|
ترانيم
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2642 - 2009 / 5 / 10 - 09:08
المحور:
الادب والفن
ويقالُ المعجزة ترمي بذرتها في الأرض البعلية :
في سمائها، أيضاً ، إمتلكتُ خرافتي ؛ أينَ تترنمُ أوتارُ المطر الموسميّ ـ كقيثارةٍ نادرة
ها الليل يُباغتنا بنجومه وبروجه ( إضطرابٌ بقرن الثور الكونيّ ؟ ) يا لوعورة ! لأشواك هازئة ، تتقصّف قهقهة ً تحت الأقدام ، المتسربلة بالعتمة ؛ ويا لسؤلات تطنّ في الروح مثل يعسوبٍ مهذار : ـ أين أنواركِ ، المعهودة في السّهل ؛ أنتِ من تغفين في دمقسكِ ؟ ـ ما لليل لا يُضيء فوانيسه ، المُبهمَة ـ كما مصباح بيت الميّت ؟
ملاكي الحاضر قال لي ، أن لا تجزع ! هذا ليسَ آيَة مراوغة ، و لكنه نورٌ حقّ ؛ " ولعلي آتيكم منه بقبس " *
ويقالُ النور إنبهار الخالق بخلقه :
دونما أن يعنينا بشيء صحة إنتسابه ، أو سهام أشعته ؛ تلك التي أتجنبها بترسيَ ، لا تغريني تماهيها بشكل أيادٍ ممتدّة : لي نور ذاتي ! أنظرُ إليّ به، ويراه بي غيري ؛ كما أنّ ليَ روح فكرة فتيّة ، طارئة
يا للأنوار ! للروح منها رهبة ، مُنبهرة ؛ تكللُ بهالة قزحيّة ، إشارتي لكن ، لا : هيَ ذي شجرة ! وكان من ملاكي أن دعاها شجرة الحياة داعياً إيايَ لتذوّق إحدى ثمارها ( وأيّ ثمرة ! ) وكان أن إختفى المشهَد ـ كأيّ شيء عابر لولا أنني سمعتُ ، بأذن اليقين ، صوتََ هاتفٍ " سيخلدُ نوري بنوركَ " *
وقيلَ للطفل ، رماكَ المقدور تحت الزيتونة :
مباركة بين الأغراس ، أنت ! ( السلالة تفرّعت من فروعكِ ) أنتِ المطوّقة بجدار غرفة المونة وبأسئلتنا المخضوضرة ـ كبراعمكِ
وهناً على وهن ، حملتِ سنوات ريما * دونما أن ينطبع على نسغكِ الحيّ طباعُ أهل المنة ( وكان ملاكي قد دعاها شجرة العائلة )
وأنا عنيتُ دوماً بحفظ أنسابي ـ كرابيّ دونما مرارة ألا تبالي بها مدينتي تلك المزهوّة أبداً بأنساب فاتحيها
رقمي الخرقاء دلتني على أبجديّة ما ، غريبةٍ لأتسلق خللها ، حرفاً حرفاً ، درجاتِ السرّ ؛ لأعود ، ذات ظهيرة ، أيتها الحاضرة ! لأعود إليكِ مُسلّحاً بسرّ ، يبتلعُ أسرارَكِ ـ كعصا موسى ؛ لتكون لي أبجديّة ، بغموض أناشيدِ بهاليل تكاياكِ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ريما : لم ينسكِ حيّنا ، رغم عزلة سنواتكِ المائة ، حينما خرج لوداعكِ أحياؤه وأمواته *
وقيل للصبيّ ذكورتك متفتحة في بطن الشجرة :
ثمّة ظهيرة خبازى وزيزان ذهبيّة ، تجولُ على ضفة نهيْرنا ذاكَ ، الأقرب من مرمى ضفدع ؛ أين السماء مهيمنة بإستنادها على كتف السفح أو على رمح تربته النقشبندية ، لكبرى ؛ ثمّة ترقب أخضر ، يجولُ بين سنابل مصفرّة إعتادتْ على إنتظار الحصاد برؤوسها المثقلة ، الخانعة
ولا يعنينا أإنتظرَ الخضرُ كثيراً أو قليلاً ؛ فما من ظلال ، على كلّ حال ، لتكفي كثرتهم في وطأة الهاجرة
للزيتونة المتوحّدة تجويفٌ ـ كعين سيكلوبية ؛ لشفيعها ، البدويّ ، نظرة صوفيّة مبهمَة ؛ للصِبيَة على أغصانها شرائط ملوّنة ـ كما لو أنها تعاويذ راياتٌ نلوّح بها في وجه الغيضة المتكبّرة ؛ ولي رايتي أيضاً ، تتأمّلها سحليّة تخفرُ السور الأيوبيّ ، المتداعي
وأنا أيوبيّ ! أيّتها المخلوقة ، الضئيلة ، المتقمّصة أمجاداً لا أحسنُ إرتداءها أو حتى إدعاءها
كلّ رايَة من راياتِ قبائلي ، مهترئة أو أكثر جدّة ، تلوّح لي بأفنان الزيتونة المتهجّدَة : أيْ مهرجان ! تضيء زنابقه ذاكرة أدهى غوراً من سرداب الطفولة في الرزيآنه *
هاهمو الخضرُ ، تقدّموا محتشدين ذريّة واحدة وضبابٌ يتصاعدُ من نشيدهم هناك ؛ أينَ يُطعّم الفضاءُ بالغيوم الإلهيّة غيومه ؛ أين ملاكي قد أشرعَ بين هذه وتلك أجنحته : رأيته وعرفته وكان أن هتفَ بيَ ، إحتجبْ !
