أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهدي الداوودي - تحريف التاريخ في زمن الارهاب















المزيد.....

تحريف التاريخ في زمن الارهاب


زهدي الداوودي

الحوار المتمدن-العدد: 2905 - 2010 / 2 / 2 - 23:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من المعروف أن عملية تشويه المجتمع في زمن الإرهاب الصدامي، كان يجري بصورة منظمة وفي جميع المجالات. وإذا كان اليوم هو امتداد للأمس كما يقال، فينبغي علينا أن نبحث عن جذور الخراب الذي يجري في يومنا هذا بشكل منظم أيضا. ولعل خير علاج لهذا المرض الخطير هو العودة إلى الماضي القريب والبحث عن الدرنات المرضية فاستئصال جراثيم التلوث التي ما زالت تفعل مفعولها بمختلف الأشكال في عملية التشويه والتخريب المتعمدين. ولكي نرى الحقائق والأسباب بصورة صحيحة ينبغي أن نتجرد من العواطف الغريزية والمذهبية ولا ندعها تعمي عيوننا، إذ أن خلاف ذلك لا يؤدي إلا إلى التعمق في الخراب والجهل والانتقام فانهيار المجتمع والقيم. إن المأساة التي يمر بها المجتمع العراقي، تدع الناس، من حيث شئنا أم أبينا، إلى أن تحن إلى نظام الطغمة الدكتاتورية. وهذا هو ما يريده بالضبط أيتام ذلك النظام. وربما أنهم استفادوا أكثر من غيرهم من عملية التقسيم المذهبي- الديني للسلطة والتي جلبتها الإدارة الأمريكية باسم الديمقراطية التي لعبت فيها بعض الحوزات العلمية والأحزاب الدينية نفس الدور الذي كان يلعبه حزب البعث مع الأسف، مع الفارق في المحتوى. وهكذا تمكن المتضررون من أيتام البعث من العزف على نغمة الخلاف الشيعي السني الذي أدى، ولم يزل، بصورة بربرية إلى هدم الجوامع والمراقد المقدسة وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشباب، تلك العمليات التي لم يقم بها حتى جنكيزخان وهولاكو عند احتلال بغداد، فمن أين كل هذا الحقد يا ترى؟ وإذا علمنا بأن تاريخ العراق لم يشهد عداءً بين المذهبين، بل بالعكس هناك مصاهرات عائلية فقرابة بين الجانبين، لعرفنا أن العداء الظاهر في يومنا هذا، إنما هو عملية مصطنعة تقف وراءها بعض البلدان العربية وجهات مشبوهة، يغذيها أيتام صدام. أنا مثلا مزيج من المذهبين، والدي سني شافعي ووالدتي شيعية وأعرف مئات العوائل من نفس النمط في قصبتنا الصغيرة، إنها إذن عملية غير مذهبية، بقدر ما هي عملية سياسية وصراع مستميت على السلطة. ويبدو أن شعبنا وقواه الوطنية قد نست ما قاله صدام أكثر من مرة قبل حوالي ثلاثة عقود من الزمن:
"إن من يستلم العراق بعدي، لا يستلم سوى الخراب".
وها أن كلامه أو أمنيته تكاد تتحقق.
إذا كانت الجهات المشبوهة تتحمل قسطا كبيرا في هذا الصراع الدموي الجاهل، فإن السلطة السياسية تتحمل المسؤولية الأولى في إيقاف نزيف الدم. إن السيطرة على بعض الشوارع والأزقة من قبل إرهابيين يرتدون زي الشرطة ويقتلون الأبرياء على ضوء أسمائهم المثبتة في هوياتهم لوصمة عار في جبين الحكومة ولمن صوت لها بالأكثرية المطلقة. وخير لمثل هذه الحكومة أن تستقيل وتسلم الأمور لمن يسيطر فعلا على الشارع.

