أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - تقي الوزان - علي خليفة والاستعارة من التاريخ















المزيد.....

علي خليفة والاستعارة من التاريخ


تقي الوزان

الحوار المتمدن-العدد: 2833 - 2009 / 11 / 18 - 15:10
المحور: سيرة ذاتية
    



كم يحتاج الشيوعيون وهم يتوجهون الى الانتخابات البرلمانية في بداية العام القادم , ان يستعيروا من التاريخ مكونات شخصية لقيادات شعبية ملئت قلوب الجاهير حباً , ونبلاً , وايماناً بمستقبل زاهر . يوم كان الانتماء للحزب الشيوعي يكلف الشخص حياته . فمن لايعرف كاظم الجاسم ومعن جواد في الفرات الاوسط , وتوما توماس في دهوك , وعلي الشيخ حمود والشاعر زاهد محمد في الحي , وسعيد متروك في الكاظمية , وعبد الواحد كرم وفعل ضمد في العمارة , وابو سرباز في السليمانية , وجليل حسون في الشطرة والجبايش , وعلي خليفة في كركوك , وهندال جادر في البصرة , وعشرات غيرهم على امتداد ارض العراق . يوم كان الصراع علىاشده بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي , يوم كان الوفاء دين للرفقة , وللمبدء الانتماء . وبعد انهيار النظام الاشتراكي , بدءت الرأسمالية زحفها لاقتلاع كل القيم الانسانية الملازمة للفكر الاشتراكي , وماهي الاسنوات قلائل , حتى اصبح الدولار الرب القادر على تسير كل شئ , حتى نسى بعض الشيوعيين بوصلتهم , وباتوا يحاكمون تاريخهم وتاريخ حزبهم بنفس منطق الربح والخسارة لقيم السوق , لايفرقون بين مرحلة وأخرى , ولايفرقون بين ( انتصار) يزيد , و ( خسارة ) الحسين .

تملكتني هذه الكلمات وانا اقرء مذكرات الرفيق ابو سرباز ( احمد باني خيلاني ) , وقد تطرق لذكر احد هذه القيادات , وهو مام علي خليفة , الذي نذر حياته وحياة عائلته لنبل المبادئ التي بشر بها الحزب الشيوعي . مام تعني في اللغة الكردية العم , مام علي خليفة قصير مربوع , ويمتلك قوة جسدية يحسد عليها , كان قد تجاوز الخمسين من العمر عندما عرفته لأول مرّة في مقر قاطع السليمانية وكركوك لأنصار الحزب الشيوعي عام 1982 م . كان يرفض اي اعفاء له للمشاركة في الأعمال اليومية للبيشمركَة , من حراسات , وبناء القاعات من الحجر , وجمع الحطب , وخفارات الخدمة الرفاقية , حاله حال جميع الانصار , ومنهم ابنائه الاربعة الذين توزعوا بين المفارز والمقرات والسرايا المقاتلة . وكان ابرزهم ابو فيان ( محي الدين ) ولده الكبير الذي اعرفه جيداً , كان يعمل لأعادة تنظيمات الداخل في كَرميان , وهو السهل الممتد بين طوزخرماتو في كركوك الى جبال قرداغ في السليمانية .

كان علي خليفة يمتلك محل تجاري في طوزخرماتو , يتاجر بين الخالص او ( ديل تاوه ) كما يحب ان يسميها بأسمها القديم , وبين طوزخرماتو وكركوك في الحبوب والتبغ والتمور . كان موضع ثقة من يتعامل معهم , وهو معروف ليس لأبناء طوزخرماتو فقط , بل لكل القرى والبلدات الممتدة بين الخالص وكركوك . يجيد الكردية والعربية والتركمانية وشئ من الكلدانية , لم يدخل المدرسة وتعلم القراءة والكتابة بجهود شخصية . شارك في اغلب نشاطات الحزب منذ خمسينات القرن الماضي , وتعرض مرات عدة للأعتقال . رغم مرحه وحبه للنكتة كان عصبي المزاج , وسرعان ما تتحول الى شراسة عندما يتعلق الامر بالتجاوز على الحزب . كانت شرطة الامن في قضاء طوزخرماتو تتحاشاه , وكان مثالاً للصمود , والوقوف بتحدي بوجه الجلادين عند اعتقاله وتعذيبه .

