أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نارت اسماعيل - مأساة تهجير الشراكس














المزيد.....

مأساة تهجير الشراكس


نارت اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3011 - 2010 / 5 / 21 - 04:20
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


قرية صغيرة تقع قرب النهر مؤلفة من مجموعة من البيوت المتناثرة حول ساحة كبيرة، تتوسط الساحة شجرة عملاقة موغلة في القدم لا أحد يعرف عمرها، تحت الشجرة يوجد مقعد خشبي كبير يجلس عليه كبار السن آخر النهار يتسامرون ويتحدثون عن أمور القرية والقرى المجاورة وعن بطولات الفرسان الشراكس في حربهم مع الروس
القرية متصلة بجانبها بغابات كثيفة ممتدة على سطح جبل شامخ، قمته مكسوة بالثلوج الأبدية، وتتصل القرية بجانب آخر بطريق ترابي يصلها بالبساتين والحقول القريبة التي ترعى فيها ماشيتهم ويزرعون فيها القمح والذرة وأنواعآ كثيرة من الفواكه
نسمع من بعيد صخبآ وأصوات موسيقى وتصفيق، يبدو أن هناك عرسآ يقام في مكان ما من القرية، نقترب من مصدر الضجة فنجد مجموعة من الشباب والشابات على شكل حلقة، الشباب من جهة والشابات في الجهة المقابلة، ويرقصون بشكل ثنائي، قلوب الشباب والشابات تخفق بشدة لالتقائهم مع بعضهم وتبادلهم الابتسامات وربما إرسال وردة بعيدآ عن عيون الناس، هذه المجتمعات وفّرت متنفسآ مناسبآ للشباب والشابات للالتقاء والتعارف كالحفلات التي كانت تقام بمناسبات متعددة ومنها الأعراس
الشركس بارعون بالرقص وهو جزء أساسي في حفلاتهم وأعراسهم، والرقص هو الوسيلة التي يعبر بها الشاب أو الشابة عن مشاعرهم، لقد طوروا إشارات معينة أثناء رقصهم صار لها دلالات معينة يعبّروا من خلالها عن مشاعرهم بدون أن يلفتوا الكثير من الانتباه في مجتمع يتصف بإعلاء مفاهيم العفة والأخلاق الحميدة والاحترام
في رقصة (الوج) يتقدم الشاب من الفتاة التي يهفو قلبه لها ويمسك يدها بأطراف أصابعه ويأخذها برفق إلى منتصف الحلبة ويبدآن الرقص الشبيه برقصة الفالس حيث تتلاقى أصابعهم عند كل استدارة ويتبادلان النظرات وربما بعض الكلمات وتحنوا القلوب إلى بعضها
في رقصة (الششن) والتي تتميز بالسرعة والقوة، الكل يتحفز، حتى كبار السن الذين يراقبون الحفلة من بعيد تشرئب أعناقهم لمتابعة الرقصة، يرتفع صوت العزف والتصفيق ويزداد الإيقاع، ينزل الشاب إلى الحلبة وتنزل فتاته التي يهواها بعد أن أوعز لمنظم الحفلة باسمها، الشاب يرقص رافعآ رأسه مظهرآ كل ما عنده من مهارة وعنفوان ويفني قدميه وهو يضربهما بقوة على الأرض، يقترب من الفتاة محاولآ إحاطتها بذراعيه ولكن الفتاة تنساب بعيدآ بكل رشاقة ، تتحرك بخطوات صغيرة سريعة لا تظهر من خلف فستانها الطويل فتبدو وكأنها تطير مادّة ذراعيها رافعة رأسها بشموخ مسدلة أهدابها، يخفّف الشاب الإيقاع شيئآ فشيئآ ثم يتوقف عن الرقص، يصحبها إلى مكانها ويحني رأسه لها باحترام ثم يعود إلى مكانه
تلك كانت بعض الصور من نبض الحياة الاجتماعية لقرية شركسية في القوقاز، هذا النبض القوي استمدوه من طبيعتهم الساحرة، طبيعة لم يكونوا غرباء عنها، بل كانوا جزءآ منها وصارت جزءآ منهم، امتزجوا بها وامتزجت بهم، وتجلت بعنفوان رجالهم ورقة نسائهم وتسللت إلى موسيقاهم ورقصهم المعبر وأثرت على نمط حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم
لننتقل الآن إلى مشهد مغاير تمامآ، إلى الفترة التي أعقبت انتهاء الحرب وتوقف نبض الحياة في هذه القرى وبدأ التهجير القسري لمن تبقى حيآ من هذا الشعب
ففي مثل هذا اليوم قبل 146 عامآ انتهت الحرب المريرة التي دارت بين القوات الروسية والشعب الشركسي في القوقاز، حرب استمرت حوالي مئة عام بين امبراطورية من أقوى الامبراطوريات في ذلك الوقت، مزودة بأعتى الأسلحة وبأعداد لاتنتهي من الجنود، وبين شعب صغير حاول الدفاع عن أرض آبائه وأجداده بأسلحة بسيطة، انتهت هذه الحرب الطويلة بمأساة مروعة

