أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - عسلٌ أسود، مرآةُ ميدوزا














المزيد.....

عسلٌ أسود، مرآةُ ميدوزا


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3084 - 2010 / 8 / 4 - 00:20
المحور: حقوق الانسان
    


باسبور أزرق يفتح أبواب السماء والأرض
ما سرُّ غياب البطولة النسائية عن الفيلم؟ تلك مغامرة جسور، ومحسوبة من المؤلف خالد دياب، والمخرج خالد مرعي. ولا أغفل طبعًا الأداء الراقي لأنعام سالوسة وإيمي غانم وسواهما من النساء. إنما أقصد خلوَّ الفيلم من عنصر نسائي يشتبك معه البطلُ في قصة حب. أما كونها "مغامرة"، فلأن المُشاهد العربي، اعتاد أن ينتظر بشغف العنصر الأنثويّ في الميديا المرئية، تلك التي تشكّل "النُّصف الحلو" للعمل. وأما كونها "محسوبة"، فلأن الدلالة من وراء هذا "الإقصاء الأنثوي" خدم على نحو كبير فكرة الفيلم ورسالته فلسفيًّا، رغم إنني من الذاهبين إلى أن المرأة هي الشقُّ الأرقى في العالم، بل ومن المتشددين لنظرية الأنثوية (وليست النسوية)، بمعناها الوجودي، والمنادين بمبدأ تأنيث العالم.
إقصاء المرأة، وبالتالي تغييب عنصر العاطفة الشهير في الأفلام العربية: العاطفة بين البطل، والبطلة "المغيّبة"، أخلى حلبةَ الصراع ليكون، وفقط، بين بلدين، أحدهما غولٌ عظيم، أمريكا، والآخر نامٍ متعثّر، هو مصر: الوطن. لو أن المخرج، جدلاً، قد نسج بالفيلم قصة حب نشأت بين البطل/ أحمد حلمي، وفتاة ما، ثم اختار البطلُ في الأخير أن يضحي بأرض الأحلام، أمريكا، ويختار البقاء في أرض الشقاء، الوطن، لربما ساور المشاهِدَ بعضُ شكٍّ أن قصة الحب وراء ذلك الاختيار "الصعب". لكن ذلك التغييب المتعمد أفسح المجال للون آخر من الحب، أكثر رحابةً من حب رجل وامرأة، حبّ مجتمع كامل، بحُلوه الشحيح ومُرّه الشاسع، بعثراته ومحنه وأزماته. ذلك الإقصاء جعل الخيار بين أرضين. إحداهما مثالٌ للجدية والديمقراطية والنظام والنظافة واحترام حقوق الإنسان، والأخرى مثال صارخٌ، من أسف، لعكس ما سبق! ذلك جعل النِّزال صعبًا، بقدر عبثيته، وجعل، من ثم، الخيار عسيرًا، يقترب أيضًا من العبثية. لكن الوطن، بكل فوضاه وأزماته، وقسوته، انتصر في الأخير، لماذا؟ لأنه ببساطة: الوطن.
الوطنُ، بكل تناقضاته (يا كل حاجة وعكسها)، حاضرٌ في كل مشهد: السياراتُ الفارهة وعرباتُ الكارو، الأبراجُ الباذخة والبيوتُ الواطئة الفقيرة، الواجهاتُ البلّورية والمشربيات، الثراءُ والعَوَز، ثم الزحام الخانق، الملوثات بأنواعها: السمعية والبصرية والحسية والفكرية، وهلم جرا. هذا عن الوطن، أما الموطِن، فقد شاء الفيلمُ أن يكون حاضرًا دائمًا عبر اسم البطل: "المصري سيد العربي". هل ثمة إشارةٌ ما في هذا الاسم؟ أظن ذلك. ولو أنصفوا لسمّوه "سيد العالم"، ليتذكّر المواطنُ أن "المصريَّ" كان، ومفترض أن يظلَّ أبَ التاريخ، على المستوى الحضاريّ والتاريخيّ والعلميّ. فهل من المعقول أن ذاك السيد "القديم" أمسى اليوم سائقًا يبتز الراكب عندما يكتشف جهله بالظرف الراهن، وسائسًا يعطي مواطنه حصانًا رديئًا ويحتفظ بالجيد للأجنبيّ، وموظّفًا مرتشيًا، وهاربًا من لغته إلى لغات لا يتقنها (fery good!)، و"الفهلوي" الذي لا يقول: لا أعرف، حينما يكون لا يعرف!
"المصريُّ" الذي يعتز بمصريته مُهان. بل غدا ذلك الاعتزاز نكتةً تثير الضحك. يردد البطل باعتزاز: "أنا مواطن مصري، وعندي حقوق مصرية!"، فيتحول إلى مسخرة، بينما تلك العبارة ذاتها ترتعد منها رعبًا الحكوماتُ "الراقية". فقط إذا ما استُبدلت كلمة "مواطن مصري" بكلمات أخرى مثل: "مواطن سويسري- مواطن أمريكي، الخ"
