أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - تقي الوزان - حسين عبد المهدي والتوحد مع الضمير















المزيد.....

حسين عبد المهدي والتوحد مع الضمير


تقي الوزان

الحوار المتمدن-العدد: 2773 - 2009 / 9 / 18 - 17:41
المحور: سيرة ذاتية
    


الصيرة , تعني سياج البيت الريفي من النباتات والاشواك , والمرتفع بعض الشئ , وتحورت الى الصويرة . المدينة نشأت لحاجة المنطقة الزراعية لسوق يستوعب انتاجها , ويوفر لها احتياجاتها من السكر والطحين والاقمشة وباقي الحاجيات الاخرى . والصويرة مركز مشيخة عشائر زبيد , المدينة ليست موغلة في القدم , ويحدد نشوئها بعام 1852 م , وبقيت لما يقرب الخمسين عاماً تابعة الى بغداد , ثم الحقت بالكوت . الصويرة تتموضع بين بساتين النخيل والحمضيات على الضفة اليمنى لدجلة , وتقع على بعد خمسة وخمسين كيلومتراً جنوب بغداد , ومثل هذه المسافة تقريباً شمال شرق الحلة , وتتوسط العراق بالتمام كما يؤكد شاعرها المرحوم عبد المطلب الموسوي . اغلب سكانها من بغداد والفرات الاوسط , وهم خليط من العرب والاكراد الفيلية , وبعض عوائل التركمان والارمن والشيشان . وخليط ايضاً من الشيعة والسنة والبعض من الصابئة , واستمر آخر وجود يهودي فيها الى بداية السبعينات من القرن الماضي . وهو الخليط الذي حماها من الانزلاق الى التعصب الطائفي والقومي . بعكس ريفها الذي تمزق بعد ان سيطرت عليه عصابات البعث , وبعد ان وزعها صدام كأقطاعيات لمرتزقته من قيادات الفروع وضباط الحرس الجمهوري . هذا النسيج المتنوع لاهالي المدينة جعلهم يتفاخرون بأبن مدينتهم الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم , وهو الشخصية التي يعتبرونها رمزاً لمدينتهم , ولا احد لحد الآن يستطيع ان يجزم بتحديد اصوله القومية والمذهبية بشكل كامل , والجميع يدعي انتسابه اليهم , فهو العربي والفيلي , والشيعي والسني , والاهم ابن المدينة التي احتضنت هذا التنوع . وفي مفاتن هذا التنوع نشأ وترعرع احد مناضلي المدينة وهو حسين عبد المهدي الدباج .

دخلت عليه وهو يحمل صينية الشاي , لأنه لايعرف كيف يحمل قدحين او اكثر في يد واحدة مثل باقي اصحاب المقاهي . جلست على احد الكراسي القليلة في الغرفة الصغيرة التي سميت مقهى . ناديته بعد ان استدار الى الطباخ الذي عليه عدة الشاي : عمري ابو علي فد استكان جاي . تجمد لحظات , واستدار ببطئ وهو يسأل : تريده ساده , لو مكاسر ؟! أراد ان يتأكد بعد ان ميز صوتي . ضحك وعلق اثنان من الجالسين على ( ساده لومكاسر ) التي تستخدم مع المشروبات الكحولية وليس مع الشاي ... صمتا , بعد ان رأيا عناقنا ودموعنا . لم يمضي على فراقنا اكثر من ثلاث سنوات .