متوغلاً خلل أجمَة صديقة، أبصرتُ شجرتي متهاوية راياتها قبيلة قبيلة وكان من ملاكي أن قال ليَ ، أنظرْ !
شعوبٌ تتسلّق شِعاباً تفيضُ وديانها بضحايا حروبٍ لا معنى لها ـ كقرابين متأخرة ؛ خريفٌ حقودٌ يمشط بهبوبه الصحراويّ زيتونتي من راياتها ، المتبقيَة ؛ إفتتانٌ راحَ ، بالمقابل ، يسكبُ على المشهَد ألوانَ ريش مشتعل مكراً ؛ صبيٌ عارفٌ سيهتف أخيراً بغرور الطاووس الإله ، إثرَ نظرة في ألواحه : " أنا من السبعة ! " ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * الرزيآنه : ليزيدٍ محطاتكِ المائيّة ؛ جورَة ناصر ، جورة سيف وجورة شير ؛ وللطفولة أشجارُكِ وصبّارك ومسرابكِ وزيارتك
II
أكان لي إيمانٌ ، يوماً :
جداراتي في الحلم ، الأخفّ من طيف ، ليسَ لها من يقدّرها ؛ وسوءاتي ـ كوشم شرعيّ ، يرصدُها ظلي الحارس
أوفرَ كمالاً، مشاغلي الأقصر ديمومة من كلّ إسراءٍ شغلته نفسي ؛ وخطايَ على الآرض ( المحروثة ، بعيْدَ الطوفان ، بكسل ! ) قليلة على أيّ حال
حيية شؤوني ، سيّدة الجبل ! لا تترفع عن روث حظائركِ ، المتخمة ؛ ودرعي لا تنحني إلا للغيضة ، شجيْرة إثر شجيرة ـ كإستعراض حرس ثمل
عالياً يشتشرف الحَوْرُ رماحَهُ ، بقبضات جذوره الغائصة في الساقيَة وحوريّاتها !
للمياه أسرارها بالرؤيا وحدها وُهِبْتُ مفاتيحَ فجري ؛ والفجرُ جرأتي أن أدعَ جسدي محمولاً على جنحيْه الندييْن ؛ وأن أرفعَ له صخرة برّي هوَ ذا صوتي ، في حضوره ، يرتجف من شِبْه الشرّ ؛ صوتيَ هذا أرفعه إليكِ ! فالروح منسحقٌ ؛ رقمي ـ كببغاء عجوز لا تملّ من حكمتها، السَقِمَة ؛ ورغبَتي العتيقة تجولُ في البريّة، مُتجدّدة بكلّ ثمرة محرّمة *
أكان لي تاريخٌ ، يوماً :
باللصوص الآغواتِ ، سرق الجبلُ يقيني ! وما كان مدوّناً في الألواح من أنسابٍ يعنيني أن تخدش نقوشها أيَّ إعتبار ، سوى الحقيقة
كان أسلافنا ، إذاً ، قادة جيوش شرعيّة ( مرتزقة بالأصح ! ) كانت لهم نيرانهم ليلاً وصخبٌ مبتذلٌ على الشرفاتِ نهاراً لإناثٍ من زركشة كاذبة ، بما أنّ مضاجعهن ، العارية ، في الأسرّة السماويّة ، الناصعة ، منذورة أساساً ( أو من المفترض أنها كذلك ) لأربابٍ يحترمون هيبتهم تماماً
شأن جنسهنّ ، الخاطيء ، شاءتْ الأنوثة تلك أن تلتف بضفائرها ، كما حيّة الفردوس الأول على سواعد الأسلاف أولئك ؛ ثمة، أين كانت الحكمة أول قرابين موقدهم المقدّس !
وشأن كلّ طردٍ ، أو إنتقام إلهيّ ، هيَ ذي قافلتنا تمضي بالنسل العاصي في معابر ما ، غامضة ، أفضتْ لأرض سمراء لا تخلو من أباطرتها ؛ وعلى الأخصّ مآثرها غير الآبهة بجوار شرعيين أو مرتزقة !
فلتشتعل ، ما شاءَ الأوارُ ، بخمورنا القويّة هذه المساءاتُ الماجنة ، غير المبالية أيضاً بالنظرات العابسة للزيقورات المدّنسَة
ولكن ، فلنكفّ الآن ! فاللعنة الحقة أن نغدوَ شعباً خاملاً وقاسياً ـ كالصوّان سواءً بسواء ؛ أن تنسى أمجاداً ( لا يُعترف بها ، على أيّ حال ) رقشتْ خارطة الهلال الخصيب بألواننا الحميمة ؛ ألا أنتظر من قومي ( بإزدرائهم لكلّ كتاب ) إعترافاً ما بألواحي *
أكان لي حلم ، يوماً :
تجرّدَ الجمالُ هولة ًعلى صخرة اللغز في الطريق إلى طيبة حلمي ، ورأيته في ذاتي جوهراً وكنتُ له مرآة ذاته ؛ أو صورة من ليلةٍ بالغة البعد ، ما أسرع أن تلاشتْ في يقظةٍ أقرب منالاً
آه ، من إسراءات الحلم هذه ! هيَ أسمى من إسارات واقع يُسلّمنا ـ كعبيدٍ لأسواق الحقيقة ، الفاضحة ؛ أين الغريب لا يريد نسيان مدينته الأولى هوَ غير المتجرّع بعد ثمالة قدح عشقها هوَ من سيرقد في التراب بلا أيّ حلم *
أكان لي جبل ، يوماً :
عشقنا ، سيّدتي ، يُشعل كهف الروح ؛ هوَ قبسٌ من نار تتوّج كلّ نوروز قمّة الغار في جبلكِ
كانت الرؤيا وهماُ ، لو أنّ الجمر لم يلسع يديّ ؛ لولا أنّ بقيّة من رماده ما فتأت في المنقل النحاسيّ الذي يحرسُ رقادَ جدّتي ، الأبديّ
صاح لأسمّيكِ إلهاً حاميَاً ، دونَ أن أضيّعَ في مورد المنام العذبِ ، وردي ؛ ثمّة أين يورقُ هواكِ فيّ ـ كشجرة من ذهبٍ للجبل ناركِ النيروزية برداً وسلاماً لا تثملُ زبانيته إلا بقدح جمالكِ النقيّ ؛ هناك ، أين ترفرف روحي ـ كما طائر الدِمشّق ، في آلاء سفحك الأزليّ *
أكان لي نبع ، يوماً :
الخمرة سرّ ؛ براهينه نشوة متفتحة ـ كسوسن في قدحي ، الموشاة بتصاوير ضفائر مذهّبة لسلالتها العنبيّة للغريب ، أيضاً ، ضفيرة الطفولة ( المجدولة بتعاويذ عينيّ أمّه )
نشوانٌ ، سيّدة النبع ! أقتفي أثرَ ملاحتكِ في كلّ الجهات ـ كما النهر المتوغلُ أرضاً غريبة بحثاً عن عينه الأولى
النهرُ صديقٌ تغريكَ صحبته ـ وتدهشكَ بالأخصّ في أرض ، إفتقد قاموسها الأمويّ مفردة ما فإجتهدَ فقهاؤها بتأويل ، محنك، يُناسبُ تجارتها
