ابراهيم البهرزي
الحوار المتمدن-العدد: 2993 - 2010 / 5 / 2 - 15:19
المحور:
الادب والفن
حَنّا
اكثرُ من فكرة
اكثرُ من قرطاس ٍ
يبصُم ُ فيه الملاكون َ النكرة ْ
من َ الشمال ِ , حيث ُ الجبل ُ واسع الصدر ِ والمرْبع , حيث ُكلْمة ُ الله ِ طليقة ً في مدارج ِ الاشجار ِ العنيدة ِ ,
مُطْلقة َ السَراح ِ من َ المعابد ِ الحَقودة ِ, هبَطوا , وكانوا من قبْل قد صَعدوا , تطاردهم الجزيَة ُ والضَغينة ُ,
يحملون َ الاخشاب َ في مَحاملهِم , اخشابَ الصُلبان ِ , واخشاب َ الحنين ِ , يحَملون َ في الدم ِ شهقة َالارمنيِّ
الذبيح ِ في وديان الاناضول ِ , , يحملون ثياب َ مارْ مَتّي المُزْهرة َ بفؤوس ِ البدْوِ , الى كهوف ٍ تامنَهُم
من شرورِ الردَّة ِ , كانوا يهربونَ من مُصارعة ِ الدم ِ الى جُحور ِ التامُّل ِ المُوحشَة ِ , يَحْملون َ الانسانَ,
انسانهَُم الوديع َ , الى الكهوف ِ التي لا تتشمَّمُها دَناءات ِ الذئاب ....
حَنّا
كان َ صديقي
نشوي لحمَ الخنزير ِ
ونرشف ُ من لبَن ِ العُربان ِ
كنت ُ و حَنا
نكتملُ
بهَيبةِ أِنسان ْ
جاءَتْ من الغرب ِ , منَ الشرق ِ , شمالاً وجنوبا ً خيل ٌ تركب ُ فرسانا ً تتباهى بلثام ِ العَدَم ِ , وصار َ
المَقْتل ُ والمَهْرب ُ سيّان , مَساءات الشاي ِ و (عَصْريات ) الكسل ِ ارتدَّت ْ للتمْتمة ِ , وجالت ْ طلَقلت ٌ ُ
سَكرى فوق َ رؤوس ِ الصُم ِّ البُكم ِ, حياة ٌباغانيها الدارجة ِ انصَرَفتْ عن دَيْدنها , صار َ وحيدا ً كلّ اليف ٍ ,
صارَ الصابرُ ينتظرُ الخاسرَ للاسْتئناس ِ ولوم ِ الناس وكرْع ِ الكاس ِ , وليس َسُكارى لكنك تحْسبَهم كسُكارى
كي ترضى قَسْراً , انَّ الصورة َ لا بيضاء َ ولا سوداءَ , وانَّ ملامحك َ الاولى ضائعة ٌ في مُشْتبك ِ الالوان..
صورة ُ حَنا
وهوَ يَحن ُّ كطفل ٍ
لحليب ِ المعنى
دُسَّت ْ في طين ِ البُنيان ِ وانقاض ِ الهدْم ِ
فكيف َ لجُثته ِ
ان تتخيَّر قبراً تتمنى ؟
بَعَرُ الرعْيان ِ يزخُّ دماً ودناءات ٍ , الاطياف ُ المتناهبةُ تدوس ُ على عُشْبة ِ كلكامشَ , وجع ُ النار ِ الاسطوريّة ِ
يشوي طينَ مَسلّتنا, ريح ُ رماد ٍ تعزفُ للخلفاء ِ الجُدد ِ , يشيلون َ الآثام َ الى اقصاها ويخرّون َ سُجوداً , تحت َ الساجدِ
والسجّادة ِ تنفرط ُ الفقرات ُ عن السقف ِ المشدود ِ باعمدَة الشعْر, وبعر الرعْيان ِ يُهَيكل ُ زينته ُ في شعر ٍ شعبيٍّ
اوْ رُعْب ٍ عَربيٍّ , تبْعَص ُ امريكا امراء َ الخلقِ جميعاً كي يُصْلبَ جيفارا ثانية ً او تُنسى في المنفى المكسيكيِّ يد ُ البلطةِ
حينَ تشجُّ ربيع َ دماغ ِ تروتسكي ,ذهَبت ْ كلَّ معانينا في عَربات ِ الايام ِ السافلة ِ , وصارَ عليَّ وحيداً ,
انْ احمل َ جثةَ جدّي حنّا في طُرق ٍ تصطادُ الموتى , وادور ُ به ِ في بلد ٍ يَتحاصَصُ جُبّانات أَضاحيه ِ, فلا اتحَاصَص ُ
في جُثة ِ حَنا الا بالقلب ِ المزحوم ِ به ِ حيث ُ يُغنّي كان َ به ِ, وبه ِ سوف َ امطُّ القلب َ عنادا ً كي يَتمادى في المغْنى ..
