أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - دلور ميقري - دمشق ، قامشلي .. وربيعٌ آخر















المزيد.....

دمشق ، قامشلي .. وربيعٌ آخر


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2586 - 2009 / 3 / 15 - 06:28
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


1

لن يأتيكَ الربيعُ ، مُختالاً ضاحكاً .. ، سيتضرّجُ منه النوروزُ ، أوانَ الزهر ، بدَم قومكَ على مذبح آذار الإنقلابيّ ، العروبيّ .. ، سيعصفُ ريحُ الحقدِ بالورود الزاهيّة الألوان ؛ ريحٌ أحَديّ لا فضاءَ لديه إلا لونه الأسوَد ، يبتدهها كخطفِ مناجل ٍ ويُخلفها كدَرْس ِ رمال . يا غريباً ، ففديتُ تباريحَ أشجانه : أفي كل دورةٍ من الزمان لنا موعدٌ مع آذار قاتل ٍ ، يجتمعُ في كل جارحة منه دمُ الكردِ ؛ آذارٌ كابوس ، تهيم في دجاه الخطى الخفيّة لأطياف ضحايانا ؟
أينَ منا ، إذاً ، طريقٌ يقينٌ إلى ألق المعيّة الغابرة لأترابنا ، رفقتنا ، إخوتنا ، بيوتنا ، جنائننا ، أزقتنا ، جبلنا ، نهرنا ، غوطتنا ، تربتنا ؛ كي نرددَ مع صوفيّنا الدمشقيّ ، " العفيف " ، الموسومُ بإسمه الحَيّ المجاور لحيّنا الكرديّ : " يا بائعَ الموتِ ، مُشتريه أنا " .

2

هي ذي مثابة ٌ آذاريّة اخرى .
ليسَ لنا أن نسلوَ فيها ، بطبيعة الحال ، وضعَ الإسم في عين المسمّى : نوروز دمشق / 1986 ؛ ربيع القامشلي / 2004 ؛ إسمان لشقيقتيْن مولودتيْن من رحم واحدٍ ؛ تقادَمَ عهدُهُ الإسطوريّ ، وفرُط قِربهُ الزمنيّ بفاصل يُطابق الثمانية عشر عاماً ؛ بينهما ما كان ثمّة مجاز أو حجابٌ ؛ اللهمّ إلا الحضور الغائب للشقيقة " حلبجة " ذات الربيع السادس عشر من جرحها المفتوح .

3

نوروزُ دمشق ، إذاً .
فجرٌ غامضٌ أستعيدُهُ نوعاً ، مغسولاً بالندى ومضمّخاً بفوْح ٍ أليفٍ ليقظة جنينة الدار ، الكسلى ؛ أصواتُ طبل وزرناية ، تتحدّر من الجبل الأكثر حيويّة ؛ الرامش على عين مغارته السوداء أهدابَ شمس ٍ صديقة ؛ أصواتٌ تصدى بإيقاع مُعيّدٍ ولحن شجيّ ، كأنما تقولُ للمُحتفل : " ذبْ طرباً ، غِبْ سُكراً ! " . هاهي جادّة " أسد الدين شيركو " ، ترتجّ جوانبها بخطى المعيّدين ؛ جمْعُ لجْبٌ يموجُ بألوان شتى ، يتحرّكُ ببطء نحوَ صفّ من الحافلات المتناعسة ، المتبدي تحت ألق الصبح كعَقدٍ نضِر ، في إمتداده من ساحة " شمدين آغا " إلى مشفى " إبن النفيس " . بيْدَ أنّ عيناً اخرى ، أكثر سواداً من الحقدِ ، كانت ترصُدُ الجموعَ المتهيئة لركوب الحافلات التي ستتوجّه بهم إلى الغوطة ؛ ضاحية دمشق الخضراء ، المتحوّلة مساكبها المُعدّة لإستقبال نوروز ذلك العام ، إلى بركة من المياه إثرَ فتح السواقي عليها : هكذا إبتدأ الأمنُ حملته على الربيع الكرديّ ، بمقتضى القرار الفوقي ، العليّ القدير . لتتدفق على الحيّ من ثمّ ، سياراتُ " بيجو ستيشن " ، بيضاء ، ذوات العلامات المُرعبة . يندفع من تلك المركبات أربابُ القمع ، مُستهلين مهمتهم بمصادرة أوراق سائقي حافلاتنا ، ملتفتين بعدئذٍ نحونا ؛ نحنُ الجموع الذاهلة لوقع المفاجأة ، ليُرهبوننا كالمعتاد كي نقرّ منصاعين لذل القرار الشوفيني ذاك ، القاضي بمنع إحتفالات النوروز ؛ وهي الفسحة الضئيلة من الحريّة ، التي كانت بالكاد مُتاحة بعُد لكرد سوريّة .
الجموعُ الواجمة تفيق رويداً من وهلة الصدمة الأولى ؛ توقظها صيحة ٌ كنفير القيامة : " هَرْ بجي نوروز " ( عاش نوروز ) ؛ تمورُ الجبالُ بصدى هدير مُرددٍ نواطق كل حرْفٍ من تلك الصيحة . الحماسة تعصف على الأثر ، خاصة ً حينما إنبثق من بين الجموع فتىً أغرّ ، في يده عصا معقودٌ فيها شرائط ملونة بألوان الكرد الحميمة ، يلوّح بها كرايَة " كاوا " الحدّاد ، المُخلّص ؛ كبارق خاطفٍ من سيف " فريدون " ، زاهق الشرّ ودامغهُ ؛ كشارق من نار نوروز ، الخالدة . هي ذي صيحة اخرى ، بالعربيّة هذه المرّة : " إلى القصر الجمهوري ، يا شباب ! " ؛ صيحة تخلّف صمتاً مسكوناً برهبة الفكرة وجرأتها . لم يدم الصمت أكثر من ثوان ، فما لبث أن توارى إثر إلحاف آخرين بصيحاتٍ مماثلة ، واتتها الجموعُ بزحف حثيثٍ عبر الشارع الرئيس ؛ قِبلتهُ الحَرَم المقدّس لصاحب القرار ، العليّ القدير . المسيرة ، إذاً ، تواصلُ تقدمها خلل " الصالحيّة " ، شبه المُقفرة بحكم يوم الجمعة ؛ يومٌ لا ترامُ مُداومته ، ملأه الكردُ بغضبتهم العارمة ، مُخلفين الذهولَ أينما تولوا وصدىً من هتافهم : " بالروح بالدم ، نفديكَ يا نوروز " ؛ هتاف يلتبسُ على شوام المدينة المتجمهرين بفضول داهش ؛ فيظن بعضهم أنّ " نوروز " إنْ هوَ إلا إسم زعيم كرديّ ما ؛ على العادة التي أصلها فيهم حكمُ عبادة الفرد ، المديد !
طرفة ٌ هي ، أمْ مأساة ؛ تحيلنا إلى حقيقة تاريخية يجهلها الآن ساكنو العاصمة الأقدم في سجل البشر ، ويذكرها بالمقابل مؤرخها من القرن التاسع عشر : " ومن أيام التنزه العمومية وقتُ النيروز ، ويبتديء في 12 آذار ، فيخرج الناس في أيامه باكراً إلى البراري والبساتين المجاورة ويرجعون بعد الغروب بوقت قصير " _ من كتاب : الروضة الغناء في دمشق الفيحاء ، لمؤلفه نعمان أفندي قساطلي _ هو إذا تقليدٌ شعبيّ ، بدأه ورسخه السلطان الكردي صلاح الدين ، في الشام ومصر ؛ إلى أن أتى دعاة العروبة في ستينات القرن المنصرم ، فنمّ إبطاله ثمّ إستئصاله من الذاكرة .