ايديولوجية الحكم و حكم الايديولوجية:

تعلمنا من التاريخ البعيد والقريب بأن أسوأ نظام للدولة هو ذلك الذي يعتمد على ايديولوجية معينة، بحيث يجعل منها أساسا للتحكم برقاب الناس، الأمر الذي يؤدي، من حيث شئنا أم أبينا، إلى نشوء الاستبداد والإرهاب فظهور مقاييس غريبة وعجيبة للتدخل في شؤون المواطنين والتحكم في تصرفاتهم. من الأمثلة على ذلك تحكم الكنيسة في العصور الوسطى على أوروبا، التسلط العثماني باسم الإسلام السني، الاستبداد الستاليني باسم تحقيق جنة الاشتراكية، دكتاتورية هتلر باسم الحفاظ على نقاوة العنصر الجرماني وحتمية تحكمه للعالم الخ.. وهكذا ترسخ الأمر بأن كل سلطة سياسية تحتاج إلى قاعدة ايديولوجية معينة للتحكم في رقاب الناس. ولا يهم ما إذا كانت هذه الايديولوجية دينية أم علملنية، المهم جمع الجماهير بمختلف الوسائل للالتفاف حولها بالهاب حماسها وإثارة عواطفها البدائية بالشعارات الجذابة. وحين تركض أكثرية الجماهير بشكل أعمى وراء السلطة بسبب الوعود المعسولة، تكون السلطة السياسية مدعومة بقوة أكثرية الجماهير المطلقة، إذ ذاك تتفنن الدولة في إصدار القوانين المجحفة بحق من لا يساير الجماهير الهتافة: من ليس معي فهو ضدي. وتنصب أعواد المشانق وتفتح أبواب السجون وتجري الاغتيالات باسم الله والوطن أو باسم الايديولوجية. وانطلاقا من هذا المبدأ خطط ميشيل عفلق لنظريته المستمدة من ترسانة الاشتراكية القومية الفاشية وكلف تلميذه صدام حسين بتنفيذها.
عرف صدام أن مجرد السيطرة على أجهزة الجيش والشرطة والأمن والمخابرات لا تكفي لترسيخ أعمدة حكمه، ولاسيما لأن الشعب العراقي متمرد بطبعه وله تاريخ نضالي ووعي وطني بالإضافة إلى وجود فئة مثقفة غير مقفلة على نفسها، بل أنها مهتمة بالسياسة وهموم الشعب. ولذلك لجأ إلى وسيلة جديدة لم يعرفها الانقلابيون قبله، ألا وهي استعمال لغة الثقافة والفكر. ووجد أن أحسن حل لذلك هو التسلل إلى معاقل الثقافة والبحث العلمي، إلى الجامعات وذلك باسم تطهيرها من الفكر البورجوازي المتعفن الذي لا يتماشى مع سياسة "الثورة" التي تريد أن تفتح صفحة جديدة في تاريخ العراق المعاصر.
وهذه حكاية حقيقية لكيفية عملية التسلل إلى الجامعات، نوردها كي تكون عبرة لمن يفكر بتكرار العملية تحت شعارات أو حجج أخرى.