جثة ُ حنّا
طارتْ
وتطير ُ
خلال َ سماوات ِ مَخازينا
منْه ُ جَميعا ً -الا الدُخلاءَ - تسَلَسَلنا
فلماذا نمْمنحُ حنّا
طُرقَ المنفى قسْراً
ونذوب ُ خنوعاً
لغزاة ٍ اغراب ٍ اعْراب ٍ ؟
يا لؤمكَ زيداً او عمرو !
كنت ُولا زلت ُ عراقيا ً صرْفاً
لا اقرع ُ كأْسي
الا في حَضْرة ِحنّا
ها تضرب ُ الدبابيرَ بقفا اليد ِ , ُزرْت ُ كنيسة َ مارْ جرجس , لاجلِ الصلاة ِ , ما ردَّني راهب ٌ ,
لا اعرف ُ شيئا ً من طبائع ِ الطقوسِ , طقوس كلّ الدياناتِ , اقف ُ لاجل ِ احترام ِ الشعائرِ مُقلداً ما يفعلون َ,
شعائرُ الارواح ِ لا تستوعبُ الجَدَل َ , فالدَجَل ُ وافرٌ جّداً , لكنك َ لن تكسُب َ من المتربّصين َ غيرَ فطنة ِ المسرح ِ الملحَميِّ ,
يكون ُ بريشت ُ الساخرُ الغاضب ُ ضارباً حيث ُ يكون مُمثلي الوَرَع ِ المخادعين َ في اوْج ِ ارباحهم ,ولكن ْ أِنْ اخذت َ الجَنّة َُكلها مُلكا ً مُشاعاً , مَيتا ً كنتَ او على غنيمة ِ الحياة ِ , هل ستضيفُ اكثر َ من قطرة ماء في سجون العطش ؟
ارْْْْثكم
ملكُ اعداءكم
كان حنّا
عاطلا ًعن العداوة ِ
فلم استوْْظفتم على دمه ِ
نزلاءَ الجانحين؟
المخازي تخلدَكم
ولو بعدَ حينْ ...
من بغدادَ الى بغديدا , يزحفُ حنا المذبوح , نَسفوا مجلسَ أنستاس الكرملي , لم تشفعْ (لغة العربِ ) لهم , لم يُشعلَ فانوس ٌلهم في ليل عقد النصارى , لم تظللهم اشجار اليوكالبتوس المجنّحة لحدائق البتاوين المنزلية , كانوا يماماً فاستطابت لحومهم انياب الملثمين والحاسرين , من بغداد الى بغديدا يتطاير دم حنّا المحنّى , تلمّه السماءُ وتنثره ورداً على مقابرِ اولياءنا , وردٌ على مقبرة ِ ابي حنيفة النعمان , وردٌ على مقبرة الغزالي , وردُ على مقبرة النجف , وردٌ على مقبرة الشيخ معروف , وردٌ مُعاتبٌ , وردٌ صارخ يستهض ُالموتى , احياؤنا لم تعد تستنهض الورودُ مروءَتهم , لقد ذبحوا حّنا في بابِ كنيسته ِ, والاجراسُ تدقُّ , لمنْ تدقُّ الاجراسَ يا همنغواي ؟ الدم ُ في بغدادَ ونينوى اكثر مما في طرقاتِ مدريد , كتائبُ فرانكو من الموريين المرتزقة تطاردُ الراهبَ لوركا المحتمي بديرِ مار جرجس , كل حّنا لوركا وكل بغدادَ مدريد , ومن بغداد الى بغديدا يرحل الميتادورُ الجريح وقرونُ الثيران الهائجةِ تعدو خلفَ شفاهِ جراحه ِ
(في الخامسة ِبعد لظهر )
مرت يمامةُ حنا
(في الخامسة بعد الظهر تماما )
في بغداد او نينوى
رن جرس الكنيسة خمْساً
(في الخاسة بعد الظهر )
طردَ المسيحُ الصيارفة َ
(في الخامسة بعد الظهر )
شَهَرَ الصيارفةُ غدّراتهم
(في الخامسة بعد الظر )
ودّع حنا القندلفت
(في الخامسة بعد الظهر )
اشعل القندلفتُ شموعاً خمساً
(في الخامسة بعد الظهر )
سقطتْ دمعةُ مريم
(في الخامسة بعدالظهر )
تبلل بالدمعِ ضميرُ العراق القليل
(في الخامسة بعد الظهر تماما )
طارت جثة حنا من ثلاجة الطبّ العدلي
لتؤم المكبّرين نفاقا
في الخامسة
بعد الظهر
لا تريد هذه القصيدة
ان تدخلَ في الليل
ليل اغناثيو سانشيز ميخياس العراقي المبقور بقرن الثور
**
ملاحظة :
في المقطع الاخير تتكرر لازمة (في الخامسة بعد الظهر ) في قصيدة الشاعر غارسيا لوركا (بكائية من اجل اغناثيو ساشيز ميخياس ) فارادت القصيدة ان تتناص معها ولذاك اقتضت الاشارة
*بغديدا مدينة في سهل نينوى حيث موطن العراقيين المسيحيين
** عكد النصارى والبتاويين من احياء بغداد حيث تواجد العراقيين المسيحين
#ابراهيم_البهرزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