أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين أحمد ثابت - الراقص قصة قصيرة














المزيد.....

الراقص قصة قصيرة


أمين أحمد ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 2905 - 2010 / 2 / 2 - 01:05
المحور: الادب والفن
    


- آآآه.
دار على نفسه ثلاث دورات سريعة، برك على ركبتيه - كانت أنفاسه متسارعة، العرق يتصبب من كل أجزاء جسمه- قطرات تتدفق من جبهته و.. عنقه، فتخط مجرى سيل يلصق ملابسه الرثة بتفاصيل جسده.. المتغضن- حاول الوقوف سريعاً لينهض كالفرس الجامح- انه جزء من الرقصة- هو ما يجعل النظارة يهللون مصفقين، ومنهم من يكمل مشاهدته.. فاغراً فاهه- كان يعمل ذلك على الدوام، خاصة هذا النهوض المعجون بالتواء ثعباني في نحو اليمين- لم تسعفه قدماه- كأن رتقاً ربطها- لم تسعفه القوة الرافعة المجنونة من عضلات العنق والأكتاف- هتف الناس.. مشجعين- إننا نراه عدة مرات.. يومياً، أثناء عبورنا للخروج من الحي و.. العودة إلى المنزل- هتف الناس مجدداً، لكنه.. رغم إخفائه عدم القدرة على الوقوف، باصطناع رقصة الجلوس، كان الإنهاك يفضحه، تقاسيم وجهه.. المتغيرة من حمى الانتشاء.. إلى الفجيعة.. لإنسان لا يقوى على تأدية أي عمل كان.
لم تكن شمس الظهيرة.. تؤثر فيه، لم يكن التعب يوقفه- كان ينسى كل ما يربطه بالعالم- يرقص، لذة تقوده إلى نوم عميق، فلا يرى فقراً، لا يسمع.. لا يعرف.. ما هو الألم النفسي، فقدان الأمل.. في تحسّن الوضع- لا يعرف إلا ان النهار بزغ باكراً، يوقظ حسن.. مناولاً إياه مزماره- يرتشفان كأساً من الشاي و.. خميرتين يتمضغانها- يبدأ حسن العزف على المزمار- كان أشبه بالتسليك لآلة عزفه- عملية تقترب من ساعة عند بدء نهار كل يوم- حتى يبدأ التجمع قليلاً ويهل الناس الى اعمالهم، يتوقفون لدقائق.. يهتفون عبدالله.. عبدالله، فيبدأ الرقص- كان لديه إيقاع داخلي يوجهه لرقصة مشحونة بنشاط منقطع النظير، رقصة قمة نشوتها.. ومن ثم يتنازل هديرها تدريجياً في حالة سحرية لا يقوى الجميع إلا ان يهلل بنشوة ويرمي الريال عن طيب خاطر- إيقاع منغمس بمعرفة روح الآخرين، رغم ان عبدالله لم يكن يفهم شيئاً- كان يخرج النقود من الجيوب بطريقة لا يمتلكها اعظم النشالين- كان جرساً يحرك جنونه، وهو جنون يحتاجه الذاهبون للعمل بعد ليلة غير مشبعة بالنوم، وذهن يعاني من فرط املال الوظيفة، و.. حقارة المقابل المالي من كل شهر- عبدالله اصبح عادة نزع خمول الصحيان أو إعادة الرجوع المجهد من الوظيفة، منقي الروح من سموم الرتابة اليومية، ممتصاً لكآبة تتسلل إلى الإنسان دون دراية- حتى النساء كن يحضرن حلقة الرقص بعد مغادرة الأزواج إلى العمل- كان الغداء يجهز عند الثانية عشر ظهراً- بمد جميعهم بالانتعاش.. وفورة لذة العمل- كن يرمين له مبالغاً اكثر- منذ عمر ليس بقصير.. لم تسمع مماحكات في البيوت، لم تجر مشاكل أو مواجهات بين سكان الحي الكبير- كان الناس- أي واحد منهم- إذا ما شعر بضيق سيقوده للاصطدام بغيره، أو إذا ما تسرب بؤس قاتل إلى نفس أحدهم، خرج باحثاً عن حلقة عبدالله- كان الجميع يعرف زمن عبدالله في المكان الذي يقيم فيه طقسه الروحي، حتى اصبح معروفاً حجم النظارة من مكان لآخر، في ذات الزمن إلى غيره..
- انه بديع.
- ليتني.. اقدر أكون مثله.
لم ترصد كتب التاريخ.. في العلوم المختلفة.. حتى الفنون حضارة مجتمع.. إنسان سوي.. متعة حياة عند متعبين.. في راقص.. خلق جمالاً مسيطراً، خلق استقراراً للعلاقة بين الناس- رغم سوء المعاش- لم ترصد الا دور العلوم، الأديان وجزئيات محدودة الجانب لفهم التعامل مع الإنسان والحياة، كمصححة للأخطاء..
- يا أخي.. أكون فتران.. كاره الذهاب إلى الجامعة.
.. جرعة منشطة من عبد الله يومياً.. يضيع كل ذلك الفتور. (الثاني)
- أنا كذلك.. لا أريد الذهاب للعمل.
.. وإذا بي اصل باكراً.. وطول اليوم مزاجي حلو.. عكس الجميع.
- يمكن يكون ساحر.
- يا أخي.. حرام عليك.

