أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأولى والآخرة : مَزهر 9















المزيد.....

الأولى والآخرة : مَزهر 9


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 3104 - 2010 / 8 / 24 - 00:05
المحور: الادب والفن
    


شمسُ مُستهلّ الرّبيع، الساغبَة، أطلّتْ مُبكرة على مألوف عادَتها.
إذاك، تبدّتْ التربَة لعينيّ، عن بعد، وهيَ مَدروزة ثمّة في سَفح جبل الصالحيّة، المُقدّس. في عرَبة الكرّوسَة، وبمَعيّة التابع النابه يحيى، رأيتني أقصدُ مَدفنَ المُشرفة، المُحوّط كغيرَه من القبور مَقامَ مَولانا. إنَّ مُرافقي هذا عليمٌ بمسالك الحَيّ، كونه مُقيماً منذ مدّة في المَزرَعة الكائنة إلى الجنوب منه. إنها المزرعة التي أملكها هناك، وكانت هيَ مَصدر عيشي، الوَحيد، لحين حظوتي بالوظيفة الساميَة في القلعة. وإذ كانت نادرَة، مَراتُ تفقدي للتابع المُخلص، بسبب انشغالي بأمور العموميّة، المَعلومة؛ فإنها أضحَتْ أكثر ندرَة ولا غرو خلال الأشهر الأربعة، الأخيرَة، من عملي عندَ سعادَة الوالي. إنّ العموميّة، على كلّ حال، كانتْ عندئذ قد غدَتْ صفحَة فائتة، مَطويّة، من صفحات مُجلّد الشام الشريف. ولكنّ ذلكَ، حديثٌ آخر.
" اللعنة. إننا نضربُ في أرجاء التربَة مذ إشراق النهار، دونما طائل "، نفختُ كلمتي بسخط فيما كانَ بصري يَجولُ هنا وهناك. إذ كنتُ وتابعي قد حاولنا، عبثا، تحديدَ مَكان قبر شمس؛ الذي كنتُ على علم بعلامَته. أما العلامَة المَطلوبة، ويا للبؤس، فلم تكُ شاهدَة أو حَجراً؛ بل مَزهراً من أشتال النرجس. نعم. إنّ ابنة الشاملي، في ذلكَ الشتاء المُنقضي، كانت قد دَفنتْ بيدَها عدّة دَزينات من بصلات النرجس في تربة صديقتها، مؤملة باستنبات هذه الأزهار خلال الربيع. بيْدَ أنّ الجوّ القارص، المُثلج، الذي كانَ آنذاك يَعصف عصفاً، عجّل على الأرجح بموت البصلات؛ مُكوّماً جثثها على جثة المُشرفة، الراحلة.
مَقامُ مَولانا، النقشبنديّ، ما كانَ وقتئذ أكثرَ من ضريح بسيط، مًطوّق بحاجز حديديّ، مُربّع الشكل، كما وبأشجار الجوز والكستناء والكينا: أكتبُ هذا، بعد كلّ الأعوام المُنقضيَة على إقامَتي هنا في جزيرَة الأروام، مَنفياً؛ وبعد أن تناهى لعلمي مؤخراً، من خبَر ذي ثقة، بأنّ جلالة السلطان عبد المَجيد أمرَ بإشادَة تكيّة، كبرى، حولَ مَقام مولانا، مَنذورة لمشايخ الطريقة وسالكيها ومُريديها.