عشق الوطن في هذا الظرف التاريخي الصعب، عبّرت عنه بذكاء الشاعرة الغنائية الشابة "نور عبد الله"، عبر أغنية "بالورقة والقلم" التي صاحبت المشاهَد بصوت ريهام عبد الحكيم. كلمات تنفذ إلى عصب مشكلة المصري المُهان الذي لا يزال يعشق تراب بلاده رغم ما يلاقيه من عنت وجوع وقهر: "خديني 100 قلم/ أنا شفت فيكي مرمطة وعرفت مين اللي اتظلم/ ليه اللي جايلك أجنبي/ عارفة عليه تطبطبي/ وتركبي الوشّ الخشب وعلى اللي منك تقلبي/ عارفة سواد العسل/ أهو ده اللي حالك له وصل/ ازاي قوليلي مكملة وكل ده فيكي حصل/ يا بلد معاندة نفسها/ يا كل حاجة وعكسها/ ازاي وأنا صبري انتهى/ لسه باشوف فيكي امل/ طرداك وهي بتحضنك/ وهو ده اللي يجننك/ بلد ما تعرف لو ساكنها والا هي بتسكنك/ بتسرقك وتسلفك/ ظالماك وبرضه بتنصفك/ ازاي في حضنك ملمومين/ وانتي على حالك كده".
"كأن البلد بقت قرافة كبيرة" جملة بليغة قالها هلال المصوراتي الذي جسّده الفنان يوسف داود، لتلخص المفارقة. فالمصري اليوم يفرُّ "للحياة" في بلد آخر، ثم يعود "ليُدفَن" في وطنه!
عديد السلبيات يسددها الفيلمُ لقلب مصر: بدءًا بحفنة التراب التي يستنشقها البطل في أول لقاء له بالوطن، بينما يفتح رئتيه ليتنسّم عبير بلاده، فيباغته السعال. وليس انتهاءً بطفلة في السابعة ترتدي الحجاب، بل إن البطل/ الرجل، وضع حجابًا في أحد المشاهد نزولاً على طلب المتشددين الشكلانيين الذين اختزلوا الفضيلة في شَعر المرأة!
على إننا نأخذ على الفيلم إفراطه غير المبرر في إعلانات مفرطة، مقحمة إقحامًا مُسفًّا، من خطوط الطيران حتى المياه المعدنية، مرورًا بماركة السيارة، واسم الصحيفة، وشركة خطوط محمول؟
عبر كوميديا راقية، اعتدنا عليها في كافة أعمال أحمد حلمي، وإيقاع هادئ، رغم توتّر مواقف تدخل في حقل الكوميديا السوداء، وموسيقى نافذة أبدعها الموسيقار عمر خيرت، ولقطات كاميرا ذكية، وأداء جيد لفريق التمثيل، خرج الفيلم كأنه "مرآة ميدوزا"، التي سلّطها فريق العمل بقسوة إلى وجه الوطن، حكومةً وأفرادًا، كي يروا سوءاتهم وأغلاطهم، علّهم يصححونها.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البنت المصرية سعاد حسني
- مسرحية -أوديب وشفيقة-
- مسرحية -العميان--أشعرُ بالقمر فوق يدي
- جبل راشمور في الشيخ زايد
- متشوّقون للجمال
- عقيدتُك ليست تعنيني
- محمود سلطان، الإعلاميُّ الجميل
- تثقيفُ البسطاء في ثقافة الجيزة
- صديقي المبدع، بهيج إسماعيل
- عبدةُ الزهور الجميلة
- الثالثُ المرفوع، وغير المرفوع
- لأن معي أتعاب المحامي
- أزمة الإنسان واحدةٌ فوق المكان والزمان
- درسُ سلماوي الصعب!
- يوميات قبطي، واحد م البلد دي
- مندور، ابنُ الزمن الجميل
- كتابٌ مخيف من ترجمة طلعت الشايب
- فاروق الباز، أيها المصريّ
- أن ترسمَ كطفل
- سعد رومان ميخائيل يرصّع اللوحات العالمية على جداريات دار الأ ...


المزيد.....




- رئيس لجنة الميثاق العربي يشيد بمنظومة حقوق الإنسان في البحري ...
- بعد تقرير كولونا بشأن الحيادية في الأونروا.. برلين تعلن استئ ...
- ضرب واعتقالات في مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في جامعات أمريكية ...
- ألمانيا تعتزم استئناف تعاونها مع الأونروا في غزة
- تفاصيل قانون بريطاني جديد يمهّد لترحيل اللاجئين إلى رواندا
- بعد 200 يوم من بدء الحرب على غزة.. مخاوف النازحين في رفح تتص ...
- ألمانيا تعتزم استئناف تعاونها مع الأونروا في قطاع غزة
- العفو الدولية تحذر: النظام العالمي مهدد بالانهيار
- الخارجية الروسية: لا خطط لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة إ ...
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بتهمة تلقيه رشى


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - عسلٌ أسود، مرآةُ ميدوزا