أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهدي الداوودي - عندما يتحول الماضي إلى عبء مميت














المزيد.....

عندما يتحول الماضي إلى عبء مميت


زهدي الداوودي

الحوار المتمدن-العدد: 2881 - 2010 / 1 / 7 - 00:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لعل أسوأ عادة يقترفها السياسي هو جهله بعلم التاريخ بشكل عام. وتكون المصيبة أعظم عندما يتعلق الأمر بتاريخ بلاده هو، إذ ذاك يضع قدميه، على أرض هشة قد تؤدي به إلى الغوص، ليس إلى ركبتيه، بل إلى قمة رأسه في الوحل. وفي هذه الحالة لا يسيء إلى نفسه حسب، بل يدحرج شعبه أيضا إلى أعماق المستنقع. هذا عندما يكون السياسي جاهلا بالتاريخ، سواء تاريخ العالم أم تاريخ شعبه.
وأحيانا يدفع الفضول أو تحريض أو نصيحة من هذا أو ذاك، إلى أن يجشم السياسي نفسه عناء تناول كتاب في التاريخ، ليتبجح بين أقرانه السياسيين بأنه مطلع على هذه المادة، بيد أن مشكلة أخرى تطفو على السطح، ينبغي معالجتها بصورة جذرية، ليس بمقدور كل سياسي اقتحامها أو التغلب عليها، ألا وهي: فهم التاريخ. كيف ينبغي على السياسي أن يفهم التاريخ؟ سواء تاريخ العالم أم تاريخ بلاده. وبالناسبة فإن موضوعة فهم التاريخ لا تشمل السياسي فحسب، بل القارئ العادي الذي له رغبة شديدة في الإطلاع على التاريخ أيضا، إذ أن هذه المادة سلاح ذو حدين: حد يؤدي إلى الطريق القويم وآخر يؤدي إلى الهلاك.
نقول أن السياسي الذي جشم نفسه عناء تناول كتاب التاريخ، بدأ يكتشف في طي التاريخ أشياء (جديدة) لم يسبق لأحد من أقرانه أن أكتشفها من قبل، أو هكذا صورته له مخيلته الفارغة. وإذا به يكتشف بأن تاريخ شعبه حافل بالأمجاد وأنه يعود مئات بل آلاف السنين إلى ما قبل الميلاد وأن شعبه قد أسس إمبراطورات عظيمة حكمت كل العالم القديم، وأن معظم الدول المجاورة كانت عبارة عن ولايات تابعة، وأن أساليب الغدر والخيانة هي التي أودت إلى نشوء تلك الدول المصطنعة. وأن أخطاء التاريخ يجب أن تصحح وأن التاريخ نفسه يجب أن تعاد كتابته من جديد. وأن السياسي القائد إنما هو امتداد لأولئك القادة العظام الذين قادوا تلك الإمبراطوريات الأسطورية. وأن وأن وأن...
ويكتشف السياسي أنه ولد من أجل أن يكون قائدا لتحقيق رسالة تاريخية معينة، ويبدأ بإزاحة كل منافسيه بأسلوب الغاية تبرر الوسيلة. ومن حيث يدري أو لا يدري يصاب بمرض الشيزوفرونيا (انشطار الشخصية) ويعامل شعبه المتخلف البائس مثل قطيع من الغنم. ويشتري من هو قابل للشراء ويشوي من لا يؤلهه. كثيرون هم أمثال هؤلاء، الذين فهموا التاريخ خطئا وهلكوا تحت عبئه.
في زيارة رسمية لصدام حسين في بداية السبعينات لألمانيا الديمقراطية، حين كان نائبا للرئيس، زار متحف بركامون في برلين الشرقية. وحين مر بباب عشتار وشارع الموكب في القسم الخاص ببابل، حاولت مديرة المتحف، التي كانت ترافقه، أن تشرح له بعض الأمور المتعلقة بالموضوع، فما كان من صدام إلا ونهرها بعنجهيته المعروفة قائلا:
" أتعلميني تاريخ بلادي يا سيدتي؟"

