أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأولى والآخرة : مقدّمة المُحقق















المزيد.....

الأولى والآخرة : مقدّمة المُحقق


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2949 - 2010 / 3 / 19 - 14:38
المحور: الادب والفن
    



*

" تنفست الآخرة فكانت الأولى نفساً من أنفاسها " / إبن الجوزية

*

تقصّّ عَن كِناش قديم :

يُدين هذا الكتاب ، الذي تعهّدتُ تحقيقه وإخراجه من ثمّ إلى النور ، لأكثرَ من مصادفة . ولأقل منذ البدء ، بأنّ إهتمامي بالتاريخ ، والذي دفعني لدراسته ، أكاديمياً ، في جامعة دمشق في أواخر سبعينات القرن المنصرم ؛ ذلك الإهتمام ، إذاً ، كان من وارداته أن تضطردَ مناسبات زياراتي للمكتبة العامّة ، " الظاهريّة " ، الكائنة في المدينة القديمة ، حتى أضحَت طقساً يومياً ، أثيراً .
في طريقي للمكتبة ، ذهاباً وإياباً ، كنتُ أمرّ تحت برج القلعة ، المتشامخ على ما حوله من الأوابد ، الأثريّة ، الكائنة في جهة " الكلاسة " ، والمطوِّقة أسوار الجامع الأمويّ الكبير . هذا الأخير ، كان يبدو لناظري ، على الأقل ، كما لو أنه حجرُ عَثرَة أمامَ تناهي غرور تلك القلعة ، المنيفة ، الأيوبية التقاسيم : إنه خاطرٌ ، لا بدّ وجدّ أثناء جولات تسكعي تلك ، المُعتقة القِدَم ، دونما أن يخطرَ لي آنئذٍ ، بطبيعة الحال ، أنّ يوماً سيأتي ، لأكتشفَ فيه ذلك الصراع المستطير ، المصيريّ ، الذي كان قد سبقَ وإحتدَم بين ذينكَ الأثرَيْن ، العتيدَيْن ، خلال القرن الثامن عشر ؛ على خلفية ما صارَ يُعرف بـ " العامِّيَة الشاميَّة " ـ بحسَب المصادر التاريخية ، الأحدَثَ زمناً .

إنّ هذا الكناش ، الذي بين يديّ القاريء ، يعود للفترة الزمنية تلك ، الموسومة ، كما يبدو عياناً من عنوانه ؛ " الحاشيَة العامّيَة " ، لمؤلفه العطار اللاوندي النقشبندي . وقد وقعَ المخطوط بين يديّ ، إتفاقاً ، كما سلفَ القول . إلا أنّ ذلك لم يتحقق لولا أنّ مصادفة قادتني إلى أختها ، يفصل بينهما عقدان من السنين تقريباً ، وصولاً إلى هذا الكتاب المطلوب . ففي فترة الدراسة الأولى ، الجامعية ، صرتُ أجدني ، يوماً إثرَ يوم ، على ناصيَة مصادرها ، المُعينة ، مُنحاشاً عنها تبعاً لتواتر إهتمامي بالتاريخ العثمانيّ لمدينتي . ومن تصاريف الإهتمام ذاك ، أن تعَثرَ بصري ثمة ، في مكتبة " الظاهرية " ، بكتاب " خمس سنوات في دمشق " ، مترجم عن الفرنسية ؛ وهوَ لمؤلفٍ مولود في مدينة " مرسيلية " ، من أصول أرستقراطية ، إيطالية . هذا الرَحّالة ، كان له حظ زيارة حاضرتنا ، خلال منتصف القرن السابع عشر ، حتى وبلغ من إستطابته لها أن أقام فيها تلك المدّة ، المعلومة ، التي يُنبي بها إسمُ كتابه .

