|
النصّ والدراما : إنحدارُ المسلسلات السوريّة
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2468 - 2008 / 11 / 17 - 05:23
المحور:
الادب والفن
1 منذ أواسط تسعينات القرن المُنصرم ، جاءَ صعودُ الدراما السورية ، المُفاجيء ، كردّ على إفلاس مثيلتها ، المصرية . هذه الأخيرة ، كانت في مُبتدئها قد حققتْ شعبيّة كبيرة ، غامرة ، في الدول العربية ، وخصوصاً في مستهلّ الثمانينات ؛ لمّا تعيّن على جهاز التلفاز ، البيتيّ ، أن يُزاحمَ الشاشة الكبيرة ، السينمائية . آنذاك ، أضحَت المُسلسلات المصرية ، اليوميّة ، مجالَ التسلية الوحيد لأمسيات العائلة ؛ بمواضيعها الإجتماعية ، الشيّقة ، المُداورَة حول فكرة الخير والشرّ ، كما وبمناظرها الداخلية ، الحميمة . فالديكورات المُركبة في الإستديو ، علاوة على مظهر الفخامة ، الموحي به الأثاث ، الأنتيكيّ ـ كذا ، كانت ولا شكّ مبعث إبهار للمُشاهدين ، وجلّهم من الطبقات الفقيرة والميسورة . فلا غروَ أن يقول أحد أدباء موطن النيل ، في حينه ، مُعلقاً على هذه المُسلسلات : " إنها لتجعل حتى طفلة بعمر سبع سنوات تحلم بعريس غنيّ ، وسيم ! " . لاحقاً ، حقّ لجمهور الشاشة الفضيّة ، الواسع العريض ، أن يُصاب بأعراض الضجَر ، بسبب موضوعات التمثيليات تلك ، المُسلسلة ، المُنتجة في أرض الكنانة ؛ تلك الموضوعات ، المكرّرة ، التي دأبتْ على إجترار نفسها بإستمرار : زواج سريّ لسعادة البيه ، المُحدث النعمَة غالباً ، من صبيّة حلوة ، صغيرة السنّ ، ومُحوّط بمُباركة من الشرع ، الحنيف ؛ أو مُغادرة إبن الصعيد لقريته هرباً من ثأر دمويّ ، فلا يلبث ثمة ، في المدينة ، أن يحظى بالغنى والجاه والوجه الحسَن .. الخ .
2 الآن ، ونحن على أبواب العقد الأول من الألفية الثانية ، يأخذنا الذهول من النجاح المُثير ، المُباغت ، للدراما التركية ، المُترجمة للعربية ( دوبلاج ) وبالنبرَة الشامية . ها نحن ذا هنا ، أمامَ مفارقة اخرى ؛ مَبعثها على رأينا ، البسيط ، إنحدار الدراما السورية إلى الهاوية نفسها التي سقطتْ فيها شقيقتها ، المصرية . ومنذ البدء ، أجازفُ بالتأكيد أنّ تمثيليات مطوّلة ، مثل " نور " و " سنوات الضياع " ـ كأمثلة عن الدراما التركية ـ ما كان لها أن تحقق شعبية ، ساحقة حقاً ، لولا تأثلها بالدرجة الأولى لمفاهيم عصريّة ، غربيّة ، وفي بيئةٍ إسلاميّة ، مُحافظة عموماً . ليسَ سراً ، أنّ غالبيّة جمهور المشاهدين لدينا همُ من الجنس المؤنث ؛ من النسوة والفتيات ، اللواتي يقبع معظمهنّ في البيت كونهنّ بلا عمل : هذه الحقيقة ، تفسّر إقبال هذا الجمهور ، مُتحمّساً ، على مواضيع الدراما التركية ، الجريئة ، المُتحدّية على طول الخط كلّ أشكال التحريم ، المألوفة ، في مجتمعاتنا المشرقية . فأن تجيزَ تلك المواضيع للمرأة ، المُسلمة ، حريّة التفكير المُستقلّ ودونما وصايَة من الرجل ، القوّام ، لهوَ بحدّ ذاته أمرٌ على قدَر كبير من الأهميّة والجدّة . ناهيكَ عما تقدّمه هذه المسلسلات من صورة مُغايرة للمرأة ؛ بشخصيتها القوية ، الواثقة بالنفس ، لدرجة أن تتحدى الرجلَ في العمل والوظيفة ، كما في الإبداع والإبتكار سواءً بسواء . بالمقابل ، لا يجوز إنكار سقطات دراما جيراننا أولئك ، المُصابين دهراً بإنفصام في الشخصيّة بين الشرق والغرب . مما حدى أيضاً بمسلسلاتهم إلى تمثل هذه العقدة ذاتها ، المُستفحَلة : فالإفراط في المثالية والتسامح في العلاقة بين الزوجيْن / الحبيبيْن ، يُقابله من ناحية اخرى إنكارٌ متعسّف للتنوّع في ثقافات البلد ، العريقة ، ولصالح ثقافة واحدة ، وحيدة .
