أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - تقي الوزان - حكمت حكيم والألوان الباهرة للراية الوطنية















المزيد.....

حكمت حكيم والألوان الباهرة للراية الوطنية


تقي الوزان

الحوار المتمدن-العدد: 3075 - 2010 / 7 / 26 - 12:17
المحور: سيرة ذاتية
    


مسيحيو شمال العراق , من الأقوام التي امتلكت تاريخ متواصل ومعلوم, منذ فجر التاريخ ولحد الآن , وبالذات الآشوريين والكلدانيين . وهم من أسس ما يعرف بالكنيسة الشرقية , التي امتد تأثيرها إلى وسط وشرق آسيا وروسيا . والتي تتلمذ في كنائسها الصحابي الجليل سلمان الفارسي , في بحثه الدءوب عن سر الوجود , والتبحر في أسرار الديانة المسيحية , ليلتحق بعدها بالنبي محمد ( ص ) في الجزيرة العربية , بعد أن شاع خبر دعوته للإسلام , ويصبح احد المقربين منه , ويثير حفيظة بعض زوجات الرسول لكثرة ما يجلس معه أطراف الليل يتناقشون في أسرار الديانات السماوية الأخرى . ومسيحيو شمال العراق ينتشرون في محافظات الموصل ودهوك وكركوك , وتاريخهم حافل بالمآثر الوطنية , وما التمييز والاضطهاد الذي مورس ضدهم من قبل السلطة الشوفينية البعثية إلا دلالة واضحة يراد منها تغيير هويتهم الدينية والقومية , والإبقاء على طارق عزيز وزيرا لخارجية صدام هو لذر الرماد في الأعين, ومغازلة الغرب المسيحي بعدم اضطهاد المسيحيين . هذا الواقع دفع البعض منهم لمغادرة العراق , والبعض الآخر انخرط في صفوف المعارضة الوطنية , وقد التحق هؤلاء الشباب بالقيادات المسيحية في الحزب الشيوعي العراقي , وعلى رأسهم العسكري الشهير توما توماس , الذي تمكن من تأسيس قاطع بهدنا ن للبيشمركَة الشيوعيين , ومقره في أرياف دهوك . وكان الرفاق المسيحيين احد الألوان الباهرة لراية الأنصار الشيوعيين , وسقط منهم الكثير من الشهداء والجرحى . كان قاطع دهوك صورة صادقة للتآخي الشيوعي من كافة القوميات والأديان, وإحدى بوابات الحرية وسط ذلك الظلام الصدامي الرهيب , ليتركوا تراثا نضاليا تتغنى به الأجيال , وكان من بينهم الدكتور حكمت حكيم .

أكمل ( أبو شهاب ) وهذا اسمه الحركي , دراسته العليا دكتوراه قانون في الاتحاد السوفيتي , وعمل أستاذ جامعي في عدن في جمهورية اليمن الديمقراطية سابقا . والتحق بقوات الأنصار الشيوعيين عندما تشكلت في كردستان , ونسب للعمل في الفوج الثالث في قاطع بهدنان , حيث كان القاطع يتكون من فوجين, والسرية الخامسة المستقلة , وسرية المقر , وفصيل المكتب السياسي الذي حمايته في عهدة القاطع .

كان لقاطع بهدنان شبكة تنظيمية مدنية كبيرة , تغطي مدن ونواحي كثيرة, وتصل لأطراف الموصل وأرياف دهوك . ومثلما كان للقاطع اختراقات لأجهزة الدولة والمؤسسات الأمنية , كان للسلطة أيضا محاولاتها الدءوبة في اختراق التنظيمات الشيوعية في بهدنان أكثر من القواطع الأخرى . ففي قاطعي السليمانية واربيل , ركزت السلطة أكثر على كسب وخداع فصائل من المعارضة, تكون الوجه الثاني للجحوش الكردية أكثر من اندساساتها الفردية . أما في بهدنان التي أصبحت بوابة النظام العراقي لتصدير نفطه بعد استمرار الحرب العراقية الإيرانية , فكان التداخل اكبر, نظرا لكبر المساحات المنبسطة , وانتشار القرى الكردية والعربية والمسيحية واليزيدية وباقي المكونات الأخرى,أي لم تكن بوضوح التجانس الكردي مثلما في السليمانية واربيل , وهذا سهل لهم إرسال اكبر عدد من المندسين إلى صفوف المعارضة , وبالذات إلى تنظيمات الحزب الشيوعي , وهم يدركون الخطورة الحقيقية للشيوعيين على سلامة نظامهم , لكون الحزب الشيوعي يمثل كل العراقيين , ويعطي الطابع الوطني العام لكل المعارضة الكردستانية .

كان الواقع الأمني للمنظمات الحزبية والأنصارية في الفوج الثالث من المهمات الرئيسية , وفي كثير من الأحيان المهمة الأولى في العمل , وكان حكمت حكيم المسئول الأمني في الفوج , ويجري التحقيقات الواسعة للملتحقين الجدد , أو للضباط من عناصر امن ومخابرات النظام, يتم القبض عليهم من قبل مفارز الأنصار بالتعاون مع التنظيمات المدنية الحزبية , او في غارات سريعة على المواقع العسكرية والدوائر الحكومية ومقرات حزب البعث , وعادة يتم التركيز على الضباط ومسئولي الأمن ومن يرتكب الجرائم من البعثيين .

