أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نضال نعيسة - آلهة العصر الحديث














المزيد.....

آلهة العصر الحديث


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 2877 - 2010 / 1 / 3 - 02:02
المحور: كتابات ساخرة
    


آلاف من الآلهة التي عرفتها واخترعتها البشرية على ذوقها وعلى مزاجها وأهوائها ووفق محدداتها التي تلبي آفاقها، وعلى مر تاريخها. كانت تلك الآلهة الصماء تعبد وكان الناس عبيداً لها وأمامها. وكانت متنوعة على نحو ثري وتشبه "المولات" في العصر الحديث حيث يمكنك انتقاء ما تشاء من آلهة لعبادتها، قبل أن تخطر على إخناتون تلك الفكرة الشيطانية والجهنمية الكارثية والقاتلة، بتوحيد الآلهة في إله ديكتاتوري واحد لا يقبل التعدد والتنوع، حسب الأساطير، وحسب الأسطورة الفرعونية، بالذات، على أن تكون جميع الآلهة الأخرى تحت أمرته، والتي يقال أن سيدنا موسى عليه السلام، قد "لطش" هذه الفكرة التوحيدية من مصر، بعد ذلك،وقدمها في قالب توراتي أسطوري بديع.

ويحضرني ها هنا في هذه العجالة أسماء آلهة كانت معبودة، ومهابة الجانب، لكن لم يعد أحد يعبأ بها اليوم، أو يعيرها أي اهتمام، برغم قدسيتها الكبرى في حينه، كعشتار، وبعل، وزيوس، وفينوس، وبروميثيوس، وميتسو إله الشمس الياباني، وأورانوس، وأدونيس، ومارس، وجوبيتر، وأفروديت وآلهة الهلال الخصيب بعل ، عناة، عشتار، هدد، أداد ، دجن ، آشور، إل، إنليل ، إلوهيم ، يهوه، مردوخ وأصنام الجزيرة الأخرى من مثل الصنم الأكبر هبل، واللات والعزى ومناة الأولى والثانية والثالثة وإساف ومذحج وسعد العشيرة وغيرها مما لا يحضرني الآن، بسبب امتلاء الـ RAMs التي تخصني في العقل الباطن، بالكثير من أهوال وأفانين وقصص وأعاجيب الأعاريب التي تشيب لها الولدان وتنسف أقوى الذواكر و"الرامات". وكانت هذه الآلهة تعبد ويسجد لها، ويعتقد الناس بها، وكانت الإيحاءات اليقينية بقدرتها الخارقة توهمهم بأنها تستجيب لكل أمانيهم ومتطلباتهم الحياتية وتشاء الصدف أن "تظبط" مع أحدهم، أحياناً فيزداد تعلقاً وإيماناً وولهاً بها. ونظراً لأن علاقة الإنسان في الحياة كانت تتحدد من خلال الظواهر الطبيعية فكان لكل ظاهرة مبهمة آلهتها الخاصة، فكان هناك إله للشمس وآخر للنور، وآخر للظلمة، والمطر، والرعد، والنار، والحب والجمال والخمر، والعياذ بالله....إلخ. وكان الناس عبيداً لتلك الآلهة والقوى والظواهر التي تتحكم بكل شاردة وواردة بحياة الناس، أو هكذا كانوا يعتقدون، ويقدمون اتقاء لغضبها القرابين، والأموال، والأضاحي كي لا تغضب عليهم في ليلة موحشة ليلاء، وتنطع البعض، في وقت لاحق، وبعد أن اكتشف اللعبة، للعب دور "السمسار" بينهم وبين الآلهة، وأطلق عليهم الكهنة.

وعالم اليوم، أيضاً، ليس استثناء، فهناك الكثير من الآلهة التي لم يعد للحياة أي طعم من دونها، ولا يمكن أن تستمر من دونها، وباتت تتحكم في كل شاردة وواردة من حياة البشر ويتسمر الناس أمامها، ويركعون ويسجدون، ويعملون ليلاً نهاراً من أجل إيفائها حقوقها ومتطلباتها، ونيل مرضاتها وثقتها، ويقدمون لها القرابين والأضاحي والتي هي عبارة عن أموال سائلة وفواتير شهرية لا تشبع آلهة العصر منها، وبات الإنسان المعاصر عبداً لها ويلهث من أجل ألا تغضب عليه تلك الآلهة الكاسرة، وتعاقبه أشد العقاب إن أخلف معها. وتتجلى آلهة العصر الحديث بتلك الأذرع والآليات الإمبريالية وتوابعها الكومبرادورية الصغرى هنا وهناك، التي تحلب البشر وتستنزف الناس وتحيلهم عصفاً مأكولاً، والتي جعلت من إنسان اليوم، طريداًَ دائماً أمامها، وإليكم آلهة اليوم المعبودة، والتي يسعى البشر لاسترضائها ونيل ثقتها، وتقديم القرابين، والأضاحي والفواتير لها بشكل دائم لها، ولكل منا آلهته التي يعشقها، ويخلص لها ويفضلها على غيرها من الآلهة الإمبريالية التي جعلتنا عبيداً نركع، ونسجد ونستسلم أمامها ونطلب ودها:

