أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نضال الصالح - كيف جرى تزوير تاريخ فلسطين والشرق الأدنى القديم















المزيد.....


كيف جرى تزوير تاريخ فلسطين والشرق الأدنى القديم


نضال الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 2817 - 2009 / 11 / 1 - 02:26
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أعود لطرح هذا الموضوع لأهميتة في قضية الصراع العربي الصهيوني من جهة ولإصرار كثير من المؤرخين والمثقفين العرب على إعادة خلق تاريخ منطقتنا من منظور المنطوق التوراتي. وإنه ليحز في النفس أن نسمع من أفواه كثير من العرب، مسلمين ومسيحيين، ترديد مقولات غير صحيحة مثل اليهود في مصر القديمة وخروج موسى واليهود من مصر وتيه اليهود في سيناء إلخ من المقولات التي ثبت بقطعية زيفها. ولقد جرى خلط كبير بين اليهود والإسرائيليين التوراتيين وما يسمى بالعبرانين، هذا الخلط الذي إبتكره الصهاينة وأصدقاءهم العلماء التوراتيون.
كانت التوراة، أو ما جرت العادة على تسميته بالكتاب المقدس، ولعهد قريب، المصدر الأول والأساسي لقراءة تاريخ فلسطين والشرق الأوسط. لقد قام المؤرخون التوراتيون وعلماء الآثار الغربيون بتأويل المكتشفات التاريخية والأثرية تأويلا يتلائم مع القصة التوراتية, ولقد جرى في كثير من الأحيان إجبار اللقى الأثرية على النطق بما ليس فيها وصل حد تزوير تاريخ المنطقة من أجل أن يتطابق منطوقها مع القصة التوراتية. ولم يكن هذا جميعه بعيدا عن المقاصد الإستعمارية الغربية والصهيونية في المنطقة، حيث اعتبر كلا منهما أن القصص التوراتية تسوغ أطماعه الخاصة في فلسطين ومنطقة الشرق الأدنى.
يقول الأب مايكل برير: هناك تأييد قوي في النصوص التوراتية للمعتقد القائل إن الرب وعد إبراهيم وسلالته بأرض كنعان وإن ملكيتهم لها تلقى إرادته. ويقول أنه علينا أن نعترف بأن أجزاء كثيرة من التوراة تحوي عقائد مخيفة وميولا عنصرية وكراهية للغرباء ودعما للقوى العسكرية و "إن ما أمرت به تلك القصص التوراتية وقفا للمعاير العصرية للقانون الدولي وحقوق الإنسان هو جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية"( الأب مايكل برير: الكتاب المقدس والإستعمار الإستيطاني،نفس المصدر ص: 22 )
لقد أصبح علم الآثار في فلسطين تعبيرا ذا أهمية عن المطامع الإقليمية لدى القوى الغربية .وهكذا فإن إنتاج تواريخ لبني إسرائيل كان جزءا مهما من الدعاوي الإمبيريالية في المنطقة منذ القرن التاسع عشر وصاعدا ويوفر تسويغا عقائديا لجملة القيم الغربية.( ص:24 ). لقد خسرت فلسطين تاريخها أمام القوى الإمبريالية الأوربية أولا وفي مواجهة تلفيق أو تركيب صهيوني للماضي.(ص25)
لم يكن اليهود وحدهم من ادعوا امتلاك هذا التاريخ بل مسيحيي الغرب كذلك، ولقد ذهبوا حدا ادعوا فيه أن فلسطين بلدهم، كما صرح كبير أساقفة يورك قائلا:" إن السبب الكامن وراء توجهنا نحو فلسطين هو أن فلسطين هذه بلادنا" ( نيل سلبرمن: بحثا عن إله ووطن، ترجمة فاضل جتكر، إصدار قدمس للنشر والتوزيع، دمشق 2001،ص:164).
