أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأولى والآخرة : مَرقى














المزيد.....

الأولى والآخرة : مَرقى


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2957 - 2010 / 3 / 27 - 17:02
المحور: الادب والفن
    





قلق ينخس الأجواء ؛ ينجالُ فوق الحاضرة ، المتبدية كصبية في ربيع العمر ، مترفلة أطمارَ شتاء داثر . وكأنني ذاكرتها ؛ تترجع ، عبْرَ عباراتي ، أهوالَ ذلك العام الداهي ؛ العام ، المُبتدَهُ برحيل مجدد الوقت ، مطعوناً : كانت سويعاته المتبقية ، الأخيرة ، قد أضحت كما لو أنها سباقٌ ليسَ مع أجل حتم وحسب . حتى إذا إنجابَ برحيل مولانا ، القدسي ، غولَ الطاعون الدنس ، فإن المريدين كسبوا ، كما عامة الخلق ، منة اخرى : وصية الخلافة ؛ وهيَ الوصية ، التي لم تتحقق ، على كل حال ، دونما حومة ثارَ عجاجها .

والدي ، كان أحد أولئك الحواريين ، ممن إنطلقوا ملتحقين بركب قطب العصر ؛ من إمارة بابان ، مروراً بمحروسة الشام ومكة المكرمة ، وحتى جهان آباد . غيرَ أن الأب كان قد أضطر للإفتراق عن شيخه ، مباشرة بعد أداء فريضة العمرة ؛ كان عليه أن يستقر في الشام ، مستطيباً هواءها ، هوَ المُبتلى برئة منهكة ، وما دام على يقين بأن قيامة الله ستكون في أرضها ، الشريفة ، وعداً للصالحين : من جهتي ، أزعمُ الآن أنني من شهدَ القيامة في ميقات مختلف حتماً ؛ وأن كناشي هذا ، هوَ سفرُ تدوينها .

غريراً يتشاكسُ وأقماطه ، تفتحت عيناي على دورة للدهر دارت بأسرتي وأودعتها في محلة الميدان ؛ أين أكرم راعيها ، الحواري ، بمأوى في زاويَة للطريقة . أخليَت لأسرتنا ، المكونة وقتذاك من ستة أفراد ، إحدى حجرات الدار الحجرية ، الكئيبة ، والتي تفاقمت وحشة بعد فناء خمسة من عائلتنا بضربة طائشة من الوباء الأسود . عام الطاعون ، إذاً ، بدا كأنما هوَ مَرقى للقيامة ، المؤجلة .

" إن الله مع الصابرين "
" إذا صبروا " ، مداعبا أتمم آية جاري المغربي ، العطار . تآلف هذا العشابُ المسن ، الطيب ، مع تفكهي المُقترن بحججه مع التجديف ؛ حتى أنه يتناهض أحياناً متذمراً ، مدمدماً تعويذة حاميَة : " الله يهدينا جميعاً " . إعتدتُ على تأمل مجلسه الدائب ، خلف دكة دكانه الضيق ، بقامته الضئيلة ، ورأسه الصغير المشدود بعمامة خفيفة ، زرقاء اللون . كان غداء الرجل ، بدوره ، على عادة لا تتغير تقريباً ؛ سلطانية حساء العدس ، أو الكشك ، المنثور فيه نتف الخبز المحمص . لم يكن لدي شك ، في زوغان بصره عن نفائس السوق ، المختلفة ، إلى توجس الفكر من إنتكاسة الصيف ، المترقبة : لن يحظى على الأرجح بزبائنه ، ما دامت الفوضى تصخب بصنوجها ، يضافرها تفقد الزرب السوقَ متجراً متجراً ، دون أن يأبهوا كثيراً بأمر الشاملي الكبير ، المُحرم قبض الأتاوة .
" لقد سددتَ للوالي ، المارق ، رسمه الجائر ، فما بالك تتذمر من قبض أتاوة حماية تجارتك ؟ " ، كان آغا الزرب أولئك ، قد إعتاد الصراخ بهذا أو ذاك من عشابي الدرب . على أن النهابين إعتادوا ، بالمقابل ، المرور من قدام دكاني العامر ، بلا أي نأمة أو إلتفاتة : كنت محمياً بعوذة الطريقة ، بما أن المرحوم أبي كان أحد حواريي شيخها الأكبر .

لا أدري ، أهيَ حذاقة صنعتي أم دربَة لساني الذرب ، من أكسبَ إسمي ذيوعاً بين الخاص والعام . مقتي لمحفل المريدين والسالكين ، لم يجعلني أنحاش عن خصلة الأب في الإحتفاء بالكتاب . وكان رحمه الله قد عهدَ بي ، ما أن بلغت سنّ الحلم ، إلى أحد النزلاء الأغراب في الزاوية : متصوف ، فارسي الأصل ، أو أغواني ربما ؛ من إهتم بترويضي على رياضة الطريقة وتلقيني عدتها ، من قفه وأصول ومنطق ونحو وعرض وصرف وبلاغة وبديع ومناظرة وحكمة وحساب وإسطرلاب وكيمياء . فلم أفد منها شيئاً يذكر . بيْدَ أني حفظتُ ملامحَ معلمي الكهل ، المنطلسَة ، المموهة وجسده القميء بدراعة من صوف خشن . وكما تبين لاحقاً ، قلم تفت عن يقظته ، الرخوة ظاهراً ، ما كان يتبطن شغفي بإستقصاء أحوال الزهر والثمر ، في كل مرة نتدرج فيها معاً خلل مسالك الربض المجاور . فما صبرَ الرجل كثيراً ، حتى يروع أبي بعلامة غدي : " سيكون صبيك طبيبَ الجسد لا الروح " . وعلى حد علمي ، فلم تكذب نبوءته . صرتُ عطاراً .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأولى والآخرة : توضيحٌ حولَ خطة التحقيق
- الأولى والآخرة : مقدّمة المُحقق
- لماذ قتلتم مروة ؟
- رؤى
- بحثاً عن طريدةٍ اخرى
- قيثارة الأطياف
- تراتيل
- ترانيم
- الأسبار
- الصفعة في السينما المصرية
- فيلم حين ميسرة : أكشن العالم الأسفل
- منزل المنفى
- دمشق ، قامشلي .. وربيعٌ آخر
- قلبُ لبنان
- الصراع على الجزيرة : مداخلة تاريخية في جدل مستحيل
- حوار حشاشين
- نفديكَ يا أردوغان !
- فضائيات مقاومة
- عمارة يعقوبيان : موضوع الجنس المحرّم في السينما
- ربحنا حماس وخسرنا فلسطين


المزيد.....




- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأولى والآخرة : مَرقى