" هوَ ذا قبرٌ آخر، مَجهول.. "
فكّرتُ في نفسي، مُتطيّراً، وأنا عائدٌ من التربَة. وكنتُ أستعيدُ مَصائرَ من عرفتهم من النساء: زمرّد وياسمينة وشمس.. وربما نرجس، أيضاً. فابنة الشاملي هذه ، هيَ من كانت مَبعث طيرَتي عندئذ. فقد مَضى حوالي ثلاثة شهور على فقدان أيّ نبأ عنها؛ وتحديداً، من يوم سَفرها إلى بيروت، لكي تركبَ من هناك إحدى السفن الروميّة، المُفترَض أن تقلعَ إلى البندقيّة .
" آه، ذلكَ اليوم ما كانَ أطوله "، عادَ داخلي يُخاطبني. إذ كنتُ يومئذ قد أفقتُ فجراً، طارحاً عني اللحاف الوَثير كما والحلم الرؤيَويّ. المُفردَة الأخيرَة، استعرتها من قاموس المُضيف، الحَصيف؛ عبد اللطيف أفندي. فإنه كانَ دؤوباً في الإنصات إليّ، مُفسّراً أحياناً ما أقصّه عليه من أحلام ورؤى. إنّ علاقتنا، على أيّ حال، كانت قد توثقتْ مُذ زمن الرحلة إلى إمارَة جبل لبنان. على ذلك، فإنّ فترَة إقامتي في حارَة الطليانيين، أخذتْ بالتمدّد على هواها؛ على إيقاع ما كانَ قد جدّ من الهَوى، المُتبادَل، مع الحفيدَة الفاتنة.
" أتسَمَح لي بالدخول، يا آغا "، هَمَسَتْ الفتاة بدَعابة حينما أضحَتْ مُتيقنة من يَقظتي. وإذاً كانت مَربعانيّة الشتاء في أشدّها، بعدُ. ونرجس بَدتْ إذاك مُحتاطة جيّداً من غائلة البَرد؛ هيَ المُرتديَة قفطاناً من الصوف، والمُدثرَة رقبتها وصدرها بخمار من النسيج نفسه. بيْدَ أنّ الأعباء تلك، كانت بلا جَدوى ثمّة؛ في طيات لحاف سريري، الدافئة.
ويتعيّن القولُ، قبلاً، أنّ فتاتي كانت قد أصبحَت أكثر رقة ولطفا، إثرَ مَوت صديقتها. صفة الصداقة هذه، المَعلومة، عليها كانَ أن تعودَ إلى حرارتها حالَ شروعنا في تدبير تشييع شمس. وكانَ جمعٌ غفيرٌ من النسوَة، المُتشحات بالسّواد، قد أمّ منزل الأفندي في صباح يوم الدّفن. ولم يكنّ سوى مُدرّسات وزميلات وتلميذات المُشرفة، السابقة. " كانَ الزعيمُ هناكَ، إذاً، في هذا الصباح. ولكن ما كانَ ثمة أحدٌ سيمنعه من التوجّه للقنوات، إثرَ مُغادرته مدرسة الحديث ".
وعلى أيّ حال فإنّ المَرحومة، ولا رَيْب، كانت تحظى في حياتها بالمَحبّة والعطف من لدُن تلك النسوَة، وكما أفصحَن عنه خلال جنازتها بالعويل والندب والنحيب: كان من حُسن حظهنّ، آنذاك، أنّ جماعَة أبن وهّاب قد سبقَ وشيّعَتْ إلى القبور أو الجُحور؛ وهيَ الجماعة، التي كانت إبّانَ سطوتها تكفرُ طقوسَ الجَنازة بوَصفها من بدَع الشيطان.