كان ابو شهاب يتمتع بذكاء استثنائي مع من يحقق معهم , وذاكرة يعتمد عليها بثقة , لحفظ سير التحقيق دون الالتجاء للورقة والقلم , مما يربك المقابل بسرعة تواتر الأدلة , ولا يترك له وقت لتنظيم أفكاره. كان يمتلك سرعة بديهية , وأسئلته وتعليقاته فيها الكثير من المشاكسة , وتخلق حالة من التوثب حتى بين رفاقه والبشمركَة . كان يبحث دائما عن شئ يشغله , كثير المطالعة , والتدخين . كشف اغلب الذين بعثهم النظام , وكان بينهم أبناء شهداء شيوعيين – ولا نستطيع أن نقول : كشفهم جميعا – فقد يكون هناك من لم يكتشف , او من استرجع ضميره واستمر بالعمل لصالح الحزب .

في إحدى المرات, التحق جندي عربي من أهالي بغداد , كان يعمل مراسل عند آمر سرية مشاة استقرت بالقرب من دهوك, التحق في صفوف البشمركَة بعد أن تمكن من إجراء صلة بأحد أفراد تنظيمات الحزب , وتمكن من الهرب مع بندقيته الكلاشنكوف, وثلاثة مخازن للعتاد . وطال التحقيق معه لأكثر من شهرين , وظهر الضيق على بعض البيشمركَة , لأنهم يخدمونه دون أن يشارك في الواجبات , إلا أن أبو شهاب أصر على أن لا تعطى له واجبات أمنية مثل الحراسة , ويبقى تحت المراقبة , خاصة وفي الفوج سجن كبير لعملاء ومرتزقة السلطة ... لوحظ عليه انه يحاول الاقتراب من السجن , ويعرف كيف يستفسر من بيشمركَة يظهر عليهم الغباء , ويغريهم بشراء علب ( حلقوم ) تركي , ويستدرجهم لشرب ( العرق ) المتوفر في بعض قرى المنطقة , كي تنفتح أفواههم بعد ان يسألهم , ويخبروه بأسماء السجناء . وبعد جلستين من الشرب تمكن ( الأغبياء ) من الإيقاع به , بإشراف أبو شهاب . وظهر انه ملازم ثاني مخابرات , جاء ليعرف من في السجن , ثم ينفذ خطة لتسميم وجبة غذاء مقر الفوج , بعد ان يستلم علبة ثاليوم من احد العملاء في المنطقة .

كان مقر الفوج الثالث يغص بالحركة اغلب الأيام طوال العام , بين مفارز ذاهبة , وأخرى قادمة , مفارز قتالية تنفذ واجبات عسكرية محددة , وأخرى تصل بعيدا عن الأراضي المحررة , لتختفي فترات قد تطول لأشهر في مناطق السلطة , لقضاء واجبات حزبية تتعلق بإيصال وثائق حزبية لقواعد في العمق , ويتم نقلها من هناك إلى بغداد وباقي المدن العراقية , أو إيصال رفيق يذهب إلى الداخل , أو لاختطاف احد القتلة من البعثيين , أو لجلب دواء ومواد أولية لاستخدامات الطوارئ . المهمات كثيرة, ومتنوعة , وكانت إحدى المفارز القتالية عادت بعد تنفيذ مهمتها , ومعها جريحين من الأنصار . رقدا في مستشفى الفوج الذي يتكون من غرفتين , قاعة صغيرة للمرضى , وأخرى للطبيب وباقي التجهيزات الطبية . كان احد الجريحين حالته خطرة , وتصدت للاعتناء به وتمريضه الرفيقة " دروك " , ودروك رفيقة مسيحية , من عائلة مطاردة من قبل النظام , ودروك فاضت طيبتها على جميع من كان في المقر , أو من يأتي ضيفا لبضعة أيام , ولا تجد سببا لوجودها إلا في خدمة الرفاق , والاعتناء الرءوم بالرفيق الجريح جزء من رقة تكوينها . كانت الإصابة فادحة , وأخذت وقتا طويلا للشفاء , ونبتت بين الممرضة والجريح نبتة الحب الطاهرة , وعند تماثله للشفاء , فاتحها بالزواج , واستجابت برغبة مماثلة . وعند إعلان خطوبتهما , تصدى لها احد أقربائها , لكون دروك مسيحية والآخر مسلم . وحدثت شوشرة , واستعراض للرفض مبالغ فيه , وكادت الخطوبة ان تفسخ . الى ان جاء الرفيق ابو شهاب , كان خارج الفوج , والجميع بانتظاره, وهو صاحب الكلمة الفصل , لكونه مسيحي وقانوني . وعند التقائه بالذي رفض الخطوبة , حاول إقناعه بشتى الوسائل, وان لا فرق بين مسلم ومسيحي , رغم انه يدرك ما يقوله من تبريرات من كون المسيحيين قلة , وضرورة المحافظة على هذه القلة . وعندما عجز من إقناعه , سأله : ان فسخت الخطوبة , هل تتزوجها ؟! لم يجبه , ابو شهاب استغل كون دروك تعاني من تشوه في ظهرها (حدبة ) , وسأله هذا السؤال - وهو يعرف رفضه - وبعد أسبوع تم زفاف الخطيبين .