وفي صلاة افتتاحية جمعية صندوق اكتشاف فلسطين التي عقدت في الثاني من أيار عام 1856، خاطب وليم طمسن رئيس أساقفة يورك الحاضرين بقوله :" إن هذا البلد فلسطين عائد لكم ولي، إنه لنا أساسا. فقد منحت فلسطين لأبي إسرائيل بالعبارات التالية:"هيا امش في الأرض طولا وعرضا، لأني سأعطيك إياها" ونحن عازمون على المشي عبر فلسطين، بالطول والعرض،لأن الأرض منحت لنا ، إنها الأرض التي تأتي أنباء خلاصنا منها. إنها الأرض التي نتوجه إليها بوصفها منبعا لجميع آمالنا، إنها التي نتطلع إليها بوطنية صادقة تضاهي حماسنا لدى النظر إلى إنجلترا القديمة العزيزه هذه"( نفس المصدر: ص. 145 )
من المؤسف أن معظم كتبة تراثنا قد أيدوا هذه المقولات وزرعوها في الوعي العربي والإسلامي. ومن ما يحز في النفس أن كثيرا من مثقفينا المعاصرين وبالرغم من ظهور المكتشفات والدراسات الحديثة من قبل مؤرخين جادين التي ترفض وتدحض هذه المقولات جملة وتفصيلا، فإنهم يصرون على ترديد هذه المقولات وإلى جانب الخلط بين مصطلحات مختلفة مثل اليهود والإسرائيليين والعبرانيين فإنهم يساعدون بدون دراية على دعم مقولة الصهاينة بالحق التاريخي والإلهي في بلدنا.
يؤكد المؤرخون اليوم أنه قد جرى خطأ فاحش في قراءة وفهم النصوص الدينية، وأن الكيفية التي يرتبط بها " الكتاب المقدس" بالتاريخ قد تم فهمها فهما مغلوطا إلى حد كبير. ولأننا كنا نقرأ "الكتاب المقدس" ضمن سياق مغلوط بالتأكيد، ولأننا أسأنا فهم التوراة بسبب ذلك ، فإننا أحوج إلى البحث عن سياق أكثر ملائمة، وصار من الضروري مراجعة كبرى لكل فروع فهمنا فيما يتعلق بتاريخ الشرق الأدنى القديم.(توماس طومسون الماضي الخرافي: التوراة والتاريخ، ترجمة عدنان حسن ، راجعه زياد منى، نشر : قدمس للنشر والتوزيع، دمشق ، ط1، 2001 )
"التوراة " ليس تاريخا على الاطلاق. التوراة، تصنع تاريخا رديئا ، فما نعرفه حول هذا التاريخ وما يمكننا إعادة بنائه من الأدلة الأثرية يظهر تاريخا لسورية الجنوبية مختلفا جدا عن القصص" التوراتية". إن قصص الكتاب "التوراة" وأناشيده لا تخبرنا عن ما حدث في فلسطين في أي عهد، بل تخبرنا كيف كان الناس في هذه المنطقة يفكرون ويكتبون إنه مليء بالأمثولة وقصة العبرة، إنه لاهوت. ويمكننا أن نقول الآن بثقة كبيرة أن " التوراة " ليست كتابا تاريخا لماضي أحد . (نفس المصدر)
حتى في حالة وجود الدليل على أن التوراه قد جمعت وأعادت استخدام حكايات قديمة جدا من الماضي، ويؤكد أنه، حتى الدليل من نصوص خارج التوراة، الذي يثبت أن بعض الحكايات التوراتية مستمدة من مصادر قديمة جدا لا يثبت تاريخية هذه القصص، بل على العكس تماما، إنه يثبت تقديم التوراة لها بوصفها حكايات تخيلية عن الماضي.( الماضي الخرافي: ص: 54 ،60 )
أن جميع القصص التي تسبق أصول إسرائيل في شخص إبراهيم ، هي جزء من مثيولوجيا، مثلما تبين ذلك جيدا من مواز ياتها الرافدية.( جان بوتيرو بابل والكتاب المقدس،ترجمة روز مخلوف، دار كنعان دمشق، ط1 ،2000 ص: 226).