كان حسين سميناً وقصيراً , ويجد صعوبة كبيرة في حركة المفارز . كنا بيشمركَة في قاطع السليمانية للحزب الشيوعي , ونتيجة وعورة الطرق الجبلية , وقساوة الثلوج في الشتاء ’ اصيب بألتهاب الغظروف في الركبتين , وسبب له آلام كبيرة . كان الحزب يعتمد في وقتها على مساعدة الاخوة في الحزب الديمقراطي الكوردستاني لارسال انصارنا للعلاج في ايران , في مثل هذه الحالات الصعبة . وقد تأخر الاخوة في الحزب الديمقراطي في اعداد ورقة ارساله , مما اضطره للذهاب الى ايران بصفته الشخصية . وبعد وصوله بأسبوع الى الاوردكَاه " كمب اللاجئين " , وفي عيادة الطبيب الذي يراجعه تعرف عليه احد افراد ( الباسدار ) الايراني , من الذين كانوا على احتكاك مع قوات البيشمركَه العراقية في مناطق الحدود , واخبر عنه السلطات الايرانية كونه من الحزب الشيوعي العراقي . فسجن , وتكرر التحقيق معه لأكثر من اربعة اشهر . أستطاع بعدها ان يقنعهم بأنه كان ضيفاً عند الشيوعيين , لكونهم الوحيدين من العرب , بهدف مساعدته وايصاله الى جمهورية ايران الاسلامية . افرج عنه , وجاء الى مدينة قم , وساعده احد ابناء مدينته الذي يمتلك مطعماً فوق هذه الغرفة التي حولها الى مقهى .

تذكرنا تفاصيل حياتنا في كوردستان , ورغم شظف العيش وصعوبة حياة الانصار , الا انها المرّة الاولى التي امتلكنا فيها ارادتنا وفعلنا , ومارسنا فيها انسانيتنا بمساحات لم نكن نحلم بها . كنا سعداء , والنكته اصبحت صناعة انصارية , كان اسم حسين في الانصار " عمر " , واتخذ هذا الاسم تيمناً بأسم اخيه الكبير الذي كان شيوعياً ايضاً .

كان والد حسين المرحوم عبد المهدي الدباج يعمل بزازاً , صاحب نكتة وتعليقات هزلية . عم زوجته من السّنة المتعصبين , وكان يناكده في بعض الاحيان من خلال تسفيه الطائفية ودفعه للانفعال وسب عبد المهدي . عبد المهدي سمى ابنه البكر " عمر " , واثار دهشة عم زوجته الذي علق : يبدو ان عبد المهدي صار عاقلاً ... انتظر عبد المهدي ان يصبح عمر في السنة العاشرة من عمره , ليأخذه الى دكانه , وعند مرور عم زوجته ينادي على ابنه : ولك عمر تظل ماتفتهم ؟ فيطير ما تبقى من عقل في رأس عم زوجته , ويبدأ الأخير بالصراخ والسباب , وتنتشر أخبار هذه المسرحية يومياً في المدينة مع بعض البهارات . واخذ البعض يحقد على عمر وابيه بسبب هذه المسرحية والبهارات .... بعد سنوات , وبالتحديد عام 1963 م وبعد ثلاثة اشهر من انقلاب شباط الاسود , كان عمر يركب سيارة متوجهة الى بغداد , وفي سيطرة معسكر الرشيد أخبر احد الجالسين ( من حثالات البعث ) اخبر مفرزة الحرس القومي بعد ان ابرز هويته البعثية : ان عمر شيوعي . أنزلوه , ولم يعرف احداً عنه شيئاً لعدة اشهر . بعدها حكمت عليه محكمة الحرس القومي بالسجن , واودع السجن , واصبح شيوعياً رغم انفه .

كان حسين يضحك وهو يعيد قصة اخيه عمر , ويعتبرها احد الاسباب الرئيسية في حبه وانتمائه للحزب الشيوعي . تخرج حسين من دار المعلمين الابتدائية في الكوت , وعمل في سلك التعليم , كان معلماً ناجحاً ومثقفاً , وكان يعشق الدراسات اللغوية , وعمل لسنوات على قاموس اللغة الشعبية , ولا اعرف اين تركه ؟ تزوج عام 1978 م , وفي نهاية عام 1979 م اضطر لترك العراق بعد سلسلة استدعائات وتوقيفات وتعذيب من قبل الامن , حاله حال الشيوعيين الآخرين . ترك زوجته وطفلته رماح التي لم تتجاوز الستة اشهر , ولا أذكر مر يوم علينا في كردستان ما لم يظهر صورة رماح ويقبلها .

