أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب إبراهيم - نور العين














المزيد.....

نور العين


طالب إبراهيم
(Taleb Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 2945 - 2010 / 3 / 15 - 11:32
المحور: الادب والفن
    


ـ راح الولد.
قالت الجدة، وأمسكت جدار صدرها الحزين...
ـ سيعود..!!
قالت الجارة، لتهوّن من عذاب الجدة.. وأضافت:
ـ أخذوا ثلاثة من قبل، وأعادوهم اليوم صباحاً...!!
لم تسمع الجدة، لأنها كانت خارج اللحظة، لفّت قطعتي بخور في منديلها، وقطعت المسافة بين العتبة والطريق بسرعة عجوز في العقد الثامن...
ـ أخدو نور العين.. أخدوك يا نور العين!!!
ترددت العبارة في أذنيها رغم الحطة السوداء المغلّفة بمنديل حريري أصفر والخطا تسرقها في طريق حجري شقته آلاف الخطا عبر رحلة العبادة الطويلة...
في أعلى الجبل وسط أشجار البلوط والسنديان والقطلب، ركعت.. مسَّدت جبينها العاري فوق مسام حجر خشنة، وذرفت ما جادت به عيناها.. انتعش صدرها بهواء مقدس.. سالت ذاكرتها الأحزان.. تجمعت كلها في قطرة ندى، علقت على حافه فمها المشعر المرتجف.. نشفتها بقطعة خضراء، ارتسمت في وسطها صورة وجه نور العين الغائب..
الهواء المقدس يحرك أغصان الشجر ويسمح للضوء بالمراقبة، وعلى أخيلة الضوء المتراقصة، والرائحة الخصبة، قرأت دعواتها الدافئة...
يا رب يا كريم.. يا عالي يا رحيم...
تحفظ عبدك المسكين.. الغالي نور العين...
وكان دمعها خصباً، هذه العجوز اليابسة..

جلست في شرفة منزلها، تراقب الشمس في مغيبها، والطريق الملتف حول الجبل، والصاعد في مغيب آخر...
ـ غاب نور العين..!! غابت الشمس وما رجع نور العين..!؟
تمنت لو أنها تمسك الجزء الباقي منها، والعالق خلف التلة الخضراء، لو تمسكه بكلتا يديها لتمنعها من المغيب، حتى يعود نور العين...
الطريق طويل عند المغيب، وبعد المغيب...
قلب جدتك معك.. قلبها وروحها، ودعواتها الدافئة...
تنام الجدة على السرير الخشبي المنصوب في الشرفة منذ دهر...
كانت قد رفعت صحناً مليئاً بطبخة الأمس لحفيدها الغائب..
رفعت "المنخل"، ورمت حصته للدجاج، وغسلته، وانتظرت الموقد القديم الشاحب، لينهي طبخة اليوم، فترفع صحناً آخر علّ الغائب يأتي اليوم فقد طالت غيبته...
لفّتْ قطعتي بخور، وشقت طريقها عبر الدغل الأخضر الكثيف،توقد قلبها وعينيها، وتُذوِّب دموعاً خصبة أخرى...
دخلت إلى المكان الذي الذي يحمل في جنباته أحزان الناس وطلباتهم..دارت حول الضريح..لامست بكفيها أطرافه المشرشرة..ألقت وجهها في باطنه وأغمضت عينيها..
ترجّت العالي الكريم.. الغفور الرحيم.. أن يعيد القلوب، ويجمع الأحبة....
نشَّفت دموعها، ومسحتْ أنفها بطرف تنورتها الواسعة المرقطة، وأخذت نفساً عميقاً، زرع السكينة في قلبها الحزين،
فأيقنت أن دعواتها وصلت ، وأن ربها _ رب العالم _ يرعى نور العين برحمته..

غابت شمس أخرى، ولف المساء الدار..
أغلقت الجدة باب خم الدجاج، وفرشت سريرها..
رطبت فمها من جرة، وجلست على طرف السرير، فتحت يديها فوق فخذين يابسين..
تثاقل رأسها ذو الحطة السوداء الموشحة، وسال فمها همهمة وصلت أذن السماء الوديعة المرصعة بالدعوات .
اتكأتْ، وبعد ساعات غَفَتْ على وقع النجوم المتزاحمة...
غصَّ الديك بالبكاء.. حزنت الدجاجات.. اختبأت حصة "نور العين" في" النملية " تحت "المنخل".. ملّ البخور من رائحة كيس ورقي قديم...
طال انتظار الجارة لتسمع من فم الجدة، يا الله يا كريم...
الجدّة التي تمددت في السرير الخشبي القديم...
الحطة سقطت على الأرض، ومال رأسها على الجانب الآخر، وافترق خصلاً شعرها الخفيف الرمادي، ليغطي وجهها المؤمن الشاحب...
رأتها الشمس من بعيد، فأرسلت خيوطها الذهبية الدافئة، تحاول بعث الجسد الساكن.. الساكن والبارد.. والبارد...



#طالب_إبراهيم (هاشتاغ)       Taleb_Ibrahim#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبو علي كاسر
- بقعة حارة
- قصاصة
- غش هديّة
- وجع
- محنية الظّهر
- ملاحقة
- أقفال الحرب ومفاتيح السّاسة
- قصص ميس لقصيرة
- طفولة
- مسرحية
- سوائل
- أمنيات
- بذرة البشرية
- مساء العدّ
- براعم أم خليل
- مشرّد
- مغزال
- معلومة
- ضفة المدينة


المزيد.....




- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية
- فيلم -ساحر الكرملين-.. الممثل البريطاني جود تدرّب على رياضة ...
- إبراهيم زولي يقدّم -ما وراء الأغلفة-: ثلاثون عملاً خالداً يع ...
- النسخة الروسية من رواية -الشوك والقرنفل- تصف السنوار بـ-جنرا ...
- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما
- سعد الدين شاهين شاعرا للأطفال
- -جوايا اكتشاف-.. إطلاق أغنية فيلم -ضي- بصوت -الكينج- محمد من ...
- رشيد بنزين والوجه الإنساني للضحايا: القراءة فعل مقاومة والمُ ...
- فيلم -ساحر الكرملين-...الممثل البريطاني جود لو لم يخشَ -عواق ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب إبراهيم - نور العين