أن التاريخ لا يكتب بدون وثائق وحقائق تاريخية على الأرض، والمؤرخ لا يتدخل في المعتقدات: يكتفي بإنشاء المعطيات الحقيقية والقابلة للمعرفة،التي تقوم عليها المعتقدات، وذلك بالوسائل نفسها التي يستخدمها قاضي تحقيق، وللغاية نفسها التي يرمي إليها، وباعتبار أن الإيمان وسرعة التصديق كثيرا ما يترافقان، فإنه يحدث أن ينفض المؤرخ عرضا، عن المعطيات التي يقوم عليها الإيمان : أن يشترك به، يتجاهله،أو يحاربه، فإنه لا يفعل ذلك قط بصفته مؤرخا. المؤرخ يزود الجميع بالمجمل المساحي للماضي الحقيقي، وكل إنسان من بعده ، يتملى في هذا الماضي مثلما يريد.( نفس المصدر،ص: 225 )
لقد وصل الباحثون الجادون في الأعوام الأخيرة، إلى قناعة بأن إسرائيل قصة يعقوب الذي تصارع مع الرب والذي كان الأب لاثني عشر ولدا، أصبحوا جميعا بدورهم آباء قبائل إسرائيل الأثني عشرة، إنما هي شخصية من وحي الخيال، قائمة على الوجود المزعوم لإسرائيل بأسباطها الأثني عشر، وقليل من الباحثين يشكون اليوم في ذلك.. (طومسن:الماضي الخرافي،سبق ،ص: 95،147 ).
التاريخ كعلم بحفائره و آثاره الشاهدة يعرف تاريخ مصر جيدا، وقد انتهى إلى ترتيب تاريخها الزمني عبر أسرات ودول من( مينا) موحد القطرين مرورا ببناة الأهرام حتى الشناشقة والبطالمة. فأرض مصر تفيض بالحفائر والآثار والوثائق والمعلومات.
لقد ترك لنا المصريون القدماء مئات الألواح والرسومات والوثائق التي تتحدث بالتفصيل عن تاريخ مصر وملوكها وعلاقاتها الخارجية وحروبها مع الدول المجاورة. فاللوحة التي وجدت في معبد سيتي الأول و رمسيس الثاني تحدثنا بلغة هيروغلافية واضحة عن أسماء 76 ملكا مصريا والتي تبدأ بالفرعون (مينا) و تنتهي بالفرعون رمسيس الأول. أما اللوحة الثانية، من أيام رمسيس الثاني فإنها تحتوي على 48 اسما لفراعنة مصرين . هذا إلى جانب عدد كبير من لفائف البردى المتعددة الحجم والتي تحتوي على سجل بأسماء الملوك خاصة لفائف تورين الذي تحتوي على أسماء خمسين ملكا مصريا من الأسرة الأولى إلى الأسرة الثانية عشرة. إلى جانب ذلك فلقد وجد العديد من الوثائق التي تتحدث عن مدد محددة من تاريخ مصر، وتتألف من نقوش على المباني والمعابد والمسلات المصرية القديمة وعلى الأعمدة التذكارية والحاجات الشخصية وعلى الصخور وخاصة في البلدان التي غزاها المصريون و احتلوها وأيضا على شواهد قبور القادة والنبلاء ، كثير منها يحتوي على معلومات مفصلة لدرجة أنها تحتوي إلى جانب أسماء الملوك المحبوبين و كذلك أسماء كلابهم . ( فويتيخ زامورسكي: آلهة و ملوك مصر القديمة ،نشره باللغة السلوفاكية بيرفيكت- براتسلافا عام 2000 ، ص: 1-18 )
مصر تعج كذلك بالوثائق المكتوبة والتي تمكننا من فهم فنون مصر القديمة، مثل التماثيل و الرسوم والنقوش والمسلات ،و من بين أقدمها نصوص " أهرام ملوك الدولة القديمة" . و من الدولة الوسيطة نجد نصوص توابيت ما بين الطريقين من المقبرة التي تقع بجانب بيرشي غير بعيدة عن إشمونة، أما من الدولة الحديثة فلقد عثر على نصوص تحتوي على معلومات تفصيلية عن مختلف جوانب الحياة المصرية في تلك الفترة، كثير منها وجد في مقابر عاصمة الدولة الحديثة " واسط "، و من بين الوثائق المهمة و ذات القيمة التاريخية والفنية " كتاب الأموات " الذي يحتوي على مجموعة من النصوص تشرح تصور المصريين القدماء عن الحياة والموت و مملكة العالم السفلي.( زامورسكي : سبق ).