من المعروف ان المسيحيين من أكثر المكونات العراقية استجابة للتحضر , وفي نفس الوقت متعصبون لوطنهم الذي يسكنونه منذ فجر التاريخ , وهم متهمون بالطائفية ( العراقية ) أيضا , حالهم حال الأكراد الفيلية والصابئة المندائيين , لاكما صوره البعث وحثالات الفكر القومي في تفسير الهجرة المسيحية : على انه ميل للغرب المسيحي . وعندما شعر المسيحيون بتسرب هويتهم الدينية والحضارية من بين أيديهم , نتيجة الحروب, والحصار , واشتداد الإرهاب , وتجريد جميع مكونات المجتمع من خصوصياتها , وتحويلها إلى طبول وأبواق في جوقة تأليه صدام وحملته الإيمانية , وانسداد الأفق عن إمكانية أي تغيير , اخذوا يتسربون , حالهم حال الملايين العراقية التي أخذت تبحث في الغرب عن مكان يصون آدميتها , ويوفر لها لقمة العيش .

وعندما حدث التغيير وأزيح النظام الصدامي , و( تفجرت ) الديمقراطية , واخذ رذاذها يضرب في كل الاتجاهات , وكسر حاجز الخوف . تداخلت الكثير من المواقف , واختلطت المصلحة الشخصية بالمصالح الوطنية , وأصبح الدرك عنوان المستنقع الذي سقطت فيه الحركة السياسية , حتى بات البعض من حثالات النظام المقبور ومرتزقته يدعي النضال , والوقوف بوجه صدام , لأنه هرب في السنوات الأخيرة من عمر النظام , بعد ان وجد لاشئ يمكن ان يغتصبه مثلما كان سابقا . ليجد التأييد والاحتضان لدى بعض الأحزاب السياسية المتنفذة , وتدفع بهم للواجهة الأمامية في تصدر المشهد السياسي . هذا حال جميع العراقيين , ولا يستثنى منهم المسيحيون , هذه المأساة التي كَوَت خيرة العراقيين الحقيقيين , تجد من مصلحتها تشويه التاريخ الوطني الناصع لحكمت حكيم وأمثاله , من الذين يعرفهم العراقيون جيدا , كونهم لم يكتفوا بالدفاع عن حقوقهم الدينية والقومية فقط , بل رفعوا راية العراق عاليا , ليدفنوا في ظلها , ويصبحوا احد علامات الطريق الوطنية .

[email protected]



#تقي_الوزان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابو شروق وتداعيات الزمن المنكوب
- حكاية أنصارية
- لكي يكون الواقع هدفنا
- تسمية الاشياء بأسمائها ضرورة لابد منها
- اليسار بين التهويم والنحت في الصخر
- الاحزاب ليست جمعيات استهلاكية
- بين بشتاشان ودموية النظام
- الحزب الشيوعي والهموم النقدية
- الحزب الشيوعي ليس قبيلة ماركسية
- لكي لانبرر الخسارة, او الانسياق وراء جلد الذات
- بين زمنين
- الشيوعيون وفرح اعلان قائمتهم
- من الذي يؤمن بالدستور والعراق الفيدرالي ؟
- الضياع في كسب السلطة
- علي خليفة والاستعارة من التاريخ
- بين الواقع والكلام
- حسين عبد المهدي والتوحد مع الضمير
- استعدادات مبكرة للأنتخابات
- القوى الديمقراطية العراقية والحراك المشتت
- من يضمن استقلال المالكي ؟


المزيد.....




- ترامب عن محادثات وقف إطلاق النار: سنستعيد 10 رهائن من غزة قر ...
- واشنطن تلغي تأشيرات 8 قضاة برازيليين دعماً لبولسونارو
- -الأمير النائم- يغادر الحياة
- العشائر تتقدم في مدينة السويداء في ظل تعثر التهدئة
- بريطانيا تعتقل 55 شخصا خلال مسيرة لحركة -فلسطين أكشن-
- رئيس الوزراء السوداني: عودة المؤسسات التنفيذية إلى الخرطوم خ ...
- السعودية.. وفاة -الأمير النائم- بعد دخوله في غيبوبة دامت 21 ...
- السعودية.. من هو -الأمير النائم- بعد إعلان وفاته إثر تعرضه ل ...
- مباحثات أردنية سورية أمريكية لدعم تنفيذ اتفاق الهدنة في السو ...
- بهدف الوصول إلى السويداء.. استمرار توافد مقاتلي العشائر إلى ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - تقي الوزان - حكمت حكيم والألوان الباهرة للراية الوطنية