" حبيبي. أرغبُ منذ اللحظة بأن نكونَ معاً، دائماً وإلى الأبد "
قالتها نرجس، فيما كانت تتغلغل بعريها في أنحاء بدَني، العاريَ بدَوره. ثمّ ما عتمَتْ أن أضافت " سأمنحكَ بكارتي، إذاً. ولكن، عليكَ أولاً أن تطلبها بلسانكَ لا بشيئك ". ولئن فهمتُ قولها على طريقتي، فإنها كانت تدعوني لأرطبَ فرْجها بالبَوْس والمَص واللحْس. على ذلك، همَمتُ بتغيير وَضعيّة المضجَع، رأساً على عقب.
" لا، ليسَ هذا مَقصدي "، ندّتْ عنها بشيء من الخيبة أو ربما الخجل. طفقتُ جامداً هنيهة، أقلّبُ في ذهني حقيقة مُرادها. ثمّ ما لبثتُ أن هَمَستُ في أذنها: " أنت لي، يا نرجس. وأنا أريدك أن تكوني امرأتي "، قلتُ هذه الكلمات بحرارَة الشبق والشوق والعشق. فإذا بها، على دَهشتي، تطلب مني إيقاد المَسْرجة. إلا أنها أسعدتني، ولا غرو، بتوضيح مَبعث طلبها: " أحبّ أن أعاين شيئكَ فيما هوَ ينهضُ كالمَنار، المُنيف "، قالت ذلك بصوت مَخنوق بالغلمَة. أمنيَتها هذه، لم تتحقق إلا بعدما شاءَ نورُ بدَنها، الأكثر سطوعاً من طرَف البَرق، أن يَطغى على نور المصباح، الشحيح.
أخيراً، على طرف الصبح، كانَ كلّ شيء قد خمَدَ سوى قطرات من عقيق، مُتوهّجة، راحتْ تسيل بدعَة من شقّ فرْج فتاتي ، لتمتزج وقطرات الفضة، الناصعة، التي قذفها ذكري ثمّة للتوّ. وكأنما شاءت نرجسُ تأجيل وَهلة ذهابها، المُوشكة، حينما أجازَتْ لأردافها الثقيلة، المُترجرجَة، أن تتباطأ في الحرَكة بينما هيَ تخطر أمامي جيئة وذهابا. فأهملتُ شأنَ نكش الجَمر، المُتراكم في المَوقد، لكي أطوّقها من وراء. وكانَ فمي قد غابَ في مُنحدَر رَدفيها، الفارهيْن، حينما تملّصتْ هيَ مني. بالمُقابل فإنّ فمها المُنمنم، المُلوّن برحيق الكرَز، لم يُفتحَ إلا عندما انتهتْ صاحبته من ارتداء ثيابها. عندئذ خاطبتني بصوت مَكسور، مُرتجّ: " لم يَعُدْ لنا مَقامٌ هنا، في هذه المَدينة، المَلعونة ".

الشاملي، الشديدُ الأنفة والكبرياء، كانَ قد ترَكَ قصرَ القاروط حتى قبلَ أن يندَملَ جرحَهُ.إلا أنه لم يَعُد بعدئذ، أبداً، إلى منزل حميّه، الأفندي. هذا الأخير، دُهشَ ولا شك حينما جاءه صديقنا، العريان، في صباح مُرقش بوَشي الثلج، كي ينقلَ في الكرّوسة مَتاع الزعيم؛ من ملابس ومُدّخرات وكتب وغيرها: " هل في نيّته الرجوع للإقامَة ثمّة، في القنوات؟ "، تساءلَ الأفندي في حيرة. فأجابَه الضيفُ مُحرَجاً: " إننا مقيمان الآنَ، مؤقتا، في مدرَسة الحديث البرّانية ". ثمّ أضافَ كبيرُ العَمارة " وعلى أيّ حال، فالزعيم قرّرَ التوجّه إلى الحجّ، حالما يُفتح طريقُ الحجاز ". ولم يكُ الأفندي، في الواقع، بحاجَة لشرح أو تبرير؛ فإنّ المَدينة كلّها كانت وَقتئذ على علم بمَبعث قنوط صهره.
نعم. إنّ مَعدن رجال، مثل الشاملي والعريان، الصلب كالفولاذ؛ هذا المَعدن، ما أسرَعه في الانكسار حينما يَتعلّقُ الأمر بالكرامَة والشرَف. على ذلك، فما أن أبلغ كلاهما بأنه فقدَ زعامة حيّه لصالح أحدَ المُنافسين، الوجهاء، حتى شاءَ الانكفاء للعزلة، وربما الزهد أيضاً. الشاملي، من جهته، لم يَتعيّنَ عليه خسارة القنوات حَسْب، بل وكذلك صفتيْه ـ كرأس مجلس العموميّة وكبير أعيان البلد.
ذلكَ جرى، بعد أقلّ من شهر على دَفن المَرحومة، المُشرفة. ولم تمض سوى أيام أخرى، مَعدودة، حتى وَجدتني أقفزُ من مكاني خلف طاولة المَكتب؛ ثمّة، في حجرَة عملي بالقلعة: " ربّاه، أيّ خطب هذا؟ "، هتفتُ في سرّي مُرتاعاً. لقد كانَ بين الأوراق الرسمية، المُنبثقة من مُغلفاتها، أمرٌ مختومٌ بطغراء سعادتلو يَقضي بإلقاء القبض، فوراً، على عدد من أعيان الشام بتهمَة الخيانة العظمى؛ وكانَ في مقدّمتهم الشاملي والعريان والقاروط. حينما مرّرتُ عينيّ ثانية ً على الورقة، صَدَمني أيضاً ورودَ اسم الدكتور ميخائيل فيها، جنباً لجنب مع اسم ذاك الشخص، الغامض؛ المَدعو حنا بحري.
" عليّ أن أهرَعَ، تواً، لتحذير أصدقائنا المَعنيين بالأمر "، رَدّدتُ أكثرَ من مرّة بصوت هامس. بيْدَ أني، على حين فجأة ، استدركتُ وقد عادَتني فكرة أخرى: " إنّ وَضع الوَرقة هكذا، مَفتوحة قدّام عينيّ، فيه ما فيه من إخبات وخبث "، قلتها في نفسي هذه المرّة. وأعتقدُ أنني كنتُ مُحقا في حَذري يومئذ؛ طالما أنّ عيوناً عدّة، خفيّة، أخذتْ باقتفاء آثار خطوي مذ خروجي من بوابَة القلعة وحتى وصولي لمنزل الأفندي.