بردى صديقٌ ، إذاً وكلانا غريبٌ ، على تلك الأرض ؛ أرضنا ، المتاجرة حتى بظلالها *
أكان لي جذور ، يوماً :
الحكمة طاووسٌ ؛ ألوانها مبهرة وغرورها مضجرٌ ـ حكمة السلالة ، القاسيَة كشريعة وثنيين ؛ كما شجرة أنسابهم المتوّجة بثمار زيتون أخضر ، لم تشخ بعدُ جذوري ، سيّدتي ، غضة ومتألقة بمياهكِ غير المرئية ؛ أنا الغصنُ، الأبعد من سماءٍ تظلّ بستاناً شاحباً ؛ أين النمل عشيرة أيضاً ورفيق لجذع الزيتونة ، العسر ـ كمجدور
الغريبُ غصنٌ يبوسه بإنتظار فأسكِ ؛ فأس ربانيّة بقبضةٍ من أصل خشبيّ منسيّ ( أصل الجوزة ، الذبيح ؟ )
الحكمة تضجرني ؛ أنّ غصني كان سيحيا نضراً لو طعّمَ ببرعم الأنثى ، المُبهر بعريه أو كسوته ـ كما سيفٍ دمشقيّ
النار لديكِ ، سيّدتي ! فاحرقيني ، كما يجدرُ بغصن مهمل ضيّعه أهله
III
المدينة حلم ، والجبلُ وسادته :
أيّ مساءٍ أستجلبُ لعينيكِ، أكثر مما ترخيه الأهدابُ الساجيَة لظلال غوطتك ؛ أيّ من الأحلام ، لو أعلمُ ، تستضيفينها مكرهة أو أقلّ رضا مما إعتدناه من صعوبة طبعك
بلا مودّة ، يزحفُ القمرُ على جنبه ـ كما سرطان مذعور ؛ والنجمُ بدوره يستدفيءُ بمصباح نافذتي الساهرة ، كان صديقاً مذ ذاك الليل الأقدم من سوركِ المزدوَج
أيّ نجم أبعد مني إليك !
( هوَ ذا خريفٌ آخر بلا خطو الغريب على أفاريزكِ بلا أجنحته تداعب مرمرَ صدركِ بلا إخضرار عينيه وعينيّ غوطتكِ )
أبوابكِ أعرفها ، جميعاً أحتفظ على صفحة القلب بنقوشها مغافلة قسوة حراسكِ ، عبرَتْ أحلامي ، سرباً سرباً ، أبوابَ حلمها تلك
( نقوش الفاتحين الغرباء ، هيَ ذي ، باقيّة فيما طفلكِ ضائعٌ في الأرض ـ كغريب )
والأمسُ كان لي ، لأستجلي كلّ موضع للسرّ في فتنتك ؛ لتريني مدلّهة ما لم يرَه رحالة في العصور الغابرة ـ العابرة أحجاركِ
كم من ألوان تشغلين ، منفردة ! كم من خطوطٍ رقيقة لقسماتكِ ، كي أبقى أنا الرقيقُ ، المُعتقُ لتوّه ، بلا حلم سوى حظوة عبوديّتكِ !
تجيئين للمنام متأخرة ؛ كيما يُتاح لأطيافي مهلة المغادرة ـ فلا مكان حتى للآلهة في حضوركِ ؛ ولا عطر في أيّ إمرأة إنتشلني من دوّار أنفاسكِ
الحريرُ رقادكِ ؛ خطايَ تطوي دروب الدنيا ، أن تهتديَ للسرير الحبيب *
المدينة فجر ، والجبلُ عرّابه :
أما من إغفاءةٍ أطول باعاً للصبيّ الحالم يا فجراً بلا مهادنةٍ ـ كثارات الكرد التي تصحو على أزيز خرطوشاتها اليوميّة !