أول هذه الآلهة المعبودة اليوم ، والمعروفة على نطاق واسع، والتي يخلص ويسعى من أجلها الناس ليل نهار، ويعبدها الجميع، ويركض وراءها الجميع بلا استثناء، هي آلهة الأمريكان الدولار والجنيه الاسترليني واليورو والريال والين والفلس والشلن والقرش والدينار وحتى الليرة اللبنانية، والأجهزة الأخطبوطية "اللي بالكم منها"، شركات الماء والكهرباء والاتصالات والموبايل، والمالية والجباية والطابو، والضرائب والغاز والكاز والبترولوشركات النقل والطائرات ، الكومبيوتر والإنترنت، ما يكروسوفت، شركات مارسيدس، بي. إم. دبليو، كيا، هيونداي بيجو، فيات، فولكسفاكن، مازدا، نيسان، تويوتا، الهوت ميل، والياهو، والجي ميل، القنوات الفضائية، المواقع الإليكترونية، نوكيا، سامسونج، سوني أريكسون، سيمنز، إل جي، موتوريلا، ريد ليبل، بلاك ليبل، هيوستن، غرانتس، سكوتيش، فوسترز، بودوايزر، هينيكن، شيراتون، ميريديان، ماريوت، ريتز، وجميع البنوك الربوية وكل رموز العولمة والإمبريالية الرأسمالية المتوحشة التي تعتبر أخطر أنواع الآلهة التي لا ترحم والتي مرت على تاريخ البشرية، ففي اليوم الذي تعجز فيه عن تقديم "القرابين" والفواتير، والاستحقاقات، والأقساط، فإن غضب الآلهة ستحل، وستصبح في الشارع مع عائلتك وأطفالك، ولن يرحمك توسلك لآلهة العصر الحديث، التي تخفي قبحاً، وتوحشاً، وفظاظة وراء شكلها الظاهري الساحر الفاتن الجميل الأخـّاذ.

يـُخيـّل لي، أحياناً، أن الحرية كذبة ووهم كبير من اختراع الطوباويين وفلاسفة المثالية وعلم المنطق والجمال، والإنسان ما خلق ووجد على هذه البسيطة إلا كي يكون عبداً تتناوبه هذه الآلهة، أو تلك، وتسخره، وتستعبده، وتنكل به، وتجعله يتوسل لاسترضائها، ونيل بركاتها، وما الحرية سوى آلهة أخرى ما زالت بعيدة ويبحث عنها جميع الناس، وتشاء الأقدار والآلهة المتجددة في كل زمان ومكان، والتي تتحكم به ليل نهار، أن يبقى عبداً، ذليلاً، وقناً مسلوباً، على الدوام، ولكل آلهته اليوم التي يلهث وراءها ليل نهار، والتي يعتقد بأنها تجلب له السعادة والخلاص. وكم تبدو آلهة العصر الحجري رحيمة وطيبة، أمام آلهة العصر الحديث.





#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا يقاطع القرضاوي، فعلاً، المسيحيين؟
- هل يسقط نظام الملالي في إيران؟
- جورج غالاوي يرد التحية للشيخ القرضاوي
- ثقافةُ الموت أولاً
- بترول العرب للعرب: متى يصبح الخليج عربياً؟
- معطوب يا ولدي معطوب!!!
- ماذا لو طالب اليهود بحقوق تاريخية في السعودية؟
- لماذا لا يحاكم القرضاوي بتهمة التحريض على الكراهية والاعتداء ...
- إستراتيجية الجدران الفولاذية
- تهنئة لفضيلة الشيخ القرضاوي بأعياد الميلاد المجيد
- إلى زغلول النجار
- ماذا تبقى من ثورة الأرز؟
- الخليط الفارسي
- العلمانوفوبيا
- خليك ع النت
- كيف سيرد الخليجيون على طهران؟
- مكافأة البرادعي
- نحو اتحاد شرق أوسطي
- هل حققت سوريا التوازن الاستراتيجي؟
- لماذا منعت جريدة الأخبار من دخول سوريا


المزيد.....




- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نضال نعيسة - آلهة العصر الحديث