في غرفة رئيس قسم التاريخ التابع لكلية الآداب في جامعة الموصل، جرى قبل ربع قرن من الزمن، اجتماع استثنائي طويل لأساتذة التاريخ من كل الاختصاصات، وذلك لدراسة ما سمي بـ (الموضوعات القيمة للسيد النائب حول كتابة التاريخ). وافتتح رئيس قسم العلوم الاجتماعية في كلية التربية الاجتماع بمديح من السرد الإنشائي للآراء الجديدة التي ينبغي أن تكون منهجا وقاعدة لإعادة كتابة التاريخ، ليس العربي حسب، بل العالمي أيضا. كما طلب أيضا أن يجري النقاش بمنتهى الحرية والصراحة، مؤكدا أن نظرية (السيد النائب) الجديدة في التاريخ ليست جامدة أو متحجرة مثل معظم النظريات الموجودة، بل أنها (نظرية حية ومتفاعلة ونجد فيها دائما ما هو جديد، والجدة في عقيدتنا هي كجدة الحياة في تطورها) وبالطبع أنه لم يذكر الفقرة الأخيرة عن ظهر قلب، بل قرأها بإمعان وكررها مرارا من صحيفة منشورة أمامه على الطاولة، ذلك أن المقتطفات المأخوذة من (السيد النائب) لا يجوز، بأي شكل من الأشكال، تغيير حرف منها. ثم طبعت (النظرية الجديدة) في علم التاريخ في كراس أنيق من الورق الصقيل ووزع بآلاف النسخ على الدوائر الحكومية، مجانا طبعا، ليسد فراغا في مكتبة علم كتابة التاريخ، أو ما يطلق عليه بالتعبير اللاتيني (هيستوريوغرافيا) وليدخل ضمن الأعمال الكلاسيكية لكبار منظري التاريخ.
وما زال صاحبنا رئيس القسم يتحدث عن مزايا (النظرية الجديدة) وينمق كلامه بين جملة وأخرى بعبارة يستلها من التلمود الجديد، مؤديا واجبيه الوظيفي والحزبي بإخلاص مفرط.
(وعليه فان البعثي يجب أن يعطي تفسيرا جريئا بحيث لا يكون متجنيا فيه على التاريخ. أو يخترع حوادث التاريخ اختراعا، لكنه في الوقت نفسه يجب أن يختار طريقة مرتبطة بخصوصيته البعثية للأغراض التربوية).
وعبثا يحاول صاحبنا أن يفلسف الحقيقة التاريخية ويربطها بالفقرة التي قرأها، ثم يؤكد على نقطة مهمة جدا وهي أن الحقائق التاريخية ما كانت لتوجد قبل ظهور حزبه وأنها لا يمكن أن ترى إلا بعين الحزب. أي أن ما وجد وما كان على وجه البسيطة من الأشياء والظواهر الاجتماعية ما كانت سوى أنصاف حقائق، وقد تحولت إلى حقائق، بقدرة قادر، بعد أن منحها صدام حسين منهجه (البعثي).
(فنظرة البعثي إلى تاريخ الأمة العربية تلقي عليها أضواء ما كان يتاح لها هذا الدور لولا هذه النظرة والتفاعل من الداخل. لذلك فنحن لسنا في حاجة إلى تزوير التاريخ أو إلى اصطناعه من أجل أن نقرأه قراءة بعثية، وإنما نحن بحاجة إلى أن نفهمه فهما بعثيا ليس غير. وإن ذلك يضفي عليه من الحقيقة ما لم يكن ظاهرا منها).
