أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب إبراهيم - أبو علي كاسر















المزيد.....

أبو علي كاسر


طالب إبراهيم
(Taleb Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 2944 - 2010 / 3 / 14 - 23:01
المحور: الادب والفن
    


كوثر أمست فرداً منّا.. لا نتصور أنفسنا بدونها..
يقلقنا غيابها..
تحضر، نلتفُ حولها، تمارس دور الزعيم علينا, ونمارس دور الأتباع المخلصين..
كبُرت اللعبة، كبرت على أعتاب طفولتنا، ونحن نلاقي التي تمرّدت على العادة..
نتسابق، وتشاركنا السباق، نسبح، وتشاركنا السباحة، أتقنت لعبة "الدحاحل"،تربح، فنبتهج، تخسر، فنلعن سوء الحظ..
أدمنت كوثر الشتائم كإدماننا لها، بلا اختصارات وبلا رقابة، لا تحذف كلمة من الشتيمة رغم أنها أنثى، ونحن نعلم ذلك، وهي تعلم، لكنها مثلنا.. مثلنا تماماً..
نتصارع، فنخشى عليها، ونختلف على من يقف في صفِّها، وكانت تضحك، لأنها تدرك أن المشكلة ليست الخشية من قبضتها...
كوثر هي الفتاة الوحيدة في القرية التي تلعب معنا الكرة، رغم اعتراض أهل الحارة وسخريتهم،
وتعلمت التدخين مثلنا تماماً...
كانت تسرق التبغ من كيس والدها والورق أيضاً، وإذا لم تحصل على الورق كانت تدرج التبغ بورق الكتب والدفاتر...
أيام القحط، أو أيام"القًَََََطْعة" كما اعتدنا تسميتها، نجمع أعقاب السجائر من أزقة الحارة، وندخِّنها مستمتعين...
ونحن نجلس بجوار مفرق الضيعة...
"أبو حميد.. تعا لشوف" ناداه أخوه. محمد كان يدخن ويسعل، رمى السيجارة من يده ومضى..
في تلك الجلسة سمى معدٌ نفسه " أبو معيد" وحسن "أبو حسين" ومصعب "أبو صعيب" وأسميت نفسي "أبو علي"...
صمتَتْ كوثر, وارتبكت، موجة حزن خاطف ضربت شاطئ وجهها، وقفت، وذهبت، تقطع أحجار الطريق متعثرةً، لقد أخطأنا، نعم لقد أخطأنا، وها هي الخاتمة غادرتنا كل الفتيات مصاباتٍ بالاختلاف.. وكوثر تغادر الآن مصابة بالأنوثة..!!
في اليوم التالي، التقينا، انتظرنا أن تأتي كوثر, لكنها لم تأتِ..!
شتمنا، اختلفنا في تحميل المسؤولية, ثم واسينا بعضنا, وقبل أن نفترق، اقترب ظلٌُّ من بعيد، لم نشك أبداً أنه كوثر، كانت تسعل..
ركضنا نحوها..
ـ كوثر.. كوثر..
اقتربنا منها، نشدّ على يديها وكتفيها..
أخذت كوثر نفساً عميقاً:
ـ "ما حدا ينادي لي كوثر بعد اليوم.. أنا اسمي أبو علي كاسر"!!
فما كان مني إلا أن غيّرتُ اسمي ليصبح " أبو عبدو" ولأني فشلت في تعلم فن "السقاية" الذي يسِم كل فتيان القرى، بتُّ موضع سخرية أصدقائي, قالت "أبو علي كاسر":
ـ "حتى أبو عبدو وسيع عليك"!!
ونادتني باسمي مجرّداً, وقلدها الجميع..
ناديتها من أمام منزلها، فخرجت، وسألتني، ماذا أريد..؟!
فأخبرتها أننا سنذهب لنلعب في حقلٍ بعيد، اعتذرت لأنها ستسقي أرضهم، ثم خرجت تحمل على كتفها" مجرفة":
ـ "كنت باخدك معي.. بس إنت ما بتعرف تسقي.."
ثم أكدت، أنها إذا انتهت قبل المغيب فستلحق بنا...
"لم تنته... عدت مساءً, فرأيتها تجلس على عتبة دارهم متعبةً، تتكئ على مجرفتها، وتشرد في الوحل العالق على جزمتها المطاطية السوداء...
ابتسمتُ، فابتسمتْ، وفركت عينيها، وسألتني بصوت مجروح الخطا:
ـ"خلصتو لعب.."؟!
حركت رأسي، ولم يقطع صوتي عتبة فمي..
وقفنا حول الساقية, أنزلنا سراويلنا، فزاد الماء في الساقية ونحن نضحك..
استغربت "أبو علي كاسر" فكّرت، ثم اقتربت من حافة الساقية مترددةً، ثم بصقت فيها، وضحكت وضحكنا..
صرعت "أبو مْعيد" مرّتين متتاليتين،" أبو مْعيد" القوي، الذي يتباهى على مرأى الجميع بجبروته، هزمته مرتين، وقف أحمر الوجه، مرتجف الجفون، منكسر الخاطر، مضى نحو الساقية، أنزل سرواله، أطلق شلاله على شكل قنطرة، وهو يمسح مزراب أنفه الأحمر بكفه، وتحدّاها أن تفعل فعله...
انسحبت تضحك، وتبعناها، قطع "أبو معيد" شلاله, وتبعنا صارخاً كي ننتظره وهو يغلق باب سرواله المهزوم...
ضربها صبيٌ داخل سور المدرسة, حاولتُ أن أتدخل، لكنها دفعتني، وأكدت محذرة أن لا علاقة لي, لأنها قادرة على الرد ...
لما انتهى دوام المدرسة، انتظرته في زاوية أحد الأزقة, وهناك لقنته درساً، وكنت شاهداً..
ضَرَبَنا المدرّس في اليوم التالي أنا وهي, حتى لا نعيدها وقطّع لها "النقيفة" التي كانت تعلقها في رقبتها ورماها في سلّة المهملات، ومن يومها صارت تخفي "النقيفة" الجديدة تحت "المريلة"...
رفضت أن ترتدي المريلة التي خاطتها لها أمها لأنها تشبه ما ترتديه البنات، وارتدت مريلة تشبه مريلتي, واعتادت أن تقص شعرها عند حلاّقنا كما نقصه نحن...
جحظت ثمرتان تحت قميصها، ثمرتان جميلتان، أجبرتاها أن تخجل عندما ترى عيوننا تسقط فوقهما، فارتدت قميصاً فضفاضاً، ليغطيهما...
سبحت ذاك الصيف "أبو علي كاسر" بقميصها الواسع، وحين نهضت من الماء, التصق القميص بصدرها...
رأيت جمال ثمرتيها، ورأتني أراها، خجلتْ, وحافظتْ على بقاء صدرها تحت الماء, وكان الماء حلواً ذاك الصيف، حلواً ولذيذاً...
غادرت أسرتي القرية، ركبت طريق الرحيل لسنوات طويلة، ودّعني أصدقائي كلهم، قبلتهم، وشددت على أيديهم، ولم أقل كلمة واحدة، طوقتني "أبو علي كاسر" وقبلتني مثل أصدقائي، ولما اشتعلت بالدموع قالت مؤنبة:
ـ" ياحيف.. ياحيف عَ الشباب"!!