3 وعودة إلى الدراما السورية ، لنؤكد بأنّ أزمتها الحالية ، المُزمنة ، مَردها النصّ ، قبل كل شيء . مقولة المخرج ، الرائد ، صلاح أبو سيف : " النصّ الجيّد ، لا بدّ أن يعطي فيلماً جيّداً " ؛ هذه المقولة ، صالحة ولا ريب بالنسبة للدراما التلفزيونية ، أيضاً . هذه الأخيرة ، كما سبقَ ونوّهنا آنفاً ، قد حلّتْ بمحلّ الاخرى ، السينمائية ، في مجال إهتمام الجمهور . فبالتالي كان عليها ـ الدراما ـ أن تنتج أزمتها ، الخاصّة ، والمتمثلة بالنصّ ، أو السيناريو . كذلك كنا ، فيما سلف ، قد أشرنا إلى حقيقة وقوع المسلسل السوريّ في مطبّ شقيقه ، المصريّ ؛ لناحية تكرار المواضيع نفسها ، حدّ الضجر والسقم . كون معظم كتاب السيناريو ، هنا وهناك ، من المتحدّرين من الريف ، كان لا بدّ أن يلقي بظله ، الثقيل ، على المواضيع تلك ، المُعالجَة . ترييف المدينة ، كما هو معروف ، كان من آثار الحقبة الإنقلابية ، العسكرية ، التي إبتلي بها العديد من البلدان في مشرقنا ، منذ بداية خمسينات القرن الماضي ووصولاً لوقتنا هذا . بدورها ، كان على المؤسسات الثقافية ، من أدبية وفنية ، أن تسايرَ التغيّرات ، الداهمة ، وأن تتآلف معها . في زمن التغيّرات تلك ، كان الفنّ السابع هوَ المُستأثر بالجمهور إذاً . على ذلك ، ما كان بالغريب أن يكون بعضُ أشهر كتاب السينما ، همُ من الضباط العسكريين ، المتحدّرين من أصول ريفية . هؤلاء أسهموا ، بوعي أو بدونه ، في غلبَة المواضيع ذات الرؤية الضيّقة ، عموماً ، والواجدة مواضعها في القرية ؛ أو على الأقل ، في الشخصيات المُرتبطة أصلاً وعقليّة بالقرية ، حتى وهيَ في أماكن سكناها ضمن المدينة الكبيرة .
4 غلبَة المواضيع التي تعنى بالبيئة الشامية ، في الدراما السورية ، المُتلفزة ، قد ترينا بأنّ حالها على ما يرام . بيْدَ أن الواقع ، للأسف ، يًفند الرؤية هذه ، المُتفائلة . لن يخدَعَنا هنا ، ما نقرأه كلّ مرّة ، في ختام شهر رمضان ، عن الإحصائيات التي تجريها هذه الفضائية أو تلك ، والمُبرزة أهمّ المسلسلات المعروضة ، لناحية إقبال المُشاهدين وإهتمامهم . فلطالما خدِعَ هذا الجمهور ، المبخوس الحظ ، بالكلمة الطنانة ، المُتحمّسة ، أو أغفى مُخدّراً باللحن الغابر ، المُعتق حدّ البلى . ما يُقدّم لهذا المُشاهِد ، من مواضيع درامية مُعالجَة ، ومهما يكن مستواها في الواقع ، هوَ بالنسبة إليه مجرّد تسلية وتمضية وقت . فما بالكَ والوقتُ ممضّ ، مُتثاقل ، خلال ساعات اليوم ، المُطوّلة ، في الشهر الفضيل ، الموسوم : إنّ إعتماد الدراما السورية ، العتيدة ، على ذلك التقليد السّفيه لندّتها اللدودة ، المصرية ، بخصوص مُراكمة الأعمال التمثيلية ، المُسلسلة ، لحين موعد حلول شهر رمضان ؛ هذا الأمر ، وحده ، لدليل ساطع على مدى تخلف عقلية أولئك القائمين على شؤون الثقافة والإعلام في بلدٍ ـ كسورية ، يدّعي الأخذ بالعلمانية والتحرر والتقدّم . وبما أنّ الشيء بالشيء يذكر ، فلنقل الكلام نفسه ، المُحبَط ، في الهجوم السوريّ ، الكاسح ، على المواضيع التاريخية ، الإسلامية ، ومثيلتها ، البدوية ، بما أنّ هذه وتلك مرجوحة في ميزان أهل الخليج ، الأكارم ؛ وهم مموّلو مسلسلاتنا ، أو مُستهلكوها الأساسيون ، الأكثر سخاءً على كلّ حال !
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثمرَة الشرّ : القِبلة ، القلب
-
السّهلة ، المُمتنع 4
-
السّهلة ، المُمتنع 3
-
السّهلة ، المُمتنع 2
-
ثمرَة الشرّ : السَّهلة ، المُمتنع
-
جَمرة المتعَة والألم 5
-
جَمرة المتعَة والألم 4
-
جَمرة المتعَة والألم 3
-
جَمرة المتعَة والألم 2
-
ثمرَة الشرّ : جَمرة المتعَة والألم
-
جادّة الدِعَة والدّم 4
-
جادّة الدِعَة والدّم 3
-
مَراكش ؛ واحَة المسرّة
-
جادّة الدِعَة والدّم 2
-
مَراكش ؛ ساحَة الحُبّ
-
نزار قباني ؛ نموذج لزيف الدراما الرمضانية
-
لن تطأ روكسانا
-
مَراكش ؛ مَلكوت المُنشدين والمُتسكعين
-
فلتسلُ أبَداً أوغاريتَ
-
ثمرَة الشرّ : جادّة الدِعَة والدّم
المزيد.....
-
في عيد التلفزيون العراقي... ذاكرة وطن تُبَثّ بالصوت والصورة
-
شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ
...
-
اللغة الروسية في متناول العرب
-
فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها
...
-
عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
-
محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع
...
-
-الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد
...
-
بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب
...
-
كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا
...
-
إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
المزيد.....
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
المزيد.....
|