وبعد أن انتهى من قراءة الفقرة، أدار عينيه في وجوه الحاضرين الذين كانوا ينظرون إلى بعضهم بعضاً بنوع من الاستغراب والتساؤل. وبعد أن أعلمهم بأن هناك قرارا بإعادة كتابة تاريخ العرب في ضؤ المفهوم البعثي للتاريخ، طلب منهم أن يبدءوا بالمناقشة. وكان كل واحد من الجالسين يحاول أن يستعيد في ذهنه ما يعرفه عن فلسفة التاريخ، ثم يحاول أن يفسر (النظرية الجديدة) التي هبطت من السماء، حسب فهمه هو للتاريخ، أو على الأقل يحاول في قرارة نفسه أن يتوصل إلى نوع من المساومة أو التوفيقية بين الآراء المطروحة والمفهوم الذي يؤمن به هو.
أما أن تناقش الآراء بمنتهى الحرية والصراحة، كما تفضل به رئيس القسم، فإن ذلك أمر لا يجهل العراقيون ما ينتهي إليه. ورغم أن ما سمي بالجبهة الوطنية بين الحزبين الحليفين، كانت لا تزال موجودة شكليا، فإن بعض المسائل (المبدئية) التي تدخل ضمن (حسابات خاصة ودقيقة) والتي هي من صميم مصلحة (الحزب القائد)، لا يمكن للجبهة أو أي جهة أخرى، مهما كانت الأسباب، أن تتدخل فيها، ولذلك فإنك إذا كنت تريد غزالا فعليك أن تأخذ أرنبا، ولك مطلق الحرية في اختيار نوع الأرنب.
وهذه هي (النظرية الجديدة) أمامك، فإذا كنت تؤمن بمفهوم أبن خلدون أو هيجل أو ماركس أو توينبي، فإنك يجب أن تختار صدام وتضعهم كلهم تحت خيمته، ومن ثم فإن لك مطلق الحرية في تفسيره بالشكل الذي تريده، لأنك في كل الأحوال لا تستطيع أن تغير شيئا من هذا.
ويجيل صاحبنا رئيس القسم عينيه في وجوه الجالسين بملامح متسائلة، وأخيرا يفتتح أحدهم المناقشة، ولكن بخبث:
- الحقيقة هناك مفهومان للتاريخ، المفهوم الاشتراكي والمفهوم البورجوازي، ولما كانت السلطة السياسية قد رفعت بصورة رسمية شعار إسقاط الفكر البورجوازي من الجامعات، فإن الآراء الجديدة تقف بالبداهة إلى جانب المفهوم الاشتراكي، ذلك أن الحزب يقرر أن التحولات الجارية في البلد إنما هي (تحولات اشتراكية).
وهنا ينبري رئيس القسم بلباقة، وهو يحاول إخفاء الانفعال الذي كسا وجهه بالحمرة وهو يقول:
- لا يا أستاذ.. لا مع هذا ولا مع ذاك، إنها نظرية جديدة تتجاوز المفهومبن.
وراح يبحث بانفعال بين سطور الجريدة:
- أنظر، ولنستمع إلى ما يقوله السيد النائب:(وفي العموم لا يستطيع المنهج والفقه الإسلامي في جوانبه المنغلقة المتحجرة ولا الماركسية، أي لا المنهج المستنسخ عن القديم ولا المنهج المستنسخ عن الحديث أن يكتب التاريخ العربي ويقرأه قراءة علمية وموضوعية. لأن أصحاب المنهج الديني يسقطون من الحساب تفسير التاريخ للعوامل القومية والاجتماعية والاقتصادية، ويعتبرون العامل الروحي هو كل شئ في صيرورة الأمم في نهوضها وانكفائها وانسحاقها فيما يعتبر الماركسيون، برد فعل غير متوازن، أن صيرورة وتكون الأمم في صعودها وآفاقها وتقدمها إنما يعتمد على التفسير المادي للتاريخ مع إسقاط الاعتبارات الروحية والمعنوية وفعلها في حياة الأمم).

