أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - مسرحية -قطط الشارع-














المزيد.....

مسرحية -قطط الشارع-


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3082 - 2010 / 8 / 2 - 16:34
المحور: حقوق الانسان
    


أوليفر تويست المصريّ، طفلُ اليوم مجرمُ الغد
أن يتصدى شاعرٌ بقامة بهاء جاهين لكتابة نصِّ وأشعار مسرحية غنائية، فذاك يعني أن الفكرة التي يدور حولها العمل لابد تحمل قيمةً وجودية واجتماعية. وهو ما كان في مسرحية "قطط الشارع" التي تُعرض الآن على مسرح البالون من إخراج عادل عبده، وبطولة سمير صبري، دوللي شاهين، جمال سليمان، وعدد من أطفال مصر الموهوبين الواعدين، ينتمون إلى الفرقة القومية. القصة مستوحاة من "أوليفر تويست" التي كتبها الإنجليزي تشارلز ديكنز عام 1838، وتحكي عن الطفل اليتيم ضئيل الجسم اوليفر الذي تتقلّب به التصاريف من ملجأ الأيتام إلى وكر المجرمين الصغار ليتعلّم سرقة الكتب، حتى ينتهي به الحال في بيت الثري سير براون، الذي يتبين أنه جد الطفل.
"قطط الشارع" تحكي عن مجموعة من أطفال مصر المحرومين من دفء المحبة، ما بين لقيط، ومشرّد، ويتيم، أو هارب من قسوة الأهل، يشبهون القطط الضالة التي تبحثُ في ثنايا صناديق القمامة عن نفايات الناس، لتتعيش عليها. وفي البعيد، ثمة عينٌ كعين الحدأة ترقبهم، لتحدّد متى وأين وكيف، تنقضُّ عليهم بمخلبها النشط لتلتقطهم، ثم تودعهم مكانًا يطلقون عليه: "الورشة الأكاديمية الصباحية المسائية المشتركة". ورشة قطط الشوارع، حيث يتعلمون مبادئ النشل والشحاذة والنصب والاحتيال، وكل ما تجود به القريحة المريضة من ألوان السلوك المسيء للجنس البشري، المحطِّم فكرة الحياة كما رسمتها لنا السماءُ، حين قررت أن تُعمِّر الأرض ببني آدم.
تلك العينُ المدرّبة هي عينُ "حافظ"/ سمير صبري، المُلقَّب بـ"حِتّة". هو رئيس الورشة والأبُ الروحيّ لتلك القطط التعسة، (يقوم بدور فاجن في رواية ديكنز). كل صباح، بعدما يُنهي تدريبه اليوميَّ للأطفال على أساليب السرقة المستحدثة، يتعهد أمام الله وأمام الوطن بميثاق المهنة: "ربنا يقدرني وأطلّعهم أعظم ’هبّيشة‘ في مصر!" على إنه، للمفارقة الوجودية، ورغم قسوته الظاهرة، يحمل قلبًا يخاتله أحيانًا فيقطر حنوًّا على أولئك الصغار، بل وعلى ضحاياه المستلبين. فها هي حافظة نقود اقتنصها، تحمل روشتة مريض فقير، بدا أنه لم يجد ثمن الدواء، فيفكر "حافظ"/ اللص في إرسال بعض المال للمريض المسروق، لكنه يُقابل باستهجان وسخرية شريكيه في الورشة، حدّاية/ ممدوح درويش (الذي يقوم بدور بيل سايكس في ديكنز)، وسمسمة/ دوللي شاهين (التي تمثّل شخصية "نانسي"). وللحق لم تنجح دوللي في أداء دور البنت الشعبية الجاهلة، ربما بسبب ملامحها الدقيقة الأرستقراطية، وإيماءاتها الرقيقة التي حاولت أن تُخرج منها فظاظةً تليق بدورها كلصّة، فخرج الأداء مفتعلاً وصاخبًا بما لا تحتمل الشخصية، (على عكس أدائها الفاتن في فيلم "ويجا" مثلا)، ولكن صوتها العذب العريض، كمطربة، قام بمعادل موضوعيّ أنقذ الموقف بعض الشيء.