وإلى منتصف الثمانينات من القرن الفائت ، العشرين ، حيث وَجَدتني ألِجُ بوابة القلعة الدمشقية ، التي كان العمل فيها جارياً بدأب ، ترميماً ، إثرَ القرار الرسميّ ، الصائب ، بنقل السجن المدنيّ منها ، وإعادتها إلى سابق أثالها ـ كأثر ثمين ، نادر ، من أوابد القرون الوسطى . في هذا السياق ، إلتقيتُ بأحد أولئك المرممّين ؛ وهوَ شابٌ يحمل تحصيل عال من جامعة موسكو ، كما علمت منه ، وأنه بالأصل من إقليم " الرقة " ، الواقع إلى الشمال الشرقي من الحاضرة الشاميّة . وبما أنني كنتُ عائداً ، تواً ، من عاصمة البلاشفة تلك ، ومن دراسة مُشابهَة ، فنيّة ـ خائبة على كل حال ! ؛ فلا غروَ ، إذاً ، أن يكون حديثي حميمياً ، نوعاً ، مع هذا الشاب . ملاحظة هيّنة ، عابرة ، شاءَ لها أن تعيد لذاكرتي ما سبق وحفظته ، قبل ما يقارب العقد من الأعوام ، من كتاب الرحّالة ذاك ، الفرنسيّ ؛ من أنّ للقلعة ثلاثة عشر برجاً . فحينما صححتُ لمرافقي ، المرمّم ، ما بدا أنه سهواً منه ؛ فإنه ، بدوره ، أكّد لي خطل معلومتي تلك ، وأنّ للقلعة دزينة من الأبراج حسب ، وبما يتوافق مع عدد أشهر السنة ، وفقاً لربط العمارَة بعلم الفلك ـ كما كان شائعاً زمنئذٍ.

في منتصف التسعينات ، من ذلك القرن المنقضي ، كنتُ هذه المرة متوطناً في جهة اخرى ، من قارّة الصقيع ، الأزليّ . كنتُ هنا ، في موطن القراصنة ، الفايكنغ ، لما هاتفني صديقٌ شاعر ، عراقيّ ، مقيم في دولة مجاورة ، من شبه الجزيرة الإسكندينافية . كان الرجلُ باحثاً في المخطوطات العربية ، وسبق له أن حقق عدداً منها ، ونشرها تباعاً في دار بيروتية للكتاب ، معروفة . ولهذا الهدف ، أبدى لي رغبته بزيارة " أوبسالا " ، المدينة التي أعيش فيها ، ليطلع على ما تكتنزه مكتبتها الأثرية ، الشهيرة بدورها . زيلرة هذا الصديق ، الباحث ، لم تتمّ ؛ ولأسباب بسَطها لي لاحقا ، مُعتذراً . بيدَ أنّ ذلك ، على كل حال ، أثار فيّ فضولَ التعرّف عن كثب على ما تحتويه مكتبة مدينتنا تلك ، المنعوتة بإسم لاتينيّ ، فصيح . ثمة ، وكما تجري أمور المصادفة في كل مكان وزمان ، عليّ كان أن أعثرَ على ذلك المخطوط ، ، المصوّر عن نسخته الوحيدة ، الأصل ، بطريقة الميكرو فيلم ؛ عن الصفحات الدقيقة ، الشاحبة ، والتي بالمقابل أنارَت دهاليزَ ذاكرتي ؛ وأعني طبعاً ، كتاب " الحاشيَة العامّيَة ". ففي الصفحة ، التي تحملُ تحديداً رقمَ الطيرَة ـ 13 ـ من حاشيَة صاحبنا ، العطار ، كان هناك إشارَة عن لغز البرج الثالث عشر ، المفقود ، للقلعة الدمشقية . هذه الإشارة ، كانت مُحالة ً إلى واقعةٍ ما ، تاريخية ، تداورُ حولَ ما تدعوه المخطوطة بـ " كنز الكنج " . إلا أنّ القاريء ، النابه ، لهذا الكتاب ، في تناهي عينيه بين سطور الصفحات اللاحقة ، سيشارك ربما مُحَققه في حقيقة ، أنّ معميّةٍ اخرى ، بالغة الإثارة والخطورة في آن ، تتبَطنُ تلك الواقعة المذكورة . مهما يكن الأمر ، فتسهيلاً على القاري الكريم نفسه ، أبادرُ هنا للقول ، بأنني تصرّفتُ بعض الشيء بلغة المؤلف ؛ هذه اللغة الطريفة ، المراوحة بين الفصحى والمحكية ، والمتخمة بألفاظ من التركية وغيرها ، الجديرة بإخباريي ذلك الزمن ، ممن نقلوا لنا ، بأمانة ، ما جرى من أمور مدينتهم ؛ بأمانة ، ولا شك ، بما أنّ تذكراتهم ، المخطوطة ، ما كانت مكتوبة للنشر على الملأ ، في زمنهم ذاك ، المبتئس .