ولكنها أكثر سماحة هذه النسمة المرتقبة وداع الصيف ، الآفل بمياهٍ عذبة تدهِشُ الغرباءَ
حديقتنا ، هيَ ذي ؛ مرآة لحوريّة النهر المتناعسَة : الغوطة ! للأزهار فيها صخبُ العصافير ، ونكاتها البذيئة ؛ وما من عبَق بُعيْدَ الفجر الرقراق إلا في تماسِهِ بيَدَ أبي ( أيّ دربٍ ، عبّده أثرُ النمل العامل ، لم يفتقد خطوكَ ! )
صلاتنا ، لا تفقهها الأزهارُ في خشوعها المُرائي لكلّ نسمةٍ ، عابرة ؛ ولا حجلات أخيكَ في صمتها ، المطوّق بحضور بازه ومامن سرب حمام ليجرؤ على إنتهاكه ؛ ذاكَ الإقطاع السماويّ لعينه اليقظة ـ كعين إله
تلك الثمار ، هناك ، ليست أبناء سِفاح شجرتيْ الرمان ، بل كواكب ثملة خلّفها الليلُ جزاءَ إفراطها بخمر القمر
أيّ نشيدٍ ، فجرُنا ! هوَ جوقة أفنان في غبطة كونها كورالاً مُعتبَراً لسوناتة عصافير ، عاشقة
مجدكِ ، هذا الفجر ! هوَ المُتآلف بقوس أرتميسيّة ؛ بإنطلاقةٍ مباغتة لسهم شعاعكِ ( سهم كيوبيدوس ، خبرناه طويلاً ! )
كلّ رمانةٍ ثمّة ، حجامٌ للفجر في إفتقاده لطبيب القلوب : البلبل !
سهامكِ إلهيّة ؛ بلسمٌ ناجعٌ ـ كملاطفة البعل الليليةٍ ، إثرَ نكدٍ صباحيّ ! *
المدينة معبد ، والجبلُ برجه :
الدرجات الصخريّة ، هيَ ذي ؛ بلا تناسق ـ كنوتة ممزقة
ليسَ أقلّ وعورة ، سلّم حلم الصبيّ إلى برجه ذاك ؛ الأربعين : من يسند سقفَ الحاضرة بعموده الكورنثيّ ، ويقرع في فضائها أجراسه برنين أناتِ الطوى تلك المُكابرة ؛ ثمة في كهف الجوعيّة ، أينَ النسمة المُضاهية ساعي البريد بخفتها ولا مبالاتها
الأنينُ أسطورة له همّة الصِبا بقوسها المزخرف ؛ له أيضاً سهمُ البطولة ، المُجنح بخيالاتٍ من خبز ؛ طالما المعبد محطة خيبةٍ ، لن تقوده هناك عظمَة حقيقية لأبعد من حرير أخضر ، يُجلل إندثاراً مكوّماً رميماً رميماً في البئر
أنين وأجنحة عاجزة وعصورٌ وثنية ، هائمة على وجهها ؛ ورممٌ ما برحَتْ متراكمة في بئر الذاكرة *
المدينة ليل ، والجبلُ عرافه :
ضفافٌ هيَ الأرصفة ، راسمة خارطة النهر وظلكَ بدوائر ملوّنة للسوسن المغطي سطحَ الماء والفاتح للأعماق عيونَ ساحرات . ضجراً ، يُهرّب النهرُ عبْرَ خطوكَ مجراهُ ، تطاركما أشباحُ مدخنةٍ لحاضرة لاهثة خلفَ تفاهاتها . ثمّ غروبٌ يُعدّ للقمر لوازمَ مائدته والمحلّة البيزنطيّة منطويَة ـ كبنفسج معتق على أحلامها ؛ هيَ المتخشعة لرنين أجراس محلّقة . ثمة ، كان ركنكَ في قصر البللور ؛ أين الضفادع المُتبّلة أقلّ موتاً من السور ؛ من الأطياف المهوّمة خلل الباب المفتوح أبداً ـ كعين توما ، المثقوبة بنبلة بدويّة ، طائشة ، وواعيَة للغنائم المقبلة ؛ من نهر يُعابثكَ بلسانه الطحلبيّ ؛ من مساء فضةٍ لعرَق وسمكٍ ، كان يحرسُ تهويماتنا من صحو متربّص على رصيفنا المُقابل :
هوَ ذا أبو وليم ، هائمٌ ومتسوّل !
شلالُ أضواءٍ غمرَ نعاس الأغنية الفيروزية المرافقة خطونا ـ كحارس برج الروس ؛ هناك ، تتأمل بوَجدٍ نقوش الكنيسة ، مثل ذاكَ الميّت المارق تابوته تحت قوسها ، ترافقه دموع قربينة *
بلا مبالاة تخطرُ في الأزقة العتيقة ـ متفكراً بالآلهة وكيفَ تعبر ، دونما عثرة ، أنجمَها المتزاحمَة ! ؛ تعبر مشفقا الحجارة الوثنيّة المجلودة من لدن ملائكة مرتدّة ؛ والأسوار التي ترمي أيضاً ظلال الرحمة على شواهد مقبرة الغرباء ، المتغرّبة ـ كموتاها سواءً بسواء ؛ متأففة إذاً ، تطوي خطاكَ دروبَ عالم سفليّ لرفضة وقرويين ويهود ولاجئين صوبَ المنعطف المفتوح على الأسواق ؛ أين المنارات الساهرة ومخمور مدمىً راحَ يُردد لكلّ عابر لازمته : أنا إبن شمدين آغا ، سرقني أولاد الحرام !