يقول ابو سرباز في مذكراته صفحة 143 : بعد ان نقل الشيوعيون بعد انقلاب شباط الاسود من السجن ( في كركوك ) الى محجر لوحدهم , حيث كان في المحجر اثنا عشر شيوعياً , وكانوا يأكلون في سفرة واحدة حتى مجئ الرفيق ابوسرباز ورفيق آخر معه , غير ان الرفاق الآخرين الذين نقلوا الى المحجر بعدنا لم يشاركوا الاكل على السفرة , بل كانوا يأكلون فرادي , وقد سألني عدد منهم عما اذ ا كان ممكناً ان يأكلوا لوحدهم , وقلت لهم : الأمر يعود اليكم . غير ان الرفيق علي خليفة حينما علم بالأمر جاءني قائلاً : لماذا قلت لهم ان بأمكانهم ان يأكلوا لوحدهم ؟ قلت : ياعزيزي .. انهم يخافون ولايرغبون بأن يأكلوا معنا على نفس السفرة , ولكنهم جاءوا وسألوني عما اذا كان بأمكانهم ان يأكلوا لوحدهم وقد اجبتهم بأن الامر يعود اليهم , ويستطيعوا ان يأكلوا كما يرغبون . وهذا كل ما في الامر ! ولكن الرفيق علي إحتد , وقال بصوت عال : ان من يصبح شيوعياً يجب ان يضع امام عينيه بأنه يمكن ان يقتل تحت التعذيب او في المضاهرات او في الصدام مع العدو ! فلماذا هذا الخوف ؟! وسبّ حزب البعث , وقال : أنا شيوعي .. وليأت البعثيون ليعدمونني !! فهدأته وقلت له : يجب مراعاة وضع الرفاق وتقدير الوضع المأساوي الذي نحن فيه " . ويستطرد ابو سرباز " لقد كان لنا في المحجر رفاق لعبوا حقاً دوراً رائعاً في تقوية معنويات الموقوفين , امثال علي خليفة , وحسن كبابجي " .

عند اشتداد الهجمة على الشيوعيين عام 1978 م ترك مام علي عمله وبيته وكل ما يملك , وصعد مع عائلته الى المناطق التي لاتستطيع السلطة الوصول اليها , واصبحت قواعد للأنصار الشيوعيين . وترك زوجته في منطقة جباري الممتدة على يمين الطريق الذاهب من كركوك الى السليمانية عند عائلة صديقه ورفيقه علي جباري , الى ان استقر وضعها واخذت تعمل في البريد الحزبي بين القيادة وكركوك .
وفي خضم اندفاع مام علي وعائلته في العمل الحزبي والانصاري , وتفرقهم في اماكن مختلفة , واصبح يعز عليهم اللقاء لفترات طويلة , وعندما كان هو متواجداً في مقر قاطع السليمانية جاءه خبر استشهاد ابنه ابو فيان ( محي الدين ) . وقد اغتيل من قبل ابن عمه في احدى قرى كَرميان , ثمناً لتسليم نفسه الى السلطة . ويقال انه التحق بالأنصار الشيوعيين لكي يغتال محي الدين نظراً لما يشكله الشهيد من خطورة على السلطة في المنطقة . في تلك الفترة دأبت سلطة البعث على اجبار اقرباء وابناء الرفاق والشهداء للأندساس بقوات الانصار , لكونهم مرحباً بهم , والتحقيق معهم يكاد ان يكون شكلياً .
كان ابو فيان وسيماً ونحيلاً , ونسميه تحبباً المسيح , لكثرة الشبه بينه وبين صورة المسيح وهو على صليبه , كان من الشيوعيين الذين يجمعون بين الثقافة العالية , وبين القيادة الميدانية التي تعرف كيفية التعامل مع الجميع . تحمل مام علي الصدمة بكل جلد , فالقاتل المدسوس ابن اخيه , والشهيد ابنه , وكان مثلاً في استيعاب الحالة المعقدة لتلك المرحلة . وعندما التقى بزوجته بعد فترة قصيرة على استشهاد محي الدين ... نظر الواحد في وجه الآخر لمدة – ربما كانت دقائق - دون ان يتفوه اياً منهما بكلمة واحدة ... لقد تجمد الزمن. كنا اكثر من عشرة رفاق ورفيقات , تجمدنا معهم في ذلك القاع من السكون , كنا نرى , ونسمع , كيف شيعا ولدهما , ودفناه , واتفقا في ذلك السكون على ان لاتنتحب , كان يخاف منها ان تصرخ وتوصل تماسكه الى نهايته . وهي , كانت احرص على ان تلوذ وتحتمي بذلك التماسك ... . استمر وجودها لمدة اسبوع , ودعتنا , وكنا عندها كلنا ابو فيان .

كان الحزب يساعد الانصار بخمسة دنانير شهرياً , واول شئ فعله مام علي هو تركه التدخين , واقنع الكثير من الشباب على تركه ايضاً , كون المساعدة لاتساعد على هذا البذخ , ومن العار ان يستدين الرفيق كي يدخن. كان يستفز فيهم الرجولة للتحكم في السلوك , قبل نصيحة الاهتمام بالصحة التي يعتبرها تقليدية . كان معه اثنان من اصغر ابنائه , حسين في الخامسة عشرة , وحسن في الثالثة عشرة , ومن هذه المساعدة عليه ان يتدبر امر مصروفهما . كانت لديه بدلتين , وعندما اهترئت احداهما اراد الحزب ان يساعده في شراء بدلة جديدة . الا انه رفض , ومن المساعدة التي يحصل عليها مع ابنيه تدبر شراء هذه البدلات لثلاثتهم .