4

أكثر من مفارقة شهدها نوروز دمشق ؛ منها أنّ أصحاب الجسارة المشهودة ، المعرّفين بـ " الزكَرتيّة " ، في التعبير الشامي ، هم من أججَ الغضب والإحتجاج ؛ فيما ترددَ العديدُ من المثقفين والسياسيين ، فراحَ بعضهم يُقدّمُ رجلاً ويؤخرُ الثانية ، هامساً بضرورات الحكمة والتعقل وعدم التطرّف ؛ جسارة رجوليّة منزهة عن الإدعاء ، إفتتحت المواجهة قدّام القصر الجمهوري بوابل من الحجارة التي تهاطلت على أفراد الحرس ، كغيثٍ مُبشر بموسم الغضب الكردي ، الآتي ؛ جسارة المرأة الكردية ، التي تجلت كخطيبة مفوّهة أو مفاوضة جريئة ، مُستلهمة ً تقاليد بنات قومها في شدائد الأمور . ولا يمكن نسيان ذلك الموقف المؤثر ، حينما تقدّمت الصفوفَ إمرأة مسنة ، بزيّها الكردي الجميل وبعربيّتها الهجينة ، فحاذتْ حواجزَ حراس القصر ، غير مبالية بالإطلاقات الناريّة الكثيفة ، هاتفة ً مُجهشة : " نريدُ نوروز ! ".

5

هوذا ربيعٌ آخر .
موسمُ الغضب الكرديّ ، حل حقاً . ومن غرائب الإتفاق أن يكون " وقت النيروز " الدمشقي ، المصاقب يوم 12 آذار ، هو اليوم نفسه الذي ستنطلق منه شرارة ربيع القامشلي ؛ وأن يكون شهيدُ نوروز دمشق ، الفتى سليمان آدي ، من مواليد " جرنكي " ، في ضواحي القامشلي ؛ مدينة جكَر خوين ومحمد شيخو ، التي أبصرتْ عيونُ العالم من خلال إنتفاضتها ، مأساة َ شعبٍ كامل ٍ ؛ التي كانت ذلك الهلال ، فنما بدراً كاملاً ، ليضيء ليل سوريّة ، وكان شهداؤها نجوماً نهتدي بهم في هذا الليل :

" اولئك هُمو ، طوبَى لهمُ
{ وربطنا على قلوبهم إذ قاموا }
للغرباء الشهداء ، طوبى
المنازلُ ترابط ، والطواغيتُ تطوى " .






#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قلبُ لبنان
- الصراع على الجزيرة : مداخلة تاريخية في جدل مستحيل
- حوار حشاشين
- نفديكَ يا أردوغان !
- فضائيات مقاومة
- عمارة يعقوبيان : موضوع الجنس المحرّم في السينما
- ربحنا حماس وخسرنا فلسطين
- جائزة نوبل للإرهاب
- عامان على إعدام الطاغية
- بشارة !
- طفل طهران وأطفال فلسطين
- سماحة السيّد وسيّده
- النصّ والدراما : إنحدارُ المسلسلات السوريّة
- ثمرَة الشرّ : القِبلة ، القلب
- السّهلة ، المُمتنع 4
- السّهلة ، المُمتنع 3
- السّهلة ، المُمتنع 2
- ثمرَة الشرّ : السَّهلة ، المُمتنع
- جَمرة المتعَة والألم 5
- جَمرة المتعَة والألم 4


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - دلور ميقري - دمشق ، قامشلي .. وربيعٌ آخر