حافظ وسمسمة، كلاهما كان أيضًا في طفولته قطةً لُفِظَت إلى الشارع. الولد شُكِّك في نسبه لأبيه الذي ذريته رهطٌ من البنات، فاختار الهروب من قسوة الألسن، إلى قسوة الشارع، والبنتُ جفلت من تحرّش زوج الأم، فآثرت الشارعَ علّه أكثر رحمة بجسدها النحيل. كلاهما تحوّل من قطةٍ فزعة تفتش عن الحب إلى حدأة شرسة تتصيد الصغار لتستولد منهم لصوصًا جددا وحدءات مستنسخة، والدائرةُ لا تنتهي. تلك هي الرسالة التي حملتها المسرحيةُ الاستعراضية بقصائدها الموجعة. برودة المشاعر لدى الأسرة، تخلق مجرم الغد. وهنا نذكر ما قالته الأم تريزا، الهندية العظيمة والأم الروحية لكل أطفال العالم المشردين والمرضى والمأزومين: لكل مرض دواء، لكن ثمة مرضًا مخيفًا لا دواء له، اسمه: "نقص الحب."
"أتاري الأحلام مبتكلفش حاجة"، هكذا راح حافظ وسمسمة يحلمان بغد أجمل وأكثر نظافة، خلوٍ من مطاردة الشرطة، ومطاردة الضمير كذلك. وهو ما سيفعلانه في نهاية العرض.
الطفل مروان، واسمه في المسرحية "موس"، (جاك دوكنز لدى ديكنز)، أدى الدور على نحو ممتاز. نجح وجهُه في الجمع بين نقيضين: براءة الطفولة وفهلوة المجرم الصغير، فخلق هذا التناقض لونًا من المفارقة الوجودية الآسرة. كذلك نجح الطفل كريم، بطل العمل، الذي ظهر باسمه في المسرحية ويؤدي دور أوليفر تويست الإنجليزي في رواية تشارلز ديكنز الأصلية. نحولُه المفرط وضآلةُ جسده، ووقوفه على خط البراءة التي بعدُ لم تُلوَّث بالجريمة، ودهشته مما يجري حوله في الورشة الشريرة والحانية في آن، وانتقالاته بين عوالم متناقضة: الملجأ بغرفه المظلمة، الشارع بقسوته، الورشة بنظامها المبني على الفوضى وكسر قانون المجتمع، مخفر الشرطة بفظاظته ولا آدميته، السراي الفخمة وخدمها الذين يتسابقون على تدليله، حضن الجد المحروم من الحب، كل تلك الأضداد أربكت روحَ الطفل الهشّة فأنتجت نظرات وجلى مدهوشة، نجح الطفلُ المصريُّ كريم في أدائها بامتياز. كذلك نجح عزيز الأرناءوط/ جمال إسماعيل، الجد المكلوم على ابنته الراحلة، في أدائه دور سير براون الثري الذي قاتل من أجل استعادة حفيده.
طفلُ اليوم، المحروم من السُّكنى والدف والحب والرعاية، هو مجرمُ الغد الذي سوف يقوّض أمن ذلك المجتمع الذي حرمه في طفولته من كل ما سبق. أطفال الشوارع قنابل موقوتة تنتظر الزمن وحسب، لتنفجر في وجه كل شيء. علّ الحكومة المصرية تتحرك لحماية أولئك الملائكة قبل أن يتحولوا إلى شياطين.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجدي أحمد علي مُخرج اللقطات الملهمة
- عسلٌ أسود، مرآةُ ميدوزا
- البنت المصرية سعاد حسني
- مسرحية -أوديب وشفيقة-
- مسرحية -العميان--أشعرُ بالقمر فوق يدي
- جبل راشمور في الشيخ زايد
- متشوّقون للجمال
- عقيدتُك ليست تعنيني
- محمود سلطان، الإعلاميُّ الجميل
- تثقيفُ البسطاء في ثقافة الجيزة
- صديقي المبدع، بهيج إسماعيل
- عبدةُ الزهور الجميلة
- الثالثُ المرفوع، وغير المرفوع
- لأن معي أتعاب المحامي
- أزمة الإنسان واحدةٌ فوق المكان والزمان
- درسُ سلماوي الصعب!
- يوميات قبطي، واحد م البلد دي
- مندور، ابنُ الزمن الجميل
- كتابٌ مخيف من ترجمة طلعت الشايب
- فاروق الباز، أيها المصريّ


المزيد.....




- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - مسرحية -قطط الشارع-