إلى جانب كل ذلك فإن مصر تعج بمئات الوثائق التي تحتوي على نصوص أدبية وفنية وعلمية وتعليمية ، تتحدث عن علم الحساب والطب والفلك و التجارة والاقتصاد والادارة وأخبار الحروب والفتوحات والقادة العسكريين والمفتشين والمحاكم مما ساعد علم التاريخ الحديث على رسم صورة دقيقة لتاريخ مصر القديم.. ( نفس المصدر) . كل ذلك دفع بالباحث زامورسكي للقول بأننا اليوم نملك صورة واضحة لتاريخ مصر القديم أوضح وأدق بكثير من الصورة التي لدينا عن تاريخ ممالك أوروبية مثل المملكة المورافية الكبيرة" في القرن التاسع الميلادي" . ( نفس المصدر)
لقد قامت جامعة كارل التشيكية المعروفة عام 1997 ، بإصدار موسوعة كاملة عن التاريخ المصري القديم، قام على تأليفها ثلاثة من أشهر علماء المصريات في الجمهورية التشيكية ( وعلم المصريات التشيكي له باع طويل يعرفه المختصون ) تتحدث الموسوعة عن تاريخ مصر القديم منذ نشوء الدولة إلى عصر البطالسة والرومان، كما تتحدث عن ملوك وممالك مصر القديمة وأهراماتها ووثائقها المكتوبة والمنقورة على الألواح والمسلات والقبور والجدران، وكل ما له علاقة بتاريخ مصر القديم بالقلم والصورة.
إن هذا التاريخ مع كل وثائقه التفصيلية إلى حد كبير، لا يذكر في وثائقه على الإطلاق، ولو إشارة، نبي أو أمير أو قائد باسم موسى ،أو لصبي من بني إسرائيل تبنته ابنة فرعون وربي في القصر الفرعوني وصار له شأن . كما لا يوجد أي ذكر لفرعون غرق وجيشه في البحر. على أهمية حدث من هذا النوع. كما لا يوجد اي إشارة أو ذكر لخروج موسى على رأس الآلاف من الإسرائيليين من مصر إلى سيناء.