هوَ ذا رفيقُ دربنا ؛ إلى الحارَة ، إذاً ، أيّها السائق المتناعس كصلاة هذا الفجر ! ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * قربينة : صبيّ الجنازات الدمشقية ، الأكثر معرفة بشؤون وأحوال الموتى ، من منكر ونكير
* المدينة كنز ، والجبلُ حارسه :
النهارُ ، مراهقة كسلى ؛ إستحث عريَها لإغفاءةٍ أطول ، أيّها الحرير ! لا تأبه لإلحاح حقيبتها المدرسيّة
الباعة ينفضونَ عن ثمار البطيخ ، حلمَ نجاةٍ ليليّ
الصبّارُ هلِعاً يُباغَتُ بأشعّة الشمس ـ كسكين ؛ أعزل ، يا قلبي ، حتى من درعه الشوكيّ !
دع السماءَ تتفقدُ يقظة صغيراتها الغيمات ، وبكرها ؛ الأربعين :
هوَ كعبة ، والأفاقون حجّاجٌ جبلٌ لا يُثقب بالمعول ، لا فجرَ له ولا صبرَ لحارَتنا عن العيون الأرغوسيّة لطاووسها ، المنفيّ إلى جبعدين ؛ ولا لأحلام طفولتنا الطائرة بكنوز ، تترقب منقبيها
كم من أوراق صفر للمخطوط ؛ كم من منحنيات وجبب وغرف موتٍ ، صخريّة كلها
ثمة ، وراء الجبل سيكون لنا كنزنا ؛ فنبني بحجارة منحوتة جيّداً ، قصرَ الحلم !
للجبل طفولتنا للمبكرين صباحاً ، يتبعون سهمَ الطيش ؛ للمتأخرين مساءً ، تلهب جلدَهم سياط الخيبة :
أيّ كنز تبقى عدا تراب الوهم ، في ذاك الخلاء المقفر من الصِبا وأترابه ؟
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأسبار
-
الصفعة في السينما المصرية
-
فيلم حين ميسرة : أكشن العالم الأسفل
-
منزل المنفى
-
دمشق ، قامشلي .. وربيعٌ آخر
-
قلبُ لبنان
-
الصراع على الجزيرة : مداخلة تاريخية في جدل مستحيل
-
حوار حشاشين
-
نفديكَ يا أردوغان !
-
فضائيات مقاومة
-
عمارة يعقوبيان : موضوع الجنس المحرّم في السينما
-
ربحنا حماس وخسرنا فلسطين
-
جائزة نوبل للإرهاب
-
عامان على إعدام الطاغية
-
بشارة !
-
طفل طهران وأطفال فلسطين
-
سماحة السيّد وسيّده
-
النصّ والدراما : إنحدارُ المسلسلات السوريّة
-
ثمرَة الشرّ : القِبلة ، القلب
-
السّهلة ، المُمتنع 4
المزيد.....
-
وفاة الفنانة الروسية ناتاليا تينياكوفا نجمة فيلم -الحب والحم
...
-
من بينهم توم كروز.. الأكاديمية تكرم 4 فنانين -أسطوريين- بجوا
...
-
بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة
...
-
تكريما لمسيرته... الممثل الأمريكي توم كروز سيتلقى جائزة أوسك
...
-
جو بايدن يقتحم موقع تصوير مسلسل شهير أثناء مطاردة الشرطة (صو
...
-
باللغة العربية.. موسكو وسان بطرسبورغ ترحبان بالوفد البحريني
...
-
انهيار منزل الفنان نور الشريف في السيدة زينب.. وابنة تعلق! (
...
-
كيف أعاد شفيق البيطار بادية بني سعد إلى البيوت بلغة عربية فص
...
-
قتلى أو شهداء أو ضحايا؟ عن مفهوم التضحية ما بين اللغة والفلس
...
-
الرواية بين المحلية والعالمية.. علامات من الرواية الأردنية
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|