فيما بعد، وتحديداً في اليوم التالي، أخبرتُ من لدُن شمّو آغا عن جليّة الأمر: " إنّ رسائلَ من سَرْدار الجيش المَصري، ابراهيم باشا، كانت قد وَصلت سرّاً لأعيان الشام بُعيدَ سقوط عكا. لقد عرفَ سعادَة الوالي بالموضوع ، عن طريق عيونه، المُتيقظين. إلا أنه لم يُحرّك ساكناً، قبلَ أن يهرعَ إلى حضرَته بعضُ المَعنيين وهمُ يَحملون له الرسائل تلك ويعبّرون عن إخلاصهم للدولة. سوى الشاملي والعريان القاروط، فإنهم تكتموا على الموضوع، مما أوغر صدر سعادتلو بالغضب حدّ اتهامه لهم بالتواطؤ مع الأعداء "
" اسمَح لي، يا جناب الآغا. إنّ لديّ الفضولُ لمَعرفة، من يكونه أولئك الأعيان الآخرين؛ الذين كشفوا لسعادتلو سرّ الرسائل ". إذاك، وليسَ دونما شعور بالحرَج، فإنّ الزعيم الصالحانيّ ذكرَ لي اسمَهُ علاوة على أسماء كلّ من آغا يقيني وشهبندر التجار ونقيب الأشراف والقاضي وشيخ الشام ومَشايخ المَذاهب.
" لحُسن حظنا، أنا والأفندي، أنّ وَجاهة كلّ منا لم تكُ على القياس، المَطلوب "، ندّتْ عني بسخريَة. ولكنني ما لبثتُ أن سألتُ مُحدّثي بنبرَة أخرى، مُهتمّة " عجباً، فلم إذاً شمَلَ أمرُ الاعتقال صديقنا، الطبيب ميخائيل؟ ". وكانَ على لهجته، بدَورها، أن تنقلبَ إلى مألوف صرامَتها، عندما أجابني: " آه، نعم. إنّ ذاك النصرانيّ مَطلوبٌ مع واحد من ملّته، يُدعى بالبحري، كونهما من بطانة البك، المصري ".
إلا أنّ نجمَ سعود ميخائيل ورفيقه، أجازَ لهما مُغادرَة القصر على أثر اختفاء صاحبه. فما أن توجّه صديقي نحوَ حارَة الطليانيين، كي يجدَ في منزل الأفندي مكاناً يُخفيه عن المُطاردين، حتى كانَ القصر قد طوّق من قبل جند القلعة. كانَ سعادتلو من الحكمة، أن امتنع عن الأمر بحرق دارَة القاروط ـ على جاري العادَة، المُتبعة مع أعداء الدولة. ولكنّ حكمته، مع الأسف، لم تأبه بمصير الخدَم والحَشم: إذ سيقَ هؤلاء من القصر بعرَبة كبيرَة، يَجرّها زوج من الخيل، ويُرافقها بعضُ الجند. فما أن تناهى المَوكب نحوَ جهة العَمارة، من ناحيَة باب الفراديس، حتى اندفعَ العامّة وهم يَصرخون: " إنهم أسرى، مَصريّون ". وما عتم آخرون أن هتفوا، شارعين برمي الحجارَة على الرّكب: " المَوت للمارقين.. الموتُ لأتباعَ الشيطان ". عند ذلك، فكّ المرافقون سيورَ العربَة وحرروا الفرَسَيْن، ثمّ تركوا المَكان على عجل. بعد ساعة، حينما حضرتْ قوّة أكبر من الجند لمُحاولة إنقاذ أولئك البائسين، فإنّ آمرها فضل أن يَعودَ أدراجه إلى القلعة: في العربَة، المُحطمة تماماً، كانَ ثمّة حيوان غريب الهيئة، لم يكن من الممكن تمييز قسمات وجهه؛ اللهمّ سوى عيونه المُتعدّدة، المفقوءة والمبقورَة والمُطفأة. فيما أعضاؤه الأخرى كانت مُتداخلة اللحم؛ مَطحونة ومُنطلسَة ومَعجونة.

