|
الأولى والآخرة : توضيحٌ حولَ خطة التحقيق
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2950 - 2010 / 3 / 20 - 13:36
المحور:
الادب والفن
في متناول القاريء ، هنا ، كناشٌ تحت عنوان " الحاشيَة العامِّية " ، منسوبٌ لمؤلفه ، العطار اللاوندي النقشبندي . ومنذ البدء يعترضنا إشكالٌ ، متمثلٌ بكون المؤلف مجهولاً تماماً في المصادر الأصليّة لزمنه ( القرن الثامن عشر ) ؛ ومن النافل التأكيد ، بأنّ ذلك ينسحب أيضاً على كتابه العتيد . هذه الحقيقة ، جعلتني ـ كمحقق ـ أعتمدُ تصنيف الكتاب كما لو أنه " رواية " ، وليسَ تأريخاً . يُضافر ذلك ، ما سيلحظه المُطالع من أسلوب المؤلف ولغته ؛ وهيَ اللغة ، التي لا أنكرُ تصرّفي فيها ، أحياناً ، تشذيباً لها من الألفاظ المحكيّة ، علاوة ً على المفردات الدخيلة ، من تركيّة وغيرها . إلا أنّ النصّ المقدّم هنا ، على شيءٍ من التعديل ، ما كانَ بوسعه تجنب الإحتفاظ ببعض تلك المفردات ، العاميّة والدخيلة سواءً بسواء ؛ خصوصاً ، حينما يتعلق الأمر بأسماء الأعلام والمهن والأماكن . والواقع ، فإنّ العارف بأصول المحكيّة الدمشقيّة ، ربما يتفق مع رأي المُحقق ، في أنها ـ المحكيّة ـ متماهيَة مع المفردات تلك ، الأعجميّة ، حتى أنه من العبَث الفصل بينهما . ولكي لا نرهق متن " الرواية " بالهوامش والحواشي ، فقد إرتأينا الإبقاء على تلك المفردات ، العاميّة ، دونما شروح لماهيتها ؛ وبالتالي ، الركون لنباهَة القاريء في إدراك ما تعنيه ـ المفردات ـ وفق سياق ورودها في النصّ .
فيما يتعلق بهذا المخطوط ، فكما سبق وورَدَ في مقدّمة المُحقق ، أنه النسخة المصوَّرة فوتوغرافياً للنصّ ، الأصل ، المُحتفظ به في قسم المخطوطات العربية والإسلامية بمكتبة جامعة " أوبسالا " . على أنه يمكن لنا إعتباره النصّ ، الوحيد ، المنسوخ بريشة المدعو " العطار اللاوندي النقشبندي " ـ بحسب تعريفه لنفسه في مستهلّ كتابه ـ طالما أننا لم نعثر على أيّ ترجمة للرجل في التواريخ المدوّنة ، في زمنه ، من لدن إخباريّي الشام ، أو في المدوّنات العائدة للفترة المتأخرة ، وصولاً لزمننا الراهن . من ناحية اخرى ، فلا ريبَ أنه من سعد فألنا ، أنّ خط الكاتب كان كبير الحجم ، مما سهّل وضوحَ مفرداته نوعاً ، وبالتالي أمكن لنا فهمها ؛ والأهم ، تمييزها عن خط آخر ، دخيل ، شاءَ صاحبه أن يتصرّف بالنصّ ، الأصل ، بإيضاحاتٍ وتصحيحات ، قليلة ، عدا عن كونها غير ذات أهمية في الواقع . الملاحظة الأخيرة ، ربما ستجلب إبتسامة القاريء ؛ بما أنه ربما يستشفّ نوعاً من الغيرَة لدى المُحقق ، كونَ أنّ شخصاً آخر ، غيرَه ، سبقه في حظ الإطلاع على الكتاب هذا ، علاوة ً على محاولة تدقيقه وتصحيفه . الحق ، فإنّ هكذاعنعنات غريبة عن مسلكي . فضلاً عن أنّ تأكيدي على عدم جدوى ذلك الخط الدخيل ، المقتحم حرمَة النص ، الأصل ؛ فلأنه لم يُضِف شيئاً مجدياً ، ، له أهميّة خاصّة ، اللهمّ إلا تثبيت بعض التواريخ ـ الهجرية بطبيعة الحال ـ إضافة لترقيم الصفحات .