السؤال المطروح الآن كيف يمكن أن تمر مثل هذه الحوادث و هذه الشخصيات البالغة الأهمية من دون أي ذكر لها في الوثائق المصرية؟ هل من المعقول أن تمر تلك الحوادث وتلك الشخصيات من دون ذكر لها في هذه الوثائق التي شرحت كل شاردة وواردة من جميع جوانب الحياة المصرية، لو أن هذه الحوادث كانت قد حدثت فعلا كما تحدثنا عنها التوراة ولو أن هذه الشخصيات كانت فعلا تاريخية و ليست مختلقة أو أسطورية؟
في رسالته للدكتوراه يجمع ألبير دو بوري و ويناقش أبحاث أكبر المؤرخين والمفسرين المعاصرين وبشكل خاص : ألبرت آلت و مارتن نوث و فون راد والأب ر.دو فو . يقول : يقدم لنا الرواة التوراتيون ، تاريخ أصول إسرائيل ، كما لو أنه كان سلسلة من العهود المحددة، وهكذا فإن كل الذكريات والحكايات والأساطير والقصص أو القصائد التي وصلت إليهم عن طريق الروايات الشفهية، تُدخَل في إطار أجيال وأزمنة محددة . وعلى ما يتفق عليه أكثر المؤرخين المعاصرين ، فإن هذه الصورة ملفقة إلى حد بعيد .( عن كتاب روجيه جارودي : الأساطير التي تقوم عليها السياسة الاسرائيلية، ترجمة ، ا.جمالي و س . جهيم، 1996 ص: 39 )
وقامت السيدة فرانسواز سميث عميدة كلية اللاهوت البروستانتية بتلخيص أعمال التفسير المعاصر، وفقا لنظريات ألبرت دو بوري وكتبت تقول : " إن البحث التاريخي قد رد إلى مجرد الوهم ، تلك التصورات التقليدية عن الخروج من مصر ، وغزو كنعان ، والوحدة القومية الإسرائيلية قبل المنفى ، والحدود الدقيقة . إن الوصف التاريخي التوراتي لا يعلمنا عن ما يرويه شيئا ، ولكنه يعلمنا أشياء وأشياء عن الذين صنعوه." ( عن جارودي، سبق،ص 40 )
لم يجد الباحثون كذلك أي ذكر في وثائق المنطقة لقائد اسمه يشوع دخل على رأس بني إسرائيل إلى فلسطين ودمر مدنها وقتل نساءها وأباد نسلها وزرعها. ولقد اعتبر المؤرخون شخصية يشوع من الشخصيات التوراتية الأسطورية الغير تاريخية، ولم يستطع التوراتيون حتى إثبات حقيقة الغزو البدوي الإسرائيلي إلى فلسطين، ولم يوجد في أثار المنطقة أي أثر على مثل هذا الاكتساح والتهديم والابادة .( بريتشارد .ي . ب : تاريخ جيبون في ضوء الحفريات ، أكسفورد ، 1959 .عن توماس ل تومسون :التاريخ القديم: نفس المرجع)
رغم الهوس الحفائري لحكام إسرائيل الحالية، ورغم الجهود المضنية لعلماء آثارها المحليين والأصدقاء الأوروبيين والأمريكان ، نجد الأرض قاحلة بأي معلومات ذات شأن عن إسرائيليي التوراة في فلسطين .
التاريخ كعلم بوثائقه المتنوعة في مصر و بين الرافدين و في فلسطين والشرق الأدنى لا يعرف عظيما باسم ( شاؤول ) وحد القبائل الاسرائيلية و أقام لإسرائيل مملكة في فلسطين . وهذا العلم لا يعرف شيئا عن محارب أو ملك أو نبي باسم ( داود ) أقام لإسرائيل مملكة عظيمة أو حتى صغيرة، ولم ترد في وثائق هذا العلم على كثرتها في المنطقة أي إشارة لملك حكيم حاز شهرة فلكية باسم ( سليمان ) كان من أشهر ملوك العالم ، وكان الملوك يأتونه من جميع أرجاء الأرض ولا عن مملكة أسطورية عظمى في المنطقة باسم دولة أو مملكة سليمان التي بلغت مساحة أراضيها حسب الرواية التوراتية من الشام إلى مصر والاردن .