الكلمة القاطعة، التي فاهتْ بها فتاتي، لم تأخذني على غرّة.
كنتُ على درايَة، ولا غرو، بداعي كلمة نرجس تلك؛ بما أنّ جدّها كانَ قد سبقَ وبَثّ فيّ مَخاوفه من تبعات اعتقال الصّهر: " ثمّة تقليدٌ عثمانيّ، شنيعٌ، يُوجب مُصادرَة جميع ممتلكات ومُدّخرات المَغضوب عليه؛ بما في ذلك الأغراض الأكثر خصوصيّة، العائدة لحريمه ـ كالمصاغ والحلي "، قالَ لي الأفندي وقتئذ. ثمّ أردَف وهوَ يتبسّمُ بمرارَة وتهكّم " حتى وال عظيم، بمقام أسعد باشا العظم، لقيَ المَصير نفسه عند عزله وقتله. إذ لم يَتورّع خلفهُ على الأمر بحبس حريم الوالي السابق وتعريضهنّ للعذاب والاغتصاب، بغيَة تقريرهنّ بمكمن الكنوز، المَزعومة ". حينما قالَ ذلك، ما كانَ أحدٌ منا يَعلم، بَعْدُ، سببَ أمر القبض على الشاملي والأعيان الآخرين.
وإذاً، أجبتُ نرجسَ بنبرَة هادئة: " إنني أفهمُ، ولا رَيْب، باعثَ رحيلكم الطاريء ". إذاك كانت ما تفتأ واقفة أمامي، تراقبُ دونما وَعي حرَكة يَدي، المَشغولة بتحريك جمرات المَوقد. ثمّ خرَجتْ بعدئذ عن صمتها، قائلة برقة: " بل كنتُ أعنيكَ، أيضاً، حينما أكّدتُ بأنه لم يَعد لنا مَقامٌ في الشام ". حرَكتي، المَعلومة، جَمَدَتْ من فورها. إلا أنني رفعتُ رأسي مُجدّداً، وأخذتُ بتأمّل ملامح الحبيبَة، البَهيّة.
الآنَ، وأنا أكتبُ سفرَ تذكرتي، مُستعيداً تلك اللحظات، تطلّ عليّ نرجس بالإيماءة ذاتها، الآسرَة؛ التي هَفتْ فوقَ أشجاننا وهواجسنا وهمومنا. وإذ لم أعُدْ أرى فتاتي، أبداً، مذ غروب ذلك اليوم، الأطول من عُمْر نوح، فإني أجيز لنفسي الجزمَ؛ بأنّ الخالق لم يشأ تكرار خلق ما يُماثل فتنتها .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأولى والآخرة : مَزهر 8
- الأولى والآخرة : مَزهر 7
- الأولى والآخرة : مَزهر 6
- الأولى والآخرة : مَزهر 5
- الأولى والآخرة : مَزهر 4
- الأولى والآخرة : مَزهر 3
- الأولى والآخرة : مَزهر 2
- الأولى والآخرة : مَزهر
- الفصل السادس : مَجمر 11
- الفصل السادس : مَجمر 10
- الفصل السادس : مَجمر 9
- الفصل السادس : مَجمر 8
- الفصل السادس : مَجمر 7
- الفصل السادس : مَجمر 6
- الفصل السادس : مَجمر 5
- الفصل السادس : مَجمر 4
- الفصل السادس : مَجمر 3
- الفصل السادس : مَجمر 2
- الفصل السادس : مَجمر
- الرواية : مَطهر 9


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأولى والآخرة : مَزهر 9