ومناسبة ذكر ذلك الناسخ ، الدخيل ، تحيلني إلى مسألة اخرى ، وهيَ أنني أشتبه بكون عنوان الكناش ، " الحاشيّة العامِّية " ، من وضعه هوَ ؛ بما أنه مكتوبٌ بخطه المميّز ، المغاير لخط المؤلف ، العطار . وأشدِّدُ هنا على مفردة " الشبهَة " ، كيلا أظلمَ هذا الناسخ : إذ يجوز أن للكتاب مقدّمة من وضع المؤلف ، كما هيَ العادة الدارجَة في كلّ مكان وزمان بالنسبة للكتب ذات الطابع التاريخيّ ، وأنّ صفحة ، أو ربما صفحات ، هذه المقدّمة ، قد فقِدَتْ بشكل ما ؛ وبالضرورة فإنّ العنوان الأصل لا بدّ ولاقى المصير نفسه . على أنه من الصعب تأكيد ذلك ، أو نفيه ، ما دامَ المخطوط كان أساساً غير مرقم ، بله أن يعمد الناسخ ذاكَ إلى تصرّف طائش ـ من قبيل حذف المقدمة ، المفترضة ، بوهم عدَم جدواها ، مثلاً ، أو لأيّ داع آخر .
تأكيدي ، فيما سلف ، من أنّ عنوان الكناش دخيلٌ على النصّ بشكل ما ؛ هذا التأكيد ، قد لا يُبرر لي حذفه والإستعاضة عنه بعنوان آخر ، من وضعي ؛ وأعني به " الأولى والآخرة " ، إضافة لتقسيمي الكتاب لفصول سبعة ووتسمية عناوين لها . بيدَ أنني ، ودونما حاجة لأيّ تبرئة ، أجدُ أنه من حقّ المُحقق إعتمادَ إجراءٍ كهذا ، ما فتأ المؤلف الأصل بلا عنوان مقترح من قبل كاتبه ؛ كما أنني لستُ ، على كلّ حال ، أول أو آخر من يفعل ذلك ! إنّ هذه مناسبة للتوضيح ، بأنّ الجملة المنسوبة للإمام ، إبن الجوزية ، والتي يجدها القاريء في مقدّمة المُحقق ، إنما هيَ مستلة من النصّ الأصل للكناش ؛ وهيَ الجملة ، التي إستللت منها ، بدوري ، عنوان الكناش / الرواية . وها هنا ، أخيراً ، كلمات ذلك المفتتح ـ المُتبدّي لي ، على الأقل ، بمثابة " المقدمة " ، المفقودة ـ تسهمُ هيَ الآخرى ، ربما ، في تبرير عنواننا ، المقترح . وإذاً ، فالخط الكبير ، المدوّي ، للمؤلف المنتمي للعصر الوسيط ، يقولُ بلهجةٍ تتبطن النذيرَ بقيامةٍ ، وشيكةٍ ، تربط الاولى بالآخرة :
" بسم الإله الواحد الأزلي الأبدي أنا عبد الله ، المعروف بالعطار اللاوندي النقشبندي حبيت بنعمة الإصطفاف على ناصية ذوي النعم ، من اولئك المغتبطين بحقهم ، الشرعيّ ، المُدرَج طيَّ آيةٍ كريمةٍ ، بيّنة ، عن درَجات الخلق كتابُ الحياة هو ذا ، ما فتأ مفتوحاً على صفحة تلك الليلة المُستطيرَة ، الحافلة ، المُنقِطة بمداد حلكتها نقطة أنهَتْ جملة الترقب ؛ ليلة ، شمَسَ نورُها ـ كنهار خالد ؛ برقها الكبريتيّ تعقبَ ، فرسخاً إثرَ فرسخ ، السحبَ الباروديّة ، مخرقلاً بهزيم الحِمَم وطشيشِها ، إكفهرارَ إقليم القلق ، المُسْهَد وحاضرته سواءً بسواء. للقيامة مواعيدٌ ، تجهلها العلاماتُ ، الدَعيّة ؛ وكذا وليّ الأمر ، المُترنحة هيبته بحساباتٍ خاسرَة لمراهنة أفدَحَ خسراناً ـ كما الهدنة ، الهشة ، التي لا يعبأ بمواثيق أصولها سوى كسباً للوقت الضيّق ، المُحاصِر ، ريثما يتسنى للكنز السريّ ؛ لميراث الأسلاف الولاة ، النهّابين ، سرداب متاهةٍ لا يدري بمستقرّه سوى باريه ، أو غلمانٌ لن يقدّر لهم الإفاقة من وليمة مجون ، من حشيش ومسكرات . إعلم إذاً ، يا من حظَيتَ بكناشي ، قارئاً ، أنني لم أحظ بشواردَ السرّ ، لولا أهوال وإتفاقات لا بدّ لسيَر المدوّنين ، يوماً ، اللهج بذكرها . وإذ أترجّع دقائقَ الوقائع تلك ، فليس لأنني غرفتُ بعضاً من مقتنيات السرّ الكنز ، حسب ؛ بل لجزمي بأن كلماتي هذه ، لن يُعثرَ عليها ، على الأرجح ، قبل تحوّل عظمي إلى رمم حائلة . على أنني إذا كنتُ قد نجوت ، في آخر الأمر ، من الطارئة ، المدلهمّة على حاضرتنا ـ كقيامةٍ ، أو نذير قيامة ، فإنني أعذركَ ، يا من ستحتفظ بصفحات تذكرتي هذه ، فيما لو كنتَ حريصاً على نذرها لنار الأولى ، خشية عاقبَة نار الآخرة ، الأمضّ والأبقى " .
* يلي ذلك متن الرواية ؛ وفصلها الأول بعنوان " مَرقى " ..
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأولى والآخرة : مقدّمة المُحقق
-
لماذ قتلتم مروة ؟
-
رؤى
-
بحثاً عن طريدةٍ اخرى
-
قيثارة الأطياف
-
تراتيل
-
ترانيم
-
الأسبار
-
الصفعة في السينما المصرية
-
فيلم حين ميسرة : أكشن العالم الأسفل
-
منزل المنفى
-
دمشق ، قامشلي .. وربيعٌ آخر
-
قلبُ لبنان
-
الصراع على الجزيرة : مداخلة تاريخية في جدل مستحيل
-
حوار حشاشين
-
نفديكَ يا أردوغان !
-
فضائيات مقاومة
-
عمارة يعقوبيان : موضوع الجنس المحرّم في السينما
-
ربحنا حماس وخسرنا فلسطين
-
جائزة نوبل للإرهاب
المزيد.....
-
بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ
...
-
صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
-
الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
-
لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي
...
-
بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع
...
-
صحف عالمية: إنزال المساعدات جوا مسرحية هزلية وماذا تبقّى من
...
-
محللون إسرائيليون: فشلنا بمعركة الرواية وتسونامي قد يجرفنا
-
فيديو يوثق اعتداء على فنان سوري.. قصوا شعره وكتبوا على وجهه
...
-
فيديو.. تفاصيل -انفجار- حفلة الفنان محمد رمضان
-
جواسيس ولغة.. كيف تعيد إسرائيل بناء -الثقافة المخابراتية-؟
المزيد.....
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
المزيد.....
|