أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس عبد الرزاق الصباغ - العشائرية في المجتمع العراقي














المزيد.....

العشائرية في المجتمع العراقي


عباس عبد الرزاق الصباغ

الحوار المتمدن-العدد: 2996 - 2010 / 5 / 5 - 10:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



الطبيعة العشائرية التي اتصف بها المجتمع العراقي هي إحدى الصفات التي أشار اليها البروفيسور المرحوم علي الوردي في مجمل مؤلفاته القيمة التي دارت في فلك المجتمع العراقي وتحليل شخصية الفرد العراقي كما قرن بين هذه الصفة وبين إحدى "مشاكل" هذا المجتمع العالقة ألا وهي مسألة "ترييف" المدن من جهة وبين مسألة أخرى تتمثل بنزعة الازدواجية في الشخصية ( بحسب أستاذنا الوردي) التي اتصف بها الفرد العراقي في تعاملاته اليومية ومماحكاته السياسية وإرهاصاته الاجتماعية ودوافعه السايكلوجية ونوازعه الشخصية ، من جهة ثانية العشائرية كسمة انثروبولوجية تعد اكثر من طبيعية ومتناسقة في مجالها الحيوي كما تعد معيارا ديموغرافيا مهما في الدراسات السوسيولوجية وضمن المقاربات الجغرافية المعتمدة في التصنيف النوعي ما بين التكوينات الطبوغرافية الثلاثة؛ المدن والأرياف والبوادي وما يتعلق بهذه التكوينات من خصائص ومميزات تتباين بموجبها عن بعضها البعض باتخاذ كل تكوين سمات معينة تفرده عن غيره ومن غير الممكن ان تتصف هذه التكوينات المجتمعية بنفس الصفات المشتركة إلا إذا تداخلت فيما بينها واندثرت الحدود الحضارية الفاصلة فيما بينها ما يشكل تخللا في تركيبتها الأساسية وتمزقا في نسيجها الاجتماعي...
لكن العشائرية تغدو صفة مناقضة للطبيعة المدينية وللمستوى الحضاري للمدينة اذا خرجت من نطاقها وتغلغلت في غير مجالها الحيوي من خلال الزحف الريفي الكثيف والمتواصل والمستمر نحو المدن والاستقرار فيها ولأسباب شتى أهمها العوامل الاقتصادية مثل تردي الحالة المعيشية في الأرياف وانتشار البطالة فيها مع إمكانية توفر فرص العمل في المدن التي تستوعب أعدادا متزايدة من الأيدي العاملة لاسيما الرخيصة منها ، الامر الذي يجعل التوازن الديموغرافي بين مكونات المجتمع أمرا في غاية الصعوبة وعلى المستويين البشري والحضاري باشتباك الفواصل الحضارية وتداخل المستويات المجتمعية مع استمرار الأسباب المؤدية الى ذلك..
وهذا التداخل غالبا ما يشكل عقدة اجتماعية تتفاقم يوما بعد يوم تفضي الى نشوء شيزوفرينيا اجتماعية بسبب اشتباك منظومتين من القيم والعادات والتقاليد والأخلاق والسلوكيات ، الأولى منظومة القيم المدينية والثانية منظومة القيم الريفية والتي تعد النزعة العشائرية احدى أهم خصائص المجتمعات الريفية واهم مقومات تلك المجتمعات والتي تضعف تدريجيا في المدن ان لم تختف كليا منها ...لكن الملفت للانتباه ان المجتمع العراقي وهو يعيش غمار العقد الأول من الألفية الثالثة في ظل المتغيرات العالمية المتسارعة وفي أجواء من العولمة التي جعلت العالم يعيش نهضة حداثوية في كل مجالات الحياة ، نجد هذا المجتمع مازال يئن تحت وطأة العشائرية وهيمنتها خصوصا في المدن التي من المفترض ان تكون مراكز متحضرة وبؤر إشعاع حضاري بعد ان زحفت اليها العشائرية بكل ثقلها من قيم وممارسات هي اقرب الى البداوة منها الى الطابع المديني للمدن نتيجة للترسبات والتراكمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تناوبت على المجتمع العراقي ونتيجة للتحولات الهلامية والمنعطفات التاريخية الحادة والأزمات والحروب والممارسات الاستبدادية والأخطاء السياسية الفادحة التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة فضلا عن عدم الاستقرار السياسي ورخاوة الثبات المجتمعي والإهمال المتعمد للريف وعدم شموله ببرامج التحديث والتنمية، الأمر الذي ولد هجرات بشرية غير مسبوقة فرغت الريف العراقي من اغلب قواه العاملة واوجد حالة إرباك ديموغرافي وطوبوغرافي في المدن يضاف الى ذلك زحف القيم الريفية (ومعها البدوية ) الى قلب المدن واستبدال القيم المدينية المتحضرة بقيم أخرى ماسخة لقيم المدينة بجعل المدينة عبارة عن "قرية " كبيرة وهذا ما نلمسه في معظم تفاصيل الحياة في المدن العراقية عدا بعض المناطق الراقية في العاصمة بغداد وبعض المحافظات حيث نجد ذات التفاصيل التي تعد من بديهيات حياة الأرياف تتطابق تماما مع الكثير من تفاصيل حياة المدن التي تريفت هي الاخرى وزحف اليها التريف منذ خمسينيات القرن الماضي ولحد الان دون ان تتخذ اية حكومة برنامجا يحد من هذا الأمر وكأن الأمر بات مقصودا في حد ذاته في ترييف المدن واستفحال العشائرية كتحصيل حاصل...
العشائرية كقيم وممارسات لا تخلو منها اغلب المجتمعات الشرق الأوسطية او دول العالم الثالث ولكن بنسب ومعدلات متفاوتة لكنها في العراق أخذت العشائرية بعدا آخر أكثر عمقا وأوسع انتشارا وتغلغلا بين طبقات المجتمع حتى صارت لازمة لا يستطيع المجتمع العراقي ان ينفك عنها سواء في المدن او الأرياف على حد سواء وصارت السلوكيات العشائرية طابعا سوسيولوجيا عاما تطبـَّع به هذا المجتمع دون التفريق بين منطقة وأخرى إلاّ في النسب التي تتفاوت بين المدن والأرياف في هذا الشأن..
وفي هذا الاتجاه تعد العشائرية احد العوامل التي تساهم في تقوية ثقافة التجزئة والنزعة الفئوية والجهوية كما تضعف من ثقافة المواطنة والولاء العام للوطن باعتبارها إحدى الهويات الفرعية التي ترسخ خندقة المجتمع وتفتته وهذا ما عملت الديكتاتوريات المتعاقبة على ترسيخه في إطار إضعاف المجتمع العراقي للسيطرة عليه وإضفاء شبح التخلف المجتمعي والنزعات البعيدة عن حركة التقدم ..كما تعد العشائرية إحدى نقائض العقد الاجتماعي الذي بموجبه تفعل مبادئ الوحدة الوطنية وأسس التوجه نحو بناء مجتمعي مؤسس على الديمقراطية وأسلوب الحداثة والتطور .
إعلامي وكاتب عراقي
[email protected]



#عباس_عبد_الرزاق_الصباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل دخل العراق النفق مرة اخرى ؟
- المحلل السياسي
- الدولة العراقية وتحديات النجاح
- سلطة عراقية رابعة
- الانتخابات والمواطنة
- ثقافة التحزب وشخصنة الدولة
- بانوراما انتخابية
- الصدامية ... بين حلم العودة وكابوس الاجتثاث
- أصنام المالكي تغزو كربلاء
- عقدة الاستجواب
- هاجس المربع الأول
- الواقع المزري في كربلاء (2 2)
- العراق وفضاؤه الإقليمي
- هولوكوست عراقية !!!
- الواقع المزري في كربلاء المقدسة (1 2 )
- دراما مسيسة
- الحوار الوطني ضرورة إستراتيجية
- البرلمان العراقي واتجاهات الرأي العام
- تكنو... فساد !!
- ديالكتيك الاستنكار الفارغ


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس عبد الرزاق الصباغ - العشائرية في المجتمع العراقي