أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جودت هوشيار - السياسة فى العراق : مهنة من لا مهنة له !















المزيد.....

السياسة فى العراق : مهنة من لا مهنة له !


جودت هوشيار
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 2922 - 2010 / 2 / 19 - 23:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأنظمة الديمقراطية – الحقيقية منها و المزيفة – معرضة لحالات أساءة أستخدام السلطة واستغلالها للمنافع الشخصية و لكن بدرجات متفاوتة . ففى الدول الديمقراطية العريقة تكون عمليات الفساد حالات استثنائية و شاذة تخضع للرقابة و المحاسبة و التجريم ، أضافة الى ان الرأى العام يقف بالمرصاد لكل من تسول نفسه أستغلال موقعه الوظيفى للأثراء الشخصى أو ينتهك القوانين النافذة او القيم و الأعراف السائدة فى المجتمع و لا يسمح لكائن من كان أن يتخذ من منصبه الرسمى و سيلة لتحقيق مصالحه الذاتية على حساب دافعى الضرائب ، كما ان الأنتخابات الدورية تتيح للناخبين فرصة التخلص من الحكام الفاسدين و اقصائهم عن السياسة و نبذهم الى الأبد

أما فى دول التخلف التى تخضع لأنظمة ديمقراطية صورية أومشوهة ، فأن الهم الأكبر لنخبها الحاكمة الفاسدة ، هو السعى الى الأثراء الشخصى السريع عن طريق أستغلال مواقعها المهمة فى هرم السلطة او علاقاتها المشبوهة مع صناع القرار للحصول على المكاسب و المغانم من دون رادع أخلاقى او وازع دينى أو محاسبة من قبل الأجهزة الرقابية أو تجريم قضائى ، بل على النقيض من ذلك ، الفاسد فى مثل هذه الأنظمة يقدر و يكرم و يرقى.
ان مفهوم ( سؤ أستخدام السلطة ) متماثل فى جميع الثقافات تقريبا و لكن حجم أو درجة الفساد يتناسب عكسيا مع مدى توفر مصادر بديلة للدخل الفردى لدى الساسة و خصوصا أولئك الذين يحتلون مناصب رفيعة فى الدولة .

فى بداية نشؤ الأنظمة الديمقراطية فى الغرب ، كان الساسة الحكام من الطبقة الأرستقراطية ، - من وجهاء و أثرياء القوم - و كانوا يمارسون السياسة كخدمة شرفية طوعية لفترة زمنية محددة و ليس كمهنة رئيسية ، و لم يكونوا يتقاضون أية رواتب أو اجور لقاء عملهم فى مناصب رفيعة فى الدولة و لم يكونوا اصلا بحاجة الى هذه المناصب و فى حالة فقدانهم لها لأى سبب كان – عدم فوزهم مرة أخرى فى الأنتخابات أو أنتهاء المدة القانونية لأشغال تلك المناصب - ، كانوا يعودون الى ممارسة أعمالهم الخاصة التى تدر عليهم الأرباح و تشكل مصادر الدخل لديهم أو يتفرغون لحياتهم الخاصة و هم يشعرون براحة البال و الضمير بعد أدوا ما عليهم من واجبات أزاء لبلدهم و أمتهم .

وقد تغيرت هذه الحالة مع ظهور الأحزاب الأشتراكية فى أوروبا فى أوائل القرن العشرين .
و اليوم نجد ان من يفوز بمنصب رفيع فى الدولة يتطلع الى الحصول على راتب كبير و أمتيازات عديدة ، و فى معظم الأحيان ليست لديه اية مصادر اخرى للدخل ، و يشكل هذا الراتب مصدر دخله الوحيد .
و أذا أخذنا بنظر الأعتبار نفقات الحملة الأنتخابية و الظهور بمظهر أحتماعى لائق و متميز ، فأن مشكلة الحصول على دخل كبير ، تزداد تعقيدا . و لها السبب تحديدا نسمع و نقرأ أحيانا عن الفضائح المالية و الأدارية حتى فى بعض الدول العريقة فى الديمقراطية ، ناهيك عن الأنظمة الديمقراطية الناشئة.