يؤكد طومسون أن البيانات المستخلصة من الأركيولوجيا تقدم أدلة واضحة ضد وجود أي بنى سياسية غير إقليمية في مرتفعات فلسطين وبذلك ترفض وجود أي دولة قومية إسرائيلية في فلسطين.(نفس المصدر، ص: 211 ) . و يؤكد ذلك أخبار حملات الملك المصري شيشنق على فلسطين في أواخر القرن التاسع ق.م حيث لم يرد أي ذكر فيها ليهوذا ولا أورشليم (القدس) أو أي عاصمة أخرى محتملة في المرتفعات الوسطى تستدعي اهتمام شيشنق. وكانت التوراة قد ذكرت في نصوصها أن الفرعون شيشنق قد قام بحملة على دولة يهودا في فلسطين حيث أخذ خزائن بيت الرب ، وخزائن الملك ، وأخذ كل شيء. سفر الملوك 1 /14 . وهو ذات الفرعون الذي قالت التوراة، أنه كان صهر الملك سليمان، وأن سليمان طلب منه مساعدته للاستيلاء على مدينة جازر الفلسطينية الساحلية ، فأرسل إليه شيشنق بضعة كتائب مصرية احتلتها له و قدمتها له هدية . ولكن تاريخ الفرعون شيشنق المكتوب يذكر أخبار الحملة التي قام بها على فلسطين ، ويذكر جدول بالمدن التي هاجمها ، ولكن دون أن يذكر كلمة إسرائيل إطلاقا ولا يذكر كذلك كلمة يهوذا ولا حتى أورشليم . ( طومسون : التاريخ القديم، نفس المصدر. )
يتابع طومسن قوله بأن السؤال المطروح اليوم هو ما إذا كان " الكتاب"( التوراة) بقصصه يتحدث حول ماضي بالمرة، والنقطة التي تعين فهمها هي أن قصص التوراة حول شاول وداود وسليمان ليست تاريخ بالمرة،وأن التعامل معها كما لو كانت تاريخا يعني سوء فهمها.( نفس المصدر ً ص:327 ).
عندما نفترض أن هذه الحكايات هي حكايات تاريخية،فإننا نقوض الهدف الذي كتبت لأجله القصص ونمنعها من القيام بوظيفتها القصصية.إننا ندمر قيمتها اللاهوتية ونمنع أي شخص من قراءتها على نحو عقلاني.( مقال لتوماس طمسن: من كتاب الجديد في تاريخ فلسطين، سبق. ص: 48 )
ويؤكد طمسن من جديد أن النصوص التوراتية المركزية للسجال عن التاريخ والتوراة اليوم لم تعد هي قصص الخلق التي تدور عن إبراهيم وموسى ،وغزو يشوع أو حتى القصص عن الملكية الموحدة في ظل داود وسليمان، فكل الحكايات قد جرى الإعتراف من معظم المؤرخين المعاصرين بأنها غير تاريخية (ص:52 ). إن سفر الملوك هو عمل أسطوري، يستخدم الحكاية المأساوية لبناء داود نموذجا إرشاديا لصراع البشرية مع الصلف، التي هي ربما الثيمة الأكثر مركزية للأدب القديم.(ص:61 )
يبين الباحث نيلز لمكة، أن عصر مملكة داود وسليمان المتحدة، هي أسطورة عن ماض ذهبي لم يكن له وجود أبدا(من مقال لمكة من كتاب: الجديد في تاريخ فلسطين، ص: 138 ).
أن الدارس الإسرائيلي يعد الأفكار المتناقلة من العهد القديم تاريخا، لأن هذه القصص تسوغ وجوده الخاص، أي ادعاءه بأنه لكونه من سلالة الإسرائيلين ، فهو يمتلك الحق في أن يكون فردا في الدولة اليهودية في فلسطين.(نفس المصدر، ص: 134 ) ويؤكد انه من وجهة نظر تاريخية ليس لليهودية الحديثة أي حق في امتلاك أرض فلسطين. وادعائهم أنه كان لهم ارتباط عاطفي مع "بلادهم القديمة" ليس لها أي وزن قانوني. إنها التسويغ الذاتي لليهودية لا أكثر ولا أقل. ( لمكة:سبق، ص: 137 )
وفي القسم الثاني من كتابه "التاريخ" كتب المؤرخ الإغريقي "هردت" عن عادة ختان الذكور الآتي:
"إن الشعوب الوحيدة التي تمارس ختان(حرفيا بتر)أعضاءها التناسليةهم الكلخ والمصريون والأثوبيون. لكن الفنيقيين وأولئك السوريين الذين يقطنون فلسطين يعترفون بأنهم تعلموا ذلك (أي الختان)من المصريين.وفيما يتعلق بأولئك السوريين الذين يعيشون على ضفاف نري ثرمدون وبالرثنيس، وكذلك جيرانهم المقرونيون فإنهم يقولون إنهم تعلموه من الكلخ.
