادة قانونية يطبقها على ابنه القتيل وعائلته البائسة.
إنها حالة نادرة في المجتمع الأوروبي كحالة وجود غراب أبيض بين أسراب الغربان السود.
الدافع على القتل إذن كما قلنا هو التعصب الديني. أي نفس الدافع، الذي يختفي وراءه الارهابيون التكفيريون الذين قتلوا في العراق ولا يزالون يقتلون، الحلاقين والخبازين وباعة الثلج والسابلة والأطفال والنساء والشباب والشيوخ والأيزيديين والصابئة المندائيين والمسيحيين، على اعتبار أن هؤلاء كلهم يشكلون حطب جهنم. وأما الذين نصبوا من أنفسهم أمراء، فيربضون في خنادقهم وينكحون بنات الذين يركضون وراءهم مثل الخراف. إذ أن ما يحل لهم الدين يحرم على غيرهم. وأما الرجل الذي لا يرضخ لهم فيذبحونه ويسمحون لأنفسهم بسبي بيته وعائلته.
إنها لعلاقة غريبة بين القتل هنا في العراق وهناك في أوروبا، بيد أن القاسم المشترك بينهما هو التعصب الديني أو الجاهلي مع الفارق الكبير في أنه في الأول ظاهرة وفي الثانية استثناء.
والمشكلة في التعصب الأعمى، سواء أكان دينيا أو عشائريا أو قوميا أو عرقيا، هي أنه ينمو بسرعة ويجد تربة خصبة في الجهل والمشاعر البدائية المتخلفة، حيث الإنسان يكون سادرا في غيه، مغرورا لا ينتصح ويبدأ بتحقيق هدفه بعدوانية مقيتة، بعيدة عن التوجه السياسي للمجتمع ودون أخذ مجمل الوضع القائم فيه بنظر الاعتبار سواء في دفاعه عن حقه أو تمسكه بفكرة أو مبدأ معين ودون احترام الرأي الآخر، إذ يعتبر فكره أو موقفه هو الحقيقة المطلقة التي يجب أن يفرضها على الآخرين بكل الوسائل. كما وأنه ينطلق من مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" تماما كما كان يفعله صدام. ويمكن أن يتحول التعصب الجاهلي الأعمى إلى حركة جماهيرية كما حصلت مع الحملات الصليبية في العصور الوسطى والنازية والفاشية والعداء ضد اليهود وحركة التكفير الطالبانية. ولا شك أن التطور اللامتساوي في المجتمع والبطالة والفقر المدقع والفروق الطبقية وهيمنة فئة معينة مستغلة على السلطة يلعب دورا حاسما في انتشار مثل هذه الظاهرة الخطرة.
وتعتبر ظاهرة قتل النساء في إقليم كردستان جزءا عضويا من هذه العملية المقيتة التي تدق نواقيس الخطر وتنذر بوجود خلل ما في كياني المجتمع والدولة، ينبغي على الجهات المسؤولة أن تتدارسه بكل جد واهتمام. إن ظاهرة قتل النساء غريبة على المجتمع الكردستاني. ولعل التطور اللامتساوي السريع واتساع الفجوة بين الغنى والفقر والفتاوى الخفية لبعض التكفيريين الكورد وظهور الوعي الاجتماعي عند المرأة الكردية وانتشار القنوات التلفزيونية وأفلام الفيديو المفتوحة على العالم، كل ذلك قد أدى جدليا إلى تطور المرأة الكردية فتحررها، الأمر الذي لا يستسيغها الرجل الذي هو الآخر مكبل بقيود تقاليد العائلة الكبيرة أو العشيرة. والمؤسف أنه لا زالت في كردستان عشائر لا تسمح لبناتها الزواج من أبناء عشيرة أخرى "كردية طبعا". على أن هناك مناطق يسمح فيها بخطف الفتاة "بموافقتها طبعا" وعقد قرانها والاعتذار من أهلها بعد فترة قصيرة. كل ذلك دون مشاكل ودون إراقة دماء. ولعل أسوأ ظاهرة تؤدي إلى استفحال المشاكل وحصر الأمراض داخل العائلة الواحدة فتفريخ المعوقين والمتخلفين عقليا، هو الزواج من ابنة العم أو الخال. إن مثل هذا الزواج ممنوع في أوربا.
إن التطور الاجتماعي الذي يكون عادة أبطأ من التحولات السياسية والتكنولوجية، ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار. وليعلم الرجل أن زوجته وأولاده، ليسوا أملاكه الشخصية التي يتصرف بها كيفما يشاء. وينبغي على القانون أن يحدد هو الآخر هذه العلاقة ويحررها من طابعها العبودي.



#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الواقعية في السياسة
- إلى أنظار المدعي العام العراقي المحترم
- أين تكمن خطورة البعث؟
- هل نحن بحاجة إلى النقد؟
- عندما يتحول الماضي إلى عبء مميت
- الجدران بين 2010 ق.م و2010 م إلى أدونيس
- ملاكمة بين أروخان والعسكرتارية
- أين تكمن المشكلة؟ بين الأمس واليوم
- متى نتعلم نن التاريخ
- القضية الكردية في تركيا
- لماذا يعلن القاتل عن جريمته؟
- تأملات
- حول مفهوم الديمقراطية
- على هامش حملة المثقفين العراقيين هل هي مشكلة عدنان الظاهر فق ...
- وداعا قحطان الهرمزي: أحد أعمدة جماعة كركوك
- سر غياب حمه جان
- كامل شياع ، ميدالية شرف الكلمة
- لمصلحة من هذه الحملة ضد الكورد؟
- دعوة مخلصة لسياسة واقعية
- كردي فيلي يبحث عن هويته


المزيد.....




- -تم إسكاتي-... جدل يغلف مسابقة ملكة جمال أميركا
- تقارير تكشف عن تفاصيل جديدة في قضية عصابة -التيك توك- المتهم ...
- لبنان: ارتفاع جرائم قتل النساء بـ300 % عام 2023!
- وانتم، لقيتوا متعتكم ازاي؟ اعملوا subscribe عشان تشوفوا الفي ...
- “ابسط العيال طول الاجازة!!”.. استقبل تردد قنوات الاطفال الجد ...
- “سجل عبر spf.gov.om”.. خطوات التسجيل في منحة منفعة الأسرة 20 ...
- السودان.. قوات الدعم السريع ترتكب جرائم تطهير عرقي في دارفور ...
- جامعة أريزونا تطرد أستاذا اعتدى على امرأة محجبة مؤيدة لفلسطي ...
- فيديو مروّع لاغتصاب ملثم امرأة وخنقها بين السيارات في أحد شو ...
- عداد جرائم قتل النساء والفتيات ما بين 26 نيسان و10 آيار


المزيد.....

- العنف الموجه ضد النساء جريمة الشرف نموذجا / وسام جلاحج
- المعالجة القانونية والإعلامية لجرائم قتل النساء على خلفية ما ... / محمد كريزم
- العنف الاسري ، العنف ضد الاطفال ، امراءة من الشرق – المرأة ا ... / فاطمة الفلاحي
- نموذج قاتل الطفلة نايا.. من هو السبب ..؟ / مصطفى حقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف - زهدي الداوودي - تعصب الجاهلية الاعمى