طالب إبراهيم
(Taleb Ibrahim)
الحوار المتمدن-العدد: 2942 - 2010 / 3 / 12 - 01:02
المحور:
الادب والفن
اعتدنا منذ كنا صغاراً على تقبيل أيدي مشايخ ضيعتنا...
يدخل شيخ دارنا الوسيعة فتسارع أمي إلى النهوض, ونسارع نحن..
تقول أمي: "قبّلوا يده.." ونتسابق لفعل ذلك..
كنّا نجتهد فيما بعد..يكفي أن نجد رجلاً أي رجل يرتدي ذاك الزّيّ,لنهرع و نقبّل يده ..اللباس السّرّي عمامه وجبّه طويلة.
واجتهدت يوماً زيادة عن كل أترابي وقبّلتُ يد عجوز هي زوجة شيخ كبير من قريتنا، فوبّختني العجوز، ونقلتْ فعلتي لأمي التي وبّختني أيضاً.
جدّتي كانت تراقب من بعيد وتهزّ رأسها راضيةً...
زار الخوري ضيعتنا ومرّ على بيوت جيراننا المسيحيين كلهم...
كانوا يحتفلون بعيد سألت عن اسمه وقالوا لي لكني نسيت…
ساروا خلفه جميعاً حين انتهى العيد ماعدا عمي أسبر الذي جاوره...
عمي أسبر كان طويلاً جداً, حتى أنّه أطول من الخوري ذاته...
وقف الموكب أمام أحد الحوانيت ينتظر سيّارة عابرة لتقلّ الخوري إلى المدينة..
ضيعتنا كبيرة وعلى الرغم من ذلك لا يوجد فيها أي خوري بعد..
كان عمي أسبر يكلّم الخوري الذي كان ينصت، حين اقتربت جدّتي من الموكب المشدوه..
ومدّت يداً مفتوحة إلى الخوري الذي تفاجأ ومدّ لها يداً بيضاء كالثلج تقريباً..
شدّت جدّتي عليها ورفعتها, وقبّلتها, ووضعتها فوق رأسها, وقالت راجيةً:
"بالله عليك أن تِقرأ آية من أجل رأسي.. إنه يؤلمني.." وقرأ الخوري..
"زلغطت" نساء الموكب المسيحيات، وابتسم الخوري راضياً..
ومضت جدّتي..
سارعت عجوز صديقة جدّتي وقبضتْ عليها من تنّورتها الواسعة
مستاءة: " ماذا فعلت...بالله عليك ماذا فعلت..!!؟"
فتحت جدّتي يديها, وابتسمت, ومن فمها الخالي من الأسنان قالت:
ـ والله العظيم.. كلّهم متل بعض.."
وكانت تقصد مشايخنا والخوارنة...
ثم سارت إلى عملها قريرة العين, مرتاحة البال...
…
#طالب_إبراهيم (هاشتاغ)
Taleb_Ibrahim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