90% من الشعب الشركسي قتل أو تم تهجيره عن أرضه إلى تركيا وبعض الدول العربية، انتزعت منهم أرضهم، أرض آبائهم وأجدادهم التي عاشوا عليها منذ آلاف السنين وأعطيت للروس، طردوا من بساتينهم، اضطروا لترك حقولهم ومحاصيلهم التي لم يتسنى لهم حصادها، تركوا ماشيتهم وملاعب طفولتهم، تركوا أحلامهم وأماكن ذكرياتهم الجميلة وتركوا روحانية غاباتهم وجبالهم وطبيعتهم الساحرة ورحلوا للمصير المجهول
كتب العقيد شاراب ( إنني أذكر كيف كان تشكيلنا بقيادة الجنرال بيبتش يتحرك مثل الجراد على الأراضي البديعة للشراكسة، على حقولهم من القمح والشوفان والذرة والشعير والتي كانت تتكسر تحت أقدام الجنود والخيول ودواليب المدافع وكيف كانت القرى والمزارع الجميلة تحترق وكأن عاصفة نارية مرت على المكان)...
بلغ عدد من رحّل من الشراكس حسب المصادر الروسية الرسمية حوالي نصف مليون وهناك عدد مماثل رحلوا بدون علم السلطات الروسية
كتب أدولف بيرغر الذي كان يعتبر المؤرخ الرسمي للحرب الروسية القفقاسية ( من أصل أكثر من مليون شركسي قتل أكثر من 400 ألف شخص وطرد 497 ألف وبقي حوالي 80 ألف في أرضهم )...
معظم التهجير حدث عن طريق البحر الأسود إلى الشواطئ التركية وبسبب عدم كفاية وسائل النقل البحري فإن أعدادآ كبيرة من المهجّرين كانت تضطر للانتظار عدة أشهر وحتى سنة كاملة قبل أن يأتي دورها، وكانوا يقيمون في العراء عند ساحل البحر وبدون موارد من الطعام والملابس، كان يموت العشرات منهم كل يوم بسبب الجوع والبرد القارص وحتى من وصل إلى تركيا عند الضفة الأخرى من البحر فإنه لم يجد أحدآ يساعده واستمرت معاناتهم أشهرآ طويلة واستمر سقوط القتلى يوميآ، قصص مروعة تتناقلها الأجيال عن حجم المعاناة والآلام أثناء التهجير
مأساة قليل من الناس يعرف عنها، الناس يعرفون جيدآ مأساة الشعب الأرمني ومعاناته وتهجيره وإبادة أعداد كبيرة منهم ويعرفون جيدآ مأساة اليهود وإبادة عدد كبير منهم في عهد هتلر ولكن من منكم سمع عن مأساة الشعب الشركسي؟!



#نارت_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إصلاح القلوب أم إصلاح الجيوب؟
- جمهوريات الفيس بوك
- لا نعبد ما تعبدون
- ما أصعب العيش صامتآ
- أوجه النفاق
- مضارب البدو في جبال القوقاز
- فن صناعة الغباء
- أقوال خالدة لعمرو خالد
- علموا أولادكم احترام المرأة
- البيئة- الإله- المرأة
- رأي شخصي في الختان عند الذكور
- سامحها يا أبو هشام
- عن أي إرهاب يتحدثون؟
- ما هو الحل مع هؤلاء الناس؟
- الحل قادم من الغرب
- إن شاء الله
- تساؤلات فتاة محجبة رغمآ عنها
- مذكرات قلب – الجزء الثاني
- مذكرات قلب
- إنشاء طائفة جديدة


المزيد.....




- نهشا المعدن بأنيابهما الحادة.. شاهد ما فعله كلبان طاردا قطة ...
- وسط موجة مقلقة من -كسر العظام-.. بورتوريكو تعلن وباء حمى الض ...
- بعد 62 عاما.. إقلاع آخر طائرة تحمل خطابات بريد محلي بألمانيا ...
- روديغر يدافع عن اتخاذه إجراء قانونيا ضد منتقدي منشوره
- للحد من الشذوذ.. معسكر أمريكي لتنمية -الرجولة- في 3 أيام! ف ...
- قرود البابون تكشف عن بلاد -بونت- المفقودة!
- مصر.. إقامة صلاة المغرب في كنيسة بالصعيد (فيديو)
- مصادر لـRT: الحكومة الفلسطينية ستؤدي اليمين الدستورية الأحد ...
- دراسة: العالم سيخسر -ثانية كبيسة- في غضون 5 سنوات بسبب دوران ...
- صورة مذهلة للثقب الأسود في قلب مجرتنا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نارت اسماعيل - مأساة تهجير الشراكس