هتاف.. هتاف، ولا يجد عبد الله نفسه بعد توترات لمحاولة النهوض.. إلا وقد سقط على ظهره -بكاء صامت- كانت عيناه تفلت قسوة الحياة، الانهزام الذي نساه كل مدمن لحلقة رقص هذا الحالم، الذي وكأن الخالق قد استفرده خلقاً عن الآخرين- كأنه رحمة من رب العالمين، يطهرهم من نجس إذلال العيش.. بيد أحط بشر، لم ترفعهم أعمالهم، بقدر ما منحهم الجهل والقوة الهمجية.. التحكم بالآخرين، وامتصاص حقوقهم.. بل ثروات البلاد!!…

- انهض يا عبد الله.
- انهض.

ويعود الحي! والأماكن التي اعتاد الناس القدوم إليها- كان قد أوّل بعض المدمنين من ملكة التحليل.. عظمة العلاج لكافة الأمراض.. وحالات الضيق و.. السوداوية التي خير بلسم لها هو المجيء إلى حلقة علاج الراقص- وتداول العامة هذا الرأي- كان الناس يتكاثرون متقاطرين من عموم العاصمة، حتى انها وصلت سمعتها إلى المدن والأرياف.. الأخرى- بعض القرويين منهم اصطحب زوجته العاقر، آخرون جاءوا بأهلهم الذين يعانون من الصرع- يقولون رقصة يخرج الجن.. منهم، وبعض فقراء يحضر منهم آباءهم المصابين بسرطانٍ .. أو يصطحبون أولادهم المشلولين .. ولم يوجد علاج لهم عند أمهر الأطباء.
- إنها لعنة.
- انظر كل شيء ملخبط.
هرم.. صياح.. مشاكل.
.. حتى .. الكثير اصبح يذهب متأخراً إلى عمله.
- سبحان الله.
الضيق يكسر القلب.. حين تراه مقعداً أمامه علبة مفتوحة يتصدق عليه السائرون- ان تنظر في عينيه.. تنغمس اكثر إحساساً بمقت الأيام التي تعبر عليك- وتأخذ الحياة الناس في أزماتهم.. فيغيب الراقص عن الذاكرة- لم يكن يقترب منه إلا ندرة من أفراد.. غرباء عن الحي.. عابرون، يرمون ربع ريال.. يظل يرن في اسطوانة العلبة- لم يكونوا يعرفون عنه شيئاً- كان ملكاً.. يمحو سواد دقائق الأيام - كان يجعل الحياة ربيعاً.. على الدوام- ويأخذ ذكراه الوقت، لكنه لم يكن يزيد العابثين.. إلا ثراءً و.. قوة !.



#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوارية .. اصدقاء في التجرد قصية نثرية
- جيش.. وعكفة ...... صحوة لذكريات الطفولة والمراهقة
- ليس للجنوب أن ينتظر الشمال
- الحداثة والمعاصرة العربية يبن الوجود الممكن.. والوجود الزائف ...
- الحداثة والمعاصرة العربية بين الوجود الممكن.. والوجود الزائف ...
- منظور البناء الاتساقي ال (نقد- استقرائي) في عمومية (البنى ال ...
- قراءات في المنهج ( تعقيب نقدي.. على رؤية تنظيرية )
- الترميم.. نهج العقل الكسيح
- جرس يقرع.. من يفهم؟
- اللغة العربية .. والسقوط في زيف الأقنعة
- ابجديات يمنية (معاصرة ): في التفكير والكتابة ( 9 ) مغالطات ا ...
- ابجديات يمنية (معاصرة ): في التفكير والكتابة (10 ) عولمة الن ...
- ابجديات يمنية (معاصرة ): في التفكير والكتابة (12 ) مغالطات ا ...
- جيش.. وعكفة صحوة ذكريات الطفولة والمراهقة
- ابجديات يمنية (معاصرة ): في التفكير والكتابة ( 8 ) فاشية الغ ...
- ابجديات يمنية (معاصرة ): في التفكير والكتابة ( 2 ) النشاط ال ...
- ابجديات يمنية (معاصرة ): في التفكير والكتابة ( 4 ) الحاجات و ...
- ابجديات يمنية (معاصرة ): في التفكير والكتابة ( 5 )فاشية الغر ...
- ابجديات يمنية (معاصرة ) : في التفكير والكتابة / ( 1 ) الانسا ...
- ابجديات يمنية (معاصرة ): في التفكير والكتابة ( 7 )فاشية الغر ...


المزيد.....




- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...
- أخلاقيات ثقافية وآفاق زمنية.. تباين تصورات الغد بين معمار ال ...
- المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ ...
- تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل ...
- مصر.. نسرين طافش تصالح بـ-4 ملايين جنيه-
- الفنان عبد الجليل الرازم يسكن القدس وتسكنه
- أسعدى وضحكي أطفالك على القط والفار..تردد قناة توم وجيري 2024 ...
- منصة إلكترونية أردنية لدحض الرواية الإسرائيلية في الغرب.. تع ...
- “نزلها الان” تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 2024 لمشاه ...
- مشاهير الموضة والموسيقى والسينما.. في مهرجان ميت غالا حمل عن ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين أحمد ثابت - الراقص قصة قصيرة