ومن المعروف أن المؤرخ الإغريقي الذي عاش في القرن الخامس قبل التاريخ الشائع، والذي يعرف باسم "أبو التاريخ"، قد زار مصر انطلاقا من بلاده اليونان،عبر بلاد الشام، وانطلق من هناك إلى بابل ، وكتب كتابه اعتمادا على ما رآه بنفسه وما سمعه من أهل البلاد والأقاليم التي مر بها. وكما رأينا فإن المؤرخ حتى في كتابته عن الختان الذي يمارسه اليهود اليوم لم يذكر أي كلمة عن الإسرائيليين أو العبرانيين أو اليهود، مما يدل دلالة قاطعة أنه أثناء طوافه في البلاد لم يلتق بهم ولم يسمع عنهم ولو كانوا وجدوا لذكرهم. ولكننا نرى أنه لم يقم على ذكرهم إطلاقا بدلالة عدم وجودهم.
لقد اعترف بعض علماء الآثار والتاريخ في إسرائيل بهذه الحقيقة وعلى رأسهم عالم الآثر والمؤرخ الإسرائيلي إسرائيل فنكلشتاين الذي أكد في كتابه " التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها" والذي قام بتاليفه بالإشتراك مع المؤرخ ألأمريكي نيل سيلبرمان وترجمه إلى العربية سعد رستم وصدر عن دار الأوائل في دمشق عام 2005. يقول الكتاب أن رواية التوراة لحياة الآباء هي قصة فلسفية عن العلاقة بين الله والبشر, عن الإخلاص والطاعة،عن الإيمان والتقوى، عن الحق والباطل،عن الفسوق والفجور. ولكن البحث عن الآباء التاريخيين بقي بلا نتيجة وأثبت في النهاية إخفاقه. وان التاريخ الذي جرى بنايته، تم إسقاطه على حياة الآباء الأسطوريين في ماض أسطوري . ويؤكد الكتاب أن قصة الخروج الإسرائيلي من مصر كما تصفه التوراة يتناقض مع علم الآثار ولم يتم اكتشاف حتى شقفة فخارية واحدة وحيدة في سيناء لتدل حتى على جماعة صغيرة جدا من الهاربين.
أما ألدتور شلومو ساند البروفيسور في جامعة تل أبيب فإنه في كتابة الأخير " متى وكيف اختلق الشعب اليهودي" والذي ضرب رقما قياسيا في مبيعاته يؤكد أن القومية اليهودية هي ميثولوجيا ولقد جرت فبركته قبل مئة عام من أجل تبرير إقامة الدولة الإسرائيلية . ويؤكد أن اليهود لم يطردوا من الأراضي المقدسة و معظم يهود اليوم ليست لهم أي أصول عرقية في فلسطين التاريخية، وأن الحل الوحيد هو إلغاء الدولة اليهودية إسرائيل.
لقد قام اليهود والتوراتيون بتلفيق تاريخ فلسطين وحملت وسائل الإعلام المسيسة هذا التلفيق وزرعته في الوعي البشري حتى صار دارجا على ألسنة العامة والمختصين. فمثلا المؤرخ يوسفيوس فلافيوس الذي عاش في اوائل القرن الثاني الميلادي في فلسطين كتب كتابا باللغة اليونانية عنوانه "حروب يهوذا " ويهوذا اسم كان يطلق على منطقة في فلسطين وسكان هذه المنطقة كان يطلق عليهم "يهوذيون". وهو اسم ليس له أي دلالة عرقية أو دينية، تماما كما نقول اليوم نابلسيون وخليليون. ولكن المترجمين الغربيين أطلقوا على الكتاب اسم " الحروب اليهودية" وعلى مؤرخ الكتاب "المؤرخ اليهودي فلافيوس" مع أن فلافيوس نفسه لم يطلق على نفسه هذا اللقب وكتب في مذكراته أنه من القدس ومن عائلة فريزية..