الأنظمة الديمقراطية الجديدة تنشأ فى العادة عقب القضاء على الأنظمة الأستبدادية عن طريق الأنتفاضات الشعبية أو الثورات المخملية، كما حصل فى معظم دول أوروبا الشرقية أو نتيجة تدخل خارجى كما حدث فى يوغسلافيا و فى العراق قبل حوالى سبع سنوات.
كل هذه الدول تجرب النظام الديمقراطى بعد عقود من النظام الشمولى و تظهر الحاجة الى اجراء تغييرات اقتصادية و اجتماعية جوهرية . و تتجه الى خصخصة القطاع الأشتراكى او القطاع العام و تتبع سياسة الأقتصاد الحر .
هذه الفترة الأنتقالية فرصة ذهبية للساسة الجدد ، حيث تتراخى سيطرة الدولة على الأقتصاد و تنفتح امامهم أبواب واسعة لأستغلال مواقعهم القيادية فى السلطة للحصول على مكاسب و امتيازات غير قانونية او أرتكاب جرائم الأختلاس و الرشوة و الأستيلاء على الممتلكات العامة بطرق ملتوية ، فى هذا الوقت تحديدا تظهر الى السطح كل تناقضات الفترة الأنتفالية : حرية أقرب الى الفوضى و أقتصاد هجين و منفلت و فساد لا يطاله القانون و حكام يصولون و يجولون و يستخدمون كل امكانيات المناصب التى يشغلونها لتحقيق مآربهم الخاصة .و هى فترة قد تطول أو تقصر حسب ظروف كل بلد و مستوى الوعى السياسى لرعاياه . و العراق ليس استثناءا من هذه القاعدة ، بل نموذج صارخ لها ،
أن ما حدث خلال السنوات السبع الماضية و ما يحدث اليوم فى العراق فى ظل الحكم الطائفى الفاسد و المتخلف ، أسوأ بكثير مما حدث فى بلدان أوروبا الشرفية عقب تفكك المنظومة الأشتراكية .فالعراق اليوم يحتل مكان الصدارة بين الدول الأكثر فسادا فى العالم

الديمقراطيات الناشئة فى أوروبا الشرقية ، شهدت عمليات فساد كثيرة و لكن تلك كانت مرحلة عابرة و قصيرة العمر حيث أتاح تعميق الممارسات الديمقراطية تدريجيا و سياسة العلانية و الشفافية بكشف الفاسدين و المفسدين و محاسبتهم و تجريمهم و أجتياز الفترة الأنتقالية بسلام ، حيث أستقرت الأوضاع العامة فيها خلال بضع سنوات و استطاع معظمها ، بناء دولة الفانون و المؤسسات و الوفاء بمعايير القبول فى عضوية الأتحاد الأوروبى .

و ربما يعود الفضل فى ذلك الى أن أغلب الحكام الجدد فى هذه البلدان ، كانوا من التكنوقراط الذين سبق لهم العمل فى مواقع أدارية و أقتصادية و علمية و ثقافية مهمة فى ظل النظام الأشتراكى و لكنهم استطاعوا تقبل التغييرات الحاصلة و التكيف مع الأوضاع الجديدة و الأندماج فيها ، بل و قيادتها . بمعنى آخر ان أغلب الساسة الحكام و الفادة الأداريين فى هذه البلدان كانوا من المهنيين المخضرمين ذوى المؤهلات و الخبرات المطلوبة فى مجالات عملهم و تخصصاتهم .

أما حكام العراق الجدد ، فأن أغلبهم من قادة أحزاب الأسلام السياسى الخارجين من أوكار العمل الحزبى السرى و دهاليز مخابرات دول الجوار ، يتظاهرون بالتدين و الورع و الزهد و النزاهة ،و قد أثبتت تجارب السنوات السبع الماضية ان تدينهم كاذب و تظاهرهم بالورع خادع و تشدقهم بالزهد و النزاهة رياء و نفاق . و بينهم عدد لا يستهان به من عناصرالبعث الصدامى الذين غيروا جلدهم بين عشية وضحاها و لبسوا الجبة و العمامة بدلا من الزيتونى
و رغم تمتعهم برواتب و أمتيازات خيالية لا تتوافر حتى لرؤساء معظم الدول الغنية نراهم يسرقون المال العام و بستجدون التمويل الخارجى لأحزابهم و حملاتهم الأنتخابية ؟
ان من يتتبع الأصول الأجتماعية لهؤلاء الطارئين على السياسة فى عراق ما بعد التغيير ، الذين يحتلون مواقع مهمة فى هرم السلطة ، سيكتشف بسهولة ، انهم كانوا قبل سقوط النظام الدكتاتورى ، يعيشون فى قاع المجتمع العراقى و القسم الأكبر منهم لم يتلقوا تعليما منتظما أو تركوا الدراسة لأسباب مختلفة وكانوا يعملون فى أعمال لا تتطلب معرفة او خبرة وعاشوا لعقود من الزمن ، حياة البؤس والفاقة و بعضهم أمضى سنوات عديدة متسكعا قى شوارع دمشق و طهران و قم و مدن أخرى يمارس أعمال الأحتيال و تزوير الوثائق و تهريب البشر و هم لا يختلفون من حيث الجوهر عن باعة الثلج و بطاقات اليانصيب و حاملى السلم الذين تبوأوا مناصب حكوميةعليا فى العهد الصدامى البغيض