غبت كثيراً!! وكبرتُ بغيابي!! خسرتُ دفء القرية ونبضها..
أعاد الصيف الطيور المهاجرة, والشاة الشاردة أعادها القطيع..
كيس السفر خلص عند حافة الجوع المدنيّ المقنع..
زرعت خطواتي في طريق العودة كي لا تقتلني المدينة حتى آخري...
عدت لدارنا القديمة للساقية.. للحقول.. لطريق المدرسة..
عدت لأعرف، كم تغيرت ذاكرتي، كم تغيرت مواطن الطفولة في داخلي..
أمضيت تلك الليلة مع الرطوبة والغبار.. خشيت الخروج إلى الأزقة، وخجلت نهار اليوم التالي أيضاً...
مساءً انتشر الهدوء مع النسيم تحت نجوم سمائنا القروية، سحبت كرسياً وصعدت، وجلست، على سطح الدار، أراقب أضواء منازل أصدقائي المتناثرة وأتساءل:
ياالله، كأنه أمس.. نفس الدوالي تعرِّش على الأسطحة.. نفس شجر التوت ينحني على الشرفات.. نفس اللهاث ينطلق من أعالي الجبال، ويخيف دجاج القرية وصيصانها ..
طرقٌ خفيف على خشب الباب القديم.. قمتُ لأفتح، ثم ترددت, وتراجعتُ، من هذا الطارق..؟!
اقتربت، ورأيت الأخيلة تتماوج خلف انثناءات الباب، تراجعتُ، الطرق الناعم يتوالى، كأنه يعرف أني موجودٌ..!!
اقتربتُ.. فتحتُ الباب، لأتفاجأ بشبحين يتغطيان بالعتمة، وبابتسامات كالندى...
تفاجأا.. تفاجأت... ابتسما.. ابتسمتُ.. عرفاني.. عرفتهما...
سلّما بهدوء.. سلمتُ.. قبلني صديقي بحرارة، وهي سعلت.. دخلا الدار التي يعرفانها.. مشيا على أرضها التي يحفظانها.. دخلا الغرفة التي دخلاها كثيراً..
جلسا فوق كراسي القش نفسها...
اقترب منها، وشوشته صاحبة الشعر الطويل، والثوب الواسع الذي ترتديه الحوامل في العادة.. قتلتني ببطئها، بنعومتها، بابتسامتها، بشفاهها الملونة، بكحل عينيها الجميلتين، بيديها تطوقان ذراع زوجها، بسعالها الناعم المتقطع، قتلتني "أم علي كوثر".. نعم "أم علي" فقد اتفقا أن يسميا ولدهما القادم "عليَّاً"!!



#طالب_إبراهيم (هاشتاغ)       Taleb_Ibrahim#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بقعة حارة
- قصاصة
- غش هديّة
- وجع
- محنية الظّهر
- ملاحقة
- أقفال الحرب ومفاتيح السّاسة
- قصص ميس لقصيرة
- طفولة
- مسرحية
- سوائل
- أمنيات
- بذرة البشرية
- مساء العدّ
- براعم أم خليل
- مشرّد
- مغزال
- معلومة
- ضفة المدينة
- توفير موعد عابر


المزيد.....




- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...
- معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو ...
- الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج ...
- تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن ...
- اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة يحتفيان بالشاعر والمترجم الكبير ...
- كيف كانت رائحة روما القديمة؟ رحلة عبر تاريخ الحواس
- منع إيما واتسون نجمة سلسلة أفلام -هاري بوتر- من القيادة لـ6 ...
- بعد اعتزالها الغناء وارتدائها الحجاب…مدحت العدل يثير جدلا بت ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب إبراهيم - أبو علي كاسر