بقي أن أنوّه ، بأنني إلى ذلك تحرَيتُ خبرَ ذلك الشخص ؛ المُعرّف بـ " الكنج " ؛ فهوَ شخصيّة حقيقية ، سبق لي أن طالعتُ ، هنا وهناك ، نتفاً من سيرتها . فالرجل يمتّ بقوّة للتاريخ الوسيط للشام ، بما أنه كان وال رفيع المقام ، ثمّ حق عليه غضب الدولة العليّة فعزلَ من منصبه وأجبرَ على اللجوء لبلد الكنانة . ويبدو أنه تمرّد في البدء على قرار عزله ، وتحصّن بحِمى القلعة . كان ذلك عشيّة تناهي الوالي ، الجديد ، لمحروسة الشام الشريف ليتسَلمَها ، فما أن سمعَ بأمر سلفِهِ ، المتمرّد ، حتى أمرَ إنكشارييه بحصار القلعة . من جهته ، وإذ آيسَ " الكنج " بعد نحو الشهر من جدوى العصيان ، فإنه إستدعى سراً أحد حراسه ، الشخصيين ، وكان أبكمَ ، فألزمه بخلع ملابسه وإرتداء اخرى ، أكثر جدّة منها . بعد قليل ، رأى المحاصرون سلة كبيرة ، تتدلى بوساطة حبل ، من أعلى برج القلعة ، المحاذي لموقفهم ، حتى إذا إستقرّت على الأرض فإنهم إقتربوا منها بحذر : رأوا فيها ما توهموا أنه الوالي السابق ، المعزول ، وكان بكامل قيافته ، المهيبة ، مقيّداً بالحديد ومكمم الفم بقماشةٍ من الحرير ، الأطلس : " هذا الحرير ، آخر ما تمتلكه ، يا سعادة الوالي ! ، و هوَ يصلح كفناً لك " ، خاطب هؤلاء ساخرين الرجلَ الحبيس . على أنّ ما لم يكن بحسبان المنتصرين ، أنّ " الكنج " كان قد أودعَ ثروته الجسيمة ، القارونية ، في أحد أبراج القلعة ؛ في برج ، سريّ ، يحمل الرقم 13 ! أما هوَ نفسه ، فكان عندئذٍ يخطر بملبس الجنود العاديين ، المطلقي السراح مكافأة لهم على تسليم الوالي العاصي ؛ كان في الطريق إلى " صيدا " ، إذاً ، حيث سيستقل من بعد سفينة متجهة إلى مصر العزيز .

* مستهل رواية جديدة ، بعنوان " الأولى والآخرة " ؛ ستصدر متسلسلة تباعاً



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذ قتلتم مروة ؟
- رؤى
- بحثاً عن طريدةٍ اخرى
- قيثارة الأطياف
- تراتيل
- ترانيم
- الأسبار
- الصفعة في السينما المصرية
- فيلم حين ميسرة : أكشن العالم الأسفل
- منزل المنفى
- دمشق ، قامشلي .. وربيعٌ آخر
- قلبُ لبنان
- الصراع على الجزيرة : مداخلة تاريخية في جدل مستحيل
- حوار حشاشين
- نفديكَ يا أردوغان !
- فضائيات مقاومة
- عمارة يعقوبيان : موضوع الجنس المحرّم في السينما
- ربحنا حماس وخسرنا فلسطين
- جائزة نوبل للإرهاب
- عامان على إعدام الطاغية


المزيد.....




- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأولى والآخرة : مقدّمة المُحقق