بيد أن صاحبنا رئيس القسم (الفطن) نسي ما قاله (سيده النائب) في مكان آخر من (نظريته) والذي يضع نفسه، من حيث يريد أو لا يريد، ليس إلى جانب المفهوم البورجوازي حسب، بل إلى جانب المفهوم الذي نبذه أبن خلدون في القرن الرابع عشر. وها هو يقول (أننا لسنا محايدين بين الإلحاد والإيمان، وإنما نحن مع الإيمان). إن (عبقريته الفريدة) تفهم التفسير المادي للتاريخ إلحادا، ولذلك يفضل الوقوف إلى جانب الإيمان. طبعا (الإيمان) الذي توصل إليه أبوه الروحي ميشيل عفلق، بعد أن فهم القرآن الكريم، فهما بعثيا.
إن هذه الإشارة لم تأت بصورة عفوية من (السيد النائب) آنذاك، بل قصد به شن حرب على الايديولوجية الماركسية، تناسب ما أخذ يسلطه على حزبه الحليف من صنوف الاغتيال والتعذيب والخطف، وضمن توجه مرسوم للاقتراب من أمراء السعودية والخليج، وتصحيح ما قد يكون هناك من انطباعات مغلوطة في تلك الدوائر عن عراق البعث.
يبدو أن النقاش قد أصبح حادا. وقال أحد الأساتذة المسنين ممن لا علاقة لهم بالأحزاب ومشكلاتها محاولا تهدئة الجو:
- إن ما تفضل به الأستاذ، صحيح. هناك مفهومان في التاريخ. وقد كتب حول كل مفهوم من هذين المفهومين عشرات المجلدات ولكل منهما تقاليده ومنهجه ودعاته وتاريخه. أنا شخصيا إذا لم أقرا عشرات الكتب حول نظرية ما، لا أستطيع فهمها، فكيف بي أن أحولها إلى منهج وأعيد كتابة التاريخ في ضوئه؟
وانتهى الاجتماع دون التوصل إلى أي نتيجة. وكان الماء يفسر بعد جهد بالماء. كما لم يتطوع أحد، رغم الإغراء المادي والمعنوي بالدخول في لجنة إعادة كتابة تاريخ العرب. ولم يستطع أحد أن يثبت أن حمورابي كان عربيا. أو أن كلمة (الساميين) إنما المقصود بها العرب، وحتى الذي تجرأ وتفوه بذلك، جوبه بالسؤال (واليهود؟ إذا كانوا عربا فلم هذا الاقتتال بين الاخوة؟.. وتكررت الاجتماعات، وكلها تدور في حلقة مفرغة. وكانت الهمسات خارج الاجتماعات تقول:(إن صاحب النظرية يجب أن يحضر ويقدم هو الشروح لنظريته وعليه أن يكتب التاريخ أو يعيد كتابته في ضوئه..)
وراحت الجهات الإدارية تعالج النظرية الجديدة حسب أسلوبها (الصدامي) الخاص وتأخذ طريقها فعلا إلى التطبيق، فصدر في خريف عام 1978 كتاب سري عمم إلى أقسام التاريخ في كافة الجامعات، يقضي بمنع تداول "مقدمة أبن خلدون" كمادة دراسية، واعتبار كافة الانتفاضات والحركات الثورية في الإسلام مثل ثورة الزنج والقرامطة، حركات شعوبية جاءت ضد القومية العربية. وتم سحب كافة نسخ كتاب "البابكية" للدكتور حسين قاسم العزيز من المكتبات.
لقد بزت (النظرية الجديدة) بكل فخر واعتزاز ، مفاهيم خليل كنة في الفكر والثقافة، بيد أن الأخير لم تبلغ به الصلافة إلى حد منع تداول "المقدمة" للمفكر العظيم أبن خلدون.

