أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - صراع مع الموت














المزيد.....

صراع مع الموت


نضال الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 2832 - 2009 / 11 / 17 - 12:53
المحور: الادب والفن
    


إلتقينا في مقهى بوسط المدينة كما طلبت مني عندما هاتفتني. كانت شاحبة الوجه غائرة العينين مبعثرة الشعر على غير عادتها وهي التي تهتم دوما بأناقتها. صافحتها وبادلتها بالسؤال المباشر: ما بك؟ تبدين في حالة مزرية. هل تشاجرت مع زوجك؟ هل هناك مشكلة في البيت؟ نظرت إلي وضحكت ثم قالت أنت تعرف زوجي فهو لطيف وآخر من يدخل في شجار مع أي إنسان وكيف معي، ثم أضافت:" أنا مريضة جدا يا صديقي."
قلت لها ما بك وهل ذهبت إلى الطبيب؟ قالت: " نعم ذهبت واكتشفوا أنني مصابة بسرطان الدم الخبيث والعدواني. لقد أعطوني مدة ستة أشهر إلى سنة على أبعد تقدير."
صعقت مما سمعت وقلت لها:" ماذا تقولين يا إمراة؟ أنت تمزحين." فأجابت وهل يمزح في هذه الأمر وأعطتني تقريرا طبيا. أخذت التقرير من يدها وقرأته بعناية وأعدت قراءته ولقد أكد محتواه ما تقول بدون أي لبس . إنها مصابة بسرطان الدم الخبيث والمعادي.
خيم الصمت فوق رأسينا ولم أدر ما أقوله لها حتى قطعت الصمت بقولها:" أنا لا أخاف الموت ولكنني لا أريد أن أموت، لا يمكني أن أموت فإبني ماريك في حاجة إلي ولمن سأتركه إذا مت؟ ساعدني يا صديقي، فأهم إختصاصاتك هو علم الأدوية ولك في هذا الحقل معارف كثر، فلا بد أن يكون لهذا المرض علاج." ثم عادت من جديد لتقول:" لا يمكنني أن أموت، هذا مستحيل فإبني ماريك محتاج إلي وهو لم يتجاوز الخمس سنوات بعد، وزوجي كما تعلم يعمل مدرسا في جامعة برنو التي تبعد مائة وخمسين كيلومترا. لا لا لن أسمح لنفسي بالإستسلام، لا أقبل أن أموت، إبني محتاج لي." ثم نظرت إلى السماء وقالت يا ربي لا تجعلني أغضب منك."
تحدثنا في مختلف الإحتمالات ووعدتها بانني سأفعل ما يمكنني فعله لمساعدتها وبأنني سأتصل بجميع من أعرفهم في هذا الحقل لإستشارتهم. إفترقنا بعد أن إتفقنا على أن نكون على إتصال دائم.
بدأنا في عملية البحث، لم أترك طبيبا أعرفه من ذوي الإختصاص إلا واستشرته وكان جوابهم جميعا، عندما قرأوا التقرير، بانه لا يوجد أمل وليس هناك من علاج غير منحها نخاعا شوكيا من مانح ملائم مع وضعها تحت العلاج الكيمائي وطبعا أكدوا أن النتائج في حالتها ليست مضمونة ولا بنسبة بسيطة.
منحها أخوها ما يلزم من نخاعه الشوكي وأخذت عدد من الدفعات من العلاج الكيمائي الذي أتعبها جدا، إلا أن كل ذلك لم يجلب أي نتيجة. حتى أنني أخذتها إلى صديق فلكي معروف، يعالج الناس بواسطة مصافحتهم ومعرفة تاريخ ميلادهم ومكان الميلاد. أخذني جانبا وأكد لي ما أكده الأطباء، لا أمل.
كانت تجلس على الإنترنت لساعات طوال، تبحث عن أي علاج أو وسيلة لمساعدة نفسها وفي كل يوم كانت تجيئ لي بإسم عشبة كتب عنها في الإنترنت بأنها مفيدة لعلاج مرض السرطان. لم تترك نبتة صينية، هندية، روسية أو غيرها سمعت عن فوائدا إلا وحصلت عليها ولقد تحول مطبخها إلى معمل لمختلف أنواع الشاي المصنوع من مختلف أنواع النباتات الذي كانت تشربه بكميات كبيرة . ولكن لا شيء نفع وحالتها الصحية بدأت في التدهور.