و الأمر المضحك المبكى أن هؤلاء الفاسدين حتى النخاع ، الذين ينفذون أجندة نظام الملالى فى أيران ، الهادفة الى زعزعة الأستقرار فى العراق و منع نهوضه من كبوته ، هم الذين يقررون اليوم من هم المخلصون للعراق ومن يحق أو لا يحق له المشاركة فى الأنتخابات البرلمانية المقبلة و فى العملية السياسية عموما
و بطبيعة الحال فأنهم متشبثون بمواقعهم حتى الموت ومتمسكون بأمتيازاتهم الخيالية و كيف لا يتمسكون بها . و هم لا يحسنون عملا يفيد المجتمع و ليست لديهم مهن يمكن أن يشكل مصدر دخل لهم. ورغم تمتعهم بالمال و السلطة و النفوذ ، نراهم كما كانوا دائما طوال حياتهم فئة من الصعاليك و أنصاف المتعلمين و أشباه المثقفين و مزورى الشهادات ، يتسترون على جهالتهم وضيق أفقهم الفكرى و تعصبهم الطائفى بأجترار مقولات شائعة مملة و شعارات وطنية زائفة سأم منها العراقيون حتى التخمة . وجوههم كالحة و متجهمة و نظراتهم حاقدة تنم عن معدنهم.. الكذب ديدنهم و النفاق اسلوبهم فى التعامل مع الآخرين . هؤلاء هم اليوم فى الغالب الأعم–ساسة العراق الجدد الذين ينطبق عليهم تماما المثل العراقى البليغ صعدوا " من .......الى المنارة " فى غفلة من الزمن. وهم على يقين ان النعيم الذى يعيشون فيه زائل لا محالة و انهم ان لم يستغلوا هذه الفرصة النادرة التى وفرتها لهم الحماقة الأميركية ،ابشع استغلال سيعودون للتسكع فى شوارع مدن الشرق و الغرب منبوذين تلاحقهم أزدراء العراقيين و لعناتهم ، و لأن معظمهم لا يتقن مهنة حرة تؤمن له حياة كريمة لذا نراهم يحتاطون لغدهم المجهول بشراء القصور الفارهة فى عمان و بيروت و القاهرة و مدن أخرى و تحويل ملايين الدولارات الى مصارف أجنبية . و لكن ماذا يبقى للأنسان ان خسر نفسه وفقد احترام الآخرين له ؟



#جودت_هوشيار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية أوروبية الجذور، يعشقها العرب
- بحثا- عن قيادة ديمقراطية حقيقية للعراق
- الحلم الضائع في بحر إيجة
- فى أنتظار جرجل العراق
- من المستفيد من أحتكار المعلومات ؟
- عودة ظاهرة بشير مشير
- أسبرانتو - لغة المستقبل
- عراق غيت
- صك الأنتداب الأميركى الجديد للعراق
- البيت الأبيض فى اليوم الأسود
- النفط و الديمقراطية
- دروس و عبر من تجربة صحفية ناجحة
- كلاشنيكوف و الحكومة العراقية
- الأمبراطور الفنان
- حول النتاجات الفكرية للكتاب الكورد المدونة باللغات الأخرى
- من ينقذ العراق من زعماء المحاصصة ؟
- الصحافة الكردية بين الأمس واليوم
- موسم سقوط اوراق التوت
- مسرات العصر الرقمى
- اغلق التلفزيون وابدأ الحياة


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جودت هوشيار - السياسة فى العراق : مهنة من لا مهنة له !