في الطرق إلى مزبلة التاريخ

إن النظرية إذن، أية نظرية، لا يمكن اختبار حقيقتها إلا بعد تطبيقها في الحياة اليومية وترجمتها إلى واقع. ولذلك فإنه لمن السخف أن نناقش مفاهيم ما يسمى بالمفهوم البعثي للتاريخ، بصورة علمية ومقارنته بالمفاهيم الأخرى، ذلك لأنه أعلن عن هويته بدون لف ودوران، كونه مفهوما استمد من أنقاض ترسانة الاشتراكية القومية النازية العفنة التي دفن هتلر تحت خرائبها.
إن صدام حسين الذي سمح له مرضه النرجسي أن يجعل من نفسه كل شئ، بما فيه بطل رواية طويلة وكاتب رواية ومؤرخ ومهيب ودكتور في العلوم الاجتماعية من إحدى الجامعات الباكستانية وبطل موهوم لحرب تخريبية الخ..إن هذا (الرجل) حين أقحم نفسه في مجال علم كتابة التاريخ، فانه أراد أن يقول لنا، أنه لم يقرأ التاريخ حسب، بل أنه (بطل من أبطاله) وامتداد لحمورابي ونبوخذنصر وخالد بن الوليد الخ...ومما نفخ في نرجسيته أيضا مديح المشعوذين من الشعراء الطبالين واللاعبين على الحبال. وتعلم من كتب التاريخ، التي اختاروها له حسب مزاجه الخاص، أن الفراعنة وحدهم بنوا الأهرام وأن يوليوس قيصر وحده احتل غاليا وأن نابليون وحده انتصر على بروسيا. وها هو صدام وحده يحتل بلاد الفرس (المجوس) ويسبي الكويت.
ولم لا يدخل التاريخ كالآخرين؟ ألم يدخل هتلر وموسوليني وفرانكو وغيرهم التاريخ؟ ولكن أي موقع من مزابل التاريخ ومستنقعاته الآسنة؟ ولماذا لا يواصل مسيرة بعض أسلافه من الحكام المتوحشين في بلاد الرافدين؟
لقد دأب معظم الحكام المستبدين في التاريخ أن يقلدوا بعضهم بعضاً أو أن يقلدوا أسلافهم من الطغاة، فهم لا ينقبون في كتب التاريخ سوى عن النماذج التي تلائم طبيعتهم، والطيور على أشكالها تقع، فيتبارون لاجتيازهم بإراقة دماء أكثر ونشر دمار أوسع. وهكذا كان نيرون يسمع الألحان الموسيقية ويطرب حين كانت السنة النيران تلتهم روما. وكان الأباطرة الرومان يتمتعون برؤية الأسود وهي تمزق أجساد العبيد. وكان معاوية يتلذذ بتعذيب وإهانة أبي ذر الغفاري. وهكذا كان الأمر حين وضع رأس الحسين أمام يزيد.
ويقول الملك الآشوري سنحاريب عن زحفه عام 689 ق.م. إلى بابل ما يلي:"بأجسادهم ملأت ساحات المدينة الواسعة وأخذت شوتسوبو ملك بابل مع أفراد عائلته وأشرافها إلى بلادي. ووزعت ثروات هذه المدينة من الفضة والذهب والمجوهرات وكل الممتلكات والأموال على أبناء قومي، فجعلوها أموالهم الخاصة. وكانت الآلهة التي تسكن هناك، قد امتدت إليها أيدي قومي فحطمتها وأخذوا ممتلكاتها.. لقد هدمت المدينة وبيوتها من أسسها إلى جدرانها. لقد حرقتها بالنار وجعلتها قاعا صفصفا. لقد ألقيت بأسوار المدينة والأسوار الخارجية والمعبد وبرجه المبني من اللبن والطين وكل ما هنالك، لقد هدمت كل ذلك ورميته في قناة اراشتو. وحفرت في منتصف المدينة قنوات، سلطت عليها المياه. لقد صنعت خرابا هو أسوأ مما يفعله الفيضان، حتى لا يبقى في الأيام المقبلة، ذكر لآثار هذه المدينة ومعابدها وآلهتها. لقد خربتها بفيض من المياه وجعلتها مستوية مع الأرض".
تلك هي أعمال سنحاريب، فماذا يكتب صدام عن أعماله (المجيدة) التي يطلع عليها الشعب العراقي على مر العصور؟ ولكن، هل أفلت سنحاريب من العقاب لأعماله تلك؟ طبعا، لا. وها هو نص آخر يقول:"إن ملك سوري (أي آشور) قد قتل، نتيجة غضب الإله مردوخ، على يد ابنه بالذات، بقوة السلاح".



#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها البحر
- تعصب الجاهلية الاعمى
- الواقعية في السياسة
- إلى أنظار المدعي العام العراقي المحترم
- أين تكمن خطورة البعث؟
- هل نحن بحاجة إلى النقد؟
- عندما يتحول الماضي إلى عبء مميت
- الجدران بين 2010 ق.م و2010 م إلى أدونيس
- ملاكمة بين أروخان والعسكرتارية
- أين تكمن المشكلة؟ بين الأمس واليوم
- متى نتعلم نن التاريخ
- القضية الكردية في تركيا
- لماذا يعلن القاتل عن جريمته؟
- تأملات
- حول مفهوم الديمقراطية
- على هامش حملة المثقفين العراقيين هل هي مشكلة عدنان الظاهر فق ...
- وداعا قحطان الهرمزي: أحد أعمدة جماعة كركوك
- سر غياب حمه جان
- كامل شياع ، ميدالية شرف الكلمة
- لمصلحة من هذه الحملة ضد الكورد؟


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهدي الداوودي - تحريف التاريخ في زمن الارهاب