ويمكننا أن نورد مثلا آخر على تلفيق التاريخ الفلسطيني وإقحام إسم اليهود في هذا التاريخ إقحاما تلفيقيا. ففي رسالة من حاكم في فلسطين يدعى عبدو حفا( محفوظة في المتحف المصري تحت رقم 190- EA،) إلى فرعون مصر يعتقد أنه أخناتون يشكو فيها الحاكم لفرعون بأن الخابيرو يهددون حدود مملكته، وكانت فلسطين في القرن الرابع عشر قبل الميلاد تحت وصاية مصر. ولقد قام التوراتيون بترجمة قسرية لكلمة خبيرو وقرروا أن الخبيرو هم العبرانيون المذكورون في التوراة. ثم انتهى بهم المطاف لاستبدال الكلمة باليهود وهنا أصبحت الرسالة تنطق بما لا تنطق، حتى أن مؤرخا معروفا كالمؤرخ الريطاني برستند يكتب تحت صورة الوثيقة " أنها رسالة من عبدو حفى إلى فرعون يشكو فيها من أن اليهود يهددون حدود مملكته. وهكذا وبقدرة قادر أصبح الخفيرو (وتعني العصابات أو قاطعي الطرق)هم اليهود ليثبتوا أن اليهود وجدوا في فلسطين في القرن الرابع عشر قبل الميلاد.
بعد هذا كله أليس من الغريب أن يصر كثير من المؤرخين العرب المعاصرين على أرخنة الرموز الإسرائيلية وتحويلها إلى بشر من لحم ودم لهم تاريخ وواقع على الأرض. تماما كما فعل اليهود وأصدقائهم الؤرخون التوراتيون، من أجل تسويغ غزوهم لفلسطين. فلقد كان اليهود في حاجة ماسة إلى تاريخ يبشر بغزو فلسطين وإبادة أهلها. لقد لجأ الؤرخون التوراتيون إلى كل الوسائل الممكنة من أجل تأويل الآثار التي عثر عليها في فلسطين وفي منطقة الشرق الأوسط لكي تنطق بمعلومات لا تبوح بها لمطابقتها قصرا بالحدث التوراتي. لقد خلقوا تاريخا مزيفا وقدموه على أنه حقيقة. وجاء كتبة التراث الإسلامي ومن بعدهم المؤرخون العرب لكي يدعموا هذا التزييف.
بعد هذا كله لا يحق لأي مثقف عربي مهما كان دينه أو طائفته أن يدعي بوجود اليهود في مصر الفراعنة أو أنهم خرجوا بقيادة موسى إلى فلسطين وأنهم غزوا بقيادة يشوع أرض فلسطين وأن اليهود أسسوا دولة في فلسطين بقيادة داوود ومن ثم سليمان لأنها جميعها إدعاءات كاذبة. وإذا تمترس أحدهم خلف النصوص والقصص الدينية وتفسيرها التراثي فإن هذا لا يعطيه الحق ولا العذر لكي يخلط إسرائيلي القصص الدينية باليهود .




#نضال_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصديقة
- الحائرة
- عقال الباشا
- الملاك
- هل هناك حياة أخرى موازية لحياتنا على الأرض؟
- تعالوا نحطم مرايانا
- كيفية ظهور - الله- في الوعي العربي
- بعض من الحكم التاوية
- أمنية
- المعتقدات الدينية الصينية وفلسفة الوجود
- الآخر في الديانة اليهودية
- التوراة في الفكر الديني الإسلامي : كتاب مقدس أم محرف ؟
- عندما يصبح غصن الزيتون رمزا للمقاومة
- القصص القرآنية بين التاريخ والخرافة
- المتاهة
- الوداع الأخير للحب الأول والأخير
- العار
- أم الشهداء
- يوم عادي من يوميات فلسطيني
- أشجار الزيتون ستظل في فلسطين واقفة (قصة قصيرة)


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نضال الصالح - كيف جرى تزوير تاريخ فلسطين والشرق الأدنى القديم