جائني زوجها وكان برفقته إبنه ماريك. كان في حالة مزرية وظهر على وجهه علامات اليأس وفقدان الأمل. أخذ يبكي ويتسائل: "ماذا سافعل بدونها وماذا سأفعل بولدي ومن سيربيه؟" قال لي أنه أخذ في تمهيد فكرة فقدانها لإبنه بالحديث أن والدته ستذهب إلى السماء حيث دعاها الملائكة وأنها على الأغلب لن تعود.
نهرته بغضب وقلت له:" لا تسبق الأحداث يا رجل! تمسك بالأمل من أجلها ومن أجل ولدك." قال بحدة:" عن أي أمل تتحدث؟ لقد إضطررت أمس في الليل ان اطلب لها سيارة الإسعاف وهي الآن في المستشفى وفي حالة خطرة."
وضعنا الطفل عند أصدقاء لنا وذهبنا إلى المستشفى سويا. صعقني منظرها الذي دفع بزوجها إلى الإنفجار في البكاء. أخرجته من الغرفة وأجلسته على مقعد في الممر وذهبت لزيارة مدير القسم. رحب بي وقال بانه كان يهم بمهاتفتي وسألني إن كان بإمكاني الإتصال بزوجها. أخبرته أن زوجها موجود في القسم فطلب مني إحضاره فأحضرته.
وجه المدير حديثة إلى الزوج قائلا:" هناك شركة أجنبية ترغب في تجربة علاج جديد لسرطان الدم على بعض المتبرعين من مرضى السرطان. وانا أقترح أن نرشح إسم زوجتك للإشتراك في هذا الإختبار فلم يعد في جعبتنا ما نقوم به من أجلها." ثم أضاف" إذا وافقتم فعليك أنت وزوجتك توقيع وثيقة بأنها تبرعت طوعا لهذا الإختبار وأنكما تعيان خطورة التجارب التي قد تسرع في موتها وأن تخليا المستشفى من أي مسؤولية كانت."
بعد مشاورات بين الزوجين وتشجيعي لهما قاما بتوقيع الوثيقة وجرى نقلها فورا إلى القسم المعد لذلك وكان مجموع المرضى المتبرعين إثنا عشر مريضا.
مرت الأيام وكنت بين الحين والآخر أتصل بالمدير سائلا عن الأخبار. بعد أسبوعين مات أول مريض، لحقه الثاني بعد أقل من أسبوع. أخذ المرضى المتبرعون للتجربة يموتون واحد بعد الآخر حتى توقفت عن السؤال. حتى زوجها تخلى عن كل أمل في شفاءها واستسلم لفكرة موتها وأخذ يرتب حياته على أنها لن تكون جزء منها.
في صباح يوم مشمس كنت جالسا في بيتي أحتسي القهوة العربية عندما سمعت رنين جرس الباب. قمت وفتحته فوجدتها واقفة أمامي. وقفت متسمرا أنظر إليها غير مصدق فقالت:" هل رأيت شبحا؟ هذا أنا، ألم أقل لك أنني لن أموت، لقد تغلبت على المرض وها أنا أمامك." عانقتها ومسكت يدها ودعوتها للدخول فقالت:" إسمح لي يا صديقي فزوجي وولدي ينتظراني ولكننا سنلتقي قريبا، جئت فقط لأسر لك الخبر." علمت منها أن إثنين فقط من أصل المجموعة قد تغلبا على المرض، هي وأحد الرجال.
قبل أيام دعتني وزوجها للإحتفال بعيد إبنهم الخامس عشر فذهبت. وضعت على الطاولة كعكتين واحدة فيها خمسة عشر شمعة وكتب عليها عيد ميلاد سعيد لماريك والثانية عليها عشر شموع وكتب عليها عيد ميلاد سعيد لمارسيلا، إحتفالا بميلادها الجديد.

د. نضال الصالح/ فلسطين



#نضال_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحذاء
- الشيوعي وسقوط الحلم
- العلاج بواسطة الصلاة عن بعد
- كيف جرى تزوير تاريخ فلسطين والشرق الأدنى القديم
- الصديقة
- الحائرة
- عقال الباشا
- الملاك
- هل هناك حياة أخرى موازية لحياتنا على الأرض؟
- تعالوا نحطم مرايانا
- كيفية ظهور - الله- في الوعي العربي
- بعض من الحكم التاوية
- أمنية
- المعتقدات الدينية الصينية وفلسفة الوجود
- الآخر في الديانة اليهودية
- التوراة في الفكر الديني الإسلامي : كتاب مقدس أم محرف ؟
- عندما يصبح غصن الزيتون رمزا للمقاومة
- القصص القرآنية بين التاريخ والخرافة
- المتاهة
- الوداع الأخير للحب الأول والأخير


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - صراع مع الموت