في الصفحة ( 140 ) يتحدث الرفيق ابو سرباز عن وجودهم في سجن كركوك عام 1962 م : " كان في السجن قاووش كبير ( قاعة كبيرة ) يشغله الفلاحون الفقراء . وكان رفيقنا علي خليفة وهو كادر معروف في منطقة كركوك مراقباً للقاووش , ويعامل الجميع بصورة متساوية وجيدة , ويراعي المسنين والمرضى , ويهتم بنظافة القاووش , ويوزع الاكل عليهم وخاصة اللحم بالتساوي , على خلاف ماكان يجري في الغرف الاخرى . فحاول قسم من كوادر حدك تبديله وتنسيب شخص آخر مكانه من جماعتهم , فأجروا انتخابات , غير ان الفلاحين الفقراء صوتوا بالاغلبية لرفيقنا علي خليفة رغم محاولات الجماعة لمنع الفلاحين من التصويت له لكونه شيوعياً دون جدوى . فقد انتخبه الفلاحون بأغلبية ساحقة رغم كون غالبيتهم من الموالين لحدك !".

كان مام علي خليفة يفتتن بالتفاصيل الاخلاقية للأنسان المبدئي , ويجد لذة عميقة عندما يملئ هذه المفردات بالعدل والوفاء . كان يعمل في تجارة التبغ والتمر والحبوب , وفي احدى المرات , باع خمسين حلانة تمر الى شخص يعرفه بالاتفاق فقط , على ان يأتيه في اليوم الثاني . والحلانة اسطوانة تتم حياكتها من خوص سعف النخيل يكبس فيها التمر , وتزن عشرين او خمسة وعشرين كيلوغرام للكبيرة منها . كان سعر الحلانة مائتي وخمسين فلساً , وجاء مشتري آخر ودفع له ثلثمائة وخمسين فلساً في الواحدة , الا ان مام علي رفض ان يبيع رغم انه سيربح خمسة دنانير اضافية وفي فترة الستينات من القرن الماضي . وانتظر المشتري الاول الى اليوم الثالث حيث استلم المبلغ وسلمه البضاعة . سأله ابنه ماجد الذي اصبح الكبير بين ابنائه بعد استشهاد محي الدين : لماذا لم تبع الثاني ولا احراج عليك , فهذه هي التجارة ؟! اجابه مام علي : ان اتفاقه الاول اهم من الربح , والصدق هو رأسماله الحقيقي في التعامل مع الآخرين . يقول ماجد " انها احد الافكار التي نبتت في داخلي , واخذت توجه حياتي " .

استشهد ماجد في معارك الانفال الشرسة التي شنها النظام الصدامي المقبور على كردستان بعد انتهاء حربه مع ايران . واختفى ايضاً ابنه الآخر حسين الذي يصغر ماجد في ذات المعارك , وسمعت من احد الرفاق انه لايزال حياً . والشئ المؤكد هو ان الصغير حسن بقى على قيد الحياة . مات مام علي وهو فخور بالحياة التي عاشها , كما يؤكد رفاقه الذين لازموه الى نهاية رحلته . لقد كانت حياته وحياة عائلته احد الروافد الأصيلة التي امدت التاريخ الوطني بخيرة ابنائها , ويبقى مام علي وعائلته احد المشاعل الوهاجة في تاريخ الشيوعيين العراقيين كونهم المدافعين الحقيقيين عن حرية العراق .



#تقي_الوزان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الواقع والكلام
- حسين عبد المهدي والتوحد مع الضمير
- استعدادات مبكرة للأنتخابات
- القوى الديمقراطية العراقية والحراك المشتت
- من يضمن استقلال المالكي ؟
- واخيرا سينتهي الفساد
- 9 نيسان وبوصلة اللحظة التاريخية
- أحد بوابات سدة الكوت
- تداعيات ما بعد الانتخابات
- احداث من الزمن المنكوب
- شهادات تأبى النسيان
- المسرحية
- عمودي بحر العلوم وآية الله عجعوجي
- وقائع لاتبغي التوثيق
- الرسالة الاولى
- زوايا من زمن الطاعون
- احتفالات لها طعم خاص
- ذكريات لها رائحة الورد
- تهويمات تحققت بعد عشرين عاماً
- المرجعية الوحيدة القادرة على إنقاذ العراق


المزيد.....




- مسيرات أوكرانية تُهاجم موسكو قبل -يوم النصر-.. وزيلينسكي يُح ...
- قبيل زيارة شي جينبيغ.. غارة أوكرانية على موسكو تجبر مطارات ا ...
- انفجارات متعددة تهز بورتسودان مجددًا.. شاهد آثارها
- الأول منذ شهور.. شاهد الأهداف التي هاجمتها إسرائيل للحوثيين ...
- الجيش الأمريكي يعلق رحلات مروحياته إلى -البنتاغون- تحسبا من ...
- ماذا نعرف عن سجن ألكاتراز الذي أمر ترامب بإعادة فتحه؟
- موسكو تشدد الإجراءات قبل يوم النصر... هل تخاطر أوكرانيا بهجو ...
- -تطبيق إسرائيلي- وراء فضيحة التسريبات وإقالة والتز
- ناشيونال انترست: واشنطن تبدي اهتماما كبيرا بالمعادن الأرضية ...
- إسبانيا.. تطوير جيل جديد من السفن الحربية


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - تقي الوزان - علي خليفة والاستعارة من التاريخ