أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نارت اسماعيل - مذكرات قلب – الجزء الثاني















المزيد.....

مذكرات قلب – الجزء الثاني


نارت اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 2862 - 2009 / 12 / 19 - 01:29
المحور: سيرة ذاتية
    


وجدت صعوبة كبيرة في تمرير هذه المقالة على الرقابة ممثلة ب(ن) التي حدثتكم عنها في المقال السابق والتي أصبحت زوجتي وذلك بسبب الأمور الخصوصية التي تتضمنها، لذلك سأتوقف فقط عند المحطات الكبيرة المهمة
ما يميز(ن) هو حبها الكبير للناس، أكبر متعة عندها هي أن يأتي ضيوف لعندنا أو نذهب عند أحد أو نخرج معهم إلى البحر أو المطعم أوأي مكان آخر
متواضعة، وجهها مشرق بشوش، تشعر الغير بأنه مهم محترم معزز مكرم
مثلها في الحياة ( الجنة بدون ناس ما بتنداس )
أنا أحب الطبيعة والهدوء والانترنت والموسيقى الكلاسيكية والأفلام الوثائقية أو الرومانسية
هي تحب الناس والصخب وضجيج الأطفال والأغاني الحديثة وأفلام الرعب والأكشن
نادرآ ما نجتمع على برنامج تلفزيوني واحد، أحيانآ أتساءل كيف نحب بعضنا البعض لهذه الدرجة ونحن مختلفان كل الاختلاف؟ تلك هي إحدى أسرار الطبيعة العجيبة.

المحطة الأولى
لنعد إلى الوراء إلى أيام التعارف الأولى، بدأت ألتقيها في الجامعة وأزورها في البيت، في البداية كنت أصطحب معي إحدى أخواتي أو أحد أصدقائي، ولكن وبعد أن إطمأن أهلها لنوايا هذا الشاب الذي يزور إبنتهم وتأكدوا من سمعته، صار بإمكاني أن أذهب لوحدي
لاحظت أن معظم صديقاتها محجبات وعرفت أنها مواظبة على صلواتها الخمس وتحضر دروسآ دينية في إحدى الحلقات الدينية القريبة من عمارتها، بدأت أشعر بالقلق الشديد على مصير علاقتنا فأنا لاديني منذ الأزل، لا أذكر في حياتي أنني كنت متدينآ في يوم من الأيام، أتذكر كيف كنت أحسد زميلآ لي في المدرسة الابتدائية كانت أمه وهي غير محجبة تأتي كل يوم بسيارتها لاصطحابه، وفي حادثة أخرى أتذكر كيف طلبوا منا ذات مرة إحضار أولياء أمورنا ولأن والدي كان عسكريآ معينآ في مدينة بعيدة وأمي كانت غير متعلمة، فإن أختي الكبيرة هي التي حضرت إلى المدرسة وكانت جميلة غير محجبة، انبهر زملائي بها وسألوني : هل هذه أمك؟ أجبتهم : نعم! لأنني بعقلي الباطن كنت أتمنى أن تكون أمي هكذا غير محجبة
بدأت ألمح لموضوع الحجاب مع (ن) ولكنني كنت أتجنب سؤالها بشكل مباشر خوفآ على علاقتي بها أن يصيبها أي سوء ونحن في أول الطريق
لم تكن تعطيني الجواب الذي يشفي غليلي ربما لأنها لم تكن تشعر بمدى قلقي والذي أحاول عدم اظهاره
مع مرور الوقت أدركت أن هذه عقبة حقيقية وعلي تجاوزها، فالحجاب بالنسبة لي ليس مجرد قطعة قماش توضع على الرأس، إنه ثقافة، منهج في الحياة، طريقة تفكير، كنت مقتنعآ بأن هذه الخرقة إذا دخلت بيتآ جلبت معه الأساطير والخرافات وكتب تفسير الأحلام وفتاوي البلهاء وبقية الأفكار المحنطة
في لقاء جديد معها سألتها بشكل مباشر:
- هل تفكرين بارتداء الحجاب في يوم من الأيام؟
لم أحصل على جواب شاف، كانت مترددة وبعد ذلك قلبتها مزاحآ وأجابت ضاحكة: ربما
بالنسبة لي لم يكن ذلك مجالآ للمزاح، إنه موضوع مصيري فقلت لها:
- أنا لا أتخيل نفسي متزوجآ من إمرأة محجبة
امتقع وجهها، انسحبت قليل إلى الوراء وأصبحت شاردة
آثرت التوقف عند هذا الحد، خفت أن ينهار كل شيء وقلت لنفسي: لنترك شيئآ للزمن فربما تأتي الحلول مع الوقت
لم أتصل بها لفترة من الزمن ولم أحاول أن ألتقيها في الجامعة
عشت أيامآ مريرة، بدأت أشعر أن حلمي الجميل أصبح بمهب الريح
هل معقول أن خرقة سخيفة ستحرمني من أرق وأعذب إمرأة في الدنيا؟
كان حبي لها مختلفآ عن أية تجربة سابقة، كانت (ن) فعلآ مميزة لا تعوض، حبي لها وصل إلى كل ذرة من كياني
صراعي النفسي كان يتأرجح صعودآ ونزولآ، أحيانآ أقول لنفسي سأقبل بها بالحجاب بالجلباب و لايهمني رأي أصدقائي وإخوتي، وأحيانآ أخرى أتماسك وأقول لنفسي : لا، لن أتخلى عن قناعاتي ومبادئي واحترامي لنفسي.
كنت أعتز كثيرآ بمبادئي وحلمي بأن أبني أسرة علمانية راقية، كان الحجاب بالنسبة لي وما يزال رمزأ للتخلف والجهل
لم أستطع الصمود أكثر من أسبوع، شوقي لها كان أكبر من قدرتي على التحمل، بحثت عنها في الأماكن المعتادة ووجدتها في مكتبة الكلية، عندما رأتني طوت كتابها وخرجت مبتسمة تلك الابتسامة الساحرة التي تتميز بها، عرفت عندها أننا اجتزنا تلك العقبة الهائلة، ابتسامتها عنت لي أنها هي أيضآ لن تفرط بحبها من أجل تلك الخرقة