كان صدام، كغيره من أمثاله، يعتقد خطئا أنه يفهم تاريخ بلاده، بيد أن الشيء الذي لم يفهمه هو أن التاريخ لا يعيد نفسه كما هو أو كما يشتهيه بعض الحكام المستبدين، بل يعيد نفسه على شكل مهزلة، كما يقول ماركس، إذ أن التاريخ لا يعاد، بل يمكن اتخاذه كدرس. وأن بعضا من التاريخ لا يبقى ملكا للبلد المعين، بل يتحول إلى جزء من تاريخ العالم. وبذلك فإن حضارة مثل (حضارة عوجة) ليست امتدادا لحضارات وادي الرافدين العريقة وهكذا.
ولم تكن هذه المصيبة خاصة بصدام فقط. لقد حلم الكثيرون ولا زالوا، سواء في غابر الأزمان أم في زماننا هذا بإعادة أمجاد الماضي العريق والذهبي. ليس هذا فحسب، بل أنهم كانوا يعتقدون اعتقادا جازما بأن أية قوة في العالم لا تتمكن النيل منهم، فالجندرمة العثمانيون كانوا يقولون أن السماء إذا وقعت فستحملها حرابهم. وكان الجندي الروماني يعتقد أن الإمبراطورية الرومانية ستعيش إلى الأبد. ولم يؤمن هتلر بسقوط ألمانيا النازية حتى اللحظة الأخيرة من انهيارها، وهكذا.. كل هذا والسياسي يصر على ركوب رأسه و لا يريد أن يتعلم من التاريخ أو يرى الواقع ببصيرة مفتوحة. ولكن يبدو أن مرض الإصرار على تأسيس الدولة التوسعية الكبرى وامتلاك السلاح الذري ومن ثم امتلاك العالم كله من خلاله لا علاج له، الأمر الذي يؤدي إلى الصدام المسلح، غير المتكافئ غالبا فالخراب والدمار والمآسي.

كان داريوس، شاهنشاه إيران في القرن الثالث قبل الميلاد يقود إمبراطورية مترامية الأطراف، الأمر الذي أزعج الشاب إسكندر المقدوني الذي قاد حملة للتغلب على هذا العملاق، فأرسل له رسالة يبلغه فيها بالاستسلام وإلا فإن مصيره الهلاك. وكان أن أجاب داريوس بسخرية أنه يجهل قوة من يخاطب، وعليه هو الطفل الصغير أن يرجع إلى حضن أمه كي يشبع من حليبها، بدلا من التلويح بالحرب. وكان جواب إسكندر هو حتمية خوض الحرب، فإذا خسر هو، فإن التاريخ سيقول إن طفلا أسمه إسكندر قد خسر أمام الملك العظيم داريوس، وأما إذا خسر خصمه، فإن التاريخ سيقول أن طفلا قد تغلب على داريوس العظيم وهنا تكمن المهزلة. وشاء القدر، بل الظروف التاريخية والعوامل الذاتية والموضوعية، أن يتصادم الطرفان. وانهارت الأمبراطورية الفارسية أمام ضربات اسكندر المقدوني (الطفل) الذي لم يتجاوز التاسعة عشر من العمر. وهرب داريوس تاركا عائلته تحت رحمة اسكندر المقدوني الذي تزوج إحدى بناته وكرم عائلته.

لا شك أن حكومة ولاية الفقيه التي يديرها أحمدي نجاد أو خامنئي (لا أعرف بالضبط)، والتي هي في كل الأحوال ليست امتدادا للحضارات الإيرانية القديمة، تعرف هذه القصة، بيد أنها لاشك تفهمها بشكل آخر، تماما كما كان صدام يفهم التاريخ.
إنه مجرد درس في التاريخ يمكن أن يستفيد منه أحمدي نجاد ( خليفة داريوس) .





#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجدران بين 2010 ق.م و2010 م إلى أدونيس
- ملاكمة بين أروخان والعسكرتارية
- أين تكمن المشكلة؟ بين الأمس واليوم
- متى نتعلم نن التاريخ
- القضية الكردية في تركيا
- لماذا يعلن القاتل عن جريمته؟
- تأملات
- حول مفهوم الديمقراطية
- على هامش حملة المثقفين العراقيين هل هي مشكلة عدنان الظاهر فق ...
- وداعا قحطان الهرمزي: أحد أعمدة جماعة كركوك
- سر غياب حمه جان
- كامل شياع ، ميدالية شرف الكلمة
- لمصلحة من هذه الحملة ضد الكورد؟
- دعوة مخلصة لسياسة واقعية
- كردي فيلي يبحث عن هويته
- إلى اليسار در
- إبراهيم الداقوقي في ذمة الخلود
- حذار من توريط البيشمه ركه في القتال
- أن نكون أو لا نكون


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهدي الداوودي - عندما يتحول الماضي إلى عبء مميت