جلسنا نسائل بعضنا عن معارفنا , وبين فترة واخرى يطلب من اي شخص يقف امام طباخ الشاي ان يسعفنا بقدحين . لفت انتباهي كثرة الذين يأخذون اقداح الشاي , سواء الى المطعم فوقنا او يشربون ويذهبون , واخبرته : بأنني اعتقدت ان المقهى يعود اليك ؟ فأخبرني : بنعم , وسألته : لماذا لم تأخذ الحساب منهم اذن؟! اجابني : هم يحسبون ويعطوني عند ( التعزيلة ) . وكيف تضبط الحساب ؟! ما يحتاج , ذوله كلهم مثلنه , اليدفع يدفع , والما يدفع يعني ماعنده .

هو ذاته ابو رماح الذي عرفته سابقاً . تنقل في عدة اعمال , منها بائع خضرة وفواكه , بعدها عمل منقح في مؤسسة كَولبيكَاني لطباعة الكتب , وكان آخرها يعرف بأبو علي السماك , حيث يأتي بالسمك من اصفهان ليبيعه في قم . وعند اندلاع عاصفة الانتفاضة الجبارة عام 1991 م – ورغم تدهور صحته – الا انه شارك بفاعلية , وفي البصرة في احدى المواجهات بين الثوار وسلطة الغدر , اصابته طلقة غادرة في بطنه ليستشهد بعد ساعات .

جئ بجثمانه من قبل ابناء مدينته الصويرة ليوارى الثرى في مقبرة الشهداء في مدينة قم . وشهد يوم دفنه من المرارة والحزن من قبل اصدقائه ومحبيه ما لم تشهده قم من قبل .





#تقي_الوزان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استعدادات مبكرة للأنتخابات
- القوى الديمقراطية العراقية والحراك المشتت
- من يضمن استقلال المالكي ؟
- واخيرا سينتهي الفساد
- 9 نيسان وبوصلة اللحظة التاريخية
- أحد بوابات سدة الكوت
- تداعيات ما بعد الانتخابات
- احداث من الزمن المنكوب
- شهادات تأبى النسيان
- المسرحية
- عمودي بحر العلوم وآية الله عجعوجي
- وقائع لاتبغي التوثيق
- الرسالة الاولى
- زوايا من زمن الطاعون
- احتفالات لها طعم خاص
- ذكريات لها رائحة الورد
- تهويمات تحققت بعد عشرين عاماً
- المرجعية الوحيدة القادرة على إنقاذ العراق
- العراق بين غياب المشروع الوطني وصراع الآخرين
- الأستحقاقات المبيتة للفشل


المزيد.....




- تواصل معه سرّا دون معرفة ترامب.. هل تسبب نتنياهو بإقالة مايك ...
- السفير الصيني لدى الولايات المتحدة: واشنطن لن تتمكن من ترهيب ...
- الأمن اللبناني يمهل -حماس- يومين لتسليمه 4 أشخاص استهدفوا إس ...
- -اللواء- اللبنانية: السلطات السورية تفرج عن أمين عام الجبهة ...
- مصر.. شاب يقتل شقيقته بوحشية ويمثل بجثمانها 
- محافظ السويداء السورية: الاتفاق الموقع لا يزال ساريا وتعديلا ...
- حماس: ندين العدوان الإسرائيلي الغاشم على سوريا ولبنان
- قديروف: إحباط محاولة تسلل أفراد القوات الأوكرانية إلى أراضي ...
- السودان يتهم كينيا بالتدخل في شؤونه والتصرف كدولة مارقة
- إسفنجة المطبخ قد تحتوي على بكتيريا أكثر من مقعد المرحاض


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - تقي الوزان - حسين عبد المهدي والتوحد مع الضمير