المحطة الثانية
حتى الآن لم أكن قد تطرقت معها لموضوع الزواج بشكل مباشر، قررت أن افتح هذا الموضوع لكي نبدأ بالتخطيط له ولتفاصيل حياتنا الزوجية القادمة، اتصلت بها بالهاتف وطلبت منها أن تسمح لي بزيارتها في البيت وأشرت لها بأنني أود التحدث معها بموضوع مهم، حددت لي موعدآ وذهبت ، كنت متوترآ وكانت عندي بعض الشكوك حول ردة فعلها الممكنة
عادة كانت تجلس في الجهة المقابلة لي في الغرفة الصغيرة ولكن في هذه المرة فاجأتني بأن جلست بجانبي قريبة مني شعرت براحة كبيرة وأدركت مدى ذكائها حيث أشعرتني بأنها تعرف ما أود قوله وأحسست كأنها أعطتني موافقتها سلفآ على طلبي
خف توتري وبعد مقدمة بسيطة قلت لها إنني أتمنى أن توافق على الزواج مني
سكتت قليلآ ثم كانت المفاجأة المدوية، قالت :
- قبل أن أعطيك جوابي أريد أن أسألك سؤالآ
- ماهو؟
- هل تؤمن بالله؟
أذهلتني المفاجأة، أنا جئت أطلب يدها وما دخل الله بهذا الموضوع؟ لماذا يحشرونه في كل شيء؟
وكيف يجيب إنسان لا ديني على هذا السؤال؟ مرة ثانية أصبح مصيري كله بالميزان
هل أقول لا وينتهي كل شيء؟ كل أحلامي، أروع قصة حب؟ يتبخر كل شيء هكذا؟
هل أكذب عليها وأقول نعم ؟ وأبدأ حياتي معها بالكذب والنفاق؟ هذا أصعب سؤال سؤلته في حياتي.
أنا لم أسأل نفسي هذا السؤال في حياتي.
كنت دومآ مقتنعآ بأن الله هو اختراع بشري، اخترعه الناس لكي يريحوا أنفسهم من التساؤلات الكبيرة حول مغزى الحياة والموت ومابعد الموت وحول هذا الكون العظيم الذي يحيط بنا.
كنت دائمآ مقتنعآ بأن الإنسان لايستطيع حل تلك الألغاز وعليه أن يتركها وشأنها ويهتم بحياته ولكني مع ذلك لم أنكر وجود (خالق ما) لهذا الكون، هذا الخالق بالنسبة لي غير محدد الأوصاف، وبالتأكيد لا يشبه إله المسلمين.
أنا لم أكن أهتم بهذا الخالق كثيرآ ولكني لم أنكر يومآ احتمال وجوده، وهي في سؤالها لم تحدد أي إله تعني
كانت تريد أية إجابة إلا (لا)، كانت تريد (نعم)، لا يهم نوع الإله الذي أؤمن به
لا أدري كم المدة التي استغرقتها بالتفكير قبل أن أجيب على سؤالها، شعرت بأنها مستعدة للانتظار الدهر كله، لم تكن مستعجلة ولكنها كفتاة مسلمة ترعرعت بجو محافظ ما كانت تستطيع الزواج من شخص(كافر) لايؤمن بالله، هذا فوق طاقتها
أخيرآ أجبتها وبتردد واضح : نعم
انشرحت أساريرها وقالت : أنا موافقة

المحطة الأخيرة
تزوجنا وكنا مثالآ للزوجين المتحابين المتفاهمين اللذين يحترمان بعضهما البعض وكنت أتطرق لموضوع الدين من وقت لآخر وبشكل متدرج وعلى شكل جرعات صغيرة متفرقة، أحيانآ تحتد وتغضب عندما أزيد الجرعة فأتراجع وأنتظر فرصة أخرى
بعد سنتين من زواجنا وكنا في شهر رمضان وأنا لم أكن أصوم رمضان ولكني كنت أخفي عنها ذلك احترامآ لمشاعرها ولأنها ستكون جرعة كبيرة لو قلت لها أنا لا أصوم، لا أدري لماذا الصيام أهم من الصلاة عند المسلمين؟
في أحد الأيام عدت إلى البيت من عملي فوجدتها منزعجة ولم ترحب بي كعادتها، سألتها عن الأمر فسألتني
- هل تصوم من أجلي أم من أجل الله؟
فهمت الموضوع، عرفت أنها اكتشفت أنني لا أصوم، لا أدري كيف عرفت ذلك؟ ربما تفقدت محتويات البراد كما كان يفعل والدها سابقآ مع أبنائه.
أجبتها : طبعآ أصوم من أجلك أنت فأنا ليست عندي مشكلة مع ربي وأستطيع التفاهم معه، أما أنت فلا أستطيع اغضابك فأنت أعز شيء عندي في الدنيا، واقتربت منها لكي أضمها لكنها أبعدتني قائلة:
- إذا كنت تصوم من أجلي فأنا أعفيك من هذا الصيام، ولكن إياك أن تريني وجهك وأنت تأكل، وانصرفت غاضبة
صرت في أيام رمضان أحضر طعامي المحرم وآخذه إلى إحدى الغرف وأغلق الباب وآكل، ولكني كنت حريصآ أن أشاركها طعام الإفطار كما لو كنت صائمآ
في رمضان التالي صارت تدخل الغرفة وتجلس معي أثناء تناولي للطعام المحرم
بعد ذلك صارت لا تمانع أن أتناول الطعام المحرم في أي مكان و(على عينك يا تاجر)
بعد عدة سنوات صارت تساعدني بتحضير طعامي
بعد عدة سنوات أخرى صارت تشاركني الطعام المحرم
من كان يصدق أن زوجتي لن تعود تصلي أو تصوم؟
وهكذا انتصر الحب على الخرافات وصارت زوجتي مواظبة على موقع الحوار المتمدن



#نارت_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات قلب
- إنشاء طائفة جديدة
- قصة قبرين
- الخنساء والشهداء الأربعة حقيقة أم خيال؟
- يوم الحساب ودفتر بوزقندة
- يوميات أبو أحمد في الجنة
- أعلنكما زوجآ وزوجة، بامكانك أن تنكحها الآن


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نارت اسماعيل